قصيدة الحِكَم والأمثال لأبي العتاهية
قصيدة الحِكَم والأمثال لأبي العتاهية
بسم الله الرحمن الرحيم
أبو العتاهية ، إسماعيل بن القاسم ، أبو إسحاق ،
شاعر الزهد و الحكمة ، المتوفى سنة 211 للهجرة النبوية المشرفة - على صاحبها أفضل الصلاة و أتم السلام -
قال الإمام الذهبي - رحمه الله تعالى - في كتابه " سير أعلام النبلاء " :
رأس الشعراء ، الأديب الصالح ، الأوحد ،
أبوإسحاق إسماعيل بن قاسم بن سويد بن كيسان العنزي مولاهم الكوفي نزيل بغداد .
لقب بأبي العتاهية لاضطراب فيه ، و قيل كان يحب الخلاعة فيكون مأخوذاً من العتو.
سار شعره لجودته و حسنه و عدم تقعره.
و قد جمع أبو عمر بن عبد البر شعره و أخباره ، تنسّك بأَخْرَة ، و قال في المواعظ و الزهد فأجاد.
و كان أبو نواس يعظمه و يتأدب معه لدينه و يقول : ما رأيته إلا توهمت أنه سماوي و أني أرضي.
مدح أبو العتاهية المهدي و الخلفاء بعده و الوزراء ، و ما أصدق قوله :
حَسْبُكَ مِما تبتـغـيه الـقُـوتُ *** ما أَكثَرَ القُوتَ لِـمَـنْ يَمـوتُ
هِيَ المَقاديرُ فَلُمْـنـي أَوْ فَـذَرْ *** إِنْ كُنتُ أَخْطَأتُ فما أَخْطا القَدَر
و قال :
النَّاسُ في غَفَلاتِهـم *** و رَحى المَنِّيَةِ تَطْحَنُ
تُوفّي أبو العتاهية في جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة ومئتين ،
و قيل سنة ثلاث عشرة و مئتين ، و له ثلاث و ثمانون سنة أو نحوها ببغداد .
و اشتهر بمحبة عتبة فتاة المهدي بحيث إنه كتب إليه هذين البيتين :
نفسي بشيء من الدنيا معلقة *** الله و القائم المهدي يكفيهـا
فهم بدفعها إليه فجزعت و استعفت و قالت : أتدفعني إلى سوقة قبيح المنظر ؟ فعوضه بذهب.
و له في عمر بن العلاء :
لو يستطيع الناس من إجلالـه *** تخذوا له حر الخدود نعـالا
فإذا وردن بنا وردن خفائفـاً *** وإذا صدرن بنا صدرن ثقالا
فخلع عليه و أعطاه سبعين ألفاً.
و تحتمل سيرة أبي العتاهية أن تعمل في كراريس. ) إنتهى كلامه - رحمه الله تعالى -
قال الإمام الأصمعي - رحمه الله تعالى -
( شعر أبي العتاهية كساحة الملوك يقع فيها الجوهر والذهب ، والتراب والخزف والنوى . )
و قال الإمام المبرد ( كان أبو العتاهية حسن الشعر ، قريب المآخذ ، لشعره ديباجة ،
ويخرج القول منه كمخرج النفس قوة وسهولة واقتدار. )
و قال أبو العتاهية عن نفسه ( لو شئت أن أجعل كلامي كله شعراً لفعلت . )
و قصيدة الحِكَم و الأمثال للشاعر العبّاسي أبي العتاهية هي القصيدة المعروفة بـ الأرجوزة ذات الأمثال
التي قيل أن فيها أربعة آلاف مَثَل .
و قد كتبها و نسّقها و شرح ألفاظها أخونا أبو يعلى البيضاوي - حفظه الله تعالى -
و أنشدها فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن فهد الحمين - حفظه الله تعالى -
قال أبو العتاهية :
الحَمدُ لِلَّهِ عَلى تَقديرِه *** وَ حُسنِ ما صَرَّفَ مِنْ أُمورِه
الحَمدُ لِلَّهِ بِحُسْنِ صُنْعِه *** شُكراً عَلى إِعطائِهِ وَ مَنْعِه
يَخيرُ لِلعَبدِ وَ إِن لَم يَشكُرُه *** وَ يَستُرُ الجَهْلَ عَلى مَنْ يُظْهِرُه
خَوَّفَ مَنْ يَجهَلُ مِن عِقابِه *** وَ أَطمَعَ العامِلَ في ثَوابِه
وَ أَنجَدَ الحُجَّةَ بِالإِرسالِ *** إِلَيهِمُ في الأَزمُنِ الخَوالي ( 1 )
نسَتَعصِمُ اللَهَ فَخَيرُ عاصِم *** قَد يُسعِدُ المَظلومَ ظُلمُ الظالِم
فَضَّلَنا بِالعَقلِ وَ التَدبيرِ *** وَ عِلمِ ما يَأتي مِنَ الأُمورِ
يا خَيرَ مَنْ يُدعى لَدى الشَدائِد ***وَ مَن لَهُ الشُكرُ مَعَ المَحامِد
أَنتَ إِلَهي وَ بِكَ التَوفيقُ *** وَ الوَعدُ يُبدي نورَهُ التَحقيقُ
حَسبُكَ مِمّا تَبتَغيهِ القوتُ *** ما أَكثَرَ القوتَ لِمَن يَموتُ
إِنْ كانَ لا يُغنيكَ ما يَكفيكا *** فَكُلُّ ما في الأَرضِ لا يُغنيكا
الفَقرُ فيما جاوَزَ الكَفافا *** مَنْ عَرَفَ اللَهَ رَجا وَ خافا
إِنَّ القَليلَ بِالقَليلِ يَكثُرُ *** إِنَّ الصَفاءَ بِالقَذى لَيَكدُرُ ( 2 )
يا رُبَّ مَن أَسخَطَنا بِجَهدِه *** قَد سَرَّنا اللَهُ بَغَيرِ حَمدِه
مَنْ لَم يَصِل فَاِرضَ إِذا جَفاكا *** لا تَقطَعَنَّ لِلهَوى أَخاكا
العَنْزُ لا يَسْمَنُ إلا بالعَلَفْ *** لا يَسْمَنُ العَنْزُ بقَوْلٍ ذي لَطَفْ
اللَهُ حَسبي في جَميعِ أَمري ***بِهِ غَنائي وَ إِلَيهِ فَقري
لَن تُصلِحَ الناسَ وَ أَنتَ فاسِد *** هَيهاتَ ما أَبعَدَ ما تُكابِد ( 3 )
التَركُ لِلدُنيا النَجاةُ مِنها *** لَم تَرَ أَنهى لَكَ مِنها عَنها
لِكُلِّ ما يُؤذي وَ إِنْ قَلَّ أَلَم *** ما أَطوَلَ اللَّيلَ عَلى مَنْ لَم يَنَم
مَنْ لاحَ في عارِضِهِ القَتيرُ *** فَقَد أَتاهُ بِالبِلى النَذيرُ ( 4 )
مَنْ جَعَلَ النَمّامَ عَيناً هَلَكا *** مُبلِغُكَ الشَرَّ كَباغيهِ لَكا ( 5 )
يُغنيكَ عَن قولٍ قَبيحٍ تَركُه *** [ قَد يوهِنُ ] الرَأيَ الأَصيلَ شَكُّه ( 6 )
لِكُلِّ قَلبٍ أَمَلٌ يُقَلِّبُه *** يَصدُقُهُ طَوراً وَ طَوراً يَكذِبُه
المَكرُ وَ الخِبُّ أَداةُ الغادِرِ *** وَالكَذِبُ المَحضُ سِلاحُ الفاجِرِ ( 7 )
لَم يَصفُ لِلمَرءِ صَديقٌ يَمذُقُه *** لَيسَ صَديقُ المَرءِ مَنْ لا يَصدُقُه ( 8 )
مَعروفُ مَنْ مَنَّ بِهِ خِداجُ *** ما طابَ عَذبٌ شابَهَ عَجاجُ ( 9 )
سَامِحْ إذا سُمْتَ و لا تَخْشَ الغَبَنْ *** لَمْ يَغْلُ شَيْءٌ هُوَ مَوْجودُ الثَّمَنْ ( 10 )
مَنْ عاشَ لَمْ يَخْلُ مِنَ المُصيبَة *** وَ قلَّما يَنْفَكُّ عَنْ عَجيبَة
يا طالِبَ الدُّنيا بدُنيا الهِمَّة *** أَيْنَ طَلَبْتَ اللَّهَ كانَ ثَمَّة ( 11 )
يُوَسِّعُ الضِّيقَ الرِّضا بالضِّيقِ *** وَ إنَّما الرُّشْدُ مِنَ التَوْفيقِ
أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ أُموري كُلَّها *** إِنْ لَمْ يَكُنْ رَبِّي لَها فَمَنْ لَها ؟
ما أَبْعَدَ الشَّيءَ إذا الشَّيءُ فُقْد *** ما أقْرَبَ الشَّيءَ إذا الشَّيءُ وُجِد
يَعيشُ حَيٌّ بتُراثِ مَيْتِ *** يَعْمُرُ بَيْتٌ بخَرابِ بَيْتِ ( 12 )
صُلْحُ قَرينِ السُّوءِ للْقَرينِ *** كَمِثْلِ صُلْحِ اللَّحْمِ وَ السِّكينِ
ما عَيشُ مَنْ آفَتُهُ بَقاؤُه *** نَغَّصَ عَيشاً طَيِّباً فَناؤُه ( 13 )
إِنّا لَنَفنى نَفَساً وَ طَرفا *** [لَمْ ] يَترُكِ المَوتُ لإِلفٍ إِلفا ( 14 ) ( 15 )
وَ لِلكَلامِ باطِنٌ وَ ظاهِر *** في ساعَةِ العَدلِ يَموتُ الفاجِر
عَلِمتَ يا مُجاشِعُ بنَ مَسعَدَة *** أَنَّ الشَبابَ وَ الفَراغَ وَ الجِدَة ( 16 )
مَفسَدَةٌ [ لِلمَرءِ ] أَيُّ مَفسَدَة ( 17 )
يا لِلشَبابِ المَرِحِ التَصابي *** رَوائِحُ الجَنَّةِ في الشَبابِ ( 18 ) ( 19 )
{ وَ كُنْ مِنَ النَّاسِ جَميعاً وَسَطا } ( 22 )
لَيسَ عَلى ذي النُصحِ إِلّا الجَهدُ *** الشَيبُ زَرعٌ حانَ مِنهُ الحَصدُ
الغَدرُ نَحسٌ وَ الوَفاءُ سَعدُ
هِيَ المَقاديرُ فَلُمني أَو فَذَر *** تَجري المَقاديرُ عَلى غَرْزِ الإِبَر ( 23 )
إِن كُنتُ أَخطَأتُ فَما أَخطا القَدَر
---------------
( 1 ) أنجد الشيء : ارتفع, ونَجُدَ الأمر يَنْجُدُ نجودا : وَضَحَ واستبان
( 2 ) القذى : ما يقع في العين وما ترمى به
( 3 ) مكابدةالأمر مقاساة مشقته
( 4 ) القتير: الشيب
( 5 ) العين من الكلمات المشتركة المعنى وهي هنا : الجاسوس
( 6 ) في ((الأغاني)) [ يرتهن ]
( 7 ) الخَبُّ: الخَدَّاع
( 8 ) المماذقة في الود ضدالمخالصة , ومذق الود: لم يخلصه
( 9 ) الخِدَاجُ: إلقَاءُ النَّاقَةِ وَلَدَها قَبْلَ تَمامِ الأَيَّامِ، والفِعْلُ: كَنَصَرَ وضَرَبَ، وهي خادجٌ، ـوالولَدُ: خَدِيجٌ. ـ
والنَّاقَةُ: جاءَتْ بِوَلَدٍ ناقِصٍ، وإنْ كانَتْ أيامُهُ تامَّةً، فهي مُخْدِجٌ، ـ
و "صَلاَتُهُ خِدَاجٌ " ، أي: نُقْصانٌ.ـورَجُلٌ مُخْدَجٌ اليَدِ: ناقِصُها.
( 10 ) الغبن : من غبَنَهُ في البَيْعِ يَغْبِنُهُ غُبْناً ِ: خَدَعَهُ، فهو مَغْبُونٌ، والاسمُ: الغَبينَةُ.
( 11 ) الدنيا الأولى الحياة الدنيا نقيض الآخرة, والدنياالثانية بمعنى السفلى والدنيئة وهي صفة للهمة
( 12 ) التُّراث: مايُخَلِّفه الرجُل لورَثَتِهِ، والتاء فيه بَدل من الواو
( 13 ) نغص نغصا : لم تتم له هنائته والنغص كدر العيش
( 14 ) في ((الأغاني)) [ لن ]
( 15 ) الإلف: الشخص الذي تألفه والجمع آلاف
( 16 ) الجدة والوجد والوجدان: الحصول على المال
قال الصولي: قال أحمد بن عبد الله: كان لمسعدة أربعة بنين: مجاشع، وهو الذي يقول فيه أبو العتاهية:
علمت يامجاشع بن مسعدة*** أن الشباب والفراغ والجدة *** مفسدة للمرء أي مفسدة
وهو مسعدة بن سعد بن صول الصولي مولى خالد بن عبد الله القسري،كان كاتبا له,
وكان أيضا من كتاب خالد بن برمك،
ثم كتب بعده لأبي أيوب وزيرالمنصور على ديوان الرسائل, مات في سنة 214هـ,
وابنه أبو الفضل عمرو بن مسعدة، من جلة كتاب المأمون و أهل الفضل والبراعة والشعر
(17) في ((الأغاني)) [ للعقل ] , قال أبو الفرج : ذكر سليمان بن أبي شيخ قال :
قلت لأبي العتاهية : أي شعر قلته أجود , وأعجب إليك ؟ قال : قولي :
إن الشباب والفراغ والجدة *** مفسدة للعقل أي مفسدة
وقولي ايضا :
إن الشباب حجة التصابي *** روائح الجنة في الشباب
( 18 ) في ((الأغاني)) : إن الشباب حجة التصابي ] والتصابي والصبا والصبوة : جهلة الفتوة واللهو من الغزل
( 19 ) قال أبو الفرج الأصفهاني في كتابه ((الأغاني))( ): أخبرني أبو دلف هاشم بن محمد الخزاعي قال:
تذاكروا يوماً شعر أبي العتاهية بحضرة الجاحظ؛
إلى أن جرى ذكر أرجوزته المزدوجة التي سماها "ذات الأمثال"؛ فأخذ بعض من حضر ينشدها حتى أتى على قوله:
يا للشباب المرح التصابي *** روائح الجنة في الشباب
فقال الجاحظ للمنشد: قف: ثم قال: انظروا إلى قوله:
.........*** روائح الجنة في الشباب
فإن له معنى كمعنى الطرب الذي لا يقدر على معرفته إلا القلوب،
وتعجز عن ترجمته الألسنة إلا بعد التطويل وإدامة التفكير,
وخير المعاني ما كان القلب إلى قبوله أسرع من اللسان إلى وصفه.
( 20 ) ذميمة أي مذمومة،فَعِيلة بمعنى مفعولة
( 21 ) الفرط : العجلة , وفرط في الأمر فرطا أي قصر فيه وضيعه حتى فات,
والشطط مجاوزة الحد في البيع والقدر يقال شططت و أشط و أشططت جرت عن الحق
( 22 ) الأبيات [43 و44 و45 و46 ] زيادة من ((الأغاني))
(23) غرز الإبرة غرزا أدخلها وكل ما سمر في شيء فقد غرز وغُرِّز
كُتِب هذا الموضوع : قصيدة الحِكَم والأمثال لأبي العتاهية,
بقلم: سلمان بن أبي بكر
بسم الله الرحمن الرحيم
أبو العتاهية ، إسماعيل بن القاسم ، أبو إسحاق ،
شاعر الزهد و الحكمة ، المتوفى سنة 211 للهجرة النبوية المشرفة - على صاحبها أفضل الصلاة و أتم السلام -
قال الإمام الذهبي - رحمه الله تعالى - في كتابه " سير أعلام النبلاء " :
رأس الشعراء ، الأديب الصالح ، الأوحد ،
أبوإسحاق إسماعيل بن قاسم بن سويد بن كيسان العنزي مولاهم الكوفي نزيل بغداد .
لقب بأبي العتاهية لاضطراب فيه ، و قيل كان يحب الخلاعة فيكون مأخوذاً من العتو.
سار شعره لجودته و حسنه و عدم تقعره.
و قد جمع أبو عمر بن عبد البر شعره و أخباره ، تنسّك بأَخْرَة ، و قال في المواعظ و الزهد فأجاد.
و كان أبو نواس يعظمه و يتأدب معه لدينه و يقول : ما رأيته إلا توهمت أنه سماوي و أني أرضي.
مدح أبو العتاهية المهدي و الخلفاء بعده و الوزراء ، و ما أصدق قوله :
حَسْبُكَ مِما تبتـغـيه الـقُـوتُ *** ما أَكثَرَ القُوتَ لِـمَـنْ يَمـوتُ
هِيَ المَقاديرُ فَلُمْـنـي أَوْ فَـذَرْ *** إِنْ كُنتُ أَخْطَأتُ فما أَخْطا القَدَر
و قال :
النَّاسُ في غَفَلاتِهـم *** و رَحى المَنِّيَةِ تَطْحَنُ
تُوفّي أبو العتاهية في جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة ومئتين ،
و قيل سنة ثلاث عشرة و مئتين ، و له ثلاث و ثمانون سنة أو نحوها ببغداد .
و اشتهر بمحبة عتبة فتاة المهدي بحيث إنه كتب إليه هذين البيتين :
نفسي بشيء من الدنيا معلقة *** الله و القائم المهدي يكفيهـا
فهم بدفعها إليه فجزعت و استعفت و قالت : أتدفعني إلى سوقة قبيح المنظر ؟ فعوضه بذهب.
و له في عمر بن العلاء :
لو يستطيع الناس من إجلالـه *** تخذوا له حر الخدود نعـالا
فإذا وردن بنا وردن خفائفـاً *** وإذا صدرن بنا صدرن ثقالا
فخلع عليه و أعطاه سبعين ألفاً.
و تحتمل سيرة أبي العتاهية أن تعمل في كراريس. ) إنتهى كلامه - رحمه الله تعالى -
قال الإمام الأصمعي - رحمه الله تعالى -
( شعر أبي العتاهية كساحة الملوك يقع فيها الجوهر والذهب ، والتراب والخزف والنوى . )
و قال الإمام المبرد ( كان أبو العتاهية حسن الشعر ، قريب المآخذ ، لشعره ديباجة ،
ويخرج القول منه كمخرج النفس قوة وسهولة واقتدار. )
و قال أبو العتاهية عن نفسه ( لو شئت أن أجعل كلامي كله شعراً لفعلت . )
و قصيدة الحِكَم و الأمثال للشاعر العبّاسي أبي العتاهية هي القصيدة المعروفة بـ الأرجوزة ذات الأمثال
التي قيل أن فيها أربعة آلاف مَثَل .
و قد كتبها و نسّقها و شرح ألفاظها أخونا أبو يعلى البيضاوي - حفظه الله تعالى -
و أنشدها فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن فهد الحمين - حفظه الله تعالى -
قال أبو العتاهية :
الحَمدُ لِلَّهِ عَلى تَقديرِه *** وَ حُسنِ ما صَرَّفَ مِنْ أُمورِه
الحَمدُ لِلَّهِ بِحُسْنِ صُنْعِه *** شُكراً عَلى إِعطائِهِ وَ مَنْعِه
يَخيرُ لِلعَبدِ وَ إِن لَم يَشكُرُه *** وَ يَستُرُ الجَهْلَ عَلى مَنْ يُظْهِرُه
خَوَّفَ مَنْ يَجهَلُ مِن عِقابِه *** وَ أَطمَعَ العامِلَ في ثَوابِه
وَ أَنجَدَ الحُجَّةَ بِالإِرسالِ *** إِلَيهِمُ في الأَزمُنِ الخَوالي ( 1 )
نسَتَعصِمُ اللَهَ فَخَيرُ عاصِم *** قَد يُسعِدُ المَظلومَ ظُلمُ الظالِم
فَضَّلَنا بِالعَقلِ وَ التَدبيرِ *** وَ عِلمِ ما يَأتي مِنَ الأُمورِ
يا خَيرَ مَنْ يُدعى لَدى الشَدائِد ***وَ مَن لَهُ الشُكرُ مَعَ المَحامِد
أَنتَ إِلَهي وَ بِكَ التَوفيقُ *** وَ الوَعدُ يُبدي نورَهُ التَحقيقُ
حَسبُكَ مِمّا تَبتَغيهِ القوتُ *** ما أَكثَرَ القوتَ لِمَن يَموتُ
إِنْ كانَ لا يُغنيكَ ما يَكفيكا *** فَكُلُّ ما في الأَرضِ لا يُغنيكا
الفَقرُ فيما جاوَزَ الكَفافا *** مَنْ عَرَفَ اللَهَ رَجا وَ خافا
إِنَّ القَليلَ بِالقَليلِ يَكثُرُ *** إِنَّ الصَفاءَ بِالقَذى لَيَكدُرُ ( 2 )
يا رُبَّ مَن أَسخَطَنا بِجَهدِه *** قَد سَرَّنا اللَهُ بَغَيرِ حَمدِه
مَنْ لَم يَصِل فَاِرضَ إِذا جَفاكا *** لا تَقطَعَنَّ لِلهَوى أَخاكا
العَنْزُ لا يَسْمَنُ إلا بالعَلَفْ *** لا يَسْمَنُ العَنْزُ بقَوْلٍ ذي لَطَفْ
اللَهُ حَسبي في جَميعِ أَمري ***بِهِ غَنائي وَ إِلَيهِ فَقري
لَن تُصلِحَ الناسَ وَ أَنتَ فاسِد *** هَيهاتَ ما أَبعَدَ ما تُكابِد ( 3 )
التَركُ لِلدُنيا النَجاةُ مِنها *** لَم تَرَ أَنهى لَكَ مِنها عَنها
لِكُلِّ ما يُؤذي وَ إِنْ قَلَّ أَلَم *** ما أَطوَلَ اللَّيلَ عَلى مَنْ لَم يَنَم
مَنْ لاحَ في عارِضِهِ القَتيرُ *** فَقَد أَتاهُ بِالبِلى النَذيرُ ( 4 )
مَنْ جَعَلَ النَمّامَ عَيناً هَلَكا *** مُبلِغُكَ الشَرَّ كَباغيهِ لَكا ( 5 )
يُغنيكَ عَن قولٍ قَبيحٍ تَركُه *** [ قَد يوهِنُ ] الرَأيَ الأَصيلَ شَكُّه ( 6 )
لِكُلِّ قَلبٍ أَمَلٌ يُقَلِّبُه *** يَصدُقُهُ طَوراً وَ طَوراً يَكذِبُه
المَكرُ وَ الخِبُّ أَداةُ الغادِرِ *** وَالكَذِبُ المَحضُ سِلاحُ الفاجِرِ ( 7 )
لَم يَصفُ لِلمَرءِ صَديقٌ يَمذُقُه *** لَيسَ صَديقُ المَرءِ مَنْ لا يَصدُقُه ( 8 )
مَعروفُ مَنْ مَنَّ بِهِ خِداجُ *** ما طابَ عَذبٌ شابَهَ عَجاجُ ( 9 )
سَامِحْ إذا سُمْتَ و لا تَخْشَ الغَبَنْ *** لَمْ يَغْلُ شَيْءٌ هُوَ مَوْجودُ الثَّمَنْ ( 10 )
مَنْ عاشَ لَمْ يَخْلُ مِنَ المُصيبَة *** وَ قلَّما يَنْفَكُّ عَنْ عَجيبَة
يا طالِبَ الدُّنيا بدُنيا الهِمَّة *** أَيْنَ طَلَبْتَ اللَّهَ كانَ ثَمَّة ( 11 )
يُوَسِّعُ الضِّيقَ الرِّضا بالضِّيقِ *** وَ إنَّما الرُّشْدُ مِنَ التَوْفيقِ
أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ أُموري كُلَّها *** إِنْ لَمْ يَكُنْ رَبِّي لَها فَمَنْ لَها ؟
ما أَبْعَدَ الشَّيءَ إذا الشَّيءُ فُقْد *** ما أقْرَبَ الشَّيءَ إذا الشَّيءُ وُجِد
يَعيشُ حَيٌّ بتُراثِ مَيْتِ *** يَعْمُرُ بَيْتٌ بخَرابِ بَيْتِ ( 12 )
صُلْحُ قَرينِ السُّوءِ للْقَرينِ *** كَمِثْلِ صُلْحِ اللَّحْمِ وَ السِّكينِ
ما عَيشُ مَنْ آفَتُهُ بَقاؤُه *** نَغَّصَ عَيشاً طَيِّباً فَناؤُه ( 13 )
إِنّا لَنَفنى نَفَساً وَ طَرفا *** [لَمْ ] يَترُكِ المَوتُ لإِلفٍ إِلفا ( 14 ) ( 15 )
وَ لِلكَلامِ باطِنٌ وَ ظاهِر *** في ساعَةِ العَدلِ يَموتُ الفاجِر
عَلِمتَ يا مُجاشِعُ بنَ مَسعَدَة *** أَنَّ الشَبابَ وَ الفَراغَ وَ الجِدَة ( 16 )
مَفسَدَةٌ [ لِلمَرءِ ] أَيُّ مَفسَدَة ( 17 )
يا لِلشَبابِ المَرِحِ التَصابي *** رَوائِحُ الجَنَّةِ في الشَبابِ ( 18 ) ( 19 )
{ وَ كُنْ مِنَ النَّاسِ جَميعاً وَسَطا } ( 22 )
لَيسَ عَلى ذي النُصحِ إِلّا الجَهدُ *** الشَيبُ زَرعٌ حانَ مِنهُ الحَصدُ
الغَدرُ نَحسٌ وَ الوَفاءُ سَعدُ
هِيَ المَقاديرُ فَلُمني أَو فَذَر *** تَجري المَقاديرُ عَلى غَرْزِ الإِبَر ( 23 )
إِن كُنتُ أَخطَأتُ فَما أَخطا القَدَر
---------------
( 1 ) أنجد الشيء : ارتفع, ونَجُدَ الأمر يَنْجُدُ نجودا : وَضَحَ واستبان
( 2 ) القذى : ما يقع في العين وما ترمى به
( 3 ) مكابدةالأمر مقاساة مشقته
( 4 ) القتير: الشيب
( 5 ) العين من الكلمات المشتركة المعنى وهي هنا : الجاسوس
( 6 ) في ((الأغاني)) [ يرتهن ]
( 7 ) الخَبُّ: الخَدَّاع
( 8 ) المماذقة في الود ضدالمخالصة , ومذق الود: لم يخلصه
( 9 ) الخِدَاجُ: إلقَاءُ النَّاقَةِ وَلَدَها قَبْلَ تَمامِ الأَيَّامِ، والفِعْلُ: كَنَصَرَ وضَرَبَ، وهي خادجٌ، ـوالولَدُ: خَدِيجٌ. ـ
والنَّاقَةُ: جاءَتْ بِوَلَدٍ ناقِصٍ، وإنْ كانَتْ أيامُهُ تامَّةً، فهي مُخْدِجٌ، ـ
و "صَلاَتُهُ خِدَاجٌ " ، أي: نُقْصانٌ.ـورَجُلٌ مُخْدَجٌ اليَدِ: ناقِصُها.
( 10 ) الغبن : من غبَنَهُ في البَيْعِ يَغْبِنُهُ غُبْناً ِ: خَدَعَهُ، فهو مَغْبُونٌ، والاسمُ: الغَبينَةُ.
( 11 ) الدنيا الأولى الحياة الدنيا نقيض الآخرة, والدنياالثانية بمعنى السفلى والدنيئة وهي صفة للهمة
( 12 ) التُّراث: مايُخَلِّفه الرجُل لورَثَتِهِ، والتاء فيه بَدل من الواو
( 13 ) نغص نغصا : لم تتم له هنائته والنغص كدر العيش
( 14 ) في ((الأغاني)) [ لن ]
( 15 ) الإلف: الشخص الذي تألفه والجمع آلاف
( 16 ) الجدة والوجد والوجدان: الحصول على المال
قال الصولي: قال أحمد بن عبد الله: كان لمسعدة أربعة بنين: مجاشع، وهو الذي يقول فيه أبو العتاهية:
علمت يامجاشع بن مسعدة*** أن الشباب والفراغ والجدة *** مفسدة للمرء أي مفسدة
وهو مسعدة بن سعد بن صول الصولي مولى خالد بن عبد الله القسري،كان كاتبا له,
وكان أيضا من كتاب خالد بن برمك،
ثم كتب بعده لأبي أيوب وزيرالمنصور على ديوان الرسائل, مات في سنة 214هـ,
وابنه أبو الفضل عمرو بن مسعدة، من جلة كتاب المأمون و أهل الفضل والبراعة والشعر
(17) في ((الأغاني)) [ للعقل ] , قال أبو الفرج : ذكر سليمان بن أبي شيخ قال :
قلت لأبي العتاهية : أي شعر قلته أجود , وأعجب إليك ؟ قال : قولي :
إن الشباب والفراغ والجدة *** مفسدة للعقل أي مفسدة
وقولي ايضا :
إن الشباب حجة التصابي *** روائح الجنة في الشباب
( 18 ) في ((الأغاني)) : إن الشباب حجة التصابي ] والتصابي والصبا والصبوة : جهلة الفتوة واللهو من الغزل
( 19 ) قال أبو الفرج الأصفهاني في كتابه ((الأغاني))( ): أخبرني أبو دلف هاشم بن محمد الخزاعي قال:
تذاكروا يوماً شعر أبي العتاهية بحضرة الجاحظ؛
إلى أن جرى ذكر أرجوزته المزدوجة التي سماها "ذات الأمثال"؛ فأخذ بعض من حضر ينشدها حتى أتى على قوله:
يا للشباب المرح التصابي *** روائح الجنة في الشباب
فقال الجاحظ للمنشد: قف: ثم قال: انظروا إلى قوله:
.........*** روائح الجنة في الشباب
فإن له معنى كمعنى الطرب الذي لا يقدر على معرفته إلا القلوب،
وتعجز عن ترجمته الألسنة إلا بعد التطويل وإدامة التفكير,
وخير المعاني ما كان القلب إلى قبوله أسرع من اللسان إلى وصفه.
( 20 ) ذميمة أي مذمومة،فَعِيلة بمعنى مفعولة
( 21 ) الفرط : العجلة , وفرط في الأمر فرطا أي قصر فيه وضيعه حتى فات,
والشطط مجاوزة الحد في البيع والقدر يقال شططت و أشط و أشططت جرت عن الحق
( 22 ) الأبيات [43 و44 و45 و46 ] زيادة من ((الأغاني))
(23) غرز الإبرة غرزا أدخلها وكل ما سمر في شيء فقد غرز وغُرِّز
كُتِب هذا الموضوع : قصيدة الحِكَم والأمثال لأبي العتاهية,
بقلم: سلمان بن أبي بكر