أم دينار

يظن كثير من الناس أن علم القيادة والإدارة من العلوم الحديثة التي طرأت على حياتنا ولكن عندما نمعن النظر في ذلك ندرك أن هذا الأمر له جذور عميقة في تاريخنا بالإضافة الى لعبه دوراً هاماً في تاريخ الذين تركوا بصماتهم الواضحة في التاريخ وغيروا مساره وربما مسار الأمة جمعاء ومن أعظم القادة الذين عرفهم التاريخ القديم والحديث الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم حيث أقام حضارة وأسس دولة وربى أجيالاً وعلم أقواماً من جهل وأخرجهم من ظلمة حتى صاروا جميعاً قادة ورواداً ورفعوا راية الإسلام خفاقة في كل مكان، حتى وجدنا ناشئهم أسامة ابن زيد رضي الله عنه يقود جيشاً وتحت لواءه وقيادته من هو أعلى منه منزلة وأرفع قدراً وسبقاً للإسلام ولكنها القيادة وحسن الإدارة التي لا تعرف سناً ولا تقف عند عمرٍ محددٍ. وهذا الذي ربى عليه القائد الفذ محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه وأمته، لذا غير بعيد أن يعده الكاتب الأمريكي صاحب كتاب العظماء مائه أول العظماء فهو والله كذلك بحق. ولنعلم جميعاً أن كل منا قائد في مجال ما وربما لا يدري، فمنا القائد في بيته والقائد بين أصدقائه والقائد بين إخوانه وأخواته وعشيرته والقائد في مدرسته أو مصنعه أو متجره، ولفهم القيادة بشكل صحيح ولتحقيق أفضل النتائج التى نرمي اليها عند تولينا القيادة ولفهم شخصية من نقودهم حتى نأخذ بيدهم الى بر الأمان ولا نضيعهم فنكسب إثمهم، إذ يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم " كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول" يتوجب علينا أن نفهم معنى القيادة، إذ يعرفها علماء القيادة والإدارة بأنها قيادة الأشخاص وذلك من خلال كسب قلوبهم واستمالة عقولهم من خلال الإقناع والحوار وحرية الرأي وعدم التسلط والأخذ بالشورى كما فعل أعظم قادة العالم محمد صلى الله عليه وسلم والذي ضرب لنا أروع الأمثلة وأبهاها في التشاور مع أصحابه وسيرته العطرة مليئة بتلك الأمثلة ومنها أخذه الرأي والشورى في خوض عزوة بدر حيث كان يقول لأصحابه أشيروا علي أيها الناس! وكذلك المشورة في المنزل الذي نزله يوم بدر وكذلك الأخذ برأي السيدة أم سلمة رضي الله عنها يوم الحديبية، إذا فعل القائد ذلك نال حب من يقودهم فكان ذلك مدعاة لهم لأن يبذلوا أقصى ما في وسعهم من طاقة لأجل إسعاده وتحقيق ما يرمي إليه وما يعود بالنفع على الجميع. ولكي تتبوأ أمتنا مكانتها التي غابت عنها وتستعيد قوتها بين الأمم وتحقق رجاء أبنائها فيها تحتاج الأمة الى قادة يجددون لها شبابها ويبعثون فيها النشاط والحيوية ويحيون فيها روح الأمل والمثابرة والإقدام وعدم التراخي، ولهؤلاء القادة الذين ننتظرهم ونحلم بهم صفات ومقومات علنا نتعرف عليها إذ ربما يكون ذلك باعثاً لأصحاب الهمم العالية منا والروح السباقة أن يشمروا عن سواعد الجد ويستجمعوا قواهم ويوقظوا مشاعرهم ويحركوا ساكنهم تجاه هذه الأمة فيكونون سبباً لنهضتها ورفعتها وما أكثر هؤلاء الأبطال الذين يتحينون الفرصة لكي يثبتوا وجودهم ولكن ما هي صفات هؤلاء الركب حتى نلحق بهم ونتعرف عليهم؟ من أهم صفات القادة الناجحين:
1.الإصغاء الجيد وعدم تجاهل الأمور والهروب منها ومعالجتها بموضوعية وحيادية 2. إنصاف الضعفاء والمساكين دون محاباة لأحد على الآخر 3. رفع الروح المعنوية للعاملين من خلال تكريم المثيب والمجد وبعث الحافز فيهم 4. تفهم شخصيات الآخرين وإيجاد السبل المناسبة للتأثير عليهم والوصول الى قلوبهم 5. التمتع بالحكمة وبعد النظر 6. الثقة بالنفس دون الغرور والقدرة على اتخاذ القرار في الوقت المناسب دون الإلقاء بالتبعية واللوم على الآخرين 7. المشورة وعدم التسلط والتشبث بالرأي والتكبر على الآخرين 8. استخدام سياسة الباب المفتوح في التعامل مع المرؤوسين وعدم تقريب وتفضيل البعض على البعض 9. إقامة علاقات اجتماعية جيدة مع الزملاء والعاملين ومشاركتهم الأفراح والأتراح 10. تحديد الأهداف ووضع الخطط والعمل على تنفيذها 11. الطموح والمثابرة والجد في العمل 12. مراقبة سلوك الآخرين والتعلم منهم وعدم تصيد الأخطاء لهم وترك لوم المقصر أمام الناس 13. عدم السعي وراء المصلحة الشخصية وترك المصالح العامة 14. الشجاعة والقدرة والاعتراف بالخطأ والندم عليه 15. العمل على إرضاء العملاء وآخذ آرائهم في الخدمات المقدمة اليهم ومدى رضاهم عنها وطرق تحسينها 16. تقبل النقد البناء وعدم الالتفات لرأي الجهلاء والمسوفين وترك تافهات الأمور ورث الكلام 17 القدرة على الإقناع وحل الأزمات 18. بشاشة الوجه وطلاقة اللسان وتقديم الهدايا وتقبل الأعذار والمسامحة والصفح.
ولنعلم أن هذه الأمور تأتي بالتمرس وتوطين النفس، فيا ليت لنا بقادة ذوي صدر رحب يبعثون فينا الأمل ويعملون على نهضة أمتنا والأخذ بها الى مواكبة الأمم ورفع شأنها وبناء أجيال قادرة على المنافسة وإيجاد الذات والاعتزاز بالنفس والهوية والعرق والجنس وليس أجيالاً متخاذلة ضالة الطريق منعدمة الهوية.
بقلم: مـحـمـد عــلـي كــدش
خبير في علم القيادة والتدريب ومترجم قانوني