جاء السحاب بلا مطر ... فاروق جويدة
جاء السحاب بلا مطر .
(فاروق جويدة )
..............
مازال يركض بين أعماقي
جواد جامح..
سجنوه يوما في دروب المستحيل
ما بين أحلام الليالى
كان يجري كل يوم ألف ميل
وتكسرت أقدامه الخضراء
وانشطرت خيوط الصبح في عينيه
واختنق الصهيل
من يومها ...
وقوافل الأحزان ترتع في ربوعي
والدماء الخضر في صمت تسيل
من يومها....
والضوء يرحل عن عيوني
والنخيل الشامخ المقهور
في فزع يئن .. ولا يميل
ما زالت الأشباح
تسكر من دماء النيل
فلتخبريني كيف يأتي الصبح
والزمن الجميل
فأنا وأنت سحابتان تحلقان
على ثرى وطن بخيل
من أين يأتي الحلم
والأشباح ترتع حولنا
وتغوص في دمنا
سهام البطش .. والقهر الطويل
من أين يأتي الصبح
والليل الكئيب على نزيف عيوننا
يهوى التسكع .. والرحيل
من أين يأتي الفجر
والجلاد في غرف الصغار
يعلم الأطفال
من سيكون منهم قاتل
ومن القتيل
لا تسأليني الآن عن زمن جميل
أنا لا أحب الحزن
لكن كل أحزاني جراح
أرهقت قلبي العليل
ما بين حلم خانني
ضاعت أغاني الحب
وانطفأت شموس العمر
وانتحر الأصيل
لكنه قدري
بأن أحيا على الأطلال
أرسم في سواد الليل
قنديلا وفجرا شاحبا
يتوكآن على بقايا العمر
والجسد الهزيل
إني أحبك
كلما تاهت خيوط الضوء عن عيني
أرى فيك الدليل
إنى أحبك
لا تكوني ليلة عذراء
نامت في ضلوعي
ثم شردها الرحيل
إني أحبك
لا تكوني مثل كل الناس
عهدا زائفا
أو نجمة ضلت وتبحث عن سبيل
داويت أحزان القلوب
غرست في وجه الصحاري
ألف بستان ظليل
والآن جئتك خائفا
نفس الوجوه
تعود مثل السوس
تنخر في عظام النيل
نفس الوجوه
تطل من خلف النوافذ
تنعق الغربان .. يرتفع العويل
نفس الوجوه
على الموائد تأكل الجسد النحيل
نفس الوجوه
تطل فوق الشاشة السوداء
تنشر سمها
ودماؤنا في نشوة الأفراح
من فمها تسيل
نفس الوجوه
الآن تقتحم العيون
كأنها الكابوس في حلم ثقيل
نفس الوجوه
تعود كالجرذان تجرى خلفنا
وأمامنا الجلاد .. والليل الطويل
لا تسأليني الآن عن زمن جميل
أنا لا ألوم الصبح
إن ولى وودع أرضنا
فالصبح لا يرضى هوان العيش
في وطن ذليل
أنا لا ألوم النار إن هدأت
وصارت نخوة عرجاء
في جسد عليل
أنا لا ألوم النهر
إن جفت شواطئه
وأجدب زرعه
وتكسرت كالضوء في عينيه
أعناق النخيل
مادامت الأشباح تسكر
من دماء النيل
فلا تسأليني الآن
عن زمن جميل
........
هـو الشـاعر : فــاروق جــويــدة
شاعر مصري معاصر ولد عام 1946،
و هو من الأصوات الشعرية الصادقة
والمميزة في حركة الشعر العربي المعاصر،
نظم كثيرا من ألوان الشعر ابتداء بالقصيدة العمودية وانتهاء بالمسرح الشعري.
قدم للمكتبة العربية 20 كتابا من بينها 13 مجموعة شعرية حملت تجربة لها خصوصيتها
، وقدم للمسرح الشعري 3 مسرحيات حققت نجاحا كبيرا في عدد من
المهرجانات المسرحية هي: الوزير العاشق - ودماء على ستار الكعبة - والخديوي.
ترجمت بعض قصائده ومسرحياته إلى عدة لغات عالمية منها الإنجليزية
والفرنسية والصينية واليوغوسلافية، وتناول أعماله الإبداعية عدد من الرسائل الجامعية في الجامعات المصرية والعربية.
تخرج في كلية الآداب قسم الصحافة عام 1968،
وبدأ حياته العملية محررا بالقسم الاقتصادي بالأهرام، ثم سكرتيرا لتحرير الأهرام، وهو حاليا رئيس القسم الثقافي بالأهرام.