الانسان العربي بين الثقافة العربية و العالمية
الإنسان العربي بين الثقافة العربية والعالمية
Wednesday 14-03 -2007
مقدمة:
فهم العلاقة والتأثير بين الثقافة العربية الإسلامية والثقافة العالمية وخاصة الغربية يمثل مسألة صعبة. والأصعب التوصية بالحلول لهذه العلاقة. والسبب الأهم يكمن في تداخل القوة والتقدم المادي مع عوامل تعريف الثقافة بحيث يصعب الفصل بين إنجاز الحضارة أو قصورها وبين مفاهيمها الفكرية والاجتماعية. ومن هنا يقع الكثيرون في محاولة الحسم من خلال الاستثناء والاختزال وفي بعض الأحيان الإلغاء.
مشكلة الثقافة العربية أمام العالمية لم تبدأ اليوم. وفي العصر الحديث حاول الأمير شكيب ارسلان أن يعالج المسألة واستطاع طرح الأسئلة دون الأجوبة. وحاول الرواد المحدثون مثل محمد عبده والأفغاني وضع تصورات وحلول توفيقية نجحت في جزء ولم تستطع مواجهة المد في جزء أخر.
ونمت أواسط القرن الماضي مفاهيم اليسار والقومية كمضادات تقدمية للحضارة الغربية وتوفر للشباب في تلك الفترة إمكانية الشعور بالتقدمية دون الحاجة للانتماء للغرب مع أن ذلك كان مصطنعا لحد كبير إذا اعترفنا أن الفكر الاشتراكي يقوم على مفاهيم الحضارة الغربية وفي كثير من الأحيان يقع في خصوصياتها.
ومثلت التجربة الناصرية مع فكرة عدم الانحياز محاولة حقيقية للتحرر من الهيمنة الغربية دون الانكفاء للماضي أو الانضواء تحت لواء الشيوعية. وقد كانت هزيمة 67 نكسة حقيقية لهذا التوجه. واستمر الفكر القومي محاولا السير على خطى ناصر إلا انه لم يستطع قيادة نجاحات للمرحلة. وتمثل انتكاسة الحكم في العراق نهاية مرحلة القومية المقاومة.
وقد تزامن مع المرحلة الأخيرة للفكر القومي والعلماني بشكل عام ظهور جديد للحركات الإسلامية التي بدأت في الثلاثينات قليلا بعد سقوط الخلافة العثمانية. ولم يأخذ الظهور طابعا مقاوما وثوريا على مستوى الوعي الشعبي أو السياسة الدولية إلا بعد ظهور الخميني في إيران وبداية إعادة تعريف الحركات الإسلامية السنية لدورها في العالم العربي.
وكان لحرب الأفغان- الاتحاد السوفييتي دورا كبيرا في إعادة تعريف الدور الإسلامي ولكن بشكل عنيف ومتعصب وصعب التفاهم بشكل عام. ومثلت حركة طالبان تميز هذا التيار في أكثر مظاهرة انعزالا وبعدا عن الواقع العالمي. وكانت نهاية هذه التجربة أيضا بالغزو الاميركي.
وفترة سقوط بغداد العراق بدا أن تجربة الثورة الإسلامية في إيران وحزب الله في لبنان تمثل أكثر التوجهات عقلانية لذوي الفكر القومي أو الديني المقاوم. ولم تصمد هذه الصورة طويلا بسبب الدور المتناقض للشيعة في المقاومة العراقية.
وأفقدت حرب العراق الكثير من رونق الحركة الإسلامية الشيعية لمن يفترضها البديل الثوري الحقيقي والوريث للحركات المقاومة القومية مع أن ذلك لم يلغ الرهان بشكل عام بسبب العلاقة المميزة لحزب الله والحركة الإسلامية في فلسطين.
هل الحركات الإسلامية الراهنة مرشحة لقيادة المرحلة ومهيأة لذلك حقا. يبدو أن الأمر صحيح جزئيا فقط وان هناك حاجة لأطر وتعريفات جديدة لقوى الفعل والمقاومة.
والسؤال لماذا تستمر مقاومة الثقافة الغربية رغم الهزائم المستمرة رغم الاعتراف أن الواقع العربي الإسلامي متخلف فعلا على المستويات العلمية والتكنولوجية والتنظيم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ورغم الخلل القاتل في البنية الاقتصادية.
ما هو الجاذب الحقيقي الذي يبقي الفكر المحلي قوميا كان أو إسلاميا صامدا بمواجهة الفكر الغربي. ولماذا يستمر الإصرار على مقاومة الفكر الغربي والحذر من الاستسلام أمامه. هل هي ظاهرة مقاومة القصور الذاتي فقط أم أن هناك قوة حقيقية داخل الفكر الإسلامي تجعله مختلفا. وهل نفس الأمر ينطبق على الفكر الصيني والهندي مثلا.
لا شك أن جزءا من المقاومة يتأسس بناء على فكرة القصور الذاتي ومقاومة التغيير وفي هذا نشترك مع كل الحضارات الأخرى في أنواع من مقاومة الهيمنة الغربية.
ولكن وكما لكل تجربة خصوصيات تميزها ومقاومتها يبدو أن للفكر العربي الإسلامي عامل تميز يجعله ندا في كثير من المواقع وهذا يحتاج لمزيد من التوضيح.
الثقافة العربية والعالمية:
من الصعب تعريف ثقافة عالمية واحدة مع أن المفهوم الدارج هو الثقافة الغربية لسعتها وهيمنتها على الكثير من نواحي الفكر والحضارة وعوامل السيطرة. ويمكن تقسيم خريطة الثقافات العالمية حاليا الى 7 توجهات أساسية وفرعية:
1-3 الثقافة الغربية بأسسها الدينية والقومية والعلمانية:واهم محركاتها الثقافة الرأسمالية مقابل الاشتراكية خلال القرن الماضي والثقافة الليبرالية مقابل المحافظة في الوقت الحالي. وفي أحيان أخرى أخذت محركات قومية في حالة الحروب العالمية.
وتتميز الثقافة الغربية بشكل عام بالأساس المسيحي فيما يخص التبعية للأديان السماوية والفكر والتراث الديني الذي يعتمد فكرة الخالق واندماجه بالمخلوق والتعددية ضمن التوحيد. والمتأثر باليهودية حديثا فيما يخص التميز والعنصرية وفكرة الشعب المختار.
وقد تأثرت الثقافة الغربية بدرجة هامة بأسس الحضارة الإغريقية فيما يخص قيم الديموقراطية والفكر المنطقي. وتعتمد على الحضارة الرومانية بدرجة مشابهة في تقديس القوة واحترام التعبير المادي للحضارة كمقياس على تفوقها أو استمرارها.
4-5 مقابل الحضارة الغربية نجد الثقافة الصينية متداخلة مع الهندية في الأساس البوذي الذي يعتمد فكرة التكامل مع الكون وتعاظم قيمة المجموع وتضاؤل الفرد وفكرة الحكمة الدائمة واستمرار التجدد من خلال وعي كوني متغير التركيب وثابت الإطار بنفس الوقت. وتقوم الثقافة الصينية على الصبر والحكمة والسلم والانغلاق بشكل عام وتتميز بعدم التوسعية.
ومع أن الحضارة الهندية خليط ومزيج من الثقافات الصينية والهندية مع التأثيرات الإسلامية إلا أن بقايا الفكر الهندي القديمة تبقي بارزة من خلال بقاء مفاهيم التعددية المالانهائية ضمن التوحد ولعل الهند بتركيبتها السكانية والفكرية تعكس هذا التعدد ضمن المفهوم الشمولي.
6- ونجد الثقافات القديمة المنقرضة والموروثة: وتشمل الثقافات الفرعونية والعراقية والسورية والتي ورثتها الثقافة العربية الإسلامية.
7- وتتميز الثقافة الإسلامية بفكر يقوم على عقيدة توحيدية صارمة الوضوح وتقبل الأخر ضمن عهود ومواثيق تعامل محددة المعالم. وتركز كثيرا على تميز الفرد في خدمة المجموع والمجموع لخدمة الخالق. وحيث تعتبر الحضارة العربية وريثا طبيعيا للثقافات البائدة ضمن محيطها فقد تم استيعاب مفاهيم حضارة النهرين والنيل والإغريق وحتى الرومانية ضمن ملاءتها الأوسع.
وأدى كل ذلك لظهور حضارة سائدة تدين بدين واضح المعالم والأسس. لكن الميراث البعيد والسحيق المتعدد خلق حالات من التداخل والجدل الدائم مع الدين الجديد. وتم تداخل في كثير من الحالات فقد أصوله بحيث يصعب أحيانا تمييز الإرث الحضاري من الديني.
تتميز حضارة العرب المسلمين بتقديس الخالق وعبودية الفرد له واحترام الإنسان ضمن هذه العبودية. وتمجيد الحاكم, واستخدام العلم للمنفعة, وتشجيع التضحية والفروسية, والتركيز على المعاملات والأخلاق الفردية والوزن الكبير لشرف المرأة وفكرة العرض واختلاط ذلك بفكرة الشرف العام.
ومع أن التاريخ السياسي للحضارة الإسلامية يبدو دمويا في الكثير من جوانبه إلا أن الميراث التعاملي يبدو متطورا بالمقارنة.
ولو تم إعطاء نظرة عميقة وتقويمية لأهم جوانب التطور في المجتمع العربي الإسلامي فربما نجد التطور الاجتماعي والمعاملات الأول في ذلك. حيث نرى مستويات متطورة التعريف لعلاقة الفرد بالمجتمع وعلاقات الأسرة. ويبدو أن هذا الجانب هو أكثر ما يتمسك به الإنسان العربي أمام الثقافات الأخرى.
من المألوف مثلا أن تجد شخصا متميزا عاش معظم عمره بالغرب ووصل الى درجات عالية من الاندماج في ذلك المجتمع لكنك تجده متمسكا بشكل اكبر من العادي بثقافته الأصيلة وسلوك أبنائه. حتى اليهود لا يصلون لهذه الدرجة. فمع أن اليهود يعتبرون أنفسهم شعبا مختارا ومميزا إلا أنهم أكثر قبولا لمفاهيم الغرب الاجتماعية واندماجا معها.
مقارنة عامة بين الثقافة العربية والغربية:
من الصعب وضع التقسيم بين الحضارة والثقافة العربية والعالمية بسبب تعدد أوجه الحضارة العالمية. ولمقارنة أفضل وخاصة أنها تمثل حالة الاحتكاك الرئيسة مع الثقافة العربية نجد من المهم تقييم الأمر مقارنة بالحضارة الغربية.
هناك أمور مشتركة بين الحضارة العربية والغربية أهمها المنبت الديني والتراث الإغريقي والروماني المشترك. حيث شئنا أم أبينا نشترك معا في احتلال روما الطويل لحوض المتوسط والإغريق من قبلهم وتأثرهم السابق بالحضارة المصرية والعراقية. وبالمقابل فقد تم استيعاب الفكر الديني المسيحي من قبل الدولة البيزنطية وتمت محاولة قسطنطين توحيد الشرق بالغرب من خلال الدين والقسطنطينية. وحاول الاسكندر من قبل ذلك توحيد الشرق والغرب من خلال الزواج وربما نجح في ذلك أكثر من قسطنطين. وبعد ذلك نرى التوسع الإسلامي في الأندلس والتركي في شرق أوروبا واثر ذلك على الحضارة الغربية الحديثة.
أما أمور الاختلاف فتبدو منطلقة من الفرق العرقي فالغرب يعتبر نفسه جنس آخر يختلف عن الجنس السامي وقد استمر هذا الاختلاف خلال عصور المد الإسلامي أو التراجع وتغلف في النهاية بمنظومة جديدة للدين والفلسفة الغربية تشكل شبه نقيض للثقافة العربية الإسلامية.
لا يمكن إنكار التاريخ الدموي الطويل مع الغرب بشكل عام ومن الصعب تجاوز الحروب الصليبية وامتدادها مع فرسان القديس جون في مالطا واحتلال ليبيا ومن الصعب فصل ذلك عن الهجمة الاستعمارية في القرنين التاسع عشر والعشرين. بل نرى الآن توجها نحو هجمة استعمارية جديدة.
العلاقة بشكل عام صراعية تشترك في الأسس الفكرية وتختلف في العنصر. ورغم ذلك استطاع اليهود اختراق الحاجز العرقي والديني ويهيمنون بشكل اكبر من حجمهم على منابت الفكر الغربية بل حتى مواقع القرار. فماذا يعني ذلك. كيف يستطيع الشبيه العرقي ( السامية افتراضا) للعرب اختراق الحاجز الثقافي والديني للغرب بينما تستمر العلاقة صدامية بين الإسلام والغرب.
الأسباب لا شك كثيرة: أهمها حجم الحضارة الإسلامية وتوزعها الجغرافي وتكوينها الحضاري التاريخي. الحضارة الإسلامية تمثل حضارة أصيلة في هيكل الحضارة العالمية بينما اليهودية تمثل كيانا طفيليا يعيش معتمدا على كيان آخر أصيل. فلو انقرض الغرب الآن لبحث اليهود عن حضارة أصيلة أخرى للانتفاع بها والاستفادة منها وهذا ما كان خلال سيادة الحضارة الإسلامية في أسبانيا.
الاختلاف بين الحضارة الإسلامية والغربية له أساس عرقي نما مع الوقت لنموذج خلاف ديني وتكونت مفاهيم معادلة صفرية بينهما. فإذا كسب الغرب يكون ذلك عادة عند تأخر المسلمين أو على حسابهم. وإذا كسب المسلمون يبدو ذلك على حساب الغرب. فهل يمثل ذلك حالة طبيعية أم أن هناك جانبا مخفيا.
لا شك أن هناك اختلافات جوهرية لكن كان هناك أيضا عصور من التفاهم والتعايش. ولو نظرنا للأسس المنطقية للفكر الإسلامي تراه مشتركا مع الغرب في الفكر الإغريقي. ولو حاولنا المقارنة الدينية لوجدنا الكثير من التشابه.
وهذا يعيدنا الى مقولة أن الصراع ينطلق من مواقف عرقية تجذرت بشكل مفاهيم تناقض رغم وجود المشترك. وذلك لا يعني ضرورة الصراع أو التعايش.
كيف يفهم الإنسان العربي معادلة الصراع أو الحوار:
فمن الناحية الفكرية والثقافية لا يكفي الاكتشاف الموضوعي للتشابه والمشترك. الأهم هو تكون الانطباع لدى الجمهور بمثل ذلك. وفي مرحلتنا الحالية لا يبدو أن الجماهير المسلمة أو الغربية تسير باتجاه التفهم بل إن صدام المرحلة يؤجج نار الصراع. وهذا يلزمنا تفسير الخارطة السياسية وكيف تتفاعل:
هناك مفهوم سائد على المستوى الشعبي العربي أن الغرب بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص يستهدفون الإسلام والمسلمين والعرب ويطمعون في نهب ثرواتهم وتهديم معتقداتهم.
على مستوى الأنظمة هناك وقائع ومعطيات تؤكد الظن الشعبي وهناك قبول للموقف الغربي يتراوح بين قبول العاجز أو تعاون المتآمر.
على مستوى القوى السياسية والنخبة الثقافية هناك قناعة بصحة الإحساس الشعبي لكن هناك تيارا صغيرا متنفذا يعتقد بان مفاهيم الحضارة العربية الإسلامية قديمة ومن الأفضل استبدالها بمفاهيم عصرية تتناسب مع الطرح الغربي. وهناك قوى معارضة للاستسلام للطرح الغربي تتراوح بين المقاوم باعتذار الى المقاوم بانفصام تام عن الواقع.
وكما يبدو فان الظن الشعبي صحيح مع أن هناك تفاوت في ردود الفعل. وبشكل عام هناك شلل على المستوى الفعلي لإيجاد سياسة رد مناسبة ومعبرة عن محتوى الثقافة الإسلامية.
كيف يفهم الفلسطيني معادلة الصراع والحوار:
بالنسبة للفلسطيني المسالة مختلفة نوعا ما ومن الطبيعي أن تختلف الشعوب العربية الإسلامية حسب موقعها وتجربتها.
الفلسطيني يرى الدور الإسرائيلي واضحا في السياسة الغربية وهو يدفع ثمن هذا الدور من حياة أبنائه ومن مستقبله السياسي والعلاقة بين الثمن الذي يدفعه الفلسطيني والدور الإسرائيلي تجعل الفلسطيني يفكر دائما بوسائل الخروج من الزجاجة. وبشكل عام فان تجربة الفلسطيني المريرة تجعل ردود فعلة تجارب للاختبار وقد تعلم الفلسطيني كثيرا.
تعلم أولا أن الصراع ليس سياسيا أو على الأرض فقط وإنما صراع وجود مادي وثقافي. وبينما يتعرض الفلسطيني لمعركة الإذابة الحضارية أو التهجير فان الصمود الفلسطيني يحمل معادلة التوازن بين البقاء والمقاومة على المستوى الفكري وليس المادي فقط.
وقد نتج عن ذلك مفاهيم جديدة تعرف الصمود بشكل لا ينطبق بالضرورة مع المقاومة المسلحة مع انه يشترك معها بمساحة شاسعة. مع الأخذ بالاعتبار أن فكرة الصمود اشمل.
الفكرة الأخرى الراسخة في الذهن الفلسطيني هي زوال الاحترام الفكري للمحتل مع أن العادة أن تميل الشعوب المستعمرة لتقليد أعدائها في الكثير من سلوكهم وتقدر بشكل غامض وضمني حضارة الخصم( مثلما هي الحال مع الاستعمار الأوروبي في العالم العربي فمع أننا جميعا نهاجم الغرب الاستعماري إلا أن الكثيرين يحبون مكتشفات الغرب وإبداعه العلمي والتكنولوجي).
بالنسبة للفلسطيني فقد مرت فترة الدهشة والإعجاب المتخفي واستبدلت في الانتفاضات المتتالية منذ عام 1987 بحالة كراهية واحتقار حقيقي. والسبب اكتشاف الفلسطيني مدى خداع وكذب العدو ومدى انحطاط وسائله وكيف يسرق حق الأخر ويعمل بمفاهيم تتناقض مع كل ما يدعي انه المثل الأعلى له.
لقد سقط الإسرائيلي الذكي المنظم والمعتدي واستبدل بالإسرائيلي الكذاب والغادر والمعتدي. لم يتم ذلك من خلال تصور خيالي ما قبل التجربة وإنما وليد خبرة أكثر من 100 عام. لقد سقط الإسرائيلي حضاريا بالنسبة للفلسطيني ولا يوجد كثيرون ممن يريدون تعلم أي شيء منهم .
ومع أن تعلم اللغة يعتبر مفيدا لمعرفة الخصم إلا أن هناك تراجعا حقيقيا في تعلم اللغة العبرية بين الفلسطينيين والسبب هو فقدان الرغبة في تعلم أي شيء منهم.
إن أهم خسارة حققها شارون بحق العلاقة المحتملة للمستقبل بين الإسرائيلي والفلسطيني هي الطلاق الثقافي وعدم الرغبة برؤية الأخر أو الاعتراف بوجوده مع انه يعرف تماما ذلك الوجود. وهذا مفهوم يسود الطرفين بنفس الدرجة.
المسالة الثالثة المتعلقة بالثقافة الفلسطينية تتعلق بالتجربة النضالية الطويلة: لقد بدأت المقاومة كرد فعل شعبي لا يحمل ايدولوجيا أو توجه محدد وإنما كانت تعكس حالة الشعور الشعبي العام. وقد تطور مفهوم المقاومة خلال السبعينات والثمانينات الى مفهوم عالمي تأثر كثيرا بفكرة الثورة الدائمة والحرب الباردة.
وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي وانهيار الشيوعية حصلت حالة انكماش شاملة لفكرة المقاومة. لكن المعاناة استمرت.
وبدأت حرب جديدة تقودها الولايات المتحدة تستهدف الإسلام كمفهوم وليس كممارسة فقط وقد خلق ذلك ردة فعل شبه شاملة لمقاومة المحاولة الغربية تغيير الهوية. وقد تطابق المفهوم الوطني والديني بشكل اكبر من أي وقت مضى.
ولسوء الحظ فان الأطر النضالية القائمة لم تكن مصممة بالكفاءة اللازمة لاستيعاب فكرة القومي والديني معا مما أدى الى حالة تضخم واختناق ثقافي على مستوى الأطر يقابلها تساؤل بديهي ومشروع من قبل الشعب بجدوى الاستمرار بالأشكال والأطر التي تفصل الإسلام عن واقعة سواء كان ذلك من منطلق عداء أو حرص.
ويبدو أن الفهم الجديد الذي تأصل خلال الانتفاضة الحالية وتجذر أكثر بعد العدوان على العراق هو توحد الفكرة الدينية والوطنية بشكل جذري في ضمير الشعب مع أن المشهد التنظيمي يبدو مختلفا ومع أن الأطر تحاول يائسة حشر التطور الجديد ضمن قوالبها السابقة.
المقاومة العراقية وتأثيرها على معادلة الصراع والحوار:
مع أن المقاومة صغيرة العمر الزمني وغير معرفة فكريا بشكل كاف ومع أن هناك تعتيما كبيرا على دورها الإنساني والفكري. إلا أن هناك مؤشرات تحدد تلك المقاومة وتتوقع خط سيرها وفرص تأثيرها على معادلة الصراع أو الحوار مع الغرب.
تبدو المقاومة العراقية متمركزة أكثر من المتوسط في الوسط السني العربي والذي يمثل أساس قاعدة النظام الحاكم الذي حاول الانتقال في سنواته الأخيرة من التوجه القومي المقاوم الى القومي الديني المقاوم. وقد بدا ذلك التوجه منذ نهاية الحرب العراقية الدولية الأولى عام 1991 وتجذر على مدى سنوات الحصار.
وتبدو المقاومة خجولة لكنها قانعة في مناطق الوسط الشيعي العربي. وهي شبه معدومة في الوسط الكردي.
ورغم عدم التوازن بين مكونات الشعب العراقي ونسبة مشاركة تلك المكونات في مقاومة الاحتلال إلا أن المقاومة بشكل عام لم تقبل أن تصبح ممثلة لطائفة وظلت تطرح وحدة العراق العربي والإسلامي.
وإذا نجحت المقاومة العراقية في توحيد الفكر القومي مع الديني رغم المحاولات المستميتة من الغرب أو بعض المنظمات الأصولية تصوير الأمر غير ذلك تكون قد وجدت هويتها. ويبدو أنها سوف تنجح لأسباب كثيرة.
ولأن العراق يمثل احد مراكز الفكر والحضارة العالمية( بين النهرين- المدائن-العباسيين) بالإضافة الى أهميته الاستراتيجية من نواحي النفط والموقع والطاقة البشرية المتميزة ضمن تركيبة الأمة العربية فان نجاح العراق سيكون له أثار بعيدة المدى في الزمان والمكان والثقافة العالمية.
وهذا يعني أن معركة العراق صعبة جدا وتوازي في صعوبتها معركة فلسطين مع فارق في توازن القوى على المدى القريب والبعيد يجعل فرص النصر للعراق قائمة ضمن المحتمل. إن دعم الشعب العربي وتوتر الغرب تجاه المقاومة العراقية يعكس قيمة المعركة الدائرة وسيكون لمن يكسب تلك المعركة ما بعدها.
نحو مفهوم عالمي للثقافة المشتركة:
من الرؤية الغربية:
لقد تقدم الغرب كثيرا من الناحية المادية والتكنولوجية وتطور المجتمع تنظيميا بشكل لم يخطر على بال أي فيلسوف أو عالم اجتماع. رغم ذلك بقي الفرد الذي تجعله الثقافة الغربية محور ووحدة وجودها متخلف التطور على مستوى المفاهيم الإنسانية والغرائز. فهل يعقل أن يعيش فرد بعقلية العصور القديمة بتعقيد النظام الاجتماعي الواقع حاليا.
لم يكن هناك مدن بحجم دول عظمى في الماضي أو سيل معلومات بكثافة الموقف الحالي ولم يكن هناك وسائل معيشة بواحد على الألف مما نعيش اليوم. رغم ذلك نفكر نحو الآخر عندما نكون وحدنا بقليل من الفرق عمن عاشوا قبل 2000 عام. ربما يختلف في ذلك بعض المتنورين والنخبة لكننا نتحدث عن أل 95 % العادية من الشعب.
إن التطور المادي الغربي يتطلب تطورا اجتماعيا وفرديا في مفاهيم الإنسان ونظرته نحو نفسه والآخر. من المفجع أن ترى رئيس الدولة الأولى في العالم يفكر ويتصرف بعقلية ما قبل التاريخ فيما يتعلق بالنظرة للآخر أو كيفية الحرب أو طريقة استغلال الشعب. فكيف يستطيع شخص بهذه العقلية النجاح في تجديد حكمه وعلى راس نخبة العالم المتنفذة ماليا وتكنولوجيا أو علميا.
الجواب يكمن في الانفصام الكبير بين التقدم المادي والتقني والتطور الإنساني والاجتماعي. وربما يمكن الادعاء دون الدخول في محاولة الإثبات أن معظم الشعوب الأخرى متطورة أكثر من أميركا تحديدا فيما يتعلق بالنظرة للآخر.
العنصرية والاستغلال والاستكبار والقسوة تمثل مفاهيم سائدة في مجتمعات النظام الغربي وهي تمارس ذلك أينما أمكن ولا تتوانى عن تطبيقه حتى في مجتمعاتها. لكن الأنظمة رغم ذلك قوية وقابلة للاستمرار بسبب الانفصام بين التطور المادي والاجتماعي.
الأنظمة في معظم العالم الثالث تقوم على مفهوم الارتباط بالغرب كأساس للبقاء وعلية يصبح فسادها مستمدا من الأساس الغربي. ولا يبدو عادلا ربط وتقييم المستوى الحقيقي في تطور المجتمعات المتأخرة حضاريا وماديا بممارسة الحكام.
رغم ذلك تبدو الثقافات الأخرى متأخرة بشكل عام في جوانب أخرى مثل تنظيم المؤسسات المجتمعية وإدارة المؤسسات الاقتصادية بل هناك مشاكل حقيقية في العلاقات الاجتماعية.
من الصعب فصل الأسباب الكامنة في الحضارة نفسها عن العوامل الخارجية والغربية الأساس بشكل عام. والعدل أن نعطي الشعوب الفرصة لتفرز نظامها ونرى هل تستطيع إفراز اطر أكثر تطورا من الناحية الاجتماعية عما نرى في الغرب.
من الصعب انتظار ذلك أو حصوله بسبب التدخل شئنا أم أبينا. لكن على الأقل علينا أن نؤمن أن هناك فرص وإمكانيات في الأخر تستحق الكشف عنها. ولا يكفي أن نحترم آثار الدول الأخرى أو حيواناتها وإنما علينا احترام أسسها الحضارية. فان كانت غير مجدية فسوف تفشل وهي ضعيفة حقا وان كانت أفضل مما يخترع الغرب فعلى الجميع التعلم.
هناك توجه فكري منفتح موجود في الغرب يؤمن بوحدة وتعددية الفكر الإنساني لكنه غير مسيطر وينال دعما قليلا عند توزيع المنح للدراسات الانتروبولوجية أو عند تفقد البيئة ولا نرى الكثير من الانتباه الحقيقي لكيفية تفكير الآخرين.
ربما لا نستطيع لوم الغرب كثيرا على عنجهيته فهو يرى شعوبا هائمة منهارة متخلفة ماديا وهو يستطيع سحقها في الحرب إن أراد. لكن هذا يعني أيضا أن الغرب متخلف في هذا الأمر. علينا العمل بوضوح اكبر لإثبات جدوى المفاهيم الأخرى وذلك من خلال النظم السياسية المتنورة وأن أمكن من خلال التفوق والمشاركة الفعالة في الإبداع الفكري العالمي.
لقد وجدت الهند والصين كما يبدو طريقها للمشاركة. فالصين تتقدم ماديا وغير ذلك وتحافظ على وزنها العالمي. والهند تبدو أكثر طموحا وتحاول تجاوز الغرب في أفضل إبداعاته الفكرية والتكنولوجية وهم ينجحون في الكثير من ذلك.
إنها حضارات قديمة تصحو على عالم جديد وتريد أن تجد لنفسها دورا مميزا. ربما قبلت تلك الحضارات التنازل عن بعض مقوماتها ولكنها تقطع جزءا من المسيرة معتمدة على نفسها.
المفاجأة أن الواقع الإسلامي يبدو الأكثر تخلفا فكيف يعقل أن يتم ذلك من مجتمع يفترض فيه قيادة العالم في التطور الاجتماعي.
هل الفشل مادي فقط وهل الاستهداف الغربي الأشد فتكا يفسر الأمر. كافة الأسباب ذات علاقة لكنها لا تكفي. ويبدو أن هناك أسبابا موضوعية إضافية يعاني منها المجتمع الإسلامي والعربي سنحاول الإجابة عليها.
من الرؤية الإسلامية:
الأسئلة التي أثيرت أعلاه بما يتعلق بجدية الهجوم الغربي على الفكر والثقافة العربية الإسلامية ليست وهما من خيال العرب والمسلمين. ومن يتابع الكتابات والصحف الغربية يجد تيارا يتنامى ويطرح دون لبس ضرورة تغيير الذهن العربي أو سحقه في بعض الأحيان وقليلا ما نجد طرحا يحاول فهم العقل العربي.
ليس هناك الكثير من الدراسات التي توضح أن الغالبية العظمى من الشعب العربي تريد العيش حقا بسلام مع العالم. وليس هناك الكثير من المؤسسات التي تحاول إيجاد لغة مشتركة بين الإسلام والعروبة من جهة وبين الثقافات الأخرى من جهة أخرى.
التقصير في هذا الأمر متبادل فالنخبة العربية الحاكمة بشكل عام لا تجرؤ على الدفاع عن الثقافة الإسلامية دون اعتذار وتحاول دائما تصوير أن الإسلام هو فقط محاولة للتأقلم مع الغرب.
الإسلام ليس محاولة للتأقلم مع الغرب قطعا لكنه أيضا ليس حربا فقط ضد الغرب. الإسلام حضارة كبيرة وكان له دور مركزي في حكم العالم منذ نشأته لأكثر من ألف عام. ونفوذ الإسلام وقوته السياسية والثقافية ليس نتاج إبداع النخب أو النظام السياسي الذي تميز بالفشل بشكل عام.
لكن قوة الإسلام كانت توفيره لنظام أخلاق يناسب طبيعة الإنسان ويستوعب التغيرات في موازين ومفاهيم البشر. وقد نما ذلك في كثير من الأحيان منفصلا عن النظم السياسية بل ربما رغما عنها.
إن محاولة تعريف الإسلام في العصر الحديث من خلال اطر نخبوية تنظيمية يمثل اكبر خطر على ديناميكية الإسلام الذي كان دائما منفتحا على الجميع. ففكرة الإسلام الأساسية تقوم على عمومية تعرض البشر للهداية واستحالة حق احتكارها لأحد.
ومع أن ذلك يبدو نوعا من الانفتاح الزائد بحيث يسمح لقوى جاهلية من اختراقه إلا انه أيضا يمثل سر قوة الإسلام الذي يمنع تحجره. علينا أن نعترف أن خطر الاختراق يظل اقل ضررا ألف مرة من التحجر لدين يتبنى البشرية جميعا لأجل الهداية والتوحيد.
مشكلة الإسلام المعاصر الداخلية تكمن في ظهور جبهات تريد احتكار الحديث باسم الإسلام وحتى عندما تدعي قبولها للإسلامي الأخر فهي تقبله بتحفظ وتشكك. وهذا يفسر التولد الدائم للمنظمات التي تطرح الإسلام حلا شاملا بينما لا تستطيع الاتفاق بينها على الكثير من الأفكار والمفاهيم المشتركة للإسلام.
من أسباب الاختلاف وجود عوامل تكمن في الحركات نفسها ولكن هناك أسباب موضوعية تجعل المشكلة اكبر. وأهم تلك المشاكل الفصل القسري بين الواقع والفكرة وبين الوطن والدين وبين العروبة والإسلام.
لقد تم الفصل أساسا بعد سقوط الدولة الإسلامية الرسمية وعلى أسس قومية أو دينية. وتقبل الشعب وتشرب هذا الفصل القسري وعانى منه على مدار أكثر من قرن. وربما آن الأوان للعودة للأصل من خلال خطاب واحد يجمع كل المسلمين ولا يفرقهم في ذلك قومية أو مذهب ولا يجعل في نفس الوقت من القومية خصما وإنما يحتويها كما كان الأمر عندما بدا الإسلام.
ولعل أهم مفهوم ثقافي للمرحلة القادمة سيكون كيف تكون مسلما وفي نفس الوقت عربيا أو اميركيا أو إيرانيا.. الخ دون إحساس بالتناقض أو بالذنب.
المشكلة الأخرى تتعلق بمفاهيم الإسلام الأصيلة وتداخلها مع التراث والتجارب الخاصة. ففي كثير من الأحيان يعطي البعض وزنا لتجربة أو خبرة أو رواية أكثر أو يساوي وزن الحديث الصحيح أو حتى النص القرآني. إن النظر للتراث الديني بنفس القيمة كتعليمات الدين الأساسية يمثل احد أهم جوانب العجز في الفكر الإسلامي المعاصر.
والحل يتطلب القدرة والجرأة على التمييز بين التراث والأصيل من تعاليم الإسلام. ومع أن الجميع يتفق على مبدأ التمييز هذا إلا أن أي محاولة للفرز تصطدم بمواقف وخلافات المؤسسات القائمة.
ليس هناك حل غير تنور العقل والقدرة على التمييز. وعندما نجد الحل لذلك سوف يستطيع المسلمون التوقف عن تكفير بعضهم بعضا وسيقوم الإسلام بدوره الطبيعي في الانتشار بين كل الأمم.
تقييم:
0
0