و في أنفسكم أفلا تبصرون
وفي أنفسـكم أفــلا تبصــرون الجهاز البولي
رسم يظهر الجهاز البولي للانسان
الدكتور منصور أبوشريعة العبادي
يلعب الجهاز البولي دورا بالغ الأهمية في جسم الإنسان فبتعطله عن العمل فإن حياة الإنسان لا يمكن أن تستمر إلا إلى أيام معدودة. ويعتبر العلماء الكلية التي هي أهم مكونات الجهاز البولي أعجوبة بيولوجية بعد أن تمكنوا من معرفة تركيبها وآليات عملها والوظائف المتعددة التي تقوم بها بكفاءة منقطعة النظير. إن الكلية لا يعرف الإنسان قدرها وأهميتها إلا بعد أن تتعطل ولا تتمكن من القيام بوظائفها مما يؤدي بصاحبها إلى الموت المحقق فيما سبق من العصور. أما في هذا العصر فإنه بالإمكان استخدام الكلى الصناعية أو ما يسمى بغسيل الكلى لإنقاذ حياة الشخص حيث يلزم المريض مراجعة المستشفى عدة مرات في الأسبوع ليتم معالجته بهذه الكلية الصناعية لعدة ساعات متواصلة في كل مراجعة. إن من يتفكر في تركيب الجهاز البولي والوظائف التي يقوم بها يوقن تماما أن الذي قام بتصميمه خالق لا حدود لعلمه وقدرته وليس كما يدعي الملحدون أنه قد تم بالصدفة وذلك لما فيه من أفكار خلاقة وتصاميم معقدة لا يمكن أن تخطر على بال البشر. فهذه الكلية التي لا يتجاوز حجمها قبضة اليد تحتوي على مليون وحدة تنقية تسمى النيفرونات وهي ذات تصاميم عجيبة تمكن العلماء من كشف كثير من أسرار تركيبها وآليات عملها وهم يعملون جاهدين لصنع مرشحات صناعية لأجهزة غسيل الكلى تحاكي النيفرونات في عملها ولكن هيهات هيهات أن يتمكنوا من ذلك وصدق الله العظيم القائل "هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11)" لقمان.
إن الوظيفة الأولى للجهاز البولي هو إخراج بعض أنواع الفضلات التي تنتجها خلايا الجسم نتيجة للتفاعلات الكيميائية والعمليات الحيوية التي تجري داخلها بلا انقطاع أو ما يسمى بالأيض أو الاستقلاب (Metabolism). وهذه العمليات إما عمليات بناء (Anabolism) تقوم الخلايا خلالها إنتاج مواد عضوية معقدة كالبروتينات والكربوهيدرات والدهون من مواد عضوية بسيطة تحصل عليها من الجهاز الهضمي وإما عمليات هدم (Catabolism) يتم خلالها تفكيك المواد العضوية المعقدة إلى مواد عضوية بسيطة للحصول على الطاقة. وتقوم الخلايا بإخراج هذه الفضلات إلى السائل المحيط بها ومن ثم يتم جمعها باستخدام الشعيرات الدموية لتختلط ببقية مكونات الدم المفيدة. إن أول خطوة تلزم لتصميم الجهاز البولي هو معرفة هذه الفضلات وإذا كان البشر بما يملكون من عقول كانوا يجهلون طبيعة هذه الفضلات فكيف يمكن لعاقل أن يصدق أن الصدفة قد تمكنت من معرفتها ومن ثم قامت بتصميم جهاز يمكنه فصل هذه الفضلات بكل سهولة عن مكونات الدم المفيدة وإخراجها خارج الجسم. لقد تمكن العلماء بعد دراسات مضنية من معرفة أنواع الفضلات التي تنتجها خلايا الجسم وذلك بعد أن تمكنوا من التعرف على مكونات الدم وكذلك مكونات البول.
وتنقسم الفضلات إلى نوعين رئيسين وهي الفضلات الكربونية والفضلات النيتروجينية فالفضلات الكربونية والتي أهمها ثاني أكسيد الكربون فتخرج من خلال الرئتين وأما الفضلات النيتروجيتية والتي أهمها اليوريا والأمونيا وحامض اليوريك والكريتانين فتخرج من خلال الكلى. وبسبب السمية العالية للأمونيا (Ammonia (NH3)) فإنه من لطف الله بعباده أن الجسم يقوم بتحويلها إلى اليوريا ذات السمية الأقل ويتم ذلك في الكبد. ويقوم الجهاز البولي كذلك بتنقية الدم من أي مواد غريبة قد تدخل إلى الجسم عن طريق الجهاز الهضمي أو عن طريق الحقن من خلال الجلد كالعقاقير والأدوية والمواد المخدرة والسموم بمختلف أنواعها. أما الوظيفة الثانية للجهاز البولي فهي الحفاظ على حجم ثابت للدم في جسم الإنسان ويتم ذلك من خلال التحكم بكمية الماء الموجودة فيه ولذلك نجد أنه مهما بلغت كمية الماء الذي يشربه الإنسان فإن الكلى تقوم بإخراج الماء الزائد مباشرة وإلا أصيب الإنسان بالتسمم المائي (Water intoxication ). ويحدث التسمم المائي نتيجة لزيادة كمية الماء في الدم وبالتالي في خلايا الجسم التي تبدأ بالانتفاخ نتيجة للماء الزائد فيها مما يؤدي إلى اختلال في تركيز مكوناتها وبالتالي فشلها بالقيام بوظائفها. وأما الوظيفة الثالثة فهي الحفاظ على توازن مختلف أنواع الأملاح في الدم وبالتالي في الجسم حيث تقوم الكلى بالتخلص من الأملاح الزائدة في الدم بشكل مستمر أو ترسل إشارات لبعض أعضاء الجسم لتزويد الدم بالأملاح عند نقصانها.
وأما الوظيفة الرابعة فهي ضبط الأس الهيدروجيني (pH) على قيمة ثابتة وهي 7.4 ويتم ذلك من خلال زيادة شوارد الهيدروجين (+H) في الدم عند نقصان حموضة الدم وزيادة البايكربونات (HCO3) عند نقصان قلوية الدم. أما الوظيفة الخامسة فهي التحكم بضغط الدم حيث تقوم الكلى عند انخفاض الضغط بإفراز هرمون الرينين ( Rennin) والذي يقوم بتحفيز مجموعة من التفاعلات الكيميائية التي تعمل على انقباض الشرايين الطرفية وكذلك زيادة ضخ الدم من القلب مما يؤدي إلى ارتفاع الضغط. أما عند انخفاض الضغط فإنها تقوم بإفراز هرمون البروستاجلاندين والذي يقوم بتحفيز مجموعة من التفاعلات الكيميائية التي تعمل على توسعة الشرايين الطرفية وكذلك تقليل ضخ الدم من القلب مما يؤدي إلى انخفاض الضغط. أما الوظيفة السادسة فهي تنظيم معدل إنتاج كريات الدم الحمراء
حيث تقوم الكلية بإفراز هرمون الاريثروبيوتين (Erythropiotein) والذي يقوم بتنشيط خلايا نخاع العظام لتقوم بإنتاج كميات كافية من الكريات وترسلها إلى الدم. أما الوظيفة السابعة فهي تنشيط فيتامين-دال وهو المسؤول عن تنظيم امتصاص الكالسيوم من الأمعاء وترسيبه في العظام.
إن فشل الكلى في القيام بهذه الوظائف البالغة الأهمية للجسم تؤدي كما ذكرنا سابقا إلى الموت المحقق بعد عدة أيام من حدوث الفشل الكلوي. فبمجرد توقف الكلى عن العمل تبدأ فضلات الأيض بالتراكم في الدم وفي السائل المحيط بالخلايا ويؤدي تراكم اليوريا في الجسم إلى الإصابة بتسمم اليوريا (Uremia) وأول من يتأثر بهذا التسمم الدماغ والجهاز العصبي حيث يصاب الإنسان أولا بالخمول وعدم التركيز والرغبة في النوم ثم التشنج ثم الدخول في الغيبوبة. ويبدأ أيضا عند الفشل الكلوي ارتفاع حموضة الدم والذي يترتب عليه ظهور أعراض كثيرة كالقلق والهيجان وتسارع التنفس واضطراب دقات القلب مما قد يؤدي إلى الموت المفاجئ. ومن الأعراض الأخرى للفشل الكلوي ارتفاع ضغط الدم وصعوبة في التنفس نتيجة احتقان الرئتين والإحساس بألم أثناء التنفس بسبب التهاب الغشاء البلوري المغلف للرئتين نتيجة ترسيب بلورات اليوريا. ومن الأعراض أيضا جفاف الجلد والأغشية المخاطية في الفم والبلعوم ويميل لون الجلد إلى السواد و تنميل وخدر وعدم الاحساس في الأطراف.
وبما أن الوظيفة الرئيسية للكلى هي تنقية الدم من فضلات الأيض وإخراجها مع البول فلا بد من شرح بسيط لمكونات الدم وكذلك مكونات البول ليسهل شرح عمل الجهاز البولي. يتكون الدم من مكونيين رئيسيين وهما خلايا الدم (blood cells) وتشكل ما نسبته 45 بالمائة والبلازما (plasma) وتشكل ما نسبته 55 بالمائة وذلك من حجم الدم الكلي. وتتكون خلايا الدم بدورها من ثلاثة أنواع من الخلايا وهي خلايا الدم الحمراء (red blood cells) وخلايا الدم البيضاء (white blood cells) والصفائح الدموية (platelets) وهذه الخلايا خالية من النوى فلذلك لا يمكنها الانقسام ويحصل عليها الدم من مصانع خاصة في جسم الإنسان. أما البلازما وهي المكون السائل للدم وفيه تسبح خلايا الدم فتتكون من الماء والتي تبلغ نسبته 90 بالمائة من حجمها ومن مواد عضوية تبلغ نسبتها 9 بالمائة ومن مواد غير عضوية تبلغ نسبتها واحد بالمائة. فالمواد العضوية تتكون من مواد نافعة وهي بروتينات الدم وخاصة الألبومين (Albumin ) والغلوبيولين (Globulin) والفيبرينوجين (Fibrinogen) وسكر الجلوكوز ( Glucose) وبعض الدهون (Lipid) والأحماض الأمينية والفيتامينات والأنزيمات والهرمونات. وأما المواد العضوية الضارة والتي تفرزها خلايا الجسم كفضلات لعمليات الأيض فهي اليوريا (Urea) بتركيز يتراوح بين 110 و 530 ملليغرام في كل لتر من البلازما والكريتانين (Creatinine) بتركيز يتراوح بين 8 و 12 ملليغرام في كل لتر وحامض اليوريك (Uric acid) بتركيز يتراوح بين 3 و 7 ملليغرام في كل لتر. أما المواد غير العضوية فهي عبارة عن أملاح مكونة من عناصر مرتبة حسب تركيزها وهي الصوديوم والكلور والبوتاسيوم والكالسيوم والمغنيسيوم والحديد والبايكربونات (HCO3-) بالإضافة إلى غازات الأكسجين وثاني أكسيد الكربون والهيدروجين والنيتروجين. وأما البول وهو ذو لون أصفر فيتكون من الماء حيث تصل نسبته إلى 95 بالمائة من حجم البول ومن اليوريا والتي يبلغ تركيزها في المتوسط 17غرام لكل لتر ومن الصوديوم والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 2.7 غرام لكل لتر ومن الكلور والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 4.4 غرام لكل لتر ومن البوتاسيوم والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 2 غرام لكل لتر ومن الكريتانين والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 1.8 غرام لكل لتر ومن الكالسيوم والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 2 غرام لكل لتر ومن حامض اليوريك والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 0.4 غرام لكل لتر.
لقد ذكرنا فيما سبق أن أول خطوة لتصميم جهاز يقوم بتنقية الدم من الفضلات الضارة هو معرفة أنواع هذه الفضلات وكذلك تركيبها الكيميائي وذكرنا كذلك أنه يستحيل أن يتم ذلك بالصدفة. أما الخطوة التالية فهي تصميم هذا الجهاز والذي سيوقن القارئ أنه لا بد وأن يكون جهاز بالغ التعقيد إذا ما ضربنا له المثال التالي. فلو أننا قمنا بإذابة ملعقة من الملح وملعقة من السكر في كوب من الماء فهل بالإمكان فصل الملح عن السكر من هذا المحلول باستخدام جهاز ما. ومن الطبيعي أن غالبية الناس بما في رؤوسهم من عقول لا يمكنهم أن يقوموا بتصميم مثل هذا الجهاز وربما قالوا أن عملية الفصل هذه قد تكون مستحيلة. أما المختصون في علوم الكيمياء والأحياء فمن خلال دراستهم للمحاليل وأنواعها والطرق المستخدمة لفصل المواد المذابة فقد يتمكنوا من تصميم مثل هذا الجهاز والذي قد يكون بالغ التعقيد. وإذا كان هذا هو الحال مع هذه المحلول البسيط الذي يحتوي على نوعين فقط من المواد فلا بد أن يكون الجهاز المراد تصميمه لتنقية الدم من الفضلات الضارة بالغ التعقيد ولا بد أن يبنى على أسس علمية محددة ويحتاج إلى مصمم عليم وخبير.
لقد تمكن العلماء بعد تشريح الكلية ودراسة مكوناتها من العثور على هذا الجهاز العجيب الذي بمكنه القيام بمعظم وظائف الجهاز البولي التي ذكرناها آنفا بكل سهولة وبكفاءة عالية. وهذا الجهاز هو آية من آيات الله في الخلق فقد تم تصميمه بناءا على أسس علمية لم يتمكن العلماء من معرفتها إلا بعد دراسة مضنية لطريقة عمله ولا زالوا يجهلون الكثير عن الآليات التي يستخدمها للقيام بهذه الوظائف المتعددة.
وعلى الرغم من تعقيد تركيب هذا الجهاز إلا أنه من الصغر بحيث لا يرى بالعين المجردة وقد أطلق العلماء على هذا الجهاز اسم الوحدة الكلوية أو الكليون أو النيفرون (Nephron). يتكون النيفرون من أنبوب دقيق بسمك الشعرة ويبلغ طوله ثلاثة سنتيمترات وأحد جانبيه مغلق والآخر مفتوح حيث يبدأ الجانب المغلق في منطقة قشرة الكلية بجزء منتفخ مزدوج الجدار يسمى محفظة أو كبسولة بومان (Bowman's Capsule) بينما ينتهي الجانب المفتوح بالأنبوبة المجمعة. ويتكون الجدار الداخلي للمحفظة من خلايا طلائية بسيطة (Simple epithelial cells) بينها مسامات تسمح بمرور معظم مكونات بلازما الدم ولا تسمح بمرور خلايا الدم والبروتينات لكبر حجمها. ويوجد في داخل هذه المحفظة شبكة كثيفة من الشعيرات الدموية تبدو على شكل كبة صغيرة تسمى الكبيبة (Glomerulus) حيث تتفرع هذه الشعيرات من شريان صغير يسمى الشرين الوارد (Afferent Arteriole) والذي يتفرع بدوره من أحد فروع الشريان الكلوي الذي يحمل الدم إلى الكلية. إن الشعيرات الدموية في الكبيبة تتحد مرة ثانية وهي في داخلها لتخرج على شكل شريان صغير يسمى الشرين الصادر (Efferent Arteriole) وهو أصغر قطرا من الشرين الوارد لحكمة بالغة سنبينها فيما بعد.وعندما يخرج الشرين الصادر من المحفظة يبدأ بالتفرع إلى شعيرات دموية تلتف حول الأنبوب ثم تتحد لتكون وريد صغير يتحد مع البقية ليكون الوريد الكلوي. ويطلق على محفظة بومان وما تحويه من كبيبة الشعيرات الدموية اسم حويصلة مالبيجي (malpighian corpuscle) أو الحويصلة الكلوية (renal corpuscle). وقد تم تحديد ثلاث مناطق مميزة على طول الأنبوب فالمنطقة الأولى هي الأنبوبة الملتوية الدانية (Proximal Convoluted Tubule) وهى أنبوبة دقيقة ملتوية وسميت بالدانية لوقوعها بالقرب من كرية مالبيجي وتوجد هذه الأنبوبة في قشرة الكلية وتبدو عند تشريح الكلية على شكل حبيبات. أما المنطقة الثانية فهي أنبوبة دقيقة على شكل حرف u تسمى عروة هنلي (Henle's Loop) وتقع في نخاع الكلية وتتكون من فرعين فالفرع النازل له قطر أصغر من قطر بقية الأنبوب أما الفرع الصاعد فنصفه السفلي له نفس قطر الفرع النازل بينما نصفه العلوي فله نفس قطر بقية الأنبوب.
أما المنطقة الثالثة فهي الأنبوبة الملتوية القاصية (Distal Convoluted Tubule) وتوجد في منطقة القشرة وسميت بالقاصية لوقوعها بعيداً عن كرية مالبيجي وهي تصب في الأنبوبة المجمعة. والأنبوبة المجمعة (Collecting Tubules) هي أنبوبة مستقيمة تصب فيها الأنابيب الملتوية البعيدة لعدد من النيفرونات وتوجد في منطقة النخاع وتتجمع هذه الأنبوبة مع أنابيب مجّمعة أخرى لتكون أنابيب أكبر تصب في النهاية في حوض الكلية.
وفي الوحدة الكلوية أو النيفرون تتم عملية تنقية الدم من الفضلات الضارة على مراحل فالمرحلة الأولى تتم في كرية مالبيجي حيث يتوزع الدم القادم من الشرين الوارد في الشعيرات الدموية الكثيرة في الكبيبة ويرتفع ضغطه إلى 50 ملليمتر زئبق مقابل 30 ملليمتر زئبق في الشعيرات العادية وذلك بسبب أن قطر الشرين الصادر من الكبيبة أقل من قطر الشرين الوارد إليها. وبسبب ارتفاع ضغط الدم في هذه الشعيرات الدموية ورقة جدرانها فإن نسبة كبيرة من مكونات بلازما الدم باستثناء البروتينات وخلايا الدم ستترشح من سطحها لتصب في المحفظة ومنها إلى الأنبوب ويسمى السائل الذي يدخل الأنبوب بالراشح (filtrate).
وتسمى هذه المرحلة من الترشيح بالترشيح الفائق (Ultra-filteration) حيث ترشح نسبة كبيرة من الفضلات الضارة وهي اليوريا وحامض اليوريك والكريتانين وكذلك المكونات النافعة وهي الماء وسكر الجلوكوز والأحماض الأمينية والأملاح المختلفة. وتتجلى لنا قدرة الخالق سبحانه وتعالى في تصميم كرية مالبيجي للحصول على هذا الترشيح الفائق وذلك من خلال آليتين وهي أولا تفريع الشرين الوارد إلى عدد كبير من الشعيرات الدموية لزيادة مساحة سطح الترشيح وثانيا من خلال تضييق الشرين الصادر من الكبيبة وذلك لزيادة ضغط الدم في الشعيرات مما يدفع البلازما للخروج من مسامات الشعيرات الدموية. إن إختيار عدد وأطوال الشعيرات في الكبيبة وكذلك نسبة قطري الشرين الوارد والصادر يجب أن يتم بتقدير بالغ بحيث لا يتم خروج جميع بلازما الدم من الكبيبة بل يجب أن تبقى كمية كافية من البلازما لحمل بقية مكونات الدم التي لا يمكنها الخروج كخلايا الدم الحمراء والبيضاء والصفائح والبروتينات وإلا لتجلط الدم المتبقي ولانسدت الشرايين. أما المرحلة الثانية من الترشيح فهي الترشيح الاختياري (Selective filtration) أو ما يسمى أيضا عملية إعادة الامتصاص (Reabsorption) والتي تتم في في المناطق الثلاث لأنبوب النيفرون وفي الأنبوبة المجمعة. إن وظيفة هذا الترشيح الاختياري هو إخراج جميع مكونات البلازما المفيدة من الأنبوب ليتم إعادة امتصاصها من قبل الشعيرات الدموية الملتفة حوله والإبقاء على الفضلات الضارة وهي مكونات البول داخله وهنا يكمن السر الأكبر في عمل النيفرون. ولقد تمكن العلماء من كشف تركيب هذا الأنبوب العجيب والآليات التي يستخدمها للقيام بهذه الوظائف المتعددة بكل كفاءة على الرغم من أنه يبدو في الظاهر أنبوب بسيط التركيب. لقد اكتشف العلماء أن الخلايا المستخدمة في بناء جدار كل جزء من أجزاء الأنبوب الثلات التي شرحناها آنفا عبارة عن خلايا متخصصة يمكنها التحكم بنوع المكونات التي تمر من بينها ولكل جزء من الأنبوب خلاياه الخاصة. وتتم عملية خروج المكونات المفيدة من الأنبوب بأحد طرق ثلاث وهي النقل السلبي (passive transport) أو الأسموزي (osmosis) حيث تنتقل المواد من الوسط الأعلى تركيزا إلى الأقل تركيزا. أما الثانية فهي النقل الفعال (active transport) وهي نفس الطريقة المستخدمة في غشاء الخلايا الحية حيث يمكن للمواد أن تنتشر من التركيز الأقل إلى الأعلى مع بذل قدر من الطاقة للقيام بذلك. أما الطريقة الثالثة فتعتمد على التحكم بسعة فتحات مسامات الأنبوب باستخدام بعض أنواع الهرمونات. ويلعب التصميم البديع لعروة هنلي دورا مهما في قيام النيفرون بوظائفه فالفرع النازل من العروة يسمح بخروج الماء منه ولا يسمح بمرور الملح بينما يعمل الفرع الصاعد عكس ذلك. وبسبب الاختلاف في تصميم الفرعين فإنه يؤدي إلى تكون تدرج (gradient) في تركيز الأملاح حولها بحيث يكون تركيز الملح فيه عاليا في الأسفل وهي منطقة نخاع الكلية وخفيفا في الأعلى في منطقة القشرة مما يساعد على إعادة امتصاص الماء من الأنبوبة المجمعة. ويتم إعادة امنصاص نسبة كبيرة قد تصل إلى 75 يالمائة من مكونات الدم المفيدة كالماء والأملاح والأحماض الأمينية والسكر والفيتامينات في الأنبوبة الملتوية الدانية. وبمجرد خروج هذا المواد خارج الأنبوبة فإن الشعيرات الدموية الملتفة حول الأنبوبة تقوم بامتصاصها وإعادتها إلى الدم. أما الجزء النازل من عروة هنلي فيسمح بمرور الماء إلى خارجه بفعل النقل الأسموزي ولكن لا يسمح بخروج الأملاح وبالتالي فإن الراشح يفقد الماء عبر جدار الأنبوب إلى خارجها مما يؤدي إلى زيادة تركيز المواد المذابة فيه كلما نزل إلى الأسفل أما الجزء الصاعد من العروة فيسمح بخروج الأملاح من الأنبوب من خلال الانتشار أو النقل الفعال. أما الأنبوبة الملتوية البعيدة فتعمل على امتصاص الماء والأملاح بطريقة محكومة بحيث تحافظ على توازن كمياتها في الدم كما سنبين ذلك لاحقا وتعمل كذلك على إدخال بعض المكونات من الدم كالبوتاسيوم وشوارد الهيدروجين إلى داخل الأنبوبة لأغراض ضبط تركيب الدم أو تخليص الدم من بعض المواد الضارة كالأمونيا ومخلفات العقاقير والسموم من خلال النقل النشط. وعندما يصل الراشح إلى الجزء العلوي من الأنبوبة الجامعة يكون قد أعاد معظم المواد المفيدة كالماء والأملاح وغيرها إلى الدم ويعتبر الراشح في هذه الحالة أقرب ما يكون إلى البول. وخلال مرور الراشح في الأنبوبة الجامعة فإنه بالإمكان إعادة كمية من الماء إلى الدم تحت تأثير الهرمون المضاد للتبول (Antidiuretic hormone) مما يرفع من تركيز الراشح ويتحول إلى بول صرف أما في غياب هذا الهرمون فإن الماء الموجود في الراشح لن يخرج من الأنبوبة ويصبح البول خفيف التركيز.
ويتم الحفاظ على حجم ثابت للدم في جسم الإنسان من خلال التحكم بنفاذية الخلايا الموجودة في جدار الأنبوبة المجمعة للبول باستخدام الهرمون المضاد للادرار (anti-diuretic hormone) والذي تفرزه الغدة النخامية (pituitary gland). وتستخدم التغذية الراجعة السالبة (negative feedback) للتحكم بحجم الدم حيث تقوم النهايات العصبية لما يسمى منظمات الحلولية (osmoregulators) الموجودة في منطقة تحت المهاد (hypothalamus) في الدماغ بقياس تركيز الملح في الدم فإذا كان عاليا تعطى الأوامر للغدة بإفراز هذا الهرمون في الدم وعند وصوله إلى الكلية فإنه يقوم بزيادة نفاذية جدار الأنبوبة الجامعة فيتم امتصاص جزء من الماء الموجود في البول ويعيده إلى الدم. إما إذا كان تركيز الملح منخفضا فهذا يعني زيادة كمية الماء في الدم ولذا فإن الأوامر تصدر من الدماغ لوقف إفراز الهرمون فتقل نفاذية جدار الأنبوبة ويخرج الماء الزائد مع البول. أما تركيز الملح في الدم فيتم التحكم به من قبل هرمون الألدستيرون (Aldesterone) الذي تفرزه الغدة الكظرية والذي يعمل على امتصاص الملح من الأنبوبة الملتوية القاصية وإعادته إلى الدم ليرفع مستوى الملح في الدم. ويتم التحكم بمستوى الكالسيوم في الدم من خلال إفراز الهرمون الجاردرقي (Parathyroid hormone) من الغدد الجاردرقية (Parathyroid glands) حيث يوجد مستفبلات حساسة لانخفاض الكالسيوم (Calcium-sensing receptors) في نفس الغدة. ويعمل الهرمون الجاردرقي عند وصوله للكلية على زيادة امتصاص الكالسيوم من البول وإعادته إلى الدم بينما يقوم هرمون الكالسوتينين (Calcitonin harmone ) الذي تفرزه الغدة الدرقية (Thyroid glands) بتخفيض مستوى الكالسيوم في الدم عند ارتفاعه من خلال وقف امتصاصه من البول.
ومن الوظائف البالغة الأهمية للكلى هي ضبط الأس الهيدروجيني (potential for Hydrogen (pH)) للدم على قيمة ثابتة. والأس الهيدروجيني هو مقياس لدرجة الحموضة أو القلوية (Acid-Base Balance) في أي محلول وله تدريج يمتد من الرقم 0 ويمثل أشد درجات الحموضة إلى الرقم 14 ويمثل أشد درجات القلوية (القاعدية) بينما يمثل الرقم 7 حالة التعادل كما في الماء النقي. وتبلغ قيمة الأس الهيدروجيني للدم وكذلك للسوائل في داخل الخلايا وخارجها 7.4 أي أنها قلوية بعض الشيء وفي مثل هذا الوسط تقوم الخلايا بمختلف عملياتها الحيوية على أكمل وجه. أما إذا زاد أو نقص الأس الهيدروجيني عن هذا الرقم السحري فإن عمل الخلايا يبدأ بالاختلال تدريجيا وإذا ما تجاوزت قيمته 7.8 أو قلت عن 6.8 فإن الخلايا تتوقف عن العمل وبالتالي موت الإنسان. ويتم ضبط الأس الهيدروجيني عند القيمة 7.4 بشكل بالغ الدقة وبتفاوت لا يتجاوز 0.05 درجة رغم دخول كميات كبيرة من المكونات الحامضية والقاعدية إلى الدم من خلال هضم الطعام أو من خلال العمليات الحيوية التي تقوم بها خلايا الجسم. وتتم عملية الضبط باستخدام آليات مختلفة أولها وجود المواد المنظمة (Buffers) في الدم وهذه المواد تعالج التغير المفاجئ في قيمة الأس فتمتص شوارد الهيدروجين (+H) إذا زادت الحموضة أو تطلقه إذا زادت القلوية ومن أهم المواد المنظمة ثاني أكسيد الكربون والبايكربونات. أما على المدى الطويل فإن الكلى والرئتان تتعاونان على تثبيت الأس الهيدروجيني عند القيمة المطلوبة وذلك من خلال قيام الرئتان بتخليص الدم من ثاني أكسيد الكربون عند زيادة حموضة الدم ومن خلال قيام الكلى بسحب شوارد الهيدروجين (+H) من الدم عند زيادة حموضة الدم أوسحب البايكربونات (HCO3) من الدم عند زيادة قلوية الدم. ومن الوظائف المهمة للكلى هوالتحكم بضغط الدم باستخدام هرمون الأدرينالين (Adrenaline) وكذلك هرمون النورأدرينالين (NorAdrenaline) الذي تفرزهما الغدة الكظرية (adrenal gland) التي تقع فوق الفطب العلوي للكلية. فعند انخفاض ضغط الدم يعمل هذا الهرمون على انقباض الشرايين الطرفية وزيادة ضخ الدم من القلب أما عند ارتفاع ضغط الدم فيعمل هرمون () على انبساط الشرايين الطرفية وتقليل ضخ الدم من القلب.
يتكون الجهاز البولي من أربع مكونات رئيسية وهي الكليتان (kidneys) والحالبان (ureters) والمثانة (bladder) والاحليل (urethra). فالكليتان تقعان في الجزء الخلفي من البطن على جانبي العمود الفقري على مستوى الفقرات القطنية العليا والكلية اليسرى تقع في مستوى أعلى قليلا (بمقدار سنتيمتر ونصف) عن الكلية اليمنى بسبب وجود الكبد في الناحية اليمنى من البطن. والكلية حمراء اللون تشبه حبة الفاصوليا في شكلها وهي بحجم قبضة اليد حيث يبلغ متوسط طولها بين قطبيها 12 سنتيمتر أما عرضها فيبلغ نصف طولها أي 6 سنتيمتر وأما سمكها فيبلغ نصف عرضها أي 3 سنتيمتر وذلك في المتوسط. ويتراوح وزن الكلية عند الذكر بين 125 غرام و 175 غرام بمتوسط يبلغ 150 غرام وعند الأنثى بين 115 غرام و 155 غرام بمتوسط يبلغ 135 غرام.
ويغلف الكلية غطاء من الشحم يعمل على تثبيتها وحمايتها من الصدمات وكذلك من البرد الذي قد يؤثر على كفاءة العمليات الحيوية التي تقوم بها, وتتكون الكلية من عدة طبقات وهي من الخارج المحفظة وهي طبقة رقيقة زلقة تغلف كامل الكلية. ثم تليها القشرة الكلوية (cortex) والتي تحتوي على الجزء العلوي والأكبر من أجسام النيفرونات وكذلك الشعيرات الدموية التي تغذيها وتلك التي تخرج منها. ثم يليها لب أو نخاع الكلية (Medulla) ويحتوي على أهرام الكلية (Pyramids) والتي تتجه رؤوسها إلى حوض الكلية وتتكون هذه الأهرام من الجزء السفلي من أجسام النيفرونات وهي عروة هنلي والأنابيب المجمعة ويمر من بين الأهرامات الشعيرات الدموية التي تتفرع من الشريان الكلوي والوريد الكلوي. وتحتوي المناطق المحيطة بالأهرامات في طبقة النخاع عضلات ملساء تعمل على عصر الأهرامات لتخرج البول من الأنابيب المجمعة إلى حوض الكلية. أما الطبقة الداخلية للكلية فهي حوض الكلية (pelvis) وهي عبارة عن تجاويف متعددة تبدأ صغيرة عند رؤوس الاهرامات تسمى الكؤوس الصغيرة (Minor Calices) ثم تلتقي هذه مع بعضها لتكون تجاويف أكبر تسمى الكؤوس الكبيرة (Major Calices) ثم تلتقي هذه لتكون حوض الكلوية. ويدخل الدم إلى الكلية عند سرتها (sinus) من خلال الشريان الكلوي (Renal Artery) الذي يتفرع من الشريان الأبهر البطني (Abdominal Aorat) ثم يعود الدم المنقى من خلال الوريد الكلوي (Renal Vein) والذي يصب في الوريد الأجوف السفلي (inferior vena cava). وتحتوي الكلية على ما يقرب من مليون نيفرون وهو وحدة الترشيح الأساسية وقد شرحنا تركيبه وآليات عمله آنفا وهي موزعة على أهرامات الكلية التي يقدر عددها باثني عشر هرما. وبما أن كل نيفرون يدخله شرين دموي واحد وهو الشرين الوارد فإن الشريان الكلوي يجب أن يتفرع إلى مليون شرين لتغذية المليون نيفرون. وكذلك هو الحال مع الوريد الكلوي الذي يجب أن يتفرع إلى مليون وريد شعري حيث أن الشرين الصادر من حويصلة مالبيجي بعد أن يتفرع إلى شبكة من الشعيرات الدموية التي تلتف حول أنبوب النيفرون تبدأ بالاتحاد لتكون وريد شعري يخرج من كل نيفرون. إن الإنسان ليصيبه الذهول بل إن رأسه ليتصدع وهو يفكر في طريقة تمديد هذه الملايين من الأوردة والشرايين بحيث يصل كل منها إلى النيفرون الخاص به وذلك في داخل هذه الكلية التي يتجاوز حجمها قبضة اليد. وإني أشهد وكذلك يشهد كل من أنار الله عز وجل بصيرته أن هذا التمديد لا يمكن أن يقوم بها البشر ولو اجتمعوا له بل لا يقوم به إلا خالق لا حدود لعلمه وقدرته سبحانه وتعالى. وتستلم الكليتان ما نسبته عشرين بالمائة من الدم الذي يضخه القلب وذلك لتنقيته من الفضلات الضارة وتعالج الكليتين في اليوم الواحد ما يقرب من 180 لتر من الدم وتخرج ما معدله لتر ونصف لتر من البول في اليوم.
ويوجد فوق القطب العلوي لكل كلية غدة بالغة الأهمية للجسم وهي الغدة الكظرية (adrenal gland) وهي على شكل طربوش يغطي الجزء العلوي من الكلية ويبلغ قطرها خمسة سنتيمترات وتتكون كما في الكلية من قشرة ونخاع ويتفرع لها من الشريان والوريد الكلويان شريان ووريد . وتفرز الغدة الكظرية عدد كبير من الهرمونات حيث يفرز من لب الغدة بأمر من الدماغ هرمون الأدرينالين (Adrenaline) وكذلك هرمون النورأدرينالين (NorAdrenaline) والتي تتحكم في ضغط الدم. أما قشرة الغدة فتفرز مجموعة من الهرمونات الستيرودية القشرية فالقشرانيات السكرية كالكورتيزول (Cortisol) تعمل على تنظيم استخدام الغذاء المهضوم والتكييف مع الإجهاد وتخفيف الحساسية وذلك عندما تستثار بهرمون آخر تنتجه الغدة النخامية وهو الهرمون المنشط لقشرة الكظر (Adreno Corticotrophic Hormone). أما القشرانيات المعدنية كالألدوستيرون (Aldosterone) فيعمل على تنظيم امتصاص الصوديوم والبوتاسيوم في الكلية عندما تستثار من قبل هرمون الرنين (Renin) الذي تنتجه الكلية نفسها. وأما هرمون الغدة الكظرية الأساسي ( Dehydroepiandrosterone ) فيعمل على تقوية الجهاز المتاعي وإصلاح الأنسجة والحد من أمراض الشيخوخة. وتفرز الغدة الكظرية هرمونات جنسية كالهرمونات الذكرية المسماة بالأندروجينات والتي تتحكم ببعض الخواص الجنسية لما قبل البلوغ للذكور والإناث.
أما الحالب فهو أنبوب رفيع يصل بين حوض الكلية والمثانة ويتراوح طوله في الإنسان البالغ بين 20 و 25 سنتيمتر بينما يبلغ قطره نصف سنتيمتر. ويتكون جدار الحالب من ثلاث طبقات وهي الطبقة الخارجية المكونة من أنسجة ضامة ليفية لحمايته من الخارج والطبقة الوسطى والمكونة من عضلات ملساء دائرية وطولية والطبقة الداخلية وهي طبقة مخاطية تفرز مخاطا يحمي الحالب من مكونات البول. وتقوم عضلات الحالب بالانبساط والانقباض بشكل دوري كل ربع دقيقة بحيث تقوم بسحب البول من الكلية وتدفعه إلى المثانة وذلك مهما كانت وضعية الجسم. ويدخل الحالب المثانة من الخلف بشكل مائل في داخل جدارها وذلك لكي تقوم عضلات المثانة عند امتلائها بالضغط على الحالب فتقوم بإغلاقه فيعمل كصمام يمنع رجوع البول إلى الكلية. ولو أن تصميم الحالب قد تم بالصدفة أو حتى لو وكل الأمر للبشر لتصميمه لكان الحالب أنبوبا عاديا لا وجود لهذه العضلات الماصة فيه. وفي هذا الحال فإن البول لن يخرج من الكلية إلا إذا كان الإنسان واقفا أما إذا استلقى فإن البول سيتجمع في حوض الكلية وستتوقف عن عملية تنقية الدم ويصاب الإنسان بالتسمم.
أما المثانة فتقع في الجزء الأمامي من الحوض وهي عبارة عن غشاء عضلي مجوف لها شكل شبه بيضاوي ويمكنها أن تتسع لكمية من البول تتراوح بين 300 و 400 ملليلتر. وجدار المثانة مكون من عدة طبقات فالطبقة الداخلية طلائية تحمي أنسجة جدار المثانة من مكونات البول المختلفة تليها طبقات من الألياف العضلية الملساء ثم الغشاء الخارجي. وهذا الجدار وبسبب التصميم البديع لأشكال العضلات فيه يمكنه التمدد بشكل كبير جدا ويمكنه كذلك التقلص تحت سيطرة الأعصاب القادمة من الدماغ لإخراج البول من المثانه بشكل كامل. ويتم التحكم بعضلات المثانة من خلال نوعين من الأعصاب وهي الأعصاب الودية (sympathetic) التي تعمل على إرخاء عضلات المثانة والأعصاب غير الودية (parasympathetic) التي تعمل على تقلصها. ويوجد في جدار المثانة كذلك أعصاب حسية (Sensory nerves) تقوم بإرسال إشارات عصبية للدماغ عندما تمتلئ المثانة فيشعر الإنسان بالرغبة في التبول ولكنه لا يبول إلا بإرادته. أما الإحليل (Urethra) فهو الأنبوبة التي تخرج البول من المثانة إلى خارج الجسم ويبلغ متوسط طوله 20 سم في الذكر و 4 سم في الأنثى وتحيط بقسم من إحليل الذكر غدة البروستات. وتوجد في جدار الاحليل عند التقائه بالمثانة العضلة القابضة الداخلية بينما تحيط به على بعدة عدة سنتيمترات العضلة القابضة الخارجية حيث تعمل العضلتان كصمامات تمنع خروج البول من المثانة إلا إذا أعطيت الأوامر لهما من الدماغ لينبسطا ويفتحا الاحليل لكي يخرج البول وذلك بطريقة إرادية. إن وجود مثل هذه الصمامات التي تتحكم بعملية التبول عند الإنسان لهو أكبر دليل على أن الذي صنعها صانع خبير حكيم لطيف يهمه سبحانه وتعالى مصلحة الإنسان وهي أن لا يتبول الإنسان على نفسه بشكل لاإرادي فتهان كرامته. فمن الناحية البيولجية البحتة كان الأولى أن يرشح البول بشكل مستمر من خلال حالب بسيط ولا داع لوجود أجهزة معقدة كالمثانة والاحليل والصمامات وما تحكمها من أعصاب مرتبطة بالدماغ تقوم بحبس البول الضار داخل الجسم لحين إعطاء الأمر بإخراجه.
إن هذه الكلى العجيبة لا يدرك أكثر الناس أهميتها ولا يقدرون حق من خلقها لهم حق قدره إلا إذا تعطلت لا سمح الله عن العمل وفشلت في القيام بوظائفها المختلفة. ولقد كان الموت هو النتيجة الأكيدة للشخص الذي تتعطل كلاه عن العمل وذلك قبل اختراع أجهزة غسيل الكلى قبل ما يقرب من ستين عاما وكذلك قبل ظهور عمليات زراعة الكلى قبل خمسين عاما. إن أجهزة غسيل الكلى الحديثة لا تقوم إلا بوظيفة واحدة أو وظيفتين فقط من وظائف الكلى العديدة التي شرحناها آنفا ولذلك نجد أن الشخص المصاب بفشل الكلى يعاني من أمراض كثيرة بسبب ذلك ولا بد من معالجته بالأدوية بشكل مستمر. و يتكون جهاز غسيل الكلي أو بمسمى أصح جهاز تنقية الدم (hemodialysis) من أنابيب ترشيح مصنعة من مادة السيلوفين (Cellophane) يتم غمسها في محلول التنقية (Dialysate) بينما يتم تمرير الدم الذي يؤخذ من أحد شرايين المريض في هذه الأنابيب ومن إرجاعه إلى أحد الأوردة. إن مادة السيلوفين لا تسمح بمرور خلايا الدم والبروتينات من خلالها ولكنها تسمح بمرور الماء والأملاح والفضلات الضارة بالجسم وهي اليوريا والكريتانين وحامض اليوريك. وإذا ما تم ضبط تركيز الأملاح المختلفة في محلول التنقية فإن الفضلات الضارة ستنتقل من الدم إلى المحلول بسبب تركيزها العالي في الدم وغيابها في المحلول النقي. أما الماء والأملاح فإنها ستنتقل من الدم إلى المحلول أو العكس وذلك حسب تركيزها فيهما. إن جهاز غسيل الكلى بسيط التركيب إذا ما ما اقتصر على جهاز الترشيح (dialyzer) وهي الأنابيب ولكنه في الواقع جهاز بالغ التعقيد حيث يحتاج إلى مكونات أخرى كثيرة تضمن نجاح عملية الغسيل. فالجهاز يحتاج أولا لمضختين الأولى لضخ الدم من الجسم إلى المرشح والأخرى لضخ المحلول ويحتاج لمكون يضخ مادة تمنع تجلط الدم عند خروجه من الجسم ومكون آخر لمنع دخول الهواء إلى الدم بالإضافة إلى أجهزة المراقبة المختلفة. وعلى الإنسان العاقل أن يقدر نعمة الله عليه بأن جعل في جسمه هاتين الكليتين الصغيرتين اللتين تعملان بلا توقف وبكفاءة عالية طول عمره وصدق الله العظيم القائل "أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)" لقمان.
المراجع
1- القرآن الكريم
2- مواقع متفرقة على الإنترنت
للتواصل مع الكاتب: mabbadi@just.edu.jo لمزيد من المقالات للكاتب:
http://mansourabbadi.maktoobblog.com/
تقييم:
0
0
رسم يظهر الجهاز البولي للانسان
الدكتور منصور أبوشريعة العبادي
يلعب الجهاز البولي دورا بالغ الأهمية في جسم الإنسان فبتعطله عن العمل فإن حياة الإنسان لا يمكن أن تستمر إلا إلى أيام معدودة. ويعتبر العلماء الكلية التي هي أهم مكونات الجهاز البولي أعجوبة بيولوجية بعد أن تمكنوا من معرفة تركيبها وآليات عملها والوظائف المتعددة التي تقوم بها بكفاءة منقطعة النظير. إن الكلية لا يعرف الإنسان قدرها وأهميتها إلا بعد أن تتعطل ولا تتمكن من القيام بوظائفها مما يؤدي بصاحبها إلى الموت المحقق فيما سبق من العصور. أما في هذا العصر فإنه بالإمكان استخدام الكلى الصناعية أو ما يسمى بغسيل الكلى لإنقاذ حياة الشخص حيث يلزم المريض مراجعة المستشفى عدة مرات في الأسبوع ليتم معالجته بهذه الكلية الصناعية لعدة ساعات متواصلة في كل مراجعة. إن من يتفكر في تركيب الجهاز البولي والوظائف التي يقوم بها يوقن تماما أن الذي قام بتصميمه خالق لا حدود لعلمه وقدرته وليس كما يدعي الملحدون أنه قد تم بالصدفة وذلك لما فيه من أفكار خلاقة وتصاميم معقدة لا يمكن أن تخطر على بال البشر. فهذه الكلية التي لا يتجاوز حجمها قبضة اليد تحتوي على مليون وحدة تنقية تسمى النيفرونات وهي ذات تصاميم عجيبة تمكن العلماء من كشف كثير من أسرار تركيبها وآليات عملها وهم يعملون جاهدين لصنع مرشحات صناعية لأجهزة غسيل الكلى تحاكي النيفرونات في عملها ولكن هيهات هيهات أن يتمكنوا من ذلك وصدق الله العظيم القائل "هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11)" لقمان.
إن الوظيفة الأولى للجهاز البولي هو إخراج بعض أنواع الفضلات التي تنتجها خلايا الجسم نتيجة للتفاعلات الكيميائية والعمليات الحيوية التي تجري داخلها بلا انقطاع أو ما يسمى بالأيض أو الاستقلاب (Metabolism). وهذه العمليات إما عمليات بناء (Anabolism) تقوم الخلايا خلالها إنتاج مواد عضوية معقدة كالبروتينات والكربوهيدرات والدهون من مواد عضوية بسيطة تحصل عليها من الجهاز الهضمي وإما عمليات هدم (Catabolism) يتم خلالها تفكيك المواد العضوية المعقدة إلى مواد عضوية بسيطة للحصول على الطاقة. وتقوم الخلايا بإخراج هذه الفضلات إلى السائل المحيط بها ومن ثم يتم جمعها باستخدام الشعيرات الدموية لتختلط ببقية مكونات الدم المفيدة. إن أول خطوة تلزم لتصميم الجهاز البولي هو معرفة هذه الفضلات وإذا كان البشر بما يملكون من عقول كانوا يجهلون طبيعة هذه الفضلات فكيف يمكن لعاقل أن يصدق أن الصدفة قد تمكنت من معرفتها ومن ثم قامت بتصميم جهاز يمكنه فصل هذه الفضلات بكل سهولة عن مكونات الدم المفيدة وإخراجها خارج الجسم. لقد تمكن العلماء بعد دراسات مضنية من معرفة أنواع الفضلات التي تنتجها خلايا الجسم وذلك بعد أن تمكنوا من التعرف على مكونات الدم وكذلك مكونات البول.
وتنقسم الفضلات إلى نوعين رئيسين وهي الفضلات الكربونية والفضلات النيتروجينية فالفضلات الكربونية والتي أهمها ثاني أكسيد الكربون فتخرج من خلال الرئتين وأما الفضلات النيتروجيتية والتي أهمها اليوريا والأمونيا وحامض اليوريك والكريتانين فتخرج من خلال الكلى. وبسبب السمية العالية للأمونيا (Ammonia (NH3)) فإنه من لطف الله بعباده أن الجسم يقوم بتحويلها إلى اليوريا ذات السمية الأقل ويتم ذلك في الكبد. ويقوم الجهاز البولي كذلك بتنقية الدم من أي مواد غريبة قد تدخل إلى الجسم عن طريق الجهاز الهضمي أو عن طريق الحقن من خلال الجلد كالعقاقير والأدوية والمواد المخدرة والسموم بمختلف أنواعها. أما الوظيفة الثانية للجهاز البولي فهي الحفاظ على حجم ثابت للدم في جسم الإنسان ويتم ذلك من خلال التحكم بكمية الماء الموجودة فيه ولذلك نجد أنه مهما بلغت كمية الماء الذي يشربه الإنسان فإن الكلى تقوم بإخراج الماء الزائد مباشرة وإلا أصيب الإنسان بالتسمم المائي (Water intoxication ). ويحدث التسمم المائي نتيجة لزيادة كمية الماء في الدم وبالتالي في خلايا الجسم التي تبدأ بالانتفاخ نتيجة للماء الزائد فيها مما يؤدي إلى اختلال في تركيز مكوناتها وبالتالي فشلها بالقيام بوظائفها. وأما الوظيفة الثالثة فهي الحفاظ على توازن مختلف أنواع الأملاح في الدم وبالتالي في الجسم حيث تقوم الكلى بالتخلص من الأملاح الزائدة في الدم بشكل مستمر أو ترسل إشارات لبعض أعضاء الجسم لتزويد الدم بالأملاح عند نقصانها.
وأما الوظيفة الرابعة فهي ضبط الأس الهيدروجيني (pH) على قيمة ثابتة وهي 7.4 ويتم ذلك من خلال زيادة شوارد الهيدروجين (+H) في الدم عند نقصان حموضة الدم وزيادة البايكربونات (HCO3) عند نقصان قلوية الدم. أما الوظيفة الخامسة فهي التحكم بضغط الدم حيث تقوم الكلى عند انخفاض الضغط بإفراز هرمون الرينين ( Rennin) والذي يقوم بتحفيز مجموعة من التفاعلات الكيميائية التي تعمل على انقباض الشرايين الطرفية وكذلك زيادة ضخ الدم من القلب مما يؤدي إلى ارتفاع الضغط. أما عند انخفاض الضغط فإنها تقوم بإفراز هرمون البروستاجلاندين والذي يقوم بتحفيز مجموعة من التفاعلات الكيميائية التي تعمل على توسعة الشرايين الطرفية وكذلك تقليل ضخ الدم من القلب مما يؤدي إلى انخفاض الضغط. أما الوظيفة السادسة فهي تنظيم معدل إنتاج كريات الدم الحمراء
حيث تقوم الكلية بإفراز هرمون الاريثروبيوتين (Erythropiotein) والذي يقوم بتنشيط خلايا نخاع العظام لتقوم بإنتاج كميات كافية من الكريات وترسلها إلى الدم. أما الوظيفة السابعة فهي تنشيط فيتامين-دال وهو المسؤول عن تنظيم امتصاص الكالسيوم من الأمعاء وترسيبه في العظام.
إن فشل الكلى في القيام بهذه الوظائف البالغة الأهمية للجسم تؤدي كما ذكرنا سابقا إلى الموت المحقق بعد عدة أيام من حدوث الفشل الكلوي. فبمجرد توقف الكلى عن العمل تبدأ فضلات الأيض بالتراكم في الدم وفي السائل المحيط بالخلايا ويؤدي تراكم اليوريا في الجسم إلى الإصابة بتسمم اليوريا (Uremia) وأول من يتأثر بهذا التسمم الدماغ والجهاز العصبي حيث يصاب الإنسان أولا بالخمول وعدم التركيز والرغبة في النوم ثم التشنج ثم الدخول في الغيبوبة. ويبدأ أيضا عند الفشل الكلوي ارتفاع حموضة الدم والذي يترتب عليه ظهور أعراض كثيرة كالقلق والهيجان وتسارع التنفس واضطراب دقات القلب مما قد يؤدي إلى الموت المفاجئ. ومن الأعراض الأخرى للفشل الكلوي ارتفاع ضغط الدم وصعوبة في التنفس نتيجة احتقان الرئتين والإحساس بألم أثناء التنفس بسبب التهاب الغشاء البلوري المغلف للرئتين نتيجة ترسيب بلورات اليوريا. ومن الأعراض أيضا جفاف الجلد والأغشية المخاطية في الفم والبلعوم ويميل لون الجلد إلى السواد و تنميل وخدر وعدم الاحساس في الأطراف.
وبما أن الوظيفة الرئيسية للكلى هي تنقية الدم من فضلات الأيض وإخراجها مع البول فلا بد من شرح بسيط لمكونات الدم وكذلك مكونات البول ليسهل شرح عمل الجهاز البولي. يتكون الدم من مكونيين رئيسيين وهما خلايا الدم (blood cells) وتشكل ما نسبته 45 بالمائة والبلازما (plasma) وتشكل ما نسبته 55 بالمائة وذلك من حجم الدم الكلي. وتتكون خلايا الدم بدورها من ثلاثة أنواع من الخلايا وهي خلايا الدم الحمراء (red blood cells) وخلايا الدم البيضاء (white blood cells) والصفائح الدموية (platelets) وهذه الخلايا خالية من النوى فلذلك لا يمكنها الانقسام ويحصل عليها الدم من مصانع خاصة في جسم الإنسان. أما البلازما وهي المكون السائل للدم وفيه تسبح خلايا الدم فتتكون من الماء والتي تبلغ نسبته 90 بالمائة من حجمها ومن مواد عضوية تبلغ نسبتها 9 بالمائة ومن مواد غير عضوية تبلغ نسبتها واحد بالمائة. فالمواد العضوية تتكون من مواد نافعة وهي بروتينات الدم وخاصة الألبومين (Albumin ) والغلوبيولين (Globulin) والفيبرينوجين (Fibrinogen) وسكر الجلوكوز ( Glucose) وبعض الدهون (Lipid) والأحماض الأمينية والفيتامينات والأنزيمات والهرمونات. وأما المواد العضوية الضارة والتي تفرزها خلايا الجسم كفضلات لعمليات الأيض فهي اليوريا (Urea) بتركيز يتراوح بين 110 و 530 ملليغرام في كل لتر من البلازما والكريتانين (Creatinine) بتركيز يتراوح بين 8 و 12 ملليغرام في كل لتر وحامض اليوريك (Uric acid) بتركيز يتراوح بين 3 و 7 ملليغرام في كل لتر. أما المواد غير العضوية فهي عبارة عن أملاح مكونة من عناصر مرتبة حسب تركيزها وهي الصوديوم والكلور والبوتاسيوم والكالسيوم والمغنيسيوم والحديد والبايكربونات (HCO3-) بالإضافة إلى غازات الأكسجين وثاني أكسيد الكربون والهيدروجين والنيتروجين. وأما البول وهو ذو لون أصفر فيتكون من الماء حيث تصل نسبته إلى 95 بالمائة من حجم البول ومن اليوريا والتي يبلغ تركيزها في المتوسط 17غرام لكل لتر ومن الصوديوم والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 2.7 غرام لكل لتر ومن الكلور والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 4.4 غرام لكل لتر ومن البوتاسيوم والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 2 غرام لكل لتر ومن الكريتانين والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 1.8 غرام لكل لتر ومن الكالسيوم والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 2 غرام لكل لتر ومن حامض اليوريك والذي يبلغ تركيزه في المتوسط 0.4 غرام لكل لتر.
لقد ذكرنا فيما سبق أن أول خطوة لتصميم جهاز يقوم بتنقية الدم من الفضلات الضارة هو معرفة أنواع هذه الفضلات وكذلك تركيبها الكيميائي وذكرنا كذلك أنه يستحيل أن يتم ذلك بالصدفة. أما الخطوة التالية فهي تصميم هذا الجهاز والذي سيوقن القارئ أنه لا بد وأن يكون جهاز بالغ التعقيد إذا ما ضربنا له المثال التالي. فلو أننا قمنا بإذابة ملعقة من الملح وملعقة من السكر في كوب من الماء فهل بالإمكان فصل الملح عن السكر من هذا المحلول باستخدام جهاز ما. ومن الطبيعي أن غالبية الناس بما في رؤوسهم من عقول لا يمكنهم أن يقوموا بتصميم مثل هذا الجهاز وربما قالوا أن عملية الفصل هذه قد تكون مستحيلة. أما المختصون في علوم الكيمياء والأحياء فمن خلال دراستهم للمحاليل وأنواعها والطرق المستخدمة لفصل المواد المذابة فقد يتمكنوا من تصميم مثل هذا الجهاز والذي قد يكون بالغ التعقيد. وإذا كان هذا هو الحال مع هذه المحلول البسيط الذي يحتوي على نوعين فقط من المواد فلا بد أن يكون الجهاز المراد تصميمه لتنقية الدم من الفضلات الضارة بالغ التعقيد ولا بد أن يبنى على أسس علمية محددة ويحتاج إلى مصمم عليم وخبير.
لقد تمكن العلماء بعد تشريح الكلية ودراسة مكوناتها من العثور على هذا الجهاز العجيب الذي بمكنه القيام بمعظم وظائف الجهاز البولي التي ذكرناها آنفا بكل سهولة وبكفاءة عالية. وهذا الجهاز هو آية من آيات الله في الخلق فقد تم تصميمه بناءا على أسس علمية لم يتمكن العلماء من معرفتها إلا بعد دراسة مضنية لطريقة عمله ولا زالوا يجهلون الكثير عن الآليات التي يستخدمها للقيام بهذه الوظائف المتعددة.
وعلى الرغم من تعقيد تركيب هذا الجهاز إلا أنه من الصغر بحيث لا يرى بالعين المجردة وقد أطلق العلماء على هذا الجهاز اسم الوحدة الكلوية أو الكليون أو النيفرون (Nephron). يتكون النيفرون من أنبوب دقيق بسمك الشعرة ويبلغ طوله ثلاثة سنتيمترات وأحد جانبيه مغلق والآخر مفتوح حيث يبدأ الجانب المغلق في منطقة قشرة الكلية بجزء منتفخ مزدوج الجدار يسمى محفظة أو كبسولة بومان (Bowman's Capsule) بينما ينتهي الجانب المفتوح بالأنبوبة المجمعة. ويتكون الجدار الداخلي للمحفظة من خلايا طلائية بسيطة (Simple epithelial cells) بينها مسامات تسمح بمرور معظم مكونات بلازما الدم ولا تسمح بمرور خلايا الدم والبروتينات لكبر حجمها. ويوجد في داخل هذه المحفظة شبكة كثيفة من الشعيرات الدموية تبدو على شكل كبة صغيرة تسمى الكبيبة (Glomerulus) حيث تتفرع هذه الشعيرات من شريان صغير يسمى الشرين الوارد (Afferent Arteriole) والذي يتفرع بدوره من أحد فروع الشريان الكلوي الذي يحمل الدم إلى الكلية. إن الشعيرات الدموية في الكبيبة تتحد مرة ثانية وهي في داخلها لتخرج على شكل شريان صغير يسمى الشرين الصادر (Efferent Arteriole) وهو أصغر قطرا من الشرين الوارد لحكمة بالغة سنبينها فيما بعد.وعندما يخرج الشرين الصادر من المحفظة يبدأ بالتفرع إلى شعيرات دموية تلتف حول الأنبوب ثم تتحد لتكون وريد صغير يتحد مع البقية ليكون الوريد الكلوي. ويطلق على محفظة بومان وما تحويه من كبيبة الشعيرات الدموية اسم حويصلة مالبيجي (malpighian corpuscle) أو الحويصلة الكلوية (renal corpuscle). وقد تم تحديد ثلاث مناطق مميزة على طول الأنبوب فالمنطقة الأولى هي الأنبوبة الملتوية الدانية (Proximal Convoluted Tubule) وهى أنبوبة دقيقة ملتوية وسميت بالدانية لوقوعها بالقرب من كرية مالبيجي وتوجد هذه الأنبوبة في قشرة الكلية وتبدو عند تشريح الكلية على شكل حبيبات. أما المنطقة الثانية فهي أنبوبة دقيقة على شكل حرف u تسمى عروة هنلي (Henle's Loop) وتقع في نخاع الكلية وتتكون من فرعين فالفرع النازل له قطر أصغر من قطر بقية الأنبوب أما الفرع الصاعد فنصفه السفلي له نفس قطر الفرع النازل بينما نصفه العلوي فله نفس قطر بقية الأنبوب.
أما المنطقة الثالثة فهي الأنبوبة الملتوية القاصية (Distal Convoluted Tubule) وتوجد في منطقة القشرة وسميت بالقاصية لوقوعها بعيداً عن كرية مالبيجي وهي تصب في الأنبوبة المجمعة. والأنبوبة المجمعة (Collecting Tubules) هي أنبوبة مستقيمة تصب فيها الأنابيب الملتوية البعيدة لعدد من النيفرونات وتوجد في منطقة النخاع وتتجمع هذه الأنبوبة مع أنابيب مجّمعة أخرى لتكون أنابيب أكبر تصب في النهاية في حوض الكلية.
وفي الوحدة الكلوية أو النيفرون تتم عملية تنقية الدم من الفضلات الضارة على مراحل فالمرحلة الأولى تتم في كرية مالبيجي حيث يتوزع الدم القادم من الشرين الوارد في الشعيرات الدموية الكثيرة في الكبيبة ويرتفع ضغطه إلى 50 ملليمتر زئبق مقابل 30 ملليمتر زئبق في الشعيرات العادية وذلك بسبب أن قطر الشرين الصادر من الكبيبة أقل من قطر الشرين الوارد إليها. وبسبب ارتفاع ضغط الدم في هذه الشعيرات الدموية ورقة جدرانها فإن نسبة كبيرة من مكونات بلازما الدم باستثناء البروتينات وخلايا الدم ستترشح من سطحها لتصب في المحفظة ومنها إلى الأنبوب ويسمى السائل الذي يدخل الأنبوب بالراشح (filtrate).
وتسمى هذه المرحلة من الترشيح بالترشيح الفائق (Ultra-filteration) حيث ترشح نسبة كبيرة من الفضلات الضارة وهي اليوريا وحامض اليوريك والكريتانين وكذلك المكونات النافعة وهي الماء وسكر الجلوكوز والأحماض الأمينية والأملاح المختلفة. وتتجلى لنا قدرة الخالق سبحانه وتعالى في تصميم كرية مالبيجي للحصول على هذا الترشيح الفائق وذلك من خلال آليتين وهي أولا تفريع الشرين الوارد إلى عدد كبير من الشعيرات الدموية لزيادة مساحة سطح الترشيح وثانيا من خلال تضييق الشرين الصادر من الكبيبة وذلك لزيادة ضغط الدم في الشعيرات مما يدفع البلازما للخروج من مسامات الشعيرات الدموية. إن إختيار عدد وأطوال الشعيرات في الكبيبة وكذلك نسبة قطري الشرين الوارد والصادر يجب أن يتم بتقدير بالغ بحيث لا يتم خروج جميع بلازما الدم من الكبيبة بل يجب أن تبقى كمية كافية من البلازما لحمل بقية مكونات الدم التي لا يمكنها الخروج كخلايا الدم الحمراء والبيضاء والصفائح والبروتينات وإلا لتجلط الدم المتبقي ولانسدت الشرايين. أما المرحلة الثانية من الترشيح فهي الترشيح الاختياري (Selective filtration) أو ما يسمى أيضا عملية إعادة الامتصاص (Reabsorption) والتي تتم في في المناطق الثلاث لأنبوب النيفرون وفي الأنبوبة المجمعة. إن وظيفة هذا الترشيح الاختياري هو إخراج جميع مكونات البلازما المفيدة من الأنبوب ليتم إعادة امتصاصها من قبل الشعيرات الدموية الملتفة حوله والإبقاء على الفضلات الضارة وهي مكونات البول داخله وهنا يكمن السر الأكبر في عمل النيفرون. ولقد تمكن العلماء من كشف تركيب هذا الأنبوب العجيب والآليات التي يستخدمها للقيام بهذه الوظائف المتعددة بكل كفاءة على الرغم من أنه يبدو في الظاهر أنبوب بسيط التركيب. لقد اكتشف العلماء أن الخلايا المستخدمة في بناء جدار كل جزء من أجزاء الأنبوب الثلات التي شرحناها آنفا عبارة عن خلايا متخصصة يمكنها التحكم بنوع المكونات التي تمر من بينها ولكل جزء من الأنبوب خلاياه الخاصة. وتتم عملية خروج المكونات المفيدة من الأنبوب بأحد طرق ثلاث وهي النقل السلبي (passive transport) أو الأسموزي (osmosis) حيث تنتقل المواد من الوسط الأعلى تركيزا إلى الأقل تركيزا. أما الثانية فهي النقل الفعال (active transport) وهي نفس الطريقة المستخدمة في غشاء الخلايا الحية حيث يمكن للمواد أن تنتشر من التركيز الأقل إلى الأعلى مع بذل قدر من الطاقة للقيام بذلك. أما الطريقة الثالثة فتعتمد على التحكم بسعة فتحات مسامات الأنبوب باستخدام بعض أنواع الهرمونات. ويلعب التصميم البديع لعروة هنلي دورا مهما في قيام النيفرون بوظائفه فالفرع النازل من العروة يسمح بخروج الماء منه ولا يسمح بمرور الملح بينما يعمل الفرع الصاعد عكس ذلك. وبسبب الاختلاف في تصميم الفرعين فإنه يؤدي إلى تكون تدرج (gradient) في تركيز الأملاح حولها بحيث يكون تركيز الملح فيه عاليا في الأسفل وهي منطقة نخاع الكلية وخفيفا في الأعلى في منطقة القشرة مما يساعد على إعادة امتصاص الماء من الأنبوبة المجمعة. ويتم إعادة امنصاص نسبة كبيرة قد تصل إلى 75 يالمائة من مكونات الدم المفيدة كالماء والأملاح والأحماض الأمينية والسكر والفيتامينات في الأنبوبة الملتوية الدانية. وبمجرد خروج هذا المواد خارج الأنبوبة فإن الشعيرات الدموية الملتفة حول الأنبوبة تقوم بامتصاصها وإعادتها إلى الدم. أما الجزء النازل من عروة هنلي فيسمح بمرور الماء إلى خارجه بفعل النقل الأسموزي ولكن لا يسمح بخروج الأملاح وبالتالي فإن الراشح يفقد الماء عبر جدار الأنبوب إلى خارجها مما يؤدي إلى زيادة تركيز المواد المذابة فيه كلما نزل إلى الأسفل أما الجزء الصاعد من العروة فيسمح بخروج الأملاح من الأنبوب من خلال الانتشار أو النقل الفعال. أما الأنبوبة الملتوية البعيدة فتعمل على امتصاص الماء والأملاح بطريقة محكومة بحيث تحافظ على توازن كمياتها في الدم كما سنبين ذلك لاحقا وتعمل كذلك على إدخال بعض المكونات من الدم كالبوتاسيوم وشوارد الهيدروجين إلى داخل الأنبوبة لأغراض ضبط تركيب الدم أو تخليص الدم من بعض المواد الضارة كالأمونيا ومخلفات العقاقير والسموم من خلال النقل النشط. وعندما يصل الراشح إلى الجزء العلوي من الأنبوبة الجامعة يكون قد أعاد معظم المواد المفيدة كالماء والأملاح وغيرها إلى الدم ويعتبر الراشح في هذه الحالة أقرب ما يكون إلى البول. وخلال مرور الراشح في الأنبوبة الجامعة فإنه بالإمكان إعادة كمية من الماء إلى الدم تحت تأثير الهرمون المضاد للتبول (Antidiuretic hormone) مما يرفع من تركيز الراشح ويتحول إلى بول صرف أما في غياب هذا الهرمون فإن الماء الموجود في الراشح لن يخرج من الأنبوبة ويصبح البول خفيف التركيز.
ويتم الحفاظ على حجم ثابت للدم في جسم الإنسان من خلال التحكم بنفاذية الخلايا الموجودة في جدار الأنبوبة المجمعة للبول باستخدام الهرمون المضاد للادرار (anti-diuretic hormone) والذي تفرزه الغدة النخامية (pituitary gland). وتستخدم التغذية الراجعة السالبة (negative feedback) للتحكم بحجم الدم حيث تقوم النهايات العصبية لما يسمى منظمات الحلولية (osmoregulators) الموجودة في منطقة تحت المهاد (hypothalamus) في الدماغ بقياس تركيز الملح في الدم فإذا كان عاليا تعطى الأوامر للغدة بإفراز هذا الهرمون في الدم وعند وصوله إلى الكلية فإنه يقوم بزيادة نفاذية جدار الأنبوبة الجامعة فيتم امتصاص جزء من الماء الموجود في البول ويعيده إلى الدم. إما إذا كان تركيز الملح منخفضا فهذا يعني زيادة كمية الماء في الدم ولذا فإن الأوامر تصدر من الدماغ لوقف إفراز الهرمون فتقل نفاذية جدار الأنبوبة ويخرج الماء الزائد مع البول. أما تركيز الملح في الدم فيتم التحكم به من قبل هرمون الألدستيرون (Aldesterone) الذي تفرزه الغدة الكظرية والذي يعمل على امتصاص الملح من الأنبوبة الملتوية القاصية وإعادته إلى الدم ليرفع مستوى الملح في الدم. ويتم التحكم بمستوى الكالسيوم في الدم من خلال إفراز الهرمون الجاردرقي (Parathyroid hormone) من الغدد الجاردرقية (Parathyroid glands) حيث يوجد مستفبلات حساسة لانخفاض الكالسيوم (Calcium-sensing receptors) في نفس الغدة. ويعمل الهرمون الجاردرقي عند وصوله للكلية على زيادة امتصاص الكالسيوم من البول وإعادته إلى الدم بينما يقوم هرمون الكالسوتينين (Calcitonin harmone ) الذي تفرزه الغدة الدرقية (Thyroid glands) بتخفيض مستوى الكالسيوم في الدم عند ارتفاعه من خلال وقف امتصاصه من البول.
ومن الوظائف البالغة الأهمية للكلى هي ضبط الأس الهيدروجيني (potential for Hydrogen (pH)) للدم على قيمة ثابتة. والأس الهيدروجيني هو مقياس لدرجة الحموضة أو القلوية (Acid-Base Balance) في أي محلول وله تدريج يمتد من الرقم 0 ويمثل أشد درجات الحموضة إلى الرقم 14 ويمثل أشد درجات القلوية (القاعدية) بينما يمثل الرقم 7 حالة التعادل كما في الماء النقي. وتبلغ قيمة الأس الهيدروجيني للدم وكذلك للسوائل في داخل الخلايا وخارجها 7.4 أي أنها قلوية بعض الشيء وفي مثل هذا الوسط تقوم الخلايا بمختلف عملياتها الحيوية على أكمل وجه. أما إذا زاد أو نقص الأس الهيدروجيني عن هذا الرقم السحري فإن عمل الخلايا يبدأ بالاختلال تدريجيا وإذا ما تجاوزت قيمته 7.8 أو قلت عن 6.8 فإن الخلايا تتوقف عن العمل وبالتالي موت الإنسان. ويتم ضبط الأس الهيدروجيني عند القيمة 7.4 بشكل بالغ الدقة وبتفاوت لا يتجاوز 0.05 درجة رغم دخول كميات كبيرة من المكونات الحامضية والقاعدية إلى الدم من خلال هضم الطعام أو من خلال العمليات الحيوية التي تقوم بها خلايا الجسم. وتتم عملية الضبط باستخدام آليات مختلفة أولها وجود المواد المنظمة (Buffers) في الدم وهذه المواد تعالج التغير المفاجئ في قيمة الأس فتمتص شوارد الهيدروجين (+H) إذا زادت الحموضة أو تطلقه إذا زادت القلوية ومن أهم المواد المنظمة ثاني أكسيد الكربون والبايكربونات. أما على المدى الطويل فإن الكلى والرئتان تتعاونان على تثبيت الأس الهيدروجيني عند القيمة المطلوبة وذلك من خلال قيام الرئتان بتخليص الدم من ثاني أكسيد الكربون عند زيادة حموضة الدم ومن خلال قيام الكلى بسحب شوارد الهيدروجين (+H) من الدم عند زيادة حموضة الدم أوسحب البايكربونات (HCO3) من الدم عند زيادة قلوية الدم. ومن الوظائف المهمة للكلى هوالتحكم بضغط الدم باستخدام هرمون الأدرينالين (Adrenaline) وكذلك هرمون النورأدرينالين (NorAdrenaline) الذي تفرزهما الغدة الكظرية (adrenal gland) التي تقع فوق الفطب العلوي للكلية. فعند انخفاض ضغط الدم يعمل هذا الهرمون على انقباض الشرايين الطرفية وزيادة ضخ الدم من القلب أما عند ارتفاع ضغط الدم فيعمل هرمون () على انبساط الشرايين الطرفية وتقليل ضخ الدم من القلب.
يتكون الجهاز البولي من أربع مكونات رئيسية وهي الكليتان (kidneys) والحالبان (ureters) والمثانة (bladder) والاحليل (urethra). فالكليتان تقعان في الجزء الخلفي من البطن على جانبي العمود الفقري على مستوى الفقرات القطنية العليا والكلية اليسرى تقع في مستوى أعلى قليلا (بمقدار سنتيمتر ونصف) عن الكلية اليمنى بسبب وجود الكبد في الناحية اليمنى من البطن. والكلية حمراء اللون تشبه حبة الفاصوليا في شكلها وهي بحجم قبضة اليد حيث يبلغ متوسط طولها بين قطبيها 12 سنتيمتر أما عرضها فيبلغ نصف طولها أي 6 سنتيمتر وأما سمكها فيبلغ نصف عرضها أي 3 سنتيمتر وذلك في المتوسط. ويتراوح وزن الكلية عند الذكر بين 125 غرام و 175 غرام بمتوسط يبلغ 150 غرام وعند الأنثى بين 115 غرام و 155 غرام بمتوسط يبلغ 135 غرام.
ويغلف الكلية غطاء من الشحم يعمل على تثبيتها وحمايتها من الصدمات وكذلك من البرد الذي قد يؤثر على كفاءة العمليات الحيوية التي تقوم بها, وتتكون الكلية من عدة طبقات وهي من الخارج المحفظة وهي طبقة رقيقة زلقة تغلف كامل الكلية. ثم تليها القشرة الكلوية (cortex) والتي تحتوي على الجزء العلوي والأكبر من أجسام النيفرونات وكذلك الشعيرات الدموية التي تغذيها وتلك التي تخرج منها. ثم يليها لب أو نخاع الكلية (Medulla) ويحتوي على أهرام الكلية (Pyramids) والتي تتجه رؤوسها إلى حوض الكلية وتتكون هذه الأهرام من الجزء السفلي من أجسام النيفرونات وهي عروة هنلي والأنابيب المجمعة ويمر من بين الأهرامات الشعيرات الدموية التي تتفرع من الشريان الكلوي والوريد الكلوي. وتحتوي المناطق المحيطة بالأهرامات في طبقة النخاع عضلات ملساء تعمل على عصر الأهرامات لتخرج البول من الأنابيب المجمعة إلى حوض الكلية. أما الطبقة الداخلية للكلية فهي حوض الكلية (pelvis) وهي عبارة عن تجاويف متعددة تبدأ صغيرة عند رؤوس الاهرامات تسمى الكؤوس الصغيرة (Minor Calices) ثم تلتقي هذه مع بعضها لتكون تجاويف أكبر تسمى الكؤوس الكبيرة (Major Calices) ثم تلتقي هذه لتكون حوض الكلوية. ويدخل الدم إلى الكلية عند سرتها (sinus) من خلال الشريان الكلوي (Renal Artery) الذي يتفرع من الشريان الأبهر البطني (Abdominal Aorat) ثم يعود الدم المنقى من خلال الوريد الكلوي (Renal Vein) والذي يصب في الوريد الأجوف السفلي (inferior vena cava). وتحتوي الكلية على ما يقرب من مليون نيفرون وهو وحدة الترشيح الأساسية وقد شرحنا تركيبه وآليات عمله آنفا وهي موزعة على أهرامات الكلية التي يقدر عددها باثني عشر هرما. وبما أن كل نيفرون يدخله شرين دموي واحد وهو الشرين الوارد فإن الشريان الكلوي يجب أن يتفرع إلى مليون شرين لتغذية المليون نيفرون. وكذلك هو الحال مع الوريد الكلوي الذي يجب أن يتفرع إلى مليون وريد شعري حيث أن الشرين الصادر من حويصلة مالبيجي بعد أن يتفرع إلى شبكة من الشعيرات الدموية التي تلتف حول أنبوب النيفرون تبدأ بالاتحاد لتكون وريد شعري يخرج من كل نيفرون. إن الإنسان ليصيبه الذهول بل إن رأسه ليتصدع وهو يفكر في طريقة تمديد هذه الملايين من الأوردة والشرايين بحيث يصل كل منها إلى النيفرون الخاص به وذلك في داخل هذه الكلية التي يتجاوز حجمها قبضة اليد. وإني أشهد وكذلك يشهد كل من أنار الله عز وجل بصيرته أن هذا التمديد لا يمكن أن يقوم بها البشر ولو اجتمعوا له بل لا يقوم به إلا خالق لا حدود لعلمه وقدرته سبحانه وتعالى. وتستلم الكليتان ما نسبته عشرين بالمائة من الدم الذي يضخه القلب وذلك لتنقيته من الفضلات الضارة وتعالج الكليتين في اليوم الواحد ما يقرب من 180 لتر من الدم وتخرج ما معدله لتر ونصف لتر من البول في اليوم.
ويوجد فوق القطب العلوي لكل كلية غدة بالغة الأهمية للجسم وهي الغدة الكظرية (adrenal gland) وهي على شكل طربوش يغطي الجزء العلوي من الكلية ويبلغ قطرها خمسة سنتيمترات وتتكون كما في الكلية من قشرة ونخاع ويتفرع لها من الشريان والوريد الكلويان شريان ووريد . وتفرز الغدة الكظرية عدد كبير من الهرمونات حيث يفرز من لب الغدة بأمر من الدماغ هرمون الأدرينالين (Adrenaline) وكذلك هرمون النورأدرينالين (NorAdrenaline) والتي تتحكم في ضغط الدم. أما قشرة الغدة فتفرز مجموعة من الهرمونات الستيرودية القشرية فالقشرانيات السكرية كالكورتيزول (Cortisol) تعمل على تنظيم استخدام الغذاء المهضوم والتكييف مع الإجهاد وتخفيف الحساسية وذلك عندما تستثار بهرمون آخر تنتجه الغدة النخامية وهو الهرمون المنشط لقشرة الكظر (Adreno Corticotrophic Hormone). أما القشرانيات المعدنية كالألدوستيرون (Aldosterone) فيعمل على تنظيم امتصاص الصوديوم والبوتاسيوم في الكلية عندما تستثار من قبل هرمون الرنين (Renin) الذي تنتجه الكلية نفسها. وأما هرمون الغدة الكظرية الأساسي ( Dehydroepiandrosterone ) فيعمل على تقوية الجهاز المتاعي وإصلاح الأنسجة والحد من أمراض الشيخوخة. وتفرز الغدة الكظرية هرمونات جنسية كالهرمونات الذكرية المسماة بالأندروجينات والتي تتحكم ببعض الخواص الجنسية لما قبل البلوغ للذكور والإناث.
أما الحالب فهو أنبوب رفيع يصل بين حوض الكلية والمثانة ويتراوح طوله في الإنسان البالغ بين 20 و 25 سنتيمتر بينما يبلغ قطره نصف سنتيمتر. ويتكون جدار الحالب من ثلاث طبقات وهي الطبقة الخارجية المكونة من أنسجة ضامة ليفية لحمايته من الخارج والطبقة الوسطى والمكونة من عضلات ملساء دائرية وطولية والطبقة الداخلية وهي طبقة مخاطية تفرز مخاطا يحمي الحالب من مكونات البول. وتقوم عضلات الحالب بالانبساط والانقباض بشكل دوري كل ربع دقيقة بحيث تقوم بسحب البول من الكلية وتدفعه إلى المثانة وذلك مهما كانت وضعية الجسم. ويدخل الحالب المثانة من الخلف بشكل مائل في داخل جدارها وذلك لكي تقوم عضلات المثانة عند امتلائها بالضغط على الحالب فتقوم بإغلاقه فيعمل كصمام يمنع رجوع البول إلى الكلية. ولو أن تصميم الحالب قد تم بالصدفة أو حتى لو وكل الأمر للبشر لتصميمه لكان الحالب أنبوبا عاديا لا وجود لهذه العضلات الماصة فيه. وفي هذا الحال فإن البول لن يخرج من الكلية إلا إذا كان الإنسان واقفا أما إذا استلقى فإن البول سيتجمع في حوض الكلية وستتوقف عن عملية تنقية الدم ويصاب الإنسان بالتسمم.
أما المثانة فتقع في الجزء الأمامي من الحوض وهي عبارة عن غشاء عضلي مجوف لها شكل شبه بيضاوي ويمكنها أن تتسع لكمية من البول تتراوح بين 300 و 400 ملليلتر. وجدار المثانة مكون من عدة طبقات فالطبقة الداخلية طلائية تحمي أنسجة جدار المثانة من مكونات البول المختلفة تليها طبقات من الألياف العضلية الملساء ثم الغشاء الخارجي. وهذا الجدار وبسبب التصميم البديع لأشكال العضلات فيه يمكنه التمدد بشكل كبير جدا ويمكنه كذلك التقلص تحت سيطرة الأعصاب القادمة من الدماغ لإخراج البول من المثانه بشكل كامل. ويتم التحكم بعضلات المثانة من خلال نوعين من الأعصاب وهي الأعصاب الودية (sympathetic) التي تعمل على إرخاء عضلات المثانة والأعصاب غير الودية (parasympathetic) التي تعمل على تقلصها. ويوجد في جدار المثانة كذلك أعصاب حسية (Sensory nerves) تقوم بإرسال إشارات عصبية للدماغ عندما تمتلئ المثانة فيشعر الإنسان بالرغبة في التبول ولكنه لا يبول إلا بإرادته. أما الإحليل (Urethra) فهو الأنبوبة التي تخرج البول من المثانة إلى خارج الجسم ويبلغ متوسط طوله 20 سم في الذكر و 4 سم في الأنثى وتحيط بقسم من إحليل الذكر غدة البروستات. وتوجد في جدار الاحليل عند التقائه بالمثانة العضلة القابضة الداخلية بينما تحيط به على بعدة عدة سنتيمترات العضلة القابضة الخارجية حيث تعمل العضلتان كصمامات تمنع خروج البول من المثانة إلا إذا أعطيت الأوامر لهما من الدماغ لينبسطا ويفتحا الاحليل لكي يخرج البول وذلك بطريقة إرادية. إن وجود مثل هذه الصمامات التي تتحكم بعملية التبول عند الإنسان لهو أكبر دليل على أن الذي صنعها صانع خبير حكيم لطيف يهمه سبحانه وتعالى مصلحة الإنسان وهي أن لا يتبول الإنسان على نفسه بشكل لاإرادي فتهان كرامته. فمن الناحية البيولجية البحتة كان الأولى أن يرشح البول بشكل مستمر من خلال حالب بسيط ولا داع لوجود أجهزة معقدة كالمثانة والاحليل والصمامات وما تحكمها من أعصاب مرتبطة بالدماغ تقوم بحبس البول الضار داخل الجسم لحين إعطاء الأمر بإخراجه.
إن هذه الكلى العجيبة لا يدرك أكثر الناس أهميتها ولا يقدرون حق من خلقها لهم حق قدره إلا إذا تعطلت لا سمح الله عن العمل وفشلت في القيام بوظائفها المختلفة. ولقد كان الموت هو النتيجة الأكيدة للشخص الذي تتعطل كلاه عن العمل وذلك قبل اختراع أجهزة غسيل الكلى قبل ما يقرب من ستين عاما وكذلك قبل ظهور عمليات زراعة الكلى قبل خمسين عاما. إن أجهزة غسيل الكلى الحديثة لا تقوم إلا بوظيفة واحدة أو وظيفتين فقط من وظائف الكلى العديدة التي شرحناها آنفا ولذلك نجد أن الشخص المصاب بفشل الكلى يعاني من أمراض كثيرة بسبب ذلك ولا بد من معالجته بالأدوية بشكل مستمر. و يتكون جهاز غسيل الكلي أو بمسمى أصح جهاز تنقية الدم (hemodialysis) من أنابيب ترشيح مصنعة من مادة السيلوفين (Cellophane) يتم غمسها في محلول التنقية (Dialysate) بينما يتم تمرير الدم الذي يؤخذ من أحد شرايين المريض في هذه الأنابيب ومن إرجاعه إلى أحد الأوردة. إن مادة السيلوفين لا تسمح بمرور خلايا الدم والبروتينات من خلالها ولكنها تسمح بمرور الماء والأملاح والفضلات الضارة بالجسم وهي اليوريا والكريتانين وحامض اليوريك. وإذا ما تم ضبط تركيز الأملاح المختلفة في محلول التنقية فإن الفضلات الضارة ستنتقل من الدم إلى المحلول بسبب تركيزها العالي في الدم وغيابها في المحلول النقي. أما الماء والأملاح فإنها ستنتقل من الدم إلى المحلول أو العكس وذلك حسب تركيزها فيهما. إن جهاز غسيل الكلى بسيط التركيب إذا ما ما اقتصر على جهاز الترشيح (dialyzer) وهي الأنابيب ولكنه في الواقع جهاز بالغ التعقيد حيث يحتاج إلى مكونات أخرى كثيرة تضمن نجاح عملية الغسيل. فالجهاز يحتاج أولا لمضختين الأولى لضخ الدم من الجسم إلى المرشح والأخرى لضخ المحلول ويحتاج لمكون يضخ مادة تمنع تجلط الدم عند خروجه من الجسم ومكون آخر لمنع دخول الهواء إلى الدم بالإضافة إلى أجهزة المراقبة المختلفة. وعلى الإنسان العاقل أن يقدر نعمة الله عليه بأن جعل في جسمه هاتين الكليتين الصغيرتين اللتين تعملان بلا توقف وبكفاءة عالية طول عمره وصدق الله العظيم القائل "أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)" لقمان.
المراجع
1- القرآن الكريم
2- مواقع متفرقة على الإنترنت
للتواصل مع الكاتب: mabbadi@just.edu.jo لمزيد من المقالات للكاتب:
http://mansourabbadi.maktoobblog.com/
تقييم:
0
0