الطوفان.. والجسر… حكايات من نكلا العنب...الزفة..!
صحفى
إيهاب الحمامصى
دمنهور - البحيرة - مصر
0020103866612
http://asdmsr73.maktoobblog.com/
****************
الزفــــــــــــــــة
انها طقوس خاصة:
اقترب الشهر الفضيل.. وتعطرت الدنيا بعبقه .. هذا عم فوزى دحروج يبدأ فى تجهيز أدوات صناعة الكنافة اليدوى قبل ان يشترى الالآت الحديثة,, وذاك يبدأ فى اخراج المخلل المعتق والثانى يجهز عصائر رمضان المفضلة من الخروب والتمر الهندى.. اما بائع العرقسوس فهو حكاية منفصلة.. وآخرون يرشون الشوارع فى قريتى نكلا العنب..التى تحول أهم شوارعها التجارية- الشارع العمومى- الى ما يشبه منطقة شوارع مصر القديمة والموسكى وخان الخليلى تماما..
ندلف من الشارع العمومى عبر الحارة الوسطانية التى تشتهر بطابونة عيش الحاج عبدالسلام الحو ومنزل الفنانة عبلة كامل( الذى تحول الآن إلى عيادة النساء والتوليد الخاصة بالدكتورة فاطمة الفراش) الى حيث ميدان مسجد أيوب الانصارى ذلك الرجل الصالح الذى رآه عمدة القرية فى منامه ثم
فوجئ بجثمانه يأتى فى صندوق عائم على صفحة النيل
وفى رواية انه رأى مكان دفنه فى القرية وبعد الحفر فى المكان المحدد تم العثور على الجثمان وبجانبه علامة او وثيقة تؤرخ له وعلى الفور بنى له مسجده القائم فى اهم ميادين القرية والمعروف باسمه..حيث ارتبطنا بمجموعة مبانى الجامع القديم- القريب من بيت العائلة القديم- وقبابه الاثرية و مولده الذى يؤمه الزوار والمريدون من كل حدب وصوب فتتحول القرية الى كرنفال كبير يعج بباعة الحمص والحلاوة و الملاهى البسيطة ناهيك عن الدراويش الذين تعود جدى رحمه الله (الحاج أحمد الحمامصى ) على دعوتهم لمأدبة عامرة كل عام- تصك آذانك خلالها وقبلها وبعدها صرخة أحدهم المفاجئة: حــــــــــــــــــــــــــــــــى هذا بالاضافة للنصابين وكدابين الزفة .. الزفة التى تقام فى ختام المولد الذى يستمر سبعة أيام خلال سبتمبر( شهر مولدى ) والتى عادة ما توافق يوم جمعة عقب الصلاة..
تتحول معظم بيوت نكلا العنب فى مولد العارف بالله أيوب الانصارى الى بيت واحد تشعر فيها بأنس اللمة واواصر القربى بين الجميع الذين يسارعون فى الخيرات والخيرات من وجهة نظرهم هى إخراج الأطعمة على انواعها بدءا من الجبنة القديمة ذات المش أبو دود- فالدود تريد مارك ..علامة الجودة- وحتى أفخر أنواع اللحوم والفاكهة إلى مضيفة المسجد حيث كان يقوم المرحوم محمد ناجى- خادم المسجد وتربى القرية وأخيه المرحوم احمد وبعض المساعدين بالاشراف على توزيعها بين المريدين والدراويش وعابرى السبيل.. ونحن بالطبع أطفال القرية الذين نتجمع ونستجمع شجاعتنا فنجلس بين الرجال ونعامل بالاحترام ذاته ويوضع أمامنا ما لذ وطاب من القشدة والـ " بكاكيم" المصنوعة بمهارة لا تدانيها مهارة وهى خبز معجون باللبن الحليب أو الزبادى والخميرة والسمن البلدى..وبمجرد ان نفرغ من طعامنا توضع امامنا صوانى فواكه الموسم والشاى بالنعناع أو الـ" فلية " وهى أشد تأثيراً بنكهتها ورائحتها وطريقة صب الشاى بحرفنة من علو شاهق ينتج عنه رغاوى على سطح الكوب سرعان ما تنفجر وتنشر الرائحة المنعشة فى أرجاء المضيفة.. بعد الشاى.. نترك ضيوف المولد فى قيلولتهم بالمضيفة.. ونتسلل إلى المقام فندور حوله كثيرا ونتأمل مشعلى الشموع بأمل ورجاء.
كل البيوت فى قريتنا والقرى المجاورة كفر عوانة وجزيرة نكلا العنب وادمسنا والضهرية وابو منجوج وظهر التمساح وابتوك بل وحتى قرى الضفة الأخرى من نهر النيل حيث محافظة الغربية : محلة اللبن الفرستق بلد القارئ محمد عبدالعزيز حصان ومذيعة الشرق الاوسط إيناس جوهر- الكل ينتظر بصبر فارغ الليلة الكبيرة .. والتى عادة ما يحييها كبار المنشدين و مطربى المحروسة الشعبيين من أمثال فاطمة عيد ومحمد طه وخضرة محمد خضر .. بعد الحفل الغنائى وفى اليوم التالى تنطلق الزفة من امام المسجد .. عازفو الدفوف وقارعو الطبول- خاصة تلك الطبلة الغريبة المصنوعة خصيصا ليتم تركيبها فوق ظهور الجمال وأيضاً راقصى التنورة و حملة المباخر والرايات والسيوف والدراويش الناس البركة! الذين يقومون بتعذيب أنفسهم بألوان شتى من العذاب مثل ثقب صدوغهم وشفاههم بمسامير غليظة.. ولا أدرى ما علاقة هذا بالبركة اللهم إلا اذا كان هذا هو "فن الدروشة".. مثل هذه الأفعال وغيرها هى التى جعلت من أساتذتى فى المدرسة وغيرهم ينادون بضرورة تحريم الموالد لما فيها من سيادة البدع والبعد عن دين الله إلى أساطير وخرافات ما أنزل الله بها من سلطان.. وانا معهم طبعا إلا أننى دائما ما كنت أنظر للمولد والزفة على انها " العيد القومى للقرية "أو كرنفال شعبى قروى بسيط وفرصة لجذب انظار الناس والمسئولين للقرية بمشاكلها وتراثها وتاريخها وفرصة اخرى لازدهار التجارة امام البسطاء فى هذا الموسم السنوى..
انتهت الزفة وما زالت دقات الطبول تقرع ذاكرة النسيان وما زلنا نذكر مصطبة المسجد التى هدمت الآن حيث كنا نتحلق- خاصة فى رمضان - حول المئذنة التاريخية التى تعدى عمرها المائة عام وهدمتها الأوقاف فى غمضة عين حين شرعوا فى بناء المسجد الحالى كنا ننتظر آذان المغرب- ولا يكمل المؤذن المرحوم محمد ناجى كلمة " الله أكبر" حتى ننطلق صارخين مهللين : المغرب ادن.. يا صايم افطر..
*******************