من قصائد محمود درويش عن جرح الوطن العربي (فلسطين)
من قصائد محمود درويش عن جرح الوطن العربي (فلسطين)
جبين و غضب...
وطني يا أيّها النسر الذي يغمد منقاره اللهب
في عيوني،
أين تاريخ العرب؟
كل ما أملكه في حضرة الموت:
جبين و غضب.
و أنا أوصيت أن يزرع قلبي شجرة
و جبيني منزلا للقبّرة.
وطني، إنّا ولدنا و كبرنا بجراحك
و أكلنا شجر البلّوط..
كي نشهد ميلاد صباحك
أيّها النسر الذي يرسف في الأغلال من دون سبب
أيّها الموت الخرافي الذي كان يحب
لم يزل منقارك الأحمر في عينّي
سيفا من لهب..
و أنا لست جديرا بجناحك
كل ما أملكه في حضرة الموت:
جبين.. و غضب !
كان الخريف يمرّ في لحمي جنازة برتقال..
قمرا نحاسيا تفتته الحجارة و الرمال
و تساقط الأطفال في قلبي على مهج الرجال
كل الوجوم نصيب عيني ..كل شيء لا يقال..
و من الدم المسفوك أذرعة تناديني: تعال!
فلترفعي جيدا إلى شمس تحنّت بالدماء
لا تدفني موتاك!.. خليهم كأعمدة الضياء
خلي دمي المسفوك.. لافته الطغاة إلى المساء
خليه ندا للجبال الخضر في صدر الفضاء!
لا تسألي الشعراء أن يرثوا زغاليل الخميله
شرف الطفولة أنها
خطر على أمن القبيلة
و أهنيء الجلاد منتصرا على عين كحيلة
كي يستعير كساءه الشتوي من شعر الجديلة
مرحى لفاتح قرية!.. مرحى لسفاح الطفوله !..
يا كفر قاسم!.. إن أنصاب القبور يد تشدّ
و تشد للأعماق أغراسي و أغراس اليتامى إذ تمد
باقون.. يا يدك النبيلة، علمينا كيف نشدو
باقون مثل الضوء، و الكلمات، لا يلويهما ألم و قيد
يا كفر قاس!
لمغنّيك، على الزيتون، خمسون وتر
و مغنيك أسير كان للريح، و عبدا للمطر
و مغنيك الذي تاب عن نوم تسلّى بالسهر
سيسمي طلعة الورد، كما شئت، شرر
سيسمّي غابة الزيتون في ، ميلاد سحر
و سيبكي، هكذا اعتاد
آه يا خمسين لحنا دمويا
كيف صارت لركة الدمّ نجوما و شجر؟
الذي مات هو القاتل يا قيثارتي
و مغنيك انتصر!
ودعي خمسين جرحا يتوهّج
كفر قاسم..
قرية تحلم بالقمح ،و أزهار البنفسج
و بأعراس الحمائم
_أحصدوهم دفعة واحدة
أحصدوهم
آه يا سنبلة القمح على صدر الحقول
و مغنيك يقول:
ليتني أعرف سر الشجره
ليتني أدفن كل الكلمات الميته
ليت لي قوة صمت المقبرة
يا يدا تعزف، يا للعار! خمسين وتر
ليتني أكتب بالمنجل تاريخي
و بالفأس حياتي،
وجناح القبره
كفر قاسم
فدعيني أستعر صوتي من جرح توهّج
و أعينيني على الحقد الذي يزرع في قلبي عوسج
علمتني ضربة الجلاد أن أمشي على جرحي
و أمشي..
ثم أمشي ..
و أقاوم!