صحيفه بريطانية تتحدث عن عائلة من قصرالجدي
عن صحيفة العرب اللندنية - 16 مارس 2007
تشتهر منطقة البطنان منذ القدم بالصيد وخاصة الصيد بالصقور والطيور الجارحة.. والتى تعتبر من بين الرياضات أو العادات الجميلة التى تشتهر بها العديد من الأسر والعائلات البطنانية التى تتوارثها عبر الأجيال وتحافظ على ممارستها وتعتز بانتمائها إلى فئة الصيادين. وتحرص على تكريس جزء من حياتها لهذه المهنة وتخصيص جانب من معيشتها ووقتها لمتابعتها مهما كلفها الأمر من تضحيات مالية واجتماعية وغيرها.
ويتساوى فى ذلك كل أصحاب هذه الهواية سواء الصياد البسيط أو الصياد المثقف المتعلم الذى يحمل أعلى الشهادات العلمية.
ومن تلك الأسر.. أسرة الحاج عيسى سعداوى القطعانى والتى كان لنا معها هذا اللقاء حيث التقينا بالشاب الصقار/ محمد عيسى سعداوى وسألناه:
* رياضة الصقور هى من بين رياضات عديدة لماذا صيد الصقور بالذات؟ ومتى بدأت فى هذه الرياضة..؟
- بدأت مع هذه الرياضة ومع صيد الصقور منذ نعومة أظفارى ومنذ أن كان عمرى لا يتجاوز الخمس عشرة سنة وأحببت صيد الصقور لان أبى صياد وهو الحاج عيسى السعداوى وكان دائماً يتحدث معنا عن محاسن صيد الصقور وأن أجدادنا القدماء كانوا يصطادون الصقور من أجل لحوم الحبارى والأرانب وكان اصطياد الصقور فى موسم معين فى السنة وبعد الانتهاء من هذا الموسم يطلق سراح هذه الصقور وكان الطير"الصقر"يسد رمق نجع بأكمله بما يصطاده من الطيور"الحباري" ومن الأرانب البرية ولكن فى السنوات الأخيرة من القرن الماضى قل وجود طيور الحبارى وغيرها وكذلك ندر وجود الصقور وكثر الصيادون وظهرت مسألة بيع هذه الطيور ووصلت أسعارها إلى مبالغ باهظة بالنسبة إلى هؤلاء الصيادين البسطاء، وكذلك دخل على هذه الرياضة أناس ليست لهم علاقة ولا خبرة بها، وذلك من أجل البيع والشراء والسمسرة فقط. بالرغم من ذلك هناك صيادون حقيقيون لازالوا يتمسكون بهذه الهواية فى طبرق منهم الحبون وال اسحام وعدد من القبائل الأخرى كالقطعان وغيرهم ووصل الأمر إلى أن هناك عدد من الصيادين باعوا بعض الحلى والممتلكات من اجل اقتناء صقر..
فانا أحببت صيد الصقور وكنت اذهب وأنا صغير مع أبى وتعلمت منه الصيد، كنت أراقب كل صغيرة وكبيرة يفعلها أثناء خروجه للصيد وأثناء وقوع الصقر فى الشرك وأثناء تخليصه وتعلمت كيف أتعامل مع الطائر الحر بطريقة سليمة وصحيحة.. أيضا إخوتى الصغار هم كذلك أحبوا صيد الصقور وهم أيضا تعلموا هذه الهواية..
* نحن نسمع أن هناك مواسم للصيد فى بحر الرمال العظيم متى يبدأ هذا الموسم ؟
- نعم موسم الرمل يبدأ من شهر 9 ويستمر حتى شهر11 من السنة، فتجد الصيادين يستعدون لهذا الموسم بالمؤن ووسائل النقل ويضطر بعضهم إلى الاستدانة لتوفير لوازم الصيد فى هذه الرحلة الطويلة والخطيرة ويترك أهله ويتوجه إلى مكان الصيد فى الصحراء الليبية مع حدود مصر وليبيا والسودان، والصياد عندما يصل إلى مكان الصيد ينسى كل شيء تركه ويركز ذهنه فى الصيد، وبعد انقضاء فترة الصيد يرجع إلى أهله إما يحمل طائراً وإما أن تكون الأجواء الجميلة التى قضاها هى حظه من هذه الرحلة..
- بصراحة البيع فى الداخل وفى الخارج فهناك أسواق كبيرة فى بعض دول الخليج تعرض فيها صقور من إيران ومن مصر ومن ليبيا ومن بعض الدول الآسيوية والأفريقية والأوربية الأخرى، وعندما يصل الطير الليبى إلى هذه الأسواق تكون له الصدارة دائماً لان الصقور الليبية تمتاز بالقوة والصلابة والقدرة على اقتناص الفريسة الكبيرة مثل طائر"النغاق" و"الوز".
- فى البداية الصياد عندما يستعد لهذه الرحلة عليه أن يضع أداة الصيد وتسمى"اللفافة". وكان الصيادون القدامى يصنعون عيونها من سبيب الحصان وغيرها الآن أصبحت تصنع من خيوط سنارة صيد الأسماك واللفافة نفسها تصنع من خيوط الخرازة ويجدل هذا الخيط ويخصص مكان لأجنحة الطير والرقبة ويربط بها خيط يطلق عليه "المرس" يتراوح طوله بين 10 و20 مترا، ويذهب الصياد فى رحلته سواء بمحاذاة البحر أو فى الرمل أو فى الصحراء، وعندما تكون بسيارتك أو على الأقدام تجد الطير"الصقر" واقفاً على حافة تلال الرمل أو على حجرة او على سلك كهرباء فتطلق "الحمامة" التى بها "اللفافة" فتطير عاليا وعندما يراها الصقر وخاصة "الفرخ" ينقضّ عليها مباشرة. وعندما نمسك بالطير نضع له قماطا لان الطير غالباً ما يكون حاد الطباع عند الإمساك به وحركته القوية قد تؤدى إلى كسر ريشة من ريشه، وعندما تصل به إلى الخيمة ترشه بماء وتضعه على الرمل.
- هذا العام الصيد يعتبر اقل من الأعوام الماضية فأخى الأصغر خليل ذهب مع مجموعة من الصيادين إلى منطقة الحدود المشتركة مع السودان" دنقلة" مرتين وفى المرة الثانية مكثوا عشرين يوماً فى شهر رمضان ولأن الحرارة كانت مرتفعة والأجواء صعبة افطروا يومين فى نهار رمضان واستطاع هو ومن معه ان يمسكوا باحد الصقور فى منطقة "برج الصقور" وجاؤوا به وبيع بمبلغ ستة آلاف دينار. أيضا أخى الآخر ناصر السعداوى اصطاد على البحر صقراً وعندما وقع فى النقل الذى يحمله طار"الطرشون" ونزل به فى مكان سحيق على سفح جبل فنزل خلفه دون أن يشعر أو يحسب عواقب ذلك من شدة فرحه وكذلك خوفاً على الصقر من الفرار، وهذا الصقر كان مقاس 15.50 ضارب 15.50 وبعناه بمبلغ 7.500 دينار ليبي، أما شقيقى الثالث فأمسك بصقر صبيحة يوم عيد الفطر وكان فرحاً باصطياده.
- لكل صاحب مهنة مجموعة من القيم والأخلاقيات التى يستقيها من ظروف مهنته وتعتبر مهنة الصيد مهنة كريمة وهواية أصيلة ترسخ عدة مفاهيم من بينها الشهامة والرجولة والاعتزاز بالنفس، فالصياد يترك خيمته فى الصحراء حتى يهتدى إليها عابرو سبيل والصيادون الآخرون ليتزودوا بالماء والمؤن والوقود إن لزم الأمر، كذلك طبيعة الصيد فى الصحراء تحتم على الصياد أن يعتمد فى غذائه على المواد الجافة والطعام البدوى الذى يصنعه بيده مثل تجفيف اللحم"القديد" وكذلك طهى الخبز"المجردق" كل هذه العادات الأصيلة يتحلى بها أجدادنا القدامى.
* ما هى احتياجات الصياد فى رحلة صيد الصقور ؟
- الاحتياجات هى حمام و"لفايف" و"انقولة" وطائر "القشة" لعمل الفكك و حريرة وسيارة طاوية خاصة بالصيد ووقود لازم وخيمة وفأس وحاجيات ولوازم نستعملها تكفى لرحلة الصيد التى قد تستغرق عدة أسابيع.
- هناك أنواع من الصقور كما تعرف مثل الحصاوي،النداوي، فرخ الشاهين "ابحارية"، القشة ولكن عادة ما تتواجد الشواهين على سواحل البحر أو فى الأماكن التى تنزل بها الأمطار فى الصحراء وطريقة الصيد على الساحل تكون بوضع حمامة فى "لفافة" وتوضع على سفح جبل أو صخرة على شاطئ البحر ويأتى الصقر او الشاهين ماراً ليجد تلك الحمامة أو غيرها من الحمائم فتعلق أرجله بعيون"اللفافة" ثم نمسكه، وقد نضطر إلى عمل "نقل" وهو وضع ريش داخل "لفافة" فى رجلى طائر مثل"قشة" ونقوم بوضع كمامة على عينيها أو تخييط عينيها ونطلقها فيراها الصقر فيظن أنها تحمل طائراً آخر فينقض على الريش ويحصل هذا الصقر.
أما صيد الصقور فى الصحراء فانه لا يوجد أى شيء يعلق به"المرس" الحبل المربوط فى "اللفافة" بل توجد رمال ناعمة فقط لذلك نقوم بتدريب طائر "القشة" أو طائر"البريمي" المسمى "فكك" حتى نطلقه عند الحاجة إليه، ونأتى بحمامة نضع عليها "لفافة" وهذه الحمامة نسميها "هددْ" وتكون هذه اللفافة بدون "مرس" وعندما نرى الصقر أو الشاهين نطلق الحمامة وعندما يعلق بها الصقر ويحملها بين رجليه عندها نطلق "القشة أو البريمي" المسمى "فكك" حتى يقتفى تلك الحمامة فيسقط بها وهى عالقة بالصقر ويقوم الصياد بتخليص الصقر والسماح للقشة او البريمى بالتهام الحمامة حتى لا يفقد المصداقية ويكون أكثر تعاوناً فى المرات القادمة.
* هل لطائر البريمى أو القشة سعر مرتفع ؟
- سعره يتراوح بين 80 و100 دينار ولكن فى موسم صيد الصقور فى الرمل سعره يصل إلى 200 دينار واحدهما وجوده مع الصياد بنسبة 80% وإذا لم يكن معك فور وصولك إلى الرمل تمسك باحدهما لعمل"الفكك".
- نعم أتذكره جيد فقد كان شاهين، أمسكت به وعمرى آنذاك 22 سنة ومكث معنا 7 سنوات كاملة وأتذكر ان تجارا خليجيين أرادوا شراءه فرفض والدى وقال معزة هذا الطير من معزة ابنى الأصغر كما أتذكر انه ضاع منا لعدة أيام وامسك به احد الصيادين من منطقة القعرة وكان يوم رجوعه يوم عيد بالنسبة إلينا وذبحنا شاتين وأقمنا احتفالا برجوع هذا الشاهين، وأيضا أضعناه مرة أخرى وامسكنا به على شاطئ البحر وفرحنا برجوعه كذلك.
* ما هى الأمراض التى تصيب الصقور ؟
- هناك عدد كبير من الأمراض أخطرها مرض"الشص" وهو شبيه بمرض السرطان يصيب رقبة الصقر ولكن الخليجيين اكتشفوا له دواءا وموجود عندى بعض من هذا الدواء، ومرض "الشص" يطلق عليه فى الخليج اسم"إقلاع".
- نحن نعرف عمر الطير من خلال النظر إلى الأرجل والمنقار والريش، فالطير الذى أرجله فيها بياض بسيط يكون عمره أول بيت"سنة واحدة" أما الذى أرجله صفراء بالكامل فانه يكون قضى البيت الثانى والثالث، وأيضا الطير يقوم بتغيير ريشه بدءا من الجناح من الداخل تدريجياً وحتى آخر ريشتين التين يطلق عليهما اسم"السماميك".
- الصقور عندها إحساس عالٍ جداً فإذا ضايقها احد الجالسين تنظر إليه بنظرات حادة مقلقة وعندما تطلقه لاصطياد الحبارى ولم يفلح فى اقتناصها يحزن ولا يرجع إلى صاحبه مباشرة بل يقف بعيداً وكأنه يستحى منك لعدم مقدرته على اصطيادها وفى كثير من الأحيان لا يواصل مطاردته لها إذا فشل فى قنصها بعد فترة وجيزة من طيرانه، وإذا امسك بها على الصياد أن يتركه يأكل منها "فماأو فمين"..
وللصقر وزن معين إذا زاد أو نقص تصبح عملية اصطياده للطيور محفوفة بالفشل والوزن المعتاد والمناسب يتراوح بين 9000 جرام و1200 جرام، فإذا قل وزنه عن هذا المعدل لا يستطيع اللحاق بالفريسة لضعفه وإذا زاد لا يستطيع لقوته وشعوره بعدم الرغبة فى الأكل.
* من هم ابرز صيادى الصقور فى البطنان ؟
- هناك الكثيرون اذكر منهم أبومهلهل وعيت اسحام وبوزريقة وعزالدين والحاج والعمدة عثمان وإدريس بوبكر ومسعد رجب ومستور ومفتاح المالكى والصالحين بومشهى والشرصات وبورغيدة وحبون امساعد والبردى والقطعان، وصيادو الصقور فى البطنان هم الأكثر فى ليبيا.
عن صحيفة العرب اللندنية - 16 مارس 2007
انتهي