الطوفان.. والجسر… حكايات من نكلا العنب..امرأة فوق الجدار الرابع
إيهاب الحمامصى
دمنهور - البحيرة - مصر
0020103866612
http://asdmsr73.maktoobblog.com/
كتبهاإيهاب الحمامصى ، في 5 سبتمبر 2010 الساعة: 02:26 ص
الطوفان والجسر.. حكايات من نكلا العنب
(5)
امرأة فوق الجدار الرابع
هل هناك أرق من نسمة صيف باردة تهب على صحراء جرداء قاحلة ؟
كانت الكتب - وجدته لأبيه التى ربته - فقط.. هما كل حياته.. وأنيسا طفولته… دائما ما يقول انه ولد فى مكتبة… مكتبة عامر ة بكتب الشرق والغرب والوسط أيضاً..
جده كان عضواً مؤسساً لجماعة "انصار السنة المحمدية" التى أسسها الشيخ "محمد حامد الفقى".. وكانت كتب ومجلدات ومجلات الجماعة تأتى عبر البريد للجد بانتظام..ورحم الله "أبا هريرة" رجل البريد الأشهر فى تاريخ نكلا العنب..
الوالد.. الوحيد بلا أشقاء الا أخت غير شقيقة أضاف لتلك المكتبة العامرة بالكتب الاسلامية كل ما وقعت عليه يداه من مطبوعات فى تلك الفترة: فتارة تجد كتباً ومجلات اشتراكية- تمتلئ بصور "الجنة السوفييتية" التى تمتد بطول دول حلف "وارسو" -.. بعضها مصرى وجلها من دول "الستار الحديدى" ومن خلفها "موسكو" ..
وكتبا ومجلات غربية سواء ما طبع منها بالعربية فى بلاده وصدر الينا- مثل" الريدرز دايجست" أو ما تم تعريبه وترجمته بواسطة كتاب ومؤلفين ومترجمين مصريين.. خاصة مع انتشار حركة الترجمة التى جاءت مواكبة لحركة يوليو1952.. فظهرت سلاسل مثل "اخترنا لك" وللجندى وللعامل وللفلاح.. وسلسلة "روايات عالمية" و"الألف كتاب" .. و"كل شئ عن".. و"عالم المعرفة "..وغيرها من السلاسل والمطبوعات..
أتاحت له معرفته بالقراءة فى سنى عمره المبكرة جدا- وقبل دخوله المدرسة - التهام كل هذه الكتب التهاماً… حتى اذا ما التحق بالمرحلة الإعدادية كان قد انتهى منها ومن مكتبة القرية ومما تيسر من كتب الزملاء والأصدقاء..فوجد نفسه وقد طاف الدنيا وخبرها صغيراً.. ولا يدرى أحدنا بعد ما لتأثير كل ذلك على شخصية وتفكير واسلوب حياة طفل لم يبلغ المراهقة بعد, وقد اطلع على سوءات الغرب والشرق.. فهذا "جان جاك روسو"- احد أنبياء الثورة الفرنسية- يعلن فى مذكراته على الملأ تفاصيل العربدة والمجون فى الحياة الأوروبية فى سويسرا وفرنسا بل ويحكى عن عربداته هو- التى انتهت كما يقول بتسليم خمسة من الأطفال أنجبهم من "صديقته" تريزا الى ملجأ اللقطاء ثم تزوج من صديقته قبل انتهاء أجله وبعد خمسا وعشرين عاما بالتمام والكمال من هذه العلاقة الأثمة-حتى ان تريزا كانت تعيش مع امها وبعض أولادها من روسو فى كنف روسو بلا زواج أو رباط رسمى "مقدس"! تلك العلاقة - وغيرها - التى لم ير فيها المجتمع الأوروبى كله والغارق فى ملذاته وآثامه أى أثم او عار او فضيحة ولم يكن هناك اى أثر لتعاليم الرب وكتبه "المقدسة " ولاوجود لأى سلطة الا سلطة بيع صكوك الغفران والحض على تملك أراضى الجنة مقابل سيول التبرعات التى لم تشبع نهم رجال السلطة الروحية سلطة الكنيسة التى أحرقت كتب جاليليو جاليلى اعتراضا على كروية ودوران الأرض- فرد عليهم وهو يتأمل كتبه المحترقة- بعد محاكمته فى ساحات روما قائلاً: ولكنها تدور! - والسلطة السياسية.. سلطة الملك .الأمر الذى جعل غوغاء الثورة الفرنسية يصرخون فى طرقات باريس وفى اقطاعيات الريف الفرنسى الجائع:" اشنقوا أخر ملك بأمعاء أخر قسيس " وهذا ما فعله " روبسبير" القائل (وهو ممسكا برأس لويس السادس عشرفوق المقصلة) : شجرة الحرية لا تروى إلا بالدماء!
قد يقول البعض متساءلاً لماذا كتبت بالأعلى "حركة" يوليو وليس "ثورة " يوليو ".. وأرد عليهم: لسببين: الأول ان لفظ حركة هو المسمى الرسمى لما حدث أوائل أيام "الثورة" باعتراف رجالات الحركة انفسهم على صفحات الجرائد الصادرة آنذاك..وربما كان ذلك نابعا من التردد فى تأييد هذا "الانقلاب" الذى لم تتضح معالمه بعد.. فلربما تفشل تلك الـ "حركة" ويصلب الجميع فى ميدان التحرير!.
والثانى: أن الحركة اعتمدت مجموعة من المبادئ يتشابه احدها مع بعض ما جاء فى الثقافات الواردة الينا عبر حركة الترجمة التى أشرفت عليها حركة يوليو ذاتها..
انظر مثلا إلى اللص الظريف " أرسين لوبين" للمؤلف الفرنسى "موريس لبلان" .. هذا اللص الخفى الذى يذكرك برجل المستحيل او يذكرنا رجل المستحيل به, كان يسرق حسب قولته المشهورة من الأغنياء ليعطى الفقراء! وهذا ما اعتمدته الثورة مبدءاً حين استولت على أراضى وممتلكات الأغنياء واعادت توزيعها على الفقراء فى سابقة تخالف الدين وما نادى به من الحرية فيما لا يخالف شريعة الله.. الحرية فى التملك وفى البيع والتجارة والتكسب بالحلال.. وما ذنب الأغنياء.. هل لأنهم أغنياء؟؟؟
أليس فى ذلك حض للكسالى على مزيد من الكسل و مكافأة للنائمين فى الأرض بلا عمل ؟
وماذا حدث بعد توزيع الأراضى إلا مزيداً من تفتيتها بين الورثة وورثة الورثة.. حتى صار كل منهم يزرع ولا يجد ما يحصد؟؟
انا بالقطع مع الثورة التى تقوم لله فقط..لتحقيق العدل فى أرضه حتى يكون الانسان جديرا بخلافته.. ولو كان هناك بين الأغنياء والأمراء من سرق وقتل فأنا أول المنادين:" اشنقوا أخر أمير بأمعاء آخر إقطاعى"!
أنا بالقطع لا أكره عبدالناصر ولا أعبده..إنما هو بشر يصيب ويخطئ والله وحده الهادى لسواء السبيل.. فقط نحاول البحث عن انموذج السياسى الداهية المحنك البارع القائد الزعيم العادل قدر المستطاع..وليس ذلك على الله ببعيد.. فإن عز علينا كل هذا فى زمننا هذا.. فلتكن دولة المؤسسات والشورى والشريعة هى المكافئة لما سبق.
عود على بدء:
ونتساءل مرة أخرى: امرأة فوق الجدار الرابع.. ما علاقة العنوان بالموضوع؟
قفز هذا العنوان إلى ذهنى فجاة كعنوان مقترح لقصة لم تظهر فصولها بعد, أبرهن بها على موهبتى الأدبية التى لم تثبتها الأيام كاملة بعد فالعربة تسبق الجياد أحياناً- .. وأعجبنى العنوان اليتيم هذا. وظل حافزاً على ايجاد موضوع مناسب بلا جدوى..الآن استريح من عناء حمله واسقطه من على كاهلى..إلى مستقره الأخير..هنا!
هل هناك أرق من نسمة صيف باردة تهب على صحراء جرداء قاحلة ؟
بالطبع ..لا
هبت هذه النسمة يوما على قلبى فجأة
واختفت فجأة
وظلت مجرد باسوورد ينوء به قلبى وعقلى للابد..!
*************