من أحكام العيد والأضحية
الحمد لله الذي هدانا للإيمان, وأنزل علينا السنة والقرآن, وشرفنا ببعثة محمد خير الأنام صلى الله عليه وعلى آله وصحبه البررة الكرام... أما بعد:
فإن الأمة الإسلامية تعيش في هذة الأوقات أياما شريفة, وليالي فاضلة, وأزمنة عامرة بذكر الله تعالى وشكره, وموسماً عظيماً من مواسم طاعة الله وعبادته.
فبالأمس كان حجاج بيت الله الحرام يقفون هناك على عرفات في مشهد رائع من مشاهد العبودية, يستمطرون رحمة الله, ويستجلبون عفوه ومغفرته, ويسألونه من فضله, ويتوجهون إليه بالذكر والدعاء والاستغفار والمناجاة, معترفين بالذل والعجز والفقر والمسكنة, صارفين كل معاني العزة والقوة والسلطان والغنى والعلو لله تعالى وحده لا شريك له.
الله أكبر الله أكبر, لا إله إلا الله, والله أكبر, الله أكبر ولله الحمد.
واليوم يشترك المسلمون جميعاً في الفرح والسرور بعيد النحر, الذي هو أكبر العيدين وأفضلهما, وهو مترتب على أكمال ركن هام من أركان الإسلام وهو الحج, فإذا أكمل المسلمون حجهم غفر لهم, وإنما يكمل الحج بيوم عرفة, الذي فيه يعتق الله عباده من النار, ولذلك صار اليوم الذي يليه عيداً لجميع المسلمين في جميع أمصارهم, من شهد الموسم منهم ومن لم يشهده, لاشتراكهم في العتق والمغفرة يوم عرفة, ولذلك شرع للجميع التقرب إلى الله بذبح الأضاحي وإراقة دماء القرابين.
فأهل الموسم: يرمون الجمرة, ويشرعون في التحلل من إحرامهم بالحج, ويقضون تَفَثَهم, ويوفون نذورهم, ويقربون قرابينهم, ثم يطوفون بالبيت العتيق.
وأهل الأمصار: يحتمعون على ذكر الله وتكبيره والصلاة له, ثم يذبحون عقب ذلك نسكهم, ويقربون قرابينهم بإراقة دماء ضحاياهم, فيكون ذلك شكراً منهم لهذه النعم.
الله أكبر الله أكبر, لا إله إلا الله, والله أكبر, الله أكبر ولله الحمد.
أفراح العيد:
أخي الحبيب:
العيد هو موسم الفرح والسرور, وافراح المؤمنين وسرورهم في الدنيا إنما هو بخالقهم ومولاهم, إذا فازوا بإكمال طاعته, وحازوا ثواب أعمالهم بفضله ومغفرته, كما قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَ?لِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [سورة يونس: 58].
فضل يوم النحر:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "يوم النحر هو يوم العيد, وهو يوم الحج الأكبر, وهو الأذان ببراءة الله ورسوله من كل شرك".
وقال أيضاً: "فخير الأيام عند الله يوم النحر, كما في السنن عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أفضل الأيام عند الله يوم النحر , ثم يوم القر» [صححه الألباني]، ويوم القر: هو اليوم الذي يلي يوم النحر, وهو حاي عشر ذي الحجة.
وقيل: يوم عرفة أفضل منه, والصواب القول الأول؛ لأن الحديث الدالً على ذلك لا يعارضة شيء يقاومه, والصواب أن يوم الحج الأكبر هو يوم النحر .أ.هـ.
التكبير:
يشرع التكبير من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق, وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة لحديث شقيقٍ عن علي أنه كان يكبر بعد صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق [رواه ابن أبي شيبة].
وقال الحاكم في (المستدرك): "فأما من فِعل عمرَ وعلي وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود فصحيح عنهم التكبير من غداة عرفة إلى آخر أيام التشريق" أ.هـ. وهو أيضا ما رجحه الحافظ ابن حجر في فتح الباري.
وقد ورد عن الصحابة من صيغ التكبير ما يلي:
•الله أكبر الله أكبر ... لا إله إلا الله, والله أكبر, الله أكبر ولله الحمد.
• الله أكبر، الله أكبر ... الله أكبر الله كبيراً.
ملابس العيد:
عباد الله: إن العيد شكر وليس فسقاً, فاحفظوا أبنائكم وإخوانكم, وانظروا في ملابس زوجاتكم وبناتكم وأخواتكم التي أعدت للعيد, وألزموهن اللباس الشرعي, ولا تسمحوا بأي مخالفة للإسلام في هذة الملابس, وكونوا عوناً لشباب الأمة على غض أبصارهم وحفظ فروجهم.
غض البصر:
قال بعض أصحاب سفيان الثوري: خرجت مع سفيان يوم عيد فقال: "إن اول ما نبدأ به في يومنا هذا غض البصر".
ورجع حسان بن أبي سنان من عيد فقالت له امرأته: "كم من امرأة حسناء قد رأيت؟"، فقال: "ما نظرت إلا في إبهامي منذ خرجت إلى أن رجعت"!!
أعياد المؤمنين:
لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة, كان لهم يومان يلعبون فيهما فقال: إن الله أبدلكم يومين خيراً منهما , يوم الفطر , ويوم الأضحى )) [ رواه أحمد والنسائي والحاكم وصححه ] . فأبدل الله هذة الامة بيومي من اللعب واللهو يومي الذكر والشكر والمغفرة والعفو .
وهناك عيد ثالث يتكر كل أسبوع وهو يوم الجمعة, وليس للمؤمنين فى الدنيا إلا هذة الأعياد الثلاثة.
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العيد:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله ما ملخصه:
1- كان صلى الله عليه وسلم يصلي العيدين في المصلى, ولم يصل العيد بمسجده إلا مرة واحدة أصابهم مطر إذا ثبت الحديث, وهديه كان فعلُهما في المصلى دائماً.
2- وكان صلى الله عليه وسلم يلبس للخروج إليهما أجمل ثيابه.
3- وكان صلى الله عليه وسلم يأكل قبل خروجه في عيد الفطر تمرات, ويأكلهن وتراً, وأما في عيد الأضحى فكان لا يطعم حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته.
4- وكان صلى الله عليه وسلم يغتسل للعيدين.
5- وكان صلى الله عليه وسلم يخرج ماشياً والعنزة -أي الحربة- تحمل بين يديه, فإذا وصل إلى المصلى نصبت بين يديه ليصلي إليها.
6- وكان صلى الله عليه وسلم يؤخر صلاة عيد الفطر, ويعجل بالأضحى.
7- وكان صلى الله عليه وسلم إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلاة من غير أذان ولا أقامة ولا وقول: الصلاة جامعة, والسنه ألا يفعل شيء من ذلك.
8- ولم يكن هو ولا أصحابه يصلون إذا انتهوا إلى المصلى شيئاً قبل الصلاة ولا بعدها.
9- وكان صلى الله عليه وسلم يبدأ الصلاة قبل الخطبة, فيصلي ركعتين, ويكبر في الأولى سبع تكبيرات متوالية بتكبيرة الافتتاح, يسكت بين مل تكبيرتين سكتة يسيرة, ولم يحفظ عنه ذكر معين بين التكبيرات, وكان ابن عمر مع تحريه للاتباع يرفع يديه مع كل تكبيرة.
10- وكان صلى الله عليه وسلم إذا اتم التكبير اخذ فى القراءة, فقرأ فاتحة الكتاب, ثم قرأ بعدها: {ق ? وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [سورة ق: 1] في إحدى الركعتين, وفي الأخرى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} [سورة القمر: 1]، وربما قرأ فيهما: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [سورة الأعلى: 1] و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [سورة الغاشية: 1]، صح عنه هذا وهذا, ولم يصح عنه غير ذلك.
11- فإذا فرغ من القراءة كبر وركع, ثم إذا أكمل الركعة وقام من السجود كبر خمس متوالية, فإذا أكمل التكبير أخذ في القراءة, فيكون التكبير أول ما يبدأ به في الركعتين, والقراءة يليها الركوع.
12- وكان صلى الله عليه وسلم إذا اكمل الصلاة انصرف, فقام مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم, فيعظهم ويوصيهم, ويأمرهم وينهاهم.
13- ولم يكن هناك منبر يرقى عليه, ولم يكن يخرج منبر المدينة, وإنما كان يخطبهم قائما على الأرض.
وقال جابر رضي الله عنه: "شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد, فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة, ثم قام متوكئا على بلالٍ, فأمر بتقوى الله وحث على طاعته, ووعظ الناس وذكرهم , ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن" [متفق عليه].
14- وكان صلى الله عليه سلم يفتتح خطبه كلها بالحمد لله, ولم يحفظ عنه فى حديث واحد أنه كان يفتتح خطبتي العيدين بالتكبير.
15- ورخص صلى الله عليه وسلم لمن شهد العيد أن يجلس للخطبة, وأن يذهب, ورخص لهم إذا وقع العيد يوم الجمعة أن يجتزئوا بصلاة العيد عن الحضور الجمعة.
16- وكان صلى الله عليه وسلم يخالف الطريق يوم العيد, فيذهب من طريق ويرجع من آخر, فقيل: ليسلم على اهل الطريقين, وقيل: لينال بركته الفريقان, وقيل: ليقضي حاجة من له حاجة منهما, وقيل: ليظهر شعائر الإسلام فى سائر الفخاخ والطرق, وقيل وهو الأصح: أنه لذلك كله ولغيره من الحكم التي لا يخلو فعله عنها.
الله أكبر الله أكبر... لا إٍله إٍلا الله, والله أكبر, الله أكبر ولله الحمد.
تنبيهات وأخطاء:
1- يحرم صيام يوم العيد لحديث أبي سعيد ان النبي صلى الله عليه وسلم: "نهى عن صيام يومين: يوم الفطر, ويوم النحر" [متفق عليه].
2- لا بأس أن يهنئ المسلمون بعضهم بعضاً بالعيد, فإن ذلك من مكارم الأخلاق.
3- يستحب التوسعة على الأهل والعيال فى المأكل والمشرب والملبس دون أسراف أو تبذير, ويستحب كذلك صله ارحم وزيارة الأهل والأقارب والإخوان.
4- ومن الأخطاء: إحياء ليلة العيد بالصلاة والقراءة والقيام, واعتقاد أن لقيامها فضلًا عن غيرها من الليالي.
5- ومن الأخطاء ترك صلاة العيد والتهاون بأدائها مع أنها واجبة في أصح الأقوال, وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج لها النساء والبنات حتى الحيض منهن, ليشهدن الخير من المسلمين, إلا ان الحيض يعتزلن المصلى.
6- ومن الأخطاء: اختلاط الرجال بالنساء في مصلى العيد وغيره, وخروج النساء إلى المصلى في كامل زينتهن وتبرجهن.
7- ومن الاخطاء: استقبال العيد بالمعاصي والمنكرات من غناء ورقص ومعازف بدعوى الفرح والسرور.
8- ومن الأخطاء: تخصيص يوم العيد لزيارة المقابر ودعاء الأموات.
9- ومن الأخطاء: الإسراف والتبذير في أيام العيد ولو كلن في أمور مباحة كالأكل والشرب والملبس وغيرها.
10- ومن الأخطاء: السفر أيام العيد إلى بلاج الكفر حيث الأجواء الموبؤة والانحلال.
من أحكام الأضحية:
ذكر الإمام ابن القيم رحمة الله ما ملخصة:
1- الذبائح التي هي قربة إلى الله وعبادة ثلاثة: الهدي, والأضحية, والعقيقة.
2- كان هديه صلى الله عليه وسلم نحر الإبل قياما مقيدة معقولة اليسرى.
3- وكان صلى الله عليه وسلم يسمي الله عند نحره ويكبر.
4- وكان صلى الله عليه وسلم يذبح نسكه بيده, وربما وكل في بعضة.
5- وأباح صلى الله عليه وسلم لأمته أن يأكلوا من هداياهم وضحاياهم, ويتزودوا منها.
6- وكان صلى الله عليه وسلم لا يدع الأضحية, وكان يضحي بكبشين.
7- وكان ينحرهما بعد صلاة العيد, وأخبر أن «ومن نحر قبل الصلاة، فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النسك في شيء» [رواه البخاري].
8- وأيام الذبح: يوم النحر وثلاثة أيام بعده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «كل أيام التشريق ذبح» [قال الألباني لا ينزل عن درجة الحسن بالشواهد] .
9- ومن هدية صلى الله عليه وسلم أن من أراد التضحية, ودخل عشر من ذي الحجة, فلا يأخذ من شعره وبشره شيئا, لثبوت النهي عن ذلك في صحيح مسلم.
10- وكان من هديه اختيار الأضحية واستحسانها, وسلامتها من العيوب, ونهى أن يضحى بعضباء الأذن والقرن, أى مقطوعة الأذن ومكسورة القرن [أخرجة أحمد وأهل السنن].
11- وأمر ان تستشرف العين والأذن -أي ينظر إلى سلامتها- وألا يضحى بعوراء ولا مقابلة, ولا مدابرة, ولا شرقاء ولا خرقاء [رواه أحمد وأهل السنن وصححه الحاكم].
والمقابلة: هى التي قطع مقدم أذنها, ولمدابرة: التي قطع مؤخر أذنها. والشرقاء: التي شقت أذنها, ةالخرقاء : التى خرقت أذنها.
وذكر عنه أيضا: «أربع لا يجزين في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها و العجفاء التي لا تنقي» [صححه الألباني]، أى: من هزالها لا مخ فيها.
12- وكان من هديه أن يضحى بالمصلى ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذبح وينحر بالمصلى.
13- وأمر الناس إذا ذبحوا أن يحسنوا الذبح وإذا قتلوا أن يحسنوا القتل وقال: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء» [رواه الترمذي وصححه الألباني].
14 - وكان من هديه أن الشاة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته ولو كثر عددهم، كما قال صلى الله عليه وسلم قال عطاء بن يسار: سألت أبا أيوب الأنصارى: "كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟"، فقال: "إن الرجل يضحى بالشاة عنه وعن أهل بيته, فيأكلوا ويطعمون" [صححه الألباني].
موعظة:
عباد الله:
قد أحرم القوم عن الحلال, فأحرموا أنتم عن الحرام, منعوا أنفسهم من الطيب, فاحذروا أنتم جيفة الهوى!!
يا حسنهم وقد نزعوا المخيط, ونزعوا عن التضييع والتفريط.
فارقوا لأجل مولاهم وأولادهم, وأعروا عن رقيق الثياب له أجساد, وتركوا في مراضيه محبوبهم ومرادهم, فأصبحوا وقد اعطاهم, وأمسوا وقد افادهم.
فيا أخي الحبيب:
أين المنيب الأواب؟!، أين المجدَّ السابق؟!، هذا يوم يرحم فيه الصادق.
أسفًا لعبد لم يغفر له اليوم ما جنى, كلما هم بخير نقض الطرد ما بنى, حضر مواسم الأرباح فما حصل خيرا ولا اقتنى, ودخل بساتين الفلاح فما مد كفًا ولا جنى, ليت شعري من منا خاب, ومن منا نال المنى؟!
الله أكبر الله أكبر... لا إله إلا الله, والله أكبر, الله أكبر ولله الحمد.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فإن الأمة الإسلامية تعيش في هذة الأوقات أياما شريفة, وليالي فاضلة, وأزمنة عامرة بذكر الله تعالى وشكره, وموسماً عظيماً من مواسم طاعة الله وعبادته.
فبالأمس كان حجاج بيت الله الحرام يقفون هناك على عرفات في مشهد رائع من مشاهد العبودية, يستمطرون رحمة الله, ويستجلبون عفوه ومغفرته, ويسألونه من فضله, ويتوجهون إليه بالذكر والدعاء والاستغفار والمناجاة, معترفين بالذل والعجز والفقر والمسكنة, صارفين كل معاني العزة والقوة والسلطان والغنى والعلو لله تعالى وحده لا شريك له.
الله أكبر الله أكبر, لا إله إلا الله, والله أكبر, الله أكبر ولله الحمد.
واليوم يشترك المسلمون جميعاً في الفرح والسرور بعيد النحر, الذي هو أكبر العيدين وأفضلهما, وهو مترتب على أكمال ركن هام من أركان الإسلام وهو الحج, فإذا أكمل المسلمون حجهم غفر لهم, وإنما يكمل الحج بيوم عرفة, الذي فيه يعتق الله عباده من النار, ولذلك صار اليوم الذي يليه عيداً لجميع المسلمين في جميع أمصارهم, من شهد الموسم منهم ومن لم يشهده, لاشتراكهم في العتق والمغفرة يوم عرفة, ولذلك شرع للجميع التقرب إلى الله بذبح الأضاحي وإراقة دماء القرابين.
فأهل الموسم: يرمون الجمرة, ويشرعون في التحلل من إحرامهم بالحج, ويقضون تَفَثَهم, ويوفون نذورهم, ويقربون قرابينهم, ثم يطوفون بالبيت العتيق.
وأهل الأمصار: يحتمعون على ذكر الله وتكبيره والصلاة له, ثم يذبحون عقب ذلك نسكهم, ويقربون قرابينهم بإراقة دماء ضحاياهم, فيكون ذلك شكراً منهم لهذه النعم.
الله أكبر الله أكبر, لا إله إلا الله, والله أكبر, الله أكبر ولله الحمد.
أفراح العيد:
أخي الحبيب:
العيد هو موسم الفرح والسرور, وافراح المؤمنين وسرورهم في الدنيا إنما هو بخالقهم ومولاهم, إذا فازوا بإكمال طاعته, وحازوا ثواب أعمالهم بفضله ومغفرته, كما قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَ?لِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [سورة يونس: 58].
فضل يوم النحر:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "يوم النحر هو يوم العيد, وهو يوم الحج الأكبر, وهو الأذان ببراءة الله ورسوله من كل شرك".
وقال أيضاً: "فخير الأيام عند الله يوم النحر, كما في السنن عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أفضل الأيام عند الله يوم النحر , ثم يوم القر» [صححه الألباني]، ويوم القر: هو اليوم الذي يلي يوم النحر, وهو حاي عشر ذي الحجة.
وقيل: يوم عرفة أفضل منه, والصواب القول الأول؛ لأن الحديث الدالً على ذلك لا يعارضة شيء يقاومه, والصواب أن يوم الحج الأكبر هو يوم النحر .أ.هـ.
التكبير:
يشرع التكبير من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق, وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة لحديث شقيقٍ عن علي أنه كان يكبر بعد صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق [رواه ابن أبي شيبة].
وقال الحاكم في (المستدرك): "فأما من فِعل عمرَ وعلي وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود فصحيح عنهم التكبير من غداة عرفة إلى آخر أيام التشريق" أ.هـ. وهو أيضا ما رجحه الحافظ ابن حجر في فتح الباري.
وقد ورد عن الصحابة من صيغ التكبير ما يلي:
•الله أكبر الله أكبر ... لا إله إلا الله, والله أكبر, الله أكبر ولله الحمد.
• الله أكبر، الله أكبر ... الله أكبر الله كبيراً.
ملابس العيد:
عباد الله: إن العيد شكر وليس فسقاً, فاحفظوا أبنائكم وإخوانكم, وانظروا في ملابس زوجاتكم وبناتكم وأخواتكم التي أعدت للعيد, وألزموهن اللباس الشرعي, ولا تسمحوا بأي مخالفة للإسلام في هذة الملابس, وكونوا عوناً لشباب الأمة على غض أبصارهم وحفظ فروجهم.
غض البصر:
قال بعض أصحاب سفيان الثوري: خرجت مع سفيان يوم عيد فقال: "إن اول ما نبدأ به في يومنا هذا غض البصر".
ورجع حسان بن أبي سنان من عيد فقالت له امرأته: "كم من امرأة حسناء قد رأيت؟"، فقال: "ما نظرت إلا في إبهامي منذ خرجت إلى أن رجعت"!!
أعياد المؤمنين:
لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة, كان لهم يومان يلعبون فيهما فقال: إن الله أبدلكم يومين خيراً منهما , يوم الفطر , ويوم الأضحى )) [ رواه أحمد والنسائي والحاكم وصححه ] . فأبدل الله هذة الامة بيومي من اللعب واللهو يومي الذكر والشكر والمغفرة والعفو .
وهناك عيد ثالث يتكر كل أسبوع وهو يوم الجمعة, وليس للمؤمنين فى الدنيا إلا هذة الأعياد الثلاثة.
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العيد:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله ما ملخصه:
1- كان صلى الله عليه وسلم يصلي العيدين في المصلى, ولم يصل العيد بمسجده إلا مرة واحدة أصابهم مطر إذا ثبت الحديث, وهديه كان فعلُهما في المصلى دائماً.
2- وكان صلى الله عليه وسلم يلبس للخروج إليهما أجمل ثيابه.
3- وكان صلى الله عليه وسلم يأكل قبل خروجه في عيد الفطر تمرات, ويأكلهن وتراً, وأما في عيد الأضحى فكان لا يطعم حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته.
4- وكان صلى الله عليه وسلم يغتسل للعيدين.
5- وكان صلى الله عليه وسلم يخرج ماشياً والعنزة -أي الحربة- تحمل بين يديه, فإذا وصل إلى المصلى نصبت بين يديه ليصلي إليها.
6- وكان صلى الله عليه وسلم يؤخر صلاة عيد الفطر, ويعجل بالأضحى.
7- وكان صلى الله عليه وسلم إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلاة من غير أذان ولا أقامة ولا وقول: الصلاة جامعة, والسنه ألا يفعل شيء من ذلك.
8- ولم يكن هو ولا أصحابه يصلون إذا انتهوا إلى المصلى شيئاً قبل الصلاة ولا بعدها.
9- وكان صلى الله عليه وسلم يبدأ الصلاة قبل الخطبة, فيصلي ركعتين, ويكبر في الأولى سبع تكبيرات متوالية بتكبيرة الافتتاح, يسكت بين مل تكبيرتين سكتة يسيرة, ولم يحفظ عنه ذكر معين بين التكبيرات, وكان ابن عمر مع تحريه للاتباع يرفع يديه مع كل تكبيرة.
10- وكان صلى الله عليه وسلم إذا اتم التكبير اخذ فى القراءة, فقرأ فاتحة الكتاب, ثم قرأ بعدها: {ق ? وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [سورة ق: 1] في إحدى الركعتين, وفي الأخرى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} [سورة القمر: 1]، وربما قرأ فيهما: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [سورة الأعلى: 1] و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [سورة الغاشية: 1]، صح عنه هذا وهذا, ولم يصح عنه غير ذلك.
11- فإذا فرغ من القراءة كبر وركع, ثم إذا أكمل الركعة وقام من السجود كبر خمس متوالية, فإذا أكمل التكبير أخذ في القراءة, فيكون التكبير أول ما يبدأ به في الركعتين, والقراءة يليها الركوع.
12- وكان صلى الله عليه وسلم إذا اكمل الصلاة انصرف, فقام مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم, فيعظهم ويوصيهم, ويأمرهم وينهاهم.
13- ولم يكن هناك منبر يرقى عليه, ولم يكن يخرج منبر المدينة, وإنما كان يخطبهم قائما على الأرض.
وقال جابر رضي الله عنه: "شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد, فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة, ثم قام متوكئا على بلالٍ, فأمر بتقوى الله وحث على طاعته, ووعظ الناس وذكرهم , ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن" [متفق عليه].
14- وكان صلى الله عليه سلم يفتتح خطبه كلها بالحمد لله, ولم يحفظ عنه فى حديث واحد أنه كان يفتتح خطبتي العيدين بالتكبير.
15- ورخص صلى الله عليه وسلم لمن شهد العيد أن يجلس للخطبة, وأن يذهب, ورخص لهم إذا وقع العيد يوم الجمعة أن يجتزئوا بصلاة العيد عن الحضور الجمعة.
16- وكان صلى الله عليه وسلم يخالف الطريق يوم العيد, فيذهب من طريق ويرجع من آخر, فقيل: ليسلم على اهل الطريقين, وقيل: لينال بركته الفريقان, وقيل: ليقضي حاجة من له حاجة منهما, وقيل: ليظهر شعائر الإسلام فى سائر الفخاخ والطرق, وقيل وهو الأصح: أنه لذلك كله ولغيره من الحكم التي لا يخلو فعله عنها.
الله أكبر الله أكبر... لا إٍله إٍلا الله, والله أكبر, الله أكبر ولله الحمد.
تنبيهات وأخطاء:
1- يحرم صيام يوم العيد لحديث أبي سعيد ان النبي صلى الله عليه وسلم: "نهى عن صيام يومين: يوم الفطر, ويوم النحر" [متفق عليه].
2- لا بأس أن يهنئ المسلمون بعضهم بعضاً بالعيد, فإن ذلك من مكارم الأخلاق.
3- يستحب التوسعة على الأهل والعيال فى المأكل والمشرب والملبس دون أسراف أو تبذير, ويستحب كذلك صله ارحم وزيارة الأهل والأقارب والإخوان.
4- ومن الأخطاء: إحياء ليلة العيد بالصلاة والقراءة والقيام, واعتقاد أن لقيامها فضلًا عن غيرها من الليالي.
5- ومن الأخطاء ترك صلاة العيد والتهاون بأدائها مع أنها واجبة في أصح الأقوال, وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج لها النساء والبنات حتى الحيض منهن, ليشهدن الخير من المسلمين, إلا ان الحيض يعتزلن المصلى.
6- ومن الأخطاء: اختلاط الرجال بالنساء في مصلى العيد وغيره, وخروج النساء إلى المصلى في كامل زينتهن وتبرجهن.
7- ومن الاخطاء: استقبال العيد بالمعاصي والمنكرات من غناء ورقص ومعازف بدعوى الفرح والسرور.
8- ومن الأخطاء: تخصيص يوم العيد لزيارة المقابر ودعاء الأموات.
9- ومن الأخطاء: الإسراف والتبذير في أيام العيد ولو كلن في أمور مباحة كالأكل والشرب والملبس وغيرها.
10- ومن الأخطاء: السفر أيام العيد إلى بلاج الكفر حيث الأجواء الموبؤة والانحلال.
من أحكام الأضحية:
ذكر الإمام ابن القيم رحمة الله ما ملخصة:
1- الذبائح التي هي قربة إلى الله وعبادة ثلاثة: الهدي, والأضحية, والعقيقة.
2- كان هديه صلى الله عليه وسلم نحر الإبل قياما مقيدة معقولة اليسرى.
3- وكان صلى الله عليه وسلم يسمي الله عند نحره ويكبر.
4- وكان صلى الله عليه وسلم يذبح نسكه بيده, وربما وكل في بعضة.
5- وأباح صلى الله عليه وسلم لأمته أن يأكلوا من هداياهم وضحاياهم, ويتزودوا منها.
6- وكان صلى الله عليه وسلم لا يدع الأضحية, وكان يضحي بكبشين.
7- وكان ينحرهما بعد صلاة العيد, وأخبر أن «ومن نحر قبل الصلاة، فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النسك في شيء» [رواه البخاري].
8- وأيام الذبح: يوم النحر وثلاثة أيام بعده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «كل أيام التشريق ذبح» [قال الألباني لا ينزل عن درجة الحسن بالشواهد] .
9- ومن هدية صلى الله عليه وسلم أن من أراد التضحية, ودخل عشر من ذي الحجة, فلا يأخذ من شعره وبشره شيئا, لثبوت النهي عن ذلك في صحيح مسلم.
10- وكان من هديه اختيار الأضحية واستحسانها, وسلامتها من العيوب, ونهى أن يضحى بعضباء الأذن والقرن, أى مقطوعة الأذن ومكسورة القرن [أخرجة أحمد وأهل السنن].
11- وأمر ان تستشرف العين والأذن -أي ينظر إلى سلامتها- وألا يضحى بعوراء ولا مقابلة, ولا مدابرة, ولا شرقاء ولا خرقاء [رواه أحمد وأهل السنن وصححه الحاكم].
والمقابلة: هى التي قطع مقدم أذنها, ولمدابرة: التي قطع مؤخر أذنها. والشرقاء: التي شقت أذنها, ةالخرقاء : التى خرقت أذنها.
وذكر عنه أيضا: «أربع لا يجزين في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها و العجفاء التي لا تنقي» [صححه الألباني]، أى: من هزالها لا مخ فيها.
12- وكان من هديه أن يضحى بالمصلى ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذبح وينحر بالمصلى.
13- وأمر الناس إذا ذبحوا أن يحسنوا الذبح وإذا قتلوا أن يحسنوا القتل وقال: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء» [رواه الترمذي وصححه الألباني].
14 - وكان من هديه أن الشاة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته ولو كثر عددهم، كما قال صلى الله عليه وسلم قال عطاء بن يسار: سألت أبا أيوب الأنصارى: "كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟"، فقال: "إن الرجل يضحى بالشاة عنه وعن أهل بيته, فيأكلوا ويطعمون" [صححه الألباني].
موعظة:
عباد الله:
قد أحرم القوم عن الحلال, فأحرموا أنتم عن الحرام, منعوا أنفسهم من الطيب, فاحذروا أنتم جيفة الهوى!!
يا حسنهم وقد نزعوا المخيط, ونزعوا عن التضييع والتفريط.
فارقوا لأجل مولاهم وأولادهم, وأعروا عن رقيق الثياب له أجساد, وتركوا في مراضيه محبوبهم ومرادهم, فأصبحوا وقد اعطاهم, وأمسوا وقد افادهم.
فيا أخي الحبيب:
أين المنيب الأواب؟!، أين المجدَّ السابق؟!، هذا يوم يرحم فيه الصادق.
أسفًا لعبد لم يغفر له اليوم ما جنى, كلما هم بخير نقض الطرد ما بنى, حضر مواسم الأرباح فما حصل خيرا ولا اقتنى, ودخل بساتين الفلاح فما مد كفًا ولا جنى, ليت شعري من منا خاب, ومن منا نال المنى؟!
الله أكبر الله أكبر... لا إله إلا الله, والله أكبر, الله أكبر ولله الحمد.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.