التاجر الأمين
التاجر الأمين عبدالرحمن بن عوف -رضي الله عنه-
الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله وبعد...
فإنّ التاجر الأمين مكانه في جنّة النّعيم مع النّبيّين والصِّدِّيقين والشهداء والصّالحين، فكيف به إذا جمع مع أمانة التجارة الإخلاص في الدّين والتّضحية والإنفاق في سبيله؟
حديثنا مع تاجرٍ أمينٍ، مع رجلٍ رُزق نعمة الثّراء فاستعملها في خدمة دينه وأمّته، إنّه عبد الرّحمن بن عوف.
- اسمه ونسبه:
هو: عبد الرّحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب، وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو فسمَّاه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حين أسلم عبد الرّحمن. واسم أمّه صفية بنت عبد مناف بن زهرة بن كلاب، ويقال: أمّه الشفاء بنت عوف بن عبد الحارث بن زهرة. يتبيّن من هذا أنّ عبدالرّحمن بن عوف يلتقي نسبه مع نسب النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من جهة أبيه وأمّه، وذلك في جدِّه زهرة.
- مولده:
روى ابن سعد في الطّبقات أنّه ولد بعد عام الفيل بعشرٍ سنينٍ.
- كنيته:
عُرف عبدالرّحمن بن عوف بكنية أبي محمّدٍ.
- صفته:
روي عن سهلة بنت عاصم قالت: كان عبدالرّحمن بن عوف أبيض، أعين، أهدب الأشفار (كثير شعر جفون العينين.)، أقنى (صفة في الأنف، وهي طُوله ورِقَّة أرْنَبَتِه مع حَدَبٍ في وسطه)، طويل النّابين الأعليين، ربما أدمى نابه شفته، له جمة أسفل من أذنيه (الجُمَّة: الشعر)، أعنق (أي طويل العنق) ضخم الكتفين.
وروى زياد البكائي عن ابن إسحاق قال: كان ساقط الثّنيّتين، أهتم، أعسر، أعرج. كان أصيب يوم أحد فهتم، وجرح عشرين جراحة، بعضها في رجله، فعرج.
- زوجاته وأولاده:
تزوج عبدالرّحمن من نساءٍ كُثر، وأنجب منهنّ، وبلغ عدد أولاد عبدالرّحمن بن عوف -رضي الله عنه- قرابة ثمانية وعشرين ولدًا؛ منهم عشرين ذكرًا وثمانِ إناث.
- إسلامه وهجرته:
عرف عبدالرّحمن بن عوف -رضي الله عنه- الإسلام مبكرًا، فأسلم قبل أن يدخل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- دار الأرقم بن أبي الأرقم، وقبل أن يدعو فيها، وكان أحد الخمسة الّذين أسلموا على يد أبي بكر الصِّدِّيق وبدعوةٍ منه، وهو أحد الثّمانية الّذين بادروا إلى الإسلام.
وبعد إسلام عبدالرّحمن بن عوف -رضي الله عنه- نال حظَّه ونصيبه من اضطهاد المشركين وأذاهم، وهاجر مع من هاجر إلى الحبشة مرتين: الهجرة الأولى والثّانية، ثمّ هاجر بعد ذلك إلى المدينة المنورة تاركًا خلفه في مكة أموالًا كثيرةً وضياعًا عديدةً ابتغاءً مرضاة ربّه ونصرة دينه.
عن أنس قال: قدم عبدالرّحمن بن عوف المدينة فآخى النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بينه وبين سعد بن الرّبيع الأنصاريّ، فعرض عليه -أي سعدًا- أن يناصفه أهله وماله، فقال عبدالرّحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك دلَّني على السّوق، فربح شيئًا من أقطٍ وسمنٍ، فرآه النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بعد أيامٍ وعليه وَضَر من صفرةٍ، فقال النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: مهُيم يا عبدالرّحمن قال: يا رسول الله تزوجت امرأةً من الأنصار، قال: فما سقت فيها؟ فقال: وزن نواةٍ من ذهبٍ، فقال النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم: «أولم ولو بشاة» [رواه البخاري 5072] (الوَضَر: التّلطخ بخلوقٍ أو طيبٍ له لون).
- شذى العرف من فضائل ابن عوف:
عبدالرّحمن بن عوف أحد السّابقين إلى الإسلام، وشهد بدرًا والمشاهد كلّها مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنّة، وأحد السّتّة أصحاب الشّورى الّذين أخبر عمر عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه توفي وهو عنهم راضٍ، وأحد أثرياء المسلمين الّذين جنَّدوا أموالهم كلّها في سبيل الله.. فمن صور مناقبه وفضائله -رضي الله عنه-:
-هو أحد الكيانات الاقتصادية الكبيرة في الإسلام والّذي ساعد بماله كثيرًا لدرجة أنّه يمكننا القول: إنّ مال عبدالرحمن -رضي الله عنه- كان للإسلام، وبعبارة أخرى: أن نصيب الإسلام من مال عبدالرّحمن كان أكثر بكثيرٍ من نصيب عبدالرّحمن نفسه منه. وهذا أمرٌ أقرَّ به عبد الرّحمن نفسه حيث يقول فيما رواه أحمد بسنده: "لقد رأيتني ولو رفعت حجراً رجوت أن أصيب تحته ذهباً أو فضة".
- الجنّة أغلى مطلوب: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: «أبو بكر في الجنّة، وعمر في الجنّة، وعثمان في الجنّة، وعليّ في الجنّة، وطلحة في الجنّة، والزّبير في الجنّة، وعبدالرّحمن بن عوف في الجنّة، وسعد بن أبي وقاص في الجنّة، وسعيد بن زيد في الجنّة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنّة» [رواه التّرمذي 3747 وصححه الألباني].
- صلاته -صلّى الله عليه وسلّم- خلفه: أنّ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- صلَّى خلفه في غزوة تبوك، وهي شهادةٌ ضمنيةٌ من النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- له بالصّلاح؛ لأنّ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لن يأتمَّ بفاسق، ولا يكون له ذلك.
روى مسلم بسنده عن المغيرة بن شعبة أنّه غزا مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- تبوك - قال المغيرة -: «فتبرَّز رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قِبل الغائط فحملت معه إداوةً قبل صلاة الفجر، فلمَّا رجع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلىَّ أخذت أُهريق على يديه من الإداوة، وغسل يديه ثلاث مرَّات، ثم غسل وجهه، ثم ذهب يخرج جُبَّتَه عن ذراعيه، فضاق كُمَّا جُبَّته، فأدخل يديه فى الجُبَّة حتى أخرج ذراعيه من أسفل الجبَّة، وغسل ذراعيه إلى المرفقين، ثم توضأ على خُفَّيه، ثم أقبل -قالَ المغيرة- فأقبلت معه حتى نَجِدُ الناس قد قدَّموا عبدالرّ-حمن بن عوفٍ فصلَّى لهم، فأدرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- إحدى الرَّكعتين فصلَّى مع النّاس الرَّكعة الآخرة، فلمَّا سلَّم عبدالرّحمن بن عوفٍ قام رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يتمّ صلاته، فأفزع ذلك المسلمين، فأكثروا التّسبِيح، فلمّا قضى النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- صلاته أقبل عليهم ثم قال: «أحسنتم» أو قال: «قد أصبتم». يغبطهم أنّ صلوا الصّلاة لوقتها» [رواه مسلم 274].
- إنفاقه في سبيل الله:
ومن صور إنفاقه: أنّه أعتق في يومٍ واحدٍ ثلاثين عبدًا. وروى معمر عن الزّهري قال: "تصدَّق عبدالرّحمن بن عوف على عهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بشطر ماله أربعة آلاف، ثم تصدَّق بأربعين ألفًا، ثم تصدَّق بأربعين ألف دينارٍ، ثم حمل على خمسمائة فرسٍ في سبيل الله، ثمّ حمل على خمسمائة راحلةٍ في سبيل الله، وكان عامّةُ ماله من التّجارة" (رواه الطبراني في المعجم الكبير وأبو نعيم في الحلية).
عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة: "أن عبدالرّحمن بن عوف أوصى بحديقة لأمهاتِ المؤمنين بيعت بأربعمائة ألف" [رواه التّرمذي 3750 وحسنه الألباني].
- جهاده مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-:
لم يكتف عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- بجهاده بماله في سبيل الله وإنّما قدَّم روحه فداء لدينه، فشهد المشاهد كلّها مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، ولم يتوان عن نصرة الإسلام. فكان أحد الصّحابة الّذين شهدوا بدرًا، وكان بينه وبين أبي بكر وعمر بعير واحد يتعاقبون عليه.
- سؤال عبدالرّحمن سببًا للتّخفيف عن ذوي الأعذار:
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما: عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- رخَّص لعبدالرّحمن بن عوفٍ والزّبير بن العوَّام فى القمص الحرير فى السَّفر من حكَّةٍ كانت بِهما أو وجعٍ كان بِهما [رواه البخاري 2919 ومسلم 2076].
-وفاة عبدالرّحمن بن عوف:
وبعد حياة حافلة بالإنجازات توفى سنة إحدى وثلاثين بالمدينة وهو ابن خمس وسبعين سنة، وأوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله، وأوصى بألف فرس في سبيل الله. رضي الله عن عبدالرّحمن بن عوف وعن جميع صحابة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وحشرنا معهم في مستقر رحمته إنّه سميعٌ مجيبٌ، وصلّى الله على نبيّنا محمّدٍ وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أنِ الحمدلله ربّ العالمين.
الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله وبعد...
فإنّ التاجر الأمين مكانه في جنّة النّعيم مع النّبيّين والصِّدِّيقين والشهداء والصّالحين، فكيف به إذا جمع مع أمانة التجارة الإخلاص في الدّين والتّضحية والإنفاق في سبيله؟
حديثنا مع تاجرٍ أمينٍ، مع رجلٍ رُزق نعمة الثّراء فاستعملها في خدمة دينه وأمّته، إنّه عبد الرّحمن بن عوف.
- اسمه ونسبه:
هو: عبد الرّحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب، وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو فسمَّاه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حين أسلم عبد الرّحمن. واسم أمّه صفية بنت عبد مناف بن زهرة بن كلاب، ويقال: أمّه الشفاء بنت عوف بن عبد الحارث بن زهرة. يتبيّن من هذا أنّ عبدالرّحمن بن عوف يلتقي نسبه مع نسب النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من جهة أبيه وأمّه، وذلك في جدِّه زهرة.
- مولده:
روى ابن سعد في الطّبقات أنّه ولد بعد عام الفيل بعشرٍ سنينٍ.
- كنيته:
عُرف عبدالرّحمن بن عوف بكنية أبي محمّدٍ.
- صفته:
روي عن سهلة بنت عاصم قالت: كان عبدالرّحمن بن عوف أبيض، أعين، أهدب الأشفار (كثير شعر جفون العينين.)، أقنى (صفة في الأنف، وهي طُوله ورِقَّة أرْنَبَتِه مع حَدَبٍ في وسطه)، طويل النّابين الأعليين، ربما أدمى نابه شفته، له جمة أسفل من أذنيه (الجُمَّة: الشعر)، أعنق (أي طويل العنق) ضخم الكتفين.
وروى زياد البكائي عن ابن إسحاق قال: كان ساقط الثّنيّتين، أهتم، أعسر، أعرج. كان أصيب يوم أحد فهتم، وجرح عشرين جراحة، بعضها في رجله، فعرج.
- زوجاته وأولاده:
تزوج عبدالرّحمن من نساءٍ كُثر، وأنجب منهنّ، وبلغ عدد أولاد عبدالرّحمن بن عوف -رضي الله عنه- قرابة ثمانية وعشرين ولدًا؛ منهم عشرين ذكرًا وثمانِ إناث.
- إسلامه وهجرته:
عرف عبدالرّحمن بن عوف -رضي الله عنه- الإسلام مبكرًا، فأسلم قبل أن يدخل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- دار الأرقم بن أبي الأرقم، وقبل أن يدعو فيها، وكان أحد الخمسة الّذين أسلموا على يد أبي بكر الصِّدِّيق وبدعوةٍ منه، وهو أحد الثّمانية الّذين بادروا إلى الإسلام.
وبعد إسلام عبدالرّحمن بن عوف -رضي الله عنه- نال حظَّه ونصيبه من اضطهاد المشركين وأذاهم، وهاجر مع من هاجر إلى الحبشة مرتين: الهجرة الأولى والثّانية، ثمّ هاجر بعد ذلك إلى المدينة المنورة تاركًا خلفه في مكة أموالًا كثيرةً وضياعًا عديدةً ابتغاءً مرضاة ربّه ونصرة دينه.
عن أنس قال: قدم عبدالرّحمن بن عوف المدينة فآخى النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بينه وبين سعد بن الرّبيع الأنصاريّ، فعرض عليه -أي سعدًا- أن يناصفه أهله وماله، فقال عبدالرّحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك دلَّني على السّوق، فربح شيئًا من أقطٍ وسمنٍ، فرآه النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بعد أيامٍ وعليه وَضَر من صفرةٍ، فقال النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: مهُيم يا عبدالرّحمن قال: يا رسول الله تزوجت امرأةً من الأنصار، قال: فما سقت فيها؟ فقال: وزن نواةٍ من ذهبٍ، فقال النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم: «أولم ولو بشاة» [رواه البخاري 5072] (الوَضَر: التّلطخ بخلوقٍ أو طيبٍ له لون).
- شذى العرف من فضائل ابن عوف:
عبدالرّحمن بن عوف أحد السّابقين إلى الإسلام، وشهد بدرًا والمشاهد كلّها مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنّة، وأحد السّتّة أصحاب الشّورى الّذين أخبر عمر عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه توفي وهو عنهم راضٍ، وأحد أثرياء المسلمين الّذين جنَّدوا أموالهم كلّها في سبيل الله.. فمن صور مناقبه وفضائله -رضي الله عنه-:
-هو أحد الكيانات الاقتصادية الكبيرة في الإسلام والّذي ساعد بماله كثيرًا لدرجة أنّه يمكننا القول: إنّ مال عبدالرحمن -رضي الله عنه- كان للإسلام، وبعبارة أخرى: أن نصيب الإسلام من مال عبدالرّحمن كان أكثر بكثيرٍ من نصيب عبدالرّحمن نفسه منه. وهذا أمرٌ أقرَّ به عبد الرّحمن نفسه حيث يقول فيما رواه أحمد بسنده: "لقد رأيتني ولو رفعت حجراً رجوت أن أصيب تحته ذهباً أو فضة".
- الجنّة أغلى مطلوب: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: «أبو بكر في الجنّة، وعمر في الجنّة، وعثمان في الجنّة، وعليّ في الجنّة، وطلحة في الجنّة، والزّبير في الجنّة، وعبدالرّحمن بن عوف في الجنّة، وسعد بن أبي وقاص في الجنّة، وسعيد بن زيد في الجنّة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنّة» [رواه التّرمذي 3747 وصححه الألباني].
- صلاته -صلّى الله عليه وسلّم- خلفه: أنّ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- صلَّى خلفه في غزوة تبوك، وهي شهادةٌ ضمنيةٌ من النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- له بالصّلاح؛ لأنّ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لن يأتمَّ بفاسق، ولا يكون له ذلك.
روى مسلم بسنده عن المغيرة بن شعبة أنّه غزا مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- تبوك - قال المغيرة -: «فتبرَّز رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قِبل الغائط فحملت معه إداوةً قبل صلاة الفجر، فلمَّا رجع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلىَّ أخذت أُهريق على يديه من الإداوة، وغسل يديه ثلاث مرَّات، ثم غسل وجهه، ثم ذهب يخرج جُبَّتَه عن ذراعيه، فضاق كُمَّا جُبَّته، فأدخل يديه فى الجُبَّة حتى أخرج ذراعيه من أسفل الجبَّة، وغسل ذراعيه إلى المرفقين، ثم توضأ على خُفَّيه، ثم أقبل -قالَ المغيرة- فأقبلت معه حتى نَجِدُ الناس قد قدَّموا عبدالرّ-حمن بن عوفٍ فصلَّى لهم، فأدرك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- إحدى الرَّكعتين فصلَّى مع النّاس الرَّكعة الآخرة، فلمَّا سلَّم عبدالرّحمن بن عوفٍ قام رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يتمّ صلاته، فأفزع ذلك المسلمين، فأكثروا التّسبِيح، فلمّا قضى النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- صلاته أقبل عليهم ثم قال: «أحسنتم» أو قال: «قد أصبتم». يغبطهم أنّ صلوا الصّلاة لوقتها» [رواه مسلم 274].
- إنفاقه في سبيل الله:
ومن صور إنفاقه: أنّه أعتق في يومٍ واحدٍ ثلاثين عبدًا. وروى معمر عن الزّهري قال: "تصدَّق عبدالرّحمن بن عوف على عهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بشطر ماله أربعة آلاف، ثم تصدَّق بأربعين ألفًا، ثم تصدَّق بأربعين ألف دينارٍ، ثم حمل على خمسمائة فرسٍ في سبيل الله، ثمّ حمل على خمسمائة راحلةٍ في سبيل الله، وكان عامّةُ ماله من التّجارة" (رواه الطبراني في المعجم الكبير وأبو نعيم في الحلية).
عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة: "أن عبدالرّحمن بن عوف أوصى بحديقة لأمهاتِ المؤمنين بيعت بأربعمائة ألف" [رواه التّرمذي 3750 وحسنه الألباني].
- جهاده مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-:
لم يكتف عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- بجهاده بماله في سبيل الله وإنّما قدَّم روحه فداء لدينه، فشهد المشاهد كلّها مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، ولم يتوان عن نصرة الإسلام. فكان أحد الصّحابة الّذين شهدوا بدرًا، وكان بينه وبين أبي بكر وعمر بعير واحد يتعاقبون عليه.
- سؤال عبدالرّحمن سببًا للتّخفيف عن ذوي الأعذار:
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما: عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- رخَّص لعبدالرّحمن بن عوفٍ والزّبير بن العوَّام فى القمص الحرير فى السَّفر من حكَّةٍ كانت بِهما أو وجعٍ كان بِهما [رواه البخاري 2919 ومسلم 2076].
-وفاة عبدالرّحمن بن عوف:
وبعد حياة حافلة بالإنجازات توفى سنة إحدى وثلاثين بالمدينة وهو ابن خمس وسبعين سنة، وأوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله، وأوصى بألف فرس في سبيل الله. رضي الله عن عبدالرّحمن بن عوف وعن جميع صحابة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وحشرنا معهم في مستقر رحمته إنّه سميعٌ مجيبٌ، وصلّى الله على نبيّنا محمّدٍ وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أنِ الحمدلله ربّ العالمين.