بعد انتخابات تونس.. ترقب وترحيب وهواجس في الساحة الجزائرية
اتّـضح بعد أحد عشر شهرا انقضت على تمرّدٍ شعبي محدود ضدّ ارتفاع أسعار السكر والزيت، أن الجزائر لم تتبع لحدِّ الآن مسار نـظم الجمهوريات العربية المضطربة. في الأثناء، تابع المواطن الجزائري العادي، باهتمام شديد نتائج الإنتخابات التونسية، فيما اتضح للحكومة حسبما يبدو أن "شيئا هائلا" بدأ يتحرّك على حدودها الشرقية. في الأيام الأخيرة، كان كافيا أن يتجول المرء عبر المقاهي وقاعات الشاي في المدن الجزائرية، ليلحَـظ الأعناق وهي مشرئبة تُـتابع نتائج انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في تونس. وفي حي مثل حي باب الزوار، شرق العاصمة، تجمّـع في مقهى قرب خطّ الترامواي الجديد، الذي دشَّـنه بوتفليقة العام الماضي، العشرات من الرجال وهم تابعون ما تنقله القنوات التلفزيونية الفضائية ويعلِّـقون على فوز حركة النهضة، ذات التوجه الإسلامي بالمركز الأول.
شهادات وآراء ومخاوف
وبالنسبة للجزائري العادي، فإن فوز حركة النهضة، يذكِّـر بفوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ في ديسمبر 1991. وكما يذكر الفوز بالفوز، فإن فوز حركة النهضة يُـثير المخاوف من تدخّـل الجيش التونسي، لأن الجيش الجزائري تدخَّـل حينها لإلغاء الانتخابات التي فاز بها الإسلاميون، ولا يمكن منع الجزائريين من التفكير بهذه الطريقة، لأنه نتاج تجربة ذاتية وتتابع ذهني منطقي لحالة مجرَّبة، أدّت إلى حرب أهلية، راح ضحيتها ما يقارب من مائتي ألف قتيل.
أما في المقهى الشعبي بحي باب الزوار، فيُـمكننا سماع تعليقات من قبيل: "الله يستر تونس، الجيش قد يتدخّـل"، ثم يرد رجل آخر: "لا أعتقد ذلك، الوقت مختلف عام 1991 ليس كعام 2011، العالم ينظر ويراقب، ولا يمكن أن تحدث مجازر كالتي حدثت في الجزائر".
لكن هناك من يقول: "هذه انتخابات كاذبة ومُـفبْـركة. الإتحاد الأوروبي وأمريكا تريدان احتلال تونس"، ويكفي قول هذا الرأي مرة، حتى ينفجر البعض ضاحكا أو يؤكد بعض الشباب الذين تحدثت إليهم swissinfo.ch، مثل عادل الذي جاء من ضاحية الحراش، التي تبعد 10 كيلومترات شرق العاصمة: "أنا سعيد بفوز المسلمين في تونس، هذا دليل على أن بن علي لم يتمكن من طمس الدِّين الإسلامي في تونس".
يبلغ عادل من العمر 20 عاما، أي أنه ولِـد عندما بدأت الأزمة الجزائرية، وهو لا يعرف عن قادة الجبهة الإسلامية شيئا، كما أنه كان صبيا عندما شهدت الجزائر أبشع صور عُـنف الحرب الأهلية، ولكنه يؤيِّـد مع ذلك التيار الإسلامي في تونس، ومثل هذا الشاب كثيرون.
تعليقات الصحافة
وغير بعيد عن هذه التعليقات الشعبية، تقف الصحافة الجزائرية على مرمى حجر ترقّـب المشهد التونسي، ولكن اختلافها في التعليق عليه عظيم، بل ويتناقض، حسب العلاقة مع الدولة الجزائرية والقرب من التيار الإسلامي أو معاداته، بل ولا يمكن التوفيق بين التعليقات الصحفية التي إن نطقت بالفرنسية، كانت في أغلبها باكية على مصير تونس، مثل يومية "الوطن"، التي رأت أن الربيع التونسي أجهضته حركة النهضة، في حين رأت يومية "ليبرتي" (أي الحرية) المملوكة من طرف رجل الأعمال يسعد ربراب، أن المنطقة تتأسلم وأن أي انتخابات حرة وديمقراطية، ستعني فوز الإسلاميين بالأغلبية، كما في تونس.
ويضيف مدير تحرير ليبرتي منير بوجمعة: "على ممتهني السِّحر السياسي ومختبرات الأفكار والمخططات الجاهزة في الاتحاد الأوروبي، أن يتوقفوا عن أعمالهم، لأنها أثبتت فشلها. لقد قضي الأمر، الناخبون سيُـصوِّتون للإسلاميين، كلما دعمت أوروبا انتخابات حرّة، والجيوش لا يمكنها فعل أي شيء لتغيير الوضع".
أما الصحف الناطقة بالعربية، فكانت في مُـجملها مؤيِّـدة لحركة النهضة، غير أنها نقلت مخاوف العِـلمانيين بشكل يختلف عن الصحف الناطقة بالفرنسية، فيما وصفت يومية "الخبر" الواسعة افنتشار فوز النهضة، بأنه "بداية تشكِّـل هلال إسلامي انطلاقا من تركيا، مرورا بغزة ومصر وليبيا، وصولا إلى تونس".
في المقابل، يرى مراقبون كثيرون أن عيْـب الصحافة المتمثِّـل في مرض تنويع الأخبار كيفما اتفق، أوقع بعض الصحف في المحظور المهني، مثل ما حدث ليومية "الشروق اليومي" التي نقلت عن رئيس القائمة الشعبية، التي يرأسها الهاشمي الحامدي قوله: "إني أملك الدّليل على تحاور الغنوشي مع بن علي"، جاء مثل هذا في العنوان الرئيسي، ثم عند البحث عن الدليل الذي سيقدِّمه الحامدي في الصفحة الداخلية، لا يعثر القارئ على أي شيء يمكن أن يثبت هذا الاتِّـهام.
".. ساعة الحقيقة قد دقّـت في الجزائر.."
من ناحية أخرى، علمت swissinfo.ch أن الدولة الجزائرية تنظر بجِـدية كبيرة إلى نتائج الانتخابات التونسية وتربطها بتقدّم الإسلاميين الواضح في ليبيا ومصر، وحسب مصادر في وزارة الداخلية الجزائرية، فإن فوز الإسلاميين في هذه البلدان، يجب أن يدفع الحكومة الجزائرية إلى تغيير حساباتها تُـجاه التيار الإسلامي، وخاصة المعتدلين منهم.
وحسب مصادر دبلوماسية غربية، فإن أول الغيْـث جاء بطلب من سفيريْ الولايات المتحدة وفرنسا، لقاء زعيم حركة العدالة والتغيير، التي يتزعَّـمها الشيخ عبد الله جاب الله، الذي ليس سوى الزعيم السابق لحركتيْ النهضة والإصلاح الجزائريتيْـن. وقال ناطق باسم الحزب الجديد للشيخ عبد الله جاب الله، إن السفيرين الغربيين سألا جاب الله عن دور الإسلاميين في المنطقة وعن كيفية رُؤيتهم للتغيير السِّـلمي والديمقراطية والتسيير الاقتصادي المحكم؟
وتعليقا على طلب السفيريْـن الغربيين لقاء الشيخ عبد الله جاب الله، قال المحلل السياسي رابح هوادف: "أعتقد أن الأمر يتعلّـق بوزن التيارات التي تملك وزْنا حقيقيا في الساحة السياسية، وليس تلك التي يُـشاع أن لها وزْن بالنظر إلى فوزها بانتخابات برلمانية سابقة، ثبت بالدليل القاطع أنها غير نزيهة".
ويضيف رابح هوادف: "أعتقد أن ساعة الحقيقة قد دقّـت في الجزائر، ولا أقول إن الثورة قد بدأت، ولكن الإنتخابات البرلمانية القادمة، يجب أن تكون نزيهة مائة بالمائة، لأن طلب السفيريْـن الغربيين لقاء جاب الله، الذي مُـنِـع من العمل السياسي والخطابة طيلة عشرية كاملة، لم يمكن من إخفاء وزنه في الساحة السياسية، وأعتقد أنه لو نُـظِّـمت انتخابات نزيهة وشارك فيها، لكان من بين أكبر الفائزين".
معاناة ومشاكل الأحزاب
في نفس السياق، يسود اعتقاد قوي أنه لو نظمت انتخابات حرّة ونزيهة في الجزائر، لفاز بها كل مَـن أسكِـت في الفترة السابقة، إسلاميا كان أو عِـلمانيا، لدرجة أن هذه الصورة، أقضت مضْـجَـع أحزاب الائتلاف الحكومة، المُـكوَّن من جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وحركة مجتمع السلم (حمس) الإسلامية.
وهؤلاء كلهم يعانون مشاكل داخلية متنوِّعة، بدءا بجبهة التحرير الوطني، التي تعاني أزمة ما بين القيادة والقاعدة، ورأس زعيمها عبد العزيز بلخادم، مطلوب من القاعدة، التي اتهمته بالتقصير وعدم الجدية في المحافظة على أقدَم حزب في البلاد، ولقد بلغ الصِّـراع على قيادة جبهة التحرير أشُـدَّه في الفترة الأخيرة.
أما في التجمع الوطني الديمقراطي، فقد أعطى زعيمه ورئيس الحكومة في نفس الوقت أحمد أويحيى ضوءا أخضر لمُـمثلي الحزب داخل الولايات الثمانية والأربعين، لتغيير وإصلاح ما يجب إصلاحه في أشخاص وسلوكيات المنتخبين المحليين داخل البلديات والمجالس الولائية المنتخبة. ما يعني أن حرب صلاحيات شعواء ستدور رحاها ما بين منتخبين من قبل الشعب وقياداتهم داخل التجمع، التي لم ينتخبها الشعب وانتخبها الحزب فقط، كأن المسألة تتعلق بإصلاح ما يمكن إصلاحه في الدقائق الأخيرة، خاصة في الشق المتعلق بالتعامل مع المواطنين واهتماماتهم اليومية الكثيرة.
وأما في حركة مجتمع السِّـلم الإسلامية، فإن السياسة المُـنتهجة، تقضي بتجنيب الحزب الإنفجار الداخلي، عبْـر مهاجمة الآخرين واتهامهم بالتقصير، فقد التزم رئيس الحزب أبو جرة سلطاني بسياسة انتقاد الحكومة ورئيسها وانتقاد جبهة التحرير الوطني، كأنهما ليسا عضوين في التحالف الحكومي الذي يشترك فيه معهما.
والغريب، أن الثلاثة يؤكِّـدون أنهم متحالفون خلف فكرة دعم برنامج الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي يبدو غارقا في مهمّـة أنيط بها منذ عام 1999، أي عندما عيَّـنه الجيش كي يكون رئيسا للبلاد، وتتمثل المهمة في إنقاذ الطابع الجمهوري العِـلماني للدولة الجزائرية، مع إبقاء الباب مفتوحا وبطريقة براغماتية لوصول إسلاميين آخرين، غيْـر حركة مجتمع السِّـلم إلى السلطة.
تعامل مؤسسات الدولة
في سياق متصل، يُلاحظ بشكل لا يمكن تجاهله، تلك البرودة التي تتعامل بها مؤسسات الدولة الفعلية، مثل الرئاسة والجيش مع مُـكوِّني التحالف الرئاسي، ويلاحظ أيضا أنها لا تدعم أي طرف بشكل كامل، وغاية ما هنالك، أنها تراقب الوضع في دول الجوار الشرقي عن كثب وباهتمام بالغ، مع سياسة اقتصادية متفتحة بشكل غيْـر متعوَّد عليه. فكل الوزراء يقولون ويؤكدون على أن "مَـن يريد أن يعمل.. فليتفضل".
كل هذه العوامل مجتمعة يمكن أن تفسِّـر الأسباب الكامنة وراء الهدوء السائد في الشارع الجزائري، الذي لا يريد - إلى حد الآن - الخروج إلى الشارع وتغيير النظام، تارة لأنه عانى من سنوات العنف منذ فترة قريبة، وتارة لأنه يأمل في تغيير إيجابي، اقتصاديا واجتماعيا، وتارة، - وهذه مهمة للغاية - فهو عندما يريد أن يتحرّك للتغيير، فسيُـغيِّـر مَـن؟ الحكومة أم الرئاسة أم الولاة أم الجيش؟ فكل هؤلاء يتحركون ضِـمن أفلاك مستقِـلة، تجعل من مهمة المصلح في بعض الأحيان ملهاة ومضيعة للوقت، لأنه هو أيضا فاشل في تحديد المرض، كدليل آخر يبيِّـن بشكل واضح، أن الجزائر لو تغيَّـر نظامها يوما ما، فسيماثل هذا الحدث يوم استقلالها قبل خمسين عاما.
مصدر الخبر : سويس انفو
فوز النهضة تحفيز للإسلاميين الجزائريين
نجاح الإسلاميين في تونس كان مصدر قلق لبعض الجزائريين، لكنه سبب للاحتفال بالنسبة للآخرين.
آدم أمين من الجزائر لمغاربية في بلد لم تلتئم بعد جراحه عقب عقد من العنف الإرهابي، جاءت الردود على الصعود السريع لحزب إسلامي في تونس متباينة ومختلفة. فوز النهضة في الانتخابات يعيد إلى الأذهان ذكريات أليمة بالنسبة لضحايا العشرية السوداء في الجزائر، لكنه جاء بمثابة تحفيز ودفعة قوية للإسلاميين المحليين. بوقرة سلطاني، رئيس حركة مجتمع السلم قال "في البلدان العربية اليوم، البديل الوحيد يأتي من الحركة الإسلامية لأنها تمثل أغلبية السكان وتستجيب لتطلعاتهم". سلطاني لا يشك في أن ما حدث في تونس قد يتكرر في الجزائر. يذكر أن حركة مجتمع السلم هو حزب إسلامي ولديه مقعد في المجلس الشعبي الوطني ويشارك في الحكومة منذ 1995.
وقال "الحركة الإسلامية ستفوز في الانتخابات المقبلة بالجزائر شريطة التزامها بالشفافية". وعلى غرار منافسه، لم يستبعد عبد الله جاب الله انتقال "العدوى" بالنسبة للموجة الإسلامية في الجزائر. وقال جاب الله الذي أسس مؤخرا حزب جبهة العدالة والتنمية "نحن جزء لا يتجزأ من العالم العربي؛ لا يمكن أن نبقى في معزل عما يحدث". وتساءل جاب الله الذي كان أحد الأعضاء المؤسسين لحزب النهضة في الجزائر مطلع التسعينات "لماذا يصرخ الناس كلما فاز حزب إسلامي في العالم العربي في حين يهللون كلما فاز أي حزب آخر حتى لو كان ذلك عن طريق التزوير؟" فيما قال عبد المجيد مناصرة عضو الجبهة الوطنية من أجل التغيير ومنشق عن حزب السلطاني إن نجاح الإسلاميين في تونس هو نتيجة الخيارات السيئة للنظام المخلوع.
وقال "منذ عهد الرئيس الحبيب بورقيبة وحتى عهد بن علي، أي لأزيد من خمسين سنة، فرض النظامان قسرا العلمانية على الشعب التونسي"، وأضاف "وما إن أتيحت للشعب فرصة للتعبير عن رأيه بحرية، رفض العلمانية". بيد أن فوز حزب راشد الغنوشي أعاد للأذهان بالنسبة للكثير من الجزائريين ذكريات مريرة عن أحلك الفترات في التاريخ الجزائري المعاصر. فذكريات العنف الإرهابي لا تزال حية في ذاكرة الناجين من العقد الأسود.
أدجا، من سكان بنطلحة، حي شرق الجزائر العاصمة الذي أشهد أسوأ مجازر الحرب الأهلية قال "لقد خرجنا من حرب أهلية ذهب ضحيتها 200 ألف شخص؛ الجراح والآلام لا تزال طرية، ولسنا على استعداد لتكرار نفس السيناريو من جديد".
بالنسبة لسعيد الذي يعمل في شركة للحراسة فإن كلمة "إسلامي" مرتبطة بمجزرة شارع عميروش وسط العاصمة الجزائر في 1995.
وقال مستذكرا "شاهدت جثث الأطفال والنساء ممزقة إربا في حافلة مفخخة أمام مقر الشرطة المركزية".
بدورها قالت نادية والعبرات تخنقها "أنا لست ضد الإسلام لكن الإسلاميين حرموني من فرصة العيش مع والدي". وكان والدها مدنيا يعمل بوزارة الدفاع الوطني وقد اغتيل في ديسمبر 1998.
ومع أن المخاوف من العنف الإرهابي لا تزال تلقي بظلالها على شريحة من المجتمع الجزائري، يحاول بعض الأكاديميين عدم تجاهل هذا التوجه الإقليمي.
عبد العزيز جراد محلل سياسي ومسؤول سابق بوزارة الخارجية الجزائرية صرح على إذاعة وطنية يوم 25 أكتوبر قائلا "لن يكون هناك حكم ديني في تونس. فقادتنا في المغرب الكبير يمزجون بين عدد من القضايا. ولا أظن أن ليبيا هي الأخرى تسير نحو حكم ديني. ربما سيكون هناك شعور إسلامي أكثر من الأماكن الأخرى. لا أعتقد أن المغرب الكبير سيكون مهددا بالحكم الديني".
وأضاف أنه على المجتمعات المغاربية أن تستفيد من التجربة التونسية وتتفادى أي انجراف نحو الأصولية.
وقال جراد "ما سيحدث في مصر مع الإخوان المسلمين مهم للغاية. علاوة على ذلك، هناك ميل دولي لقبول دور الإسلاميين في الساحة السياسية لكن من خلال العمل جنبا إلى جنب مع القوى الوطنية والديمقراطية. لا ينبغي تجاهل القوى التي لها حضور في الواقع الاجتماعي والثقافي للبلدان العربية المسلمة".