فضاءات يوب

يوب

فضاء التربية والتعليم

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدية
enamiyoub
مسجــل منــــذ: 2011-09-09
مجموع النقط: 187.51
إعلانات


كيف تكون معلماً ناجحاً ؟

لقد عملت في التدريس طيلة العشر سنوات الماضية، عملت خلالها في مدارس عامة وفي جامعات، كما عملت في برامج فوق المنهج الدراسي وفي فصول محو الأمية للكبار. كان أصغر تلاميذي طفلاً صغيراً يبلغ من العمر ست سنوات، وكان أكبرهم مهاجرة جامايكية بدأت في سن الثالثة والستين تتعلم كيف تكتب وتقرأ. وقد قمت بتدريس طلاباً بدرجة الامتياز في كلية العلوم الإنسانية وآخرين متأخرين بشكل كبير بمدرسة ثانوية عامة.
إن اتساع خبرتي وتجاربي قد أثرت حياتي في التدريس كثيراً، لكنها تركتني دون ترفيه ورغد قد يتمتع به بعض زملائي. لقد كنت أعرف ما يحتاجه طلابي كلما خطوت إلى حجرة درس جديدة في فصل دراسي جديد كما كنت أعرف أفضل الطرق التي أبادلهم ذلك الأمر. هذا لا يعني أنني كنت أدخل حجرات الدرس مغمضة العينين، بل كان لدي في معظم الحالات لدي ما يكفي من الوقت لجمع ما كان يبدو مواد مناسبة وأكتشف شيئاً عن الطلاب الذين سأكون معهم بعد قليل. ما لم يكن لدي هو مقدار التشابه الخطير الذي يحدث للمعلم الذي يبقى في نفس الظروف وفي نفس المستوى ولعدد من السنوات على التوالي، إذ لا يمكنني أن أفترض البتة أن ما كان ناجحاً ومفيداً في الفصل الدراسي الماضي سيكون كذلك هذه المرة.
ونتيجة لوضعي المتغير باستمرار، فقد قضيت وقتاً طويلاً أفكر في هذه المهنة وفي م****تها ، بمعزل عن محتوى المناهج وأعمار الطلاب وحجم حجرات الدرس والمحيط المؤسسي. وفي كل مكان أذهب إليه أقابل معلمين مثاليين وقد كنت مهتماً جداً بالأسباب التي جعلتهم كذلك. وكان ما اكتشفته هو بعض التشابه الفطري والمتأصل بين أولئك المعلمين الجيدين - بغض النظر عن الاختلافات الجوهرية بينهم من حيث الشكل والشخصية والأهداف ونمط التفاعل مع الطلاب بل أود أن أذهب بعيداً إلى حد القول أن لدى المعلمين الجيدين في جميع الظروف وفي كل المستويات قواسم مشتركة تربطهم مع بعضهم البعض أكثر مما قد يكون بين زملائهم في وظائف مماثلة.
ولكي تفهم العبارة الجريئة أعلاه جرب التمرين الآتي: أجلس بارتياح وأغمض عينيك ثم حاول أن تستعيد في ذاكرتك أسماء ثلاثة من أفضل معلميك ، وحاول أن تتذكر كيف كانوا ، كيف كانوا يتحدثون ويتصرفون وكيف كانت حجرات الدرس عندهم أو مكاتبهم وكيف جعلوك تشعر بأنك طالب. وعندما تصل إلى نتيجة مقنعة حول أولئك الثلاثة افتح عينيك وتمعن جيداً في الكلمات التالية التي قالها المعلم والفيلسوف "باركر بالمر" :-
"إن التدريس الجيد ليس اسلوباً. لقد طلبت من تلامذتي في جميع أنحاء البلاد أن يصفوا لي أفضل معلميهم. بعضهم وصف من يحاضرون طوال الوقت وبعضهم وصف من يبذلون جهداً أقل والبعض الآخر وصف كل شيء بين هذا وذاك. ولكن جميعهم وصف من لديهم شيء من القدرة على التواصل، الذين يصلون أنفسهم مع طلابهم ويصلون طلابهم مع بعضهم البعض ويصلون الكل بالمادة التي يقومون بتدريسها".
هل تجد أفضل معلميك في هذا الوصف؟ عندما نتحدث عن تدريس شخصٍ ما، فإننا نتناول قضايا مثل: الأسلوب، المحتوى، وطريقة عرض المادة، لكننا جميعاً نعرف أناساً لديهم معرفة هائلة لكنهم يفشلون في توصيلها: أناس لديهم دروس عظيمة على الورق فقط لكن طلابهم يشعرون بالملل والإحباط. وعندما نكون صادقين فإننا نعترف بأن التدريس الجيد في كثير من الأحيان له علاقة غير كبيرة بمقدار معرفتنا ومهاراتنا مقارنة بموقفنا تجاه الطلاب وتجاه المادة وتجاه العمل نفسه.
سنتناول في بقية هذه المقال بعض الخصائص التي يتمتع بها المعلمون الجيدون، وليس المقصود أن تكون هذه الخصائص شاملة أو نهائية، فقد يمتلك كثيرٌ من المعلمين الجيدين بعض هذه الصفات ويعتبرون بقية الصفات غير ذات قيمة. إن الخصائص الواردة هنا بشيء من التفصيل ربما تكون ببساطة مجموعة من الأدوات التي تسمح للمعلمين إيجاد التواصل والحفاظ عليه في حجرات الدرس.
فالمعلمون الجيدون:
? لديهم شعور بالهدف.
? لديهم توقعات بالنجاح لكل الطلاب
? متسامحون تجاه الغموض
? يظهرون الرغبة والاستعداد للتكيف والتغير لتلبية احتياجات الطلاب
? لا ينزعجون من عدم المعرفة
? يفكرون في عملهم
? يتعلمون من النماذج المتنوعة
? يستمتعون بعملهم وبوجودهم مع طلابهم
1- لديهم شعور بالهدف:
لن تستطيع أن تكون جيداً بشكل عام، عليك أن تكون جيداً بعض الشيء. وكمعلم هذا يعني أنك تعرف ما يتوقعه طلابك وأنك تضع خططاً لتلبية تلك الاحتياجات، ولديك أيضاً توقعات حول ما يحدث في حجرة الدرس خاصتك، استناداً على الأهداف التي تحاول تحقيقها. فإذا كنت تعد طلابك للوظيفة فإنك تتوقع منهم الدقة في المواعيد والالتزام بالحضور. وإذا كنت تدرس طلاباً يستعدون لنيل الدبلوم التعليمية العامة فإنك ستنفق الوقت في شرح شكل الاختبار وفي مساعدة الطلاب لتحسين مهارات الإجابة فيه. وإذا كنت تعد طلابك كي يكونوا قراء جيدين فإنك ستتيح لهم الوقت الكافي للقراءة وتوفر لهم فرص الحصول على الكتب.
2- لديهم توقعات بالنجاح لكل الطلاب:
وهذه أكبر مفارقة في التدريس. فإذا كنا نضع تقييمنا الشخصي بصورة بحتة على نجاح طلابنا فإننا سنصاب بخيبة أمل. ففي كل المستويات - خاصة في تعليم الكبار - هناك عوامل كثيرة جداً في حياة الطلاب بالنسبة للمعلم كي يكون قادراً على ضمان النجاح للجميع. وفي نفس الوقت إذا كان لنا أن نتخلى عن طلابنا ونتبنى القضاء والقدر قائلين: "هذا خارج عن استطاعتي أو هذا ليس بمقدوري" فإن طلابنا سيشعرون بعجزنا عن التزامنا. إن الحل الوسط هو ما يمكن تحقيقه من خلال السؤال البسيط: هل قمت بكل ما في وسعي في حجرة الدرس في هذا الوقت لتلبية احتياجات جميع طلابي بافتراض أن النجاح الكامل كان أمراً ممكناً؟ وطالما يمكنك الإجابة على هذا السؤال ببالإيجاب فإنك ستخلق مناخاً للنجاح.
3- يعرفون كيف يتعايشون مع الغموض
إن واحدة من أعظم التحديات في التدريس نابعة من عدم وجود الملاحظات الدقيقة الفورية. إن الطالب الذي يخرج اليوم من حجرة الدرس وهو يهز رأسه ويهمهم حول مادة الجبر ربما يندفع إلى داخل حجرة الدرس غداً معلناً انتصاره على مادة الرياضيات ويشكرك على ما قمت به في الدرس السابق. ليست هناك طريقة للتنبوء بدقة عما ستكون عليه النتائج بعيدة المدى لعملنا. ولكن إذا كنا نملك الشعور بالهدف الذي يوضح خيارنا للاستراتيجيات والمواد وكنا نحاول أن تكون هناك توقعات بالنجاح لكل الطلاب فإننا سنكون أقل عرضة للإسهاب في عدم القدرة على التنبوء ونختار بدلاً من ذلك أن نركز على ما يمكننا التحكم فيه وأن نثق أن الإعداد الجيد والمدروس يحرز نتائج جيدة.
4- يتأقلمون ويتغيرون لتلبية احتياجات الطلاب:
هل يمكننا حقاً أن ندعي أننا قد قمنا بتدريس الفصل مادة الجغرافيا إن لم يكن هناك من بين الطلاب من تعلم أي من مفاهيم الدرس من خلال العرض الذي قدمناه؟ وإذا لم يكن أي من طلابنا قد تناول كتاباً خارج حجرة الصف، فهل نكون قد علمناهم كيف يكونون قراءً جيدين؟ .. إننا لا نفكر دائماً في هذه القضايا لكنها تشكل لبَّ التدريس الفعال. إن التحضير الجيد للدرس والدرس الجيد نفسه أمران مختلفان تماماً، وإنه من الجيد أن يتبع أحدهم الآخر لكننا جميعاً نعلم أنه لا يحدث ذلك دائماً. إننا ندرس كي يتعلم الطلاب وعندما لا يحدث ذلك التعلم فإننا نكون في حاجة إلى وضع استراتيجيات جديدة، وأن نفكر في أساليب جديدة، وبصورة عامة فإننا نقوم بكل ما هو ممكن من أجل إحياء عملية التعلم. إنه لأمر رائع أن يكون لدينا منهجية جيدة ولكن من الأفضل أن يكون الطلاب مشاركين في التعلم الجيد.
5- يفكرون في عملهم:
ربما تكون هذه الميزة هي الوحيدة الناجعة والمشتركة بين جميع المعلمين الجيدين، لأنه بدونها لن تؤتي أي من الخصائص الأخرى التي ناقشناها أكلها بشكل جيد. إن المعلمين الجيدين يفكرون ويتأملون بشكل روتيني في فصولهم وفي طلابهم وفي أساليبهم والمواد التي يقومون بتدريسها. إنهم يقومون بالمقارنة دائماً، ويلحظون أوجه الشبه والاختلاف ويراجعون ويثبتون ما هو صحيح ويزيلون ما هو غير ذلك. إن إخفاقنا في ملاحظة ما يجري داخل حجرات الدرس على أساس يومي يبعدنا عن عملية التدريس والتعلم لأنه من المستحيل أن نوجد الاتصال إذا كنا قد أبعدنا أنفسنا.
6- لا ينزعجون من عدم المعرفة:
إذا فكرنا وتأملنا بصدق فيما يحدث داخل حجرات الدرس الخاصة بنا فإننا سنجد - في كثير من الأحيان - معضلات لا يمكننا حلها على الفور وأسئلة لا يمكننا الإجابة عليها. وقد اقترح الشاعر الشاب راينر ماريا ريلك في بعض كتاباته ما يلي: "حاول أن تحب الأسئلة نفسها كما لو أنها كانت أبواباً موصدة أو كتباً مخطوطة بلغة غريبة جداً.. عش الأسئلة .. وبعد فترة من الزمن - ربما في يوم بعيد في المستقبل - ودون أن تلاحظ ستجد طريقك تدريجياً نحو الجواب" (1986 صفحة 34-35). وبنفس الطريقة سنستفيد من تدريسنا إذا استطعنا أن نعيش لبرهة من الوقت مع سؤال ما، نتأمل ونلاحظ ثم نترك الإجابة تتشكل استجابة لحالة معينة نواجهها.
7- لديهم قدوة ونموذج جيد:
فكر مرة أخرى في أفضل ثلاثة معلمين لديك. كيف تشكل تدريسك أنت بتدريسهم هم - بوعيٍ منك أو دون وعي؟ وفكر أيضاً في أسوأ معلم صادفته في حياتك .. هل هناك أشياء لم تفعلها على الإطلاق لأنك تتذكر كيف أنها كانت مدمرة بالنسبة لك ولزملائك في الصف؟ إننا نتعلم كيفية التدريس تدريجياً ، ونستوعب الأفكار والم****ات من مصادر متنوعة. كم فيلماً رأيته كان المعلم أحد شخصياته؟ وكيف ساهمت تلك الأفلام في تدريسك؟ إننا لا ننتبه دائماً للمؤثرات التي تؤثر في تدريسنا جيدة أو غير ذلك لكن التفكير في النماذج المختلفة من التدريس التي اكتسبناها والنظر في كيفية اكتسابنا لها يجعلنا قادرين بشكل أفضل للتكيف والتغير كي نجابه التحديات الجديدة.
8- يستمتعون بعملهم مع طلابهم:
ربما تكون هذه الميزة واضحة، ولكن رغم ذلك من السهل أن نغفل عن أهميتها. إن المعلمين الذين يستمتعون بعملهم وبوجودهم مع طلابهم يكونون محفزين ونشطين ومبدعين دائماً. إن عكس التمتع التبلد، حيث لا أحد ولا شيء يثير الاهتمام. لاحظ أيضاً أن استمتاعك بالعمل وبوجودك بين طلابك يمكن أن يكونا شيئين مختلفين. فالتركيز الكثير على المحتوى قد يجعل الطلاب يشعرون تجاهه بالغرابة وقد يساء فهمه أو يستبعدونه. وكذلك التركيز الشديد على الطلاب دون النظر إلى المحتوى ربما يجعل الطلاب يشعرون بالفهم والتقدير لكن ذلك لن يساعدهم في تحقيق أهدافهم التعليمية بالسرعة التي يرغبون. إن تحقيق التوازن بين النقيضين يستغرق وقتاً واهتماماً: إنه يتطلب أن نلاحظ عن كثب ونقيم بعناية ثم نتصرف بناء على النتائج.
وأود أن أختم هذا المقال بقصيدة للشاعر والباحث الصيني لاو تزو، وإنني أحمل معي نسخة من هذه القصيدة منذ عدة سنوات لأنني أجد فيها رسالة مفيدة ومشجعة لأنها تذكرنا أن التدريس الجيد ليس حالة ثابتة بل هو عملية مستمرة. إن لدينا فرصاً جديدة كي نصبح معلمين جيدين كل يوم، وإن المعلمين الجيدين هم الذين يغتنمون من الفرص أكثر من التي تفوتهم:
يقول البعض أن تدريسي هراء
وآخرون يقولون إنه نبيل ولكن غير عملي
ولكن لأولئك الذين نظروا داخل أنفسهم
فذاك الهراء يصنع شعوراً بالكمال
ولأولئك الذين يريدونه عملياً
هذا النبل له جذور تغوص عميقاً
** ** **
لدي ثلاثة أشياء لأدرسها:
البساطة، الصبر ، والرحمة
البساطة في الأفعال والأفكار
تعود إلى مصدر الوجود
كن صبوراً مع الأصدقاء والأعداء على السواء
كي تنسجم مع الأشياء كما هي
كن رحيماً تجاه نفسك
تسترضي كل من في العالم

تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة