الحياء
الحياء من الله: -
فالمقصود أن الحياء من الله يكون باتباع أوامر الله واجتناب نواهيه ومراقبة الله في السر والعلن. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(استحي من الله تعالى كما تستحي من الرجل الصالح من قومك (صحيح الجامع). وهذا الحياء يسمى حياء العبودية الذي يصل بصاحبه إلى أعلى مراتب الدين وهي مرتبة الأحسان الذي يحس فيها العبد دائماً بنظر الله إليه وأنه يراه في كل حركاته وسكناته فيتزين لربه بالط...اعات. وهذا الحياء يجعله دائماً يشعر بأن عبوديته قاصرة حقيرة أمام ربه لأنه يعلم أن قدر ربه أعلى وأجل. قال ذو النون: ( الحياء وجود الهيبة في القلب مع وحشة مما سبق منك إلى ربك ) وهذا يسمى أيضاً حياء الإجلال الذي متبعه معرفة الرب عز وجل وإدراك عظم حقه ومشاهدة مننه وآلائه. وهذه هي حقيقة نصب الرسول صلى الله عليه وسلم وإجهاد نفسه في عبادة ربه.
ومن هذا الحياء أيضاً:
حياء الجناية والذنب: ومثال ذلك ما ذكره ابن القيم في كتابه مدارج السالكين. عندما فر آدم هارباً في الجنة فقال الله تعالى له: ( أفراراً مني يا آدم؟ فقال: لا بل حياء منك ) .
ومن أنواع الحياء من الله:
الحياء من نظر الله إليه في حالة لا تليق:
كالتعري كما في حديث بهز بن حكيم عندما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ ) فقال: { احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك }. قال: ( يا نبي الله إذا كان أحدنا خالياً؟ ) قال: { فالله أحق أن يستحي منه الناس }.
ولذلك عقد الإمام البخاري باباً سماه: ( التعري عند الاغتسال والاستتار أفضل( .
وقد ورد أن ابن عباس كان يغتسل وهو يرتدي ثوباً خفيفاً حياء من الله أن يتجرد.
وكان أبو بكر الصديق صلى الله عليه وسلم يقول: ( والله إني لأضع ثوبي على وجهي في الخلاء حياء من الله( .
وكان عثمان بن عفان لا يقيم صلبه عند الاغتسال حياء من الله.
وجاء رجل إلى الحسين بن علي رضي الله عنهما فقال له: أنا رجل عاصي ولا أصبر عن المعصية فعظني. فقال الحسين: ( افعل خمسة وافعل ما شئت ). قال الرجل: هات. قال الحسين: ( لا تأكل من رزق الله وأذنب ما شئت ). قال الرجل: كيف ومن أين آكل وكل ما في الكون من رزقه. قال الحسين: ( اخرج من أرض الله وأذنب ما شئت ). قال الرجل: كيف ولا تخفى على الله خافية. قال الحسين: ( اطلب موضعاً لا يراك الله فيه وأذنب ما شئت ). قال الرجل: هذه أعظم من تلك، فأين أسكن. قال الحسين: ( إذا جائك ملك الموت فادفعه عن نفسك وأذنب ما شئت ). قال الرجل: هذا مُحال. قال الحسين: ( إذا دخلت النار فلا تدخل فيها وأذني ما شئت ). فقال الرجل: حسبك، لن يراني الله بعد اليوم في معصية أبداً.
لقد بلغ الإيمان بالصحابة رضي الله عنهم أنهم أصبحوا يستحيون من الله في التقصير في النوافل وكأنهم قد ضيعوا الفرائض. قال الفضيل بن عياض: ( أدركت أقواماً يستحيون من الله سواد الليل من طول الهجيعة ).
قال يحيي بن معاذ: ( من استحى من الله مطيعاً استحى الله منه وهو مذنب ). أي من غلب عليه خلق الحياء من الله حتى في حال طاعته فهو دائماً يحس بالخجل من الله في تقصيره فيستحي أن يرى من يكرم عليه في حال يشينه عنده.
ثم قال يحيي بن معاذ: ( سبحان من يذنب عبده ويستحي هو ). وفي الأثر: ( من استحيا الله منه ) ويجدر هنا أن ننبه إلى أن حياء الرب صفة من صفاته الثابتة بالكتاب والسنة وهي كسائر صفاته عز وجل لا تدركها الأفهام ولا تكيفها العقول بل نؤمن بها من غير تشبيه ولا تكييف. وحياء الله عز وجل صفة كمال تدل على الكرم والفضل والجود والجلال.
ففي الحديث : (أن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صفراً ( وأيضاً : ( إن الله يستحي أن يعذب شيبة شاب في الإسلام( .
عجيب شأن هذا العبد المسكين لا يستحي من ربه وهو ينعم عليه آناء الليل وأطراف النهار مع فقره الشديد... والرب العظيم يستحي من عبده مع غناه عنه وعدم حاجته إليه.