سيدة نساء العالمين قدوة لنساء عصرنا
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن بعض النساء المسلمات في هذا العصر تعيش فراغاً في كل شيء.
فراغاً في القدوة.. فلا تجد من تقتدي بها في أخلاقها ودينها.
فراغاً في الإيمان.. فلا نجد من يذكرها بالله تعالى ويطعم روحها من معاني القرآن والسنة.
فراغاً في الوقت.. فتشكو من كثرة الأوقات وقلة الأعمال.. وفي مقابل ذلك تواجه هجمة شرسة لهدم حرمتها، وإبراز عورتها، تضييع كرامتها، بألفاظ براقة، ودعايات خداعة، تنادي بحقوقها ومساواتها بالرجل.
تصوروا فتاة لا تجد القدوة الحسنة التي تعلمها وتهذبها وتربيها لا في البيت ولا في المدرسة ولا الكلية، وتعاني ضعفاً في الإيمان، والجهل بأحكام الدين، يصاحب ذلك الفراغ وتوفر المال، ثم يأتيها جند إبليس من كل حدب وصوب يزينون لها الخروج والغزل والتبرج واللهو، يوهمونها أن ذلك من حقوقها وأن فيه سعادتها ورواحتها وملء فراغ وقتها وقتل الملل في حياتها.
ألا يدعو كل ذلك إلى الانجراف إلى مواطن الخطر، وفساد الخلق، وضياع الحياء والدين؟
نحن في هذه الكلمة العابرة نحاول أن نبرز لأختنا المسلمة القدوة والأسوة التي تبحث عنها فلا تجدها، نجتهد في أن نقدم صورة مشرقة لفتاة مؤمنة صادقة تصلح أن تكون قدوة لكافة الفتيات والزوجات.
هذه الفتاة لم يتجاوز عمرها العشرون، كانت صابرة دينة خيرة صينة قانعة شاكرة لله، بشرها النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة مع السيادة فيها، فهي سيدة نساء العالمين في زمانها. فمن هي؟...
كيف نالت هذه الدرجة الرفيعة، في الوقت الذي يتهاوى فيه كثير من النساء والشيطان يتخذهن غرضاً وهدفاً لكل مفسد؟
قال عليه الصلاة والسلام: «أُريت النار، فرأيت أكثر أهلها من النساء» [رواه البخاري]. لم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه بالتبرج والسفور وتضييع حق الله عليها. لم تكن لتصل إلى الجنة والسيادة على نسائها، وهي تخالل الشباب، غارقة في شهواتها، لم تكن لتنال ذلك، وهي تقتدي بالكافرات، وترتكب كل ما يزينه الشيطان لها. لم تكن كذلك إلا وهي صاحبة مباديء وإيمان، صاحبة طاعة وعبادة لربها، قرة عين لزوجها، قائمة بحقه وحق بيتها، حافظة لعرضها وعفتها وجمالها، بعيدة عن أعين الرجال، محتشمة صادقة مؤمنة خاشعة، فأيما فتاة أرادث أن تلحق بركبها، فلتركب مطيتها، ولتقتد بسيرتها، ولتتخذها أسوة.
قال عليه الصلاة والسلام: «فاطمة سيدة نساء أهل الجنة»، إنها ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الطاهرة النقية الطائعة المتعبدة الكارهة للتبرج والسفور، الصابرة على ما أصابها رضي الله عنها. ولدت قبل البعثة بقليل، وتزوجها علي رضي الله عنه، في السنة الثانية للهجرة، وولدت له الحسن والحسين، كان أبوها رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمها ويحبها لصدقها ودينها وصبرها.
قالت عائشة رضي الله عنها: «جاءت فاطمة تمشي ما تخطيء مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام إليها أبوها وقال مرحباً بابنتي». ما قام لها وما أحبها إلا لعظم شأنها عند ربها.
لم تكن فتاة ككل الفنيات، ولم تكن امرأة ككل النساء، لم تفخر على النساء والقرينات بأبيها، ولم تتعالى على زوجها بمنزلة أبيها، بل كانت رضي الله عنها نعم الزوجة لزوجها، تقوم على خدمته، وتسعى في رضاه، وتأتمر بأمره وتقف عند نهيه. مثال رائع لكل زوجة لزوجها.. جاءت تشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تلقى في يديها من الرحى إذا طحنت، وفي نحرها إذا حملت القربة، حتى أصابها الضر، والجهد، وتسأله خادماً، فجاءها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي معها وقد دخلا في فراش إذا غطيا رؤوسهما تكشفت أقدامهما وإذا غطيا أقدامهما تكشفت رؤوسهما، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ألا أدلكما على خير مما سألتماني، إذا أخذتما مضجعكما أو أويتما الى فراشكما، فسبحا ئلاثاً وثلائين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثن، فهو خير لكما من خادم» [رواه أحمد، انظر صحيح الجامع 2619]
فرضيت وقنعت وصبرت على الفقر والشدة، رضي الله عنها، وهي بذلك ترسل رسالة حية إلى كل امرأة رضيت بالدعة والخمول، وآثرت الخروج من البيت والتسكع في الطرقات تاركة عمل بيتها وواجباتها، إن ذلك ليس من سبيل المؤمنات العاقلات السابقات، وتعلّم كل امرأة تتخذ خادمة في بيتها أن تسبيحها وتحميدها وتكبيرها لله تعالى هي وزوجها خير من خادم، وأعون على قضاء حوائج البيت وأعماله، لو كانوا يعلمون.
أما عن طاعتها لزوجها، فقد كانت تعلم وهي التي تربت في بيت النبوة والدين أن طاعة الزوج من موجبات دخول الجنة «إذا صلّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت روجها، دخلت الجنة بإذن ربها» [رواه ابن حبان، انظر صحيح الجامع 660].
لما مرضت أتى أبو بكر رضي الله عنه فاستأذن فقال علي رضي الله عنه: "يا فاطمة، هذا أبو بكر يستأذن عليك. فقالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم فأذنت له".
قال الذهبي: "عملت بالسنة رضي الله عنها، فلم تأذن في بيت زوجها إلا بأمره".. ونساء اليوم يغلب عليهن عصيان الزوج، والتعدي على حقوقه، كما أن الأزواج كذلك لهم نصيب من ظلم الزوجات، لكن علياً وفاطمة رضي الله عنهما كانا خير زوجين لبعضهما، كانا يلتمسان رضا بعضهما.. لما أراد علي أن يتزوج عليها ابنة أبي جهل، غضبت وغضب لغضبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يغضب لغضبها.
ويقول صلى الله عليه وسلم: «فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها فقد أغضبني»، فترك علي الخطبة رعاية لها، فما تزوج عليها ولا تسرى حتى ماتت.. والتعدد حلال بنص الكتاب، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره أن تجتمع ابنته وابنة عدو الله أبو جهل تحت رجل واحد، لما في ذلك من الأذى والعار لفاطمة رضي الله عنها، ولأنها أصيبت في أمها ثم أخواتها واحدة بعد واحدة فلم يبق لها من تستأنس به ممن يخفف عليها الأمر إذا تزوج عليها، فلذا كرهت ولأجلها كره رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك.
وقد كانت رضي الله عنها تحب الحشمة والستر وتكره التبرج والخلاعة والسفور، قالت لأسماء بنت عميس: "إني أستقبح ما يصنع النساء، يطرح على المرأة الثوب، فيصفها!". تقصد إذا ماتت ووضعت في نعشها، قالت: "يا ابنة رسول الله، ألا أريك شيئاً رأيته بالحبشة؟" فدعت بجرائد رطبة فحتتها، ثم طرحت عليها ثوباً، فقالت فاطمة رضي الله عنها: "ما أحسن هذا وأجمله، إذا مت فغسليني أنت وعلي، ولا يدخل علي أحد". هذه الطاهرة النقية تشعر بقلق خشية أن يبدو شيئاً من وصف جسدها وهي ميتة، فكيف بها وهي حية؟ وهذه رسالة بليغة لكل مسلمة رضيت أن تظهر زينتها ووصف جسدها لكل ناظر، وسارت أمام الرجال متبرجة سافرة. رضي الله عنها، ولم يصب أحد بمثل مصابها. ماتت خديجة رضي الله عنها، ثم أخواتها جميعاً ولم يبق لها من أهلها إلا أبوها.
وفي يوم جاءت إليه فأسر لها بقرب رحيله، فبكت بكاءً مراً، تخيلت نفسها وقد فقدت أعز الناس، وصارت وحيدة من أهلها، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنها وبكاءها، أسر لها بأنها أول من يتبعه من أهله، فزال حزنها وكربتها، وداخلها السرور، فضحكت.
وقد ذكر ابن حجر أن من أسباب فضلها على غيرها من النساء صبرها على وفاة أبيها. فإن كل بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم متن في حياته فكن في صحيفته، إلا هي فقد مات في حياتها فكان في صحيفتها، يدل على ذلك أنه لما رأى حزنها وبكاءها على قرب وفاته بشرها فقال صلى الله عليه وسلم: «أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمبن» يعني إن صبرت واحتسبت، وفي رواية عند الطبري أنه قال لها: «أحسب أني ميت في عامي هذا، وأنه لم ترزأ - تصب - امرأة من نساء العالمين مثل ما رزئت، فلا تكوني دون امرأة منهن صبرا، فبكيت، فقال: أنت سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم، فضحكت».
مناقب فاطمة رضي الله عنها
ولما ثقل بالنبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه الكرب، فقالت: "واكرب أبتاه"، فقال صلى الله عليه وسلم : «ليس على أبيك كرب بعد اليوم»، فلما مات حزنت عليه، وبكته، وقالت: "يا أبتاه، إلى جبريل ننعاه، يا أبتاه أجاب رباً دعاه، يا أبتاه، جنة الفردوس مأواه". وقالت بعد دفنه: "يا أنس، كيف طابت نفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم". وعاشت بعده حزينه مكروبة مريضة سبعين ليلة ثم ماتت بشهرين، أو ثلاث.. كانت زاهدة رضي الله عنها، ماتت وعمرها ثمان وعشرون، رضي الله عنها، فهي أسوة حسنة لكل مسلمة في أخلاقها وصبرها وطاعتها وحشمتها وعفتها، هدى الله النساء للسير على سنتها.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن بعض النساء المسلمات في هذا العصر تعيش فراغاً في كل شيء.
فراغاً في القدوة.. فلا تجد من تقتدي بها في أخلاقها ودينها.
فراغاً في الإيمان.. فلا نجد من يذكرها بالله تعالى ويطعم روحها من معاني القرآن والسنة.
فراغاً في الوقت.. فتشكو من كثرة الأوقات وقلة الأعمال.. وفي مقابل ذلك تواجه هجمة شرسة لهدم حرمتها، وإبراز عورتها، تضييع كرامتها، بألفاظ براقة، ودعايات خداعة، تنادي بحقوقها ومساواتها بالرجل.
تصوروا فتاة لا تجد القدوة الحسنة التي تعلمها وتهذبها وتربيها لا في البيت ولا في المدرسة ولا الكلية، وتعاني ضعفاً في الإيمان، والجهل بأحكام الدين، يصاحب ذلك الفراغ وتوفر المال، ثم يأتيها جند إبليس من كل حدب وصوب يزينون لها الخروج والغزل والتبرج واللهو، يوهمونها أن ذلك من حقوقها وأن فيه سعادتها ورواحتها وملء فراغ وقتها وقتل الملل في حياتها.
ألا يدعو كل ذلك إلى الانجراف إلى مواطن الخطر، وفساد الخلق، وضياع الحياء والدين؟
نحن في هذه الكلمة العابرة نحاول أن نبرز لأختنا المسلمة القدوة والأسوة التي تبحث عنها فلا تجدها، نجتهد في أن نقدم صورة مشرقة لفتاة مؤمنة صادقة تصلح أن تكون قدوة لكافة الفتيات والزوجات.
هذه الفتاة لم يتجاوز عمرها العشرون، كانت صابرة دينة خيرة صينة قانعة شاكرة لله، بشرها النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة مع السيادة فيها، فهي سيدة نساء العالمين في زمانها. فمن هي؟...
كيف نالت هذه الدرجة الرفيعة، في الوقت الذي يتهاوى فيه كثير من النساء والشيطان يتخذهن غرضاً وهدفاً لكل مفسد؟
قال عليه الصلاة والسلام: «أُريت النار، فرأيت أكثر أهلها من النساء» [رواه البخاري]. لم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه بالتبرج والسفور وتضييع حق الله عليها. لم تكن لتصل إلى الجنة والسيادة على نسائها، وهي تخالل الشباب، غارقة في شهواتها، لم تكن لتنال ذلك، وهي تقتدي بالكافرات، وترتكب كل ما يزينه الشيطان لها. لم تكن كذلك إلا وهي صاحبة مباديء وإيمان، صاحبة طاعة وعبادة لربها، قرة عين لزوجها، قائمة بحقه وحق بيتها، حافظة لعرضها وعفتها وجمالها، بعيدة عن أعين الرجال، محتشمة صادقة مؤمنة خاشعة، فأيما فتاة أرادث أن تلحق بركبها، فلتركب مطيتها، ولتقتد بسيرتها، ولتتخذها أسوة.
قال عليه الصلاة والسلام: «فاطمة سيدة نساء أهل الجنة»، إنها ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الطاهرة النقية الطائعة المتعبدة الكارهة للتبرج والسفور، الصابرة على ما أصابها رضي الله عنها. ولدت قبل البعثة بقليل، وتزوجها علي رضي الله عنه، في السنة الثانية للهجرة، وولدت له الحسن والحسين، كان أبوها رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمها ويحبها لصدقها ودينها وصبرها.
قالت عائشة رضي الله عنها: «جاءت فاطمة تمشي ما تخطيء مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام إليها أبوها وقال مرحباً بابنتي». ما قام لها وما أحبها إلا لعظم شأنها عند ربها.
لم تكن فتاة ككل الفنيات، ولم تكن امرأة ككل النساء، لم تفخر على النساء والقرينات بأبيها، ولم تتعالى على زوجها بمنزلة أبيها، بل كانت رضي الله عنها نعم الزوجة لزوجها، تقوم على خدمته، وتسعى في رضاه، وتأتمر بأمره وتقف عند نهيه. مثال رائع لكل زوجة لزوجها.. جاءت تشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تلقى في يديها من الرحى إذا طحنت، وفي نحرها إذا حملت القربة، حتى أصابها الضر، والجهد، وتسأله خادماً، فجاءها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي معها وقد دخلا في فراش إذا غطيا رؤوسهما تكشفت أقدامهما وإذا غطيا أقدامهما تكشفت رؤوسهما، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ألا أدلكما على خير مما سألتماني، إذا أخذتما مضجعكما أو أويتما الى فراشكما، فسبحا ئلاثاً وثلائين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثن، فهو خير لكما من خادم» [رواه أحمد، انظر صحيح الجامع 2619]
فرضيت وقنعت وصبرت على الفقر والشدة، رضي الله عنها، وهي بذلك ترسل رسالة حية إلى كل امرأة رضيت بالدعة والخمول، وآثرت الخروج من البيت والتسكع في الطرقات تاركة عمل بيتها وواجباتها، إن ذلك ليس من سبيل المؤمنات العاقلات السابقات، وتعلّم كل امرأة تتخذ خادمة في بيتها أن تسبيحها وتحميدها وتكبيرها لله تعالى هي وزوجها خير من خادم، وأعون على قضاء حوائج البيت وأعماله، لو كانوا يعلمون.
أما عن طاعتها لزوجها، فقد كانت تعلم وهي التي تربت في بيت النبوة والدين أن طاعة الزوج من موجبات دخول الجنة «إذا صلّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت روجها، دخلت الجنة بإذن ربها» [رواه ابن حبان، انظر صحيح الجامع 660].
لما مرضت أتى أبو بكر رضي الله عنه فاستأذن فقال علي رضي الله عنه: "يا فاطمة، هذا أبو بكر يستأذن عليك. فقالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم فأذنت له".
قال الذهبي: "عملت بالسنة رضي الله عنها، فلم تأذن في بيت زوجها إلا بأمره".. ونساء اليوم يغلب عليهن عصيان الزوج، والتعدي على حقوقه، كما أن الأزواج كذلك لهم نصيب من ظلم الزوجات، لكن علياً وفاطمة رضي الله عنهما كانا خير زوجين لبعضهما، كانا يلتمسان رضا بعضهما.. لما أراد علي أن يتزوج عليها ابنة أبي جهل، غضبت وغضب لغضبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يغضب لغضبها.
ويقول صلى الله عليه وسلم: «فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها فقد أغضبني»، فترك علي الخطبة رعاية لها، فما تزوج عليها ولا تسرى حتى ماتت.. والتعدد حلال بنص الكتاب، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره أن تجتمع ابنته وابنة عدو الله أبو جهل تحت رجل واحد، لما في ذلك من الأذى والعار لفاطمة رضي الله عنها، ولأنها أصيبت في أمها ثم أخواتها واحدة بعد واحدة فلم يبق لها من تستأنس به ممن يخفف عليها الأمر إذا تزوج عليها، فلذا كرهت ولأجلها كره رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك.
وقد كانت رضي الله عنها تحب الحشمة والستر وتكره التبرج والخلاعة والسفور، قالت لأسماء بنت عميس: "إني أستقبح ما يصنع النساء، يطرح على المرأة الثوب، فيصفها!". تقصد إذا ماتت ووضعت في نعشها، قالت: "يا ابنة رسول الله، ألا أريك شيئاً رأيته بالحبشة؟" فدعت بجرائد رطبة فحتتها، ثم طرحت عليها ثوباً، فقالت فاطمة رضي الله عنها: "ما أحسن هذا وأجمله، إذا مت فغسليني أنت وعلي، ولا يدخل علي أحد". هذه الطاهرة النقية تشعر بقلق خشية أن يبدو شيئاً من وصف جسدها وهي ميتة، فكيف بها وهي حية؟ وهذه رسالة بليغة لكل مسلمة رضيت أن تظهر زينتها ووصف جسدها لكل ناظر، وسارت أمام الرجال متبرجة سافرة. رضي الله عنها، ولم يصب أحد بمثل مصابها. ماتت خديجة رضي الله عنها، ثم أخواتها جميعاً ولم يبق لها من أهلها إلا أبوها.
وفي يوم جاءت إليه فأسر لها بقرب رحيله، فبكت بكاءً مراً، تخيلت نفسها وقد فقدت أعز الناس، وصارت وحيدة من أهلها، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنها وبكاءها، أسر لها بأنها أول من يتبعه من أهله، فزال حزنها وكربتها، وداخلها السرور، فضحكت.
وقد ذكر ابن حجر أن من أسباب فضلها على غيرها من النساء صبرها على وفاة أبيها. فإن كل بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم متن في حياته فكن في صحيفته، إلا هي فقد مات في حياتها فكان في صحيفتها، يدل على ذلك أنه لما رأى حزنها وبكاءها على قرب وفاته بشرها فقال صلى الله عليه وسلم: «أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمبن» يعني إن صبرت واحتسبت، وفي رواية عند الطبري أنه قال لها: «أحسب أني ميت في عامي هذا، وأنه لم ترزأ - تصب - امرأة من نساء العالمين مثل ما رزئت، فلا تكوني دون امرأة منهن صبرا، فبكيت، فقال: أنت سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم، فضحكت».
مناقب فاطمة رضي الله عنها
ولما ثقل بالنبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه الكرب، فقالت: "واكرب أبتاه"، فقال صلى الله عليه وسلم : «ليس على أبيك كرب بعد اليوم»، فلما مات حزنت عليه، وبكته، وقالت: "يا أبتاه، إلى جبريل ننعاه، يا أبتاه أجاب رباً دعاه، يا أبتاه، جنة الفردوس مأواه". وقالت بعد دفنه: "يا أنس، كيف طابت نفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم". وعاشت بعده حزينه مكروبة مريضة سبعين ليلة ثم ماتت بشهرين، أو ثلاث.. كانت زاهدة رضي الله عنها، ماتت وعمرها ثمان وعشرون، رضي الله عنها، فهي أسوة حسنة لكل مسلمة في أخلاقها وصبرها وطاعتها وحشمتها وعفتها، هدى الله النساء للسير على سنتها.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.