عوائل الخبر والدمام
تاريخياً فإن إقليم البحرين "المنطقة الشرقية" بشكل عام وأي بقعة فيها سواء في المناطق المأهولة أو المهجورة , لايمكن استبعاد كونها كانت مأهولة بالسكان في يوم ما .
فهذه المنطقة هي من أهم البلاد والمواطن التي سكنتها الأعراق الساميّـة ( الكنعانيون ومنهم الديلمونيون والفينيقيون / الكلدانيون أهل الجرعاء / العمالقة / طسم / جديس / النبط ) .
وقد ذكر هذا العديد من المصادر منذ كتابات اليونانيين كأول من كتب التاريخ , كذلك كانت بها مدينة الجرعاء " الأحساء " أغنى وأعظم مدينة في بلاد العرب كما وصفها بوليبيوس والتي خطط لغزوها الملك أنطوخيوس الثالث عام ( 205 ق م ) .
أما هذه البقعة بالذات "القطيف وما جاورها" فكانت بلاد الديلمونيين من الكنعانيين , ومن هذه السواحل خاصة جزيرة تاروت , هاجر منهم إلى السواحل الشامية على البحر الأبيض المتوسط وعرفوا هناك بالفينيقيين وهم أول من اخترع الحروف والكتابة .
ومقابر الظهران الديلمونية هي من أهم الآثار التي اكتشفت في هذه المنطقة , وإذا امتددننا شمالاً إلى آثار عين جاوان ومدينة ثاج شمال القطيف . نعلم بأن كل هذه المنطقة كانت مأهولة بالسكان في العصور الغابرة .
==================================================
وبعيداً عن تلك الأزمنة البعيدة لا بأس بإلقاء شيء من الضوء على تاريخ الدمام والخبر وهما من المدن المعروفة بمدن النفط.
يذكر الأهالي في الأحساء والقطيف من أخبارهم المتوارثة عن أجدادهم بأن القطيف كانت ممتدة على هذه المساحة إلى ما وراء جبل الظهران حيث كانت مأهولة بالسكان ومليئة ببساتين النخيل وذلك في العصور الماضية إلى أن بدأ جفاف الماء في هذه المناطق فانحسرت الزراعة والسكان تدريجياً باتجاه القطيف إلى أن وصلت إلى سيهات الحالية .
والحقيقة أن هذا يؤكده العديد من الشواهد التاريخية , فالظهران مما لاشك فيه بأنها كانت منطقة عامرة بالسكان في الجاهلية وقد ذكرتها بعض المصادر كالبكري وابن شبه أن الظهران كانت أحد منازل بطون بني نكرة من عبدالقيس , كما ذكر الحموي في عهده "أي بعد ظهور الإسلام بمئات السنين" بأن الظهران إحدى منازل بني عامر من عبدالقيس .
أما الشاعر ابن المقرب العيوني الأحسائي أحد أمراء الدولة العيونية فقد ذكر في أحد قصائده حدود القطيف في عهده حين قال :
والخط من صفوى حازوها فما ------------ أبقوا بها شبراً إلى الظهران
ويفهم من شرح ديوان إبن المقرب بأن الظهران تمتد إلى ساحل البحر أي تشمل موقعي الدمام والخبر الحاليتين .
وتذكر المصادر التي تحدثت عن تاريخ الدولة العيونية بأن الأمير ابا علي الحسن حين سمع بقدوم أبي سليم بن علي عليه في القطيف هب لملاقاته مشياً قبل أن يصل إلى القصر ثم أقطعه بلداً تسمى الظهران على ساحل البحر ذات نخيل وأشجار وثمار كثيرة وزروع ومداخيل من بر وبحر فنزل بقصره وحرم أن توقد فيها نار للضيافة غير ناره حتى مات . وفي ذلك يقول بن المقرب :
منا الذي لم يدع ناراً بساحته ------------ تذكى سوى ناره للضيف إن قدما
وفي المعجم الجغرافي للمنطقة الشرقية علق الجاسر على هذه الحادثة بأن قيام الأمير العيوني بإقطاع الظهران بهذه الطريقة يدل على مدى الضعف الذي منيت به هذه البلدة إبان تلك الفترة .
* أقول وملاحظة الجاسر في محلها , فيبدو أنه منذ القرن السابع الهجري بدأت هذه الأماكن في التضاؤل والإنكماش حتى التهمتها الصحراء وفقدت مقومات السكن سوى بعض الآبار في منطقة مدرارة أو بعض تجمعات النخيل هنا وهناك .
والحقيقة أن هناك وثائق قديمة عند بعض أهالي القطيف تدل على تملك أجدادهم لمزارع نخيل في الظهران وقد تحدث عن ذلك الأستاذ محمد سعيد السلم في كتابه "القطيف" كما نشر وثيقتين إحداهما تعود لعام 985هـ والأخرى لعام 1040هـ وكلتاهما لأهالي سيهات وتتحدثان عن اقتران الظهران بسيهات والعكس .
وفي الدمام بالذات وحتى يومنا هذا هناك أماكن مازالت بها آثار لمزارع نخيل كالمنطقة الواقعة شرق سوق الحراج ويمكن رؤية يقايا النخيل بوضوح للسائر على شارع 42 . كما أن حي النخيل بالدمام سمي بهذا الإسم بسبب أنه كان ممتلئاً بالنخيل وهذا يعرفه سكان الدمام القدماء .
وعندما تحدث لوريمر عن الدمام عدها من ضمن بلاد القطيف , كذلك كان أهالي البادية المرتادين لهذه المناطق ما أن يقبلون على الجهة الموازية لجبل الظهران من الجنوب حتى يعتبرون أنفسهم خرجوا من بادية الأحساء ودخلوا بادية القطيف أو ما تعرف بالبياض .
================================================
أما في العصور القريبة فقد بنى البرتغاليون على ساحل الدمام قلعة حصينة من ضمن القلاع التي بنوها على ساحل الخليج , وقد تحصن في هذه القلعة أحد أكبر قراصنة الخليج في عصره كما وصفته الوثائق البريطانية الا وهو رحمة بن جابر الجلاهمة الذي قدم إلى سواحل القطيف من خور حسان بقطر ( مع العلم بأن هناك من يقول بأنه هو من بنى هذه القلعة ) , وكان انتقاله عام 1226هـ . ومع دخول الدولة السعودية الأولى للمنطقة وإثر اختلافه معهم قاموا بهدم قلعته وذلك عام 1232هـ . لذلك كان من أشد المتعاونين في المنطقة مع القوات المصرية التي أسقطت حكم الدولة السعودية الأولى , فقدم للقوات المصرية مساعدات بحرية كما قام بنفسه بدك سور مدينة القطيف بمدافعه البحرية وذلك انتقاماً لهدم قلعته في الدمام .
وبهذا وبعد سقوط الدرعية عام 1233هـ وسيطرة ابراهيم باشا على المنطقة قام رحمة بن جابر ببناء قلعته مرة أخرى في نفس موقعها في الدمام وظل بها حتى قتل , ثم ظل بها ابنه بشر حتى طرده منها آل خليفة حكام البحرين .
وبعد ان انتزع علي بن خليفة الحكم في البحرين من ابن عمه عبدالله بن خليفة , إلتجأ الأخير إليها مع أولاده وتحصنوا بها , حيث قام بمحاصرتهم فيها فترة من الزمن .
وفي الدولة السعودية الثانية وأثناء حكم تركي بن عبدالله , قام الشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة حاكم البحرين بمهاجمة القطيف عام 1249هـ فسيطر على جزيرة تاروت ونزل المريقب غرب سيهات وكان معه ثوار من بني خالد العماير الذين استطاعوا السيطرة على الطرق وقطع المؤن عن القطيف وهي المدينة الثانية في المنطقة من ناحية الأهمية فتصدى لهم في ذلك الوقت حاكم القطيف من قبل تركي وهو عبدالله الغانم (من عائلة الغانم المعروفة في القطيف "الذين منهم عبدالخاق الغانم مخرج طاش ماطاش" ) , فأرسل تركي ولده فيصل إلى القطيف على رأس جيش لنجدة بن غانم . فاستطاع هزيمتهم وإخراجهم من تاروت , وقام جيش فيصل بمطاردة العماير فلجأ بعضهم عند زعيم سيهات آنذاك علي بن عبدالرحيم ((أعتقد أنه من آل بن نصر الله فهم زعماء سيهات في ذلك الوقت)) وتحصنوا داخل سيهات محتمين بسورها , والبعض الآخر منهم إلتجأوا لأبناء عبدالله بن أحمد آل خليفة في قلعة الدمام , فبدأ جيش فيصل بسيهات فحاصرها حصاراً شديداً وقد كان علي بن عبدالرحيم على علاقة وثيقة مع آل خليفة والخوالد لذلك كان يأتي الدعم للمحاصرين في سيهات من آل خليفة حتى اضطر جيش فيصل لتخريب بعض بساتين النخيل التي كانت تحيط بسيهات , لكن لم يجد فيصل بن تركي جدوى من الحصار بالإضافة لنبأ مقتل والده والإنقلاب الذي حصل في الرياض آنذاك .
أما قلعة الدمام فظلت في أيدي آل خليفة حيث أصبح محمد بن عبدالله آل خليفة الهاجس الأول لأبناء عمه والإنجليز في البحرين الذي كان يهدد حكمهم ومصالحهم .
وقد ذكر الجاسر معتمداً كما يبدو على بعض المصادر النجدية التي أرّخت للدول السعودية , أنه وبعد استعادة فيصل للحكم قام بمحاصرة قلعة الدمام عام 1260هـ لمدة إثنى عشر يوماً وبها آل خليفة ومن معهم من بني خالد , حتى استسلموا وطلبوا منه الأمان فأمنهم وأخرجهم . إلا أن ذلك يخالف المصادر البريطانية والخليجية الأخرى التي تقول بأن آل خليفة ظلوا في قلعة الدمام حتى حاربهم الإنجليز عام 1861م (حوالي 1282هـ) فتم طردهم ومن معهم من الدمام .
وقد ظلت هذه القلعة المبنى الوحيد في هذه المساحة المعروفة بالدمام , وعندما زار لوريمر هذه المنطقة عام 1322هـ وفي سياق حديثه عن بلدان القطيف ذكر بأن الدمام منطقة خالية من السكان وبها بقايا لقلعة كبيرة وبجانبها بقايا لقلعة صغيرة وبها ينبوع ماء .
أما عودة الحياة للدمام والخبر فبدأت عندما أقصى الإنجليز الشيخ عيسى بن علي آل خليفة عن حكم البحرين وإحلال ولده حمد بدلاً منه بسبب المشاكل الطائفية التي حدثت هناك تلك الفترة والتي كان الدواسر طرفاً فيها , مما تسبب في أزمة سياسية بالنسبة لأنصار الأمير المخلوع .
فكان الدواسر أهل البديّـع أحد المتضررين من هذا التغيير وكان حينها الملك عبدالعزيز مسيطراً على القطيف منذ تسع سنوات مضت فطلبوا منه الموافقة على انتقالهم إلى السواحل المقابلة فتم لهم ذلك .
فانتقلوا مع العديد من أتباعهم وعبيدهم الذين كانوا أكثر من الدواسر أنفسهم (وكلنا عبيد لله تعالى) وكلهم اليوم يحملون اسم "الدوسري" سكن القسم الأكبر منهم منطقة الدمام تحت زعامة أحمد بن عبدالله الدوسري , والباقون سكنوا الخبر تحت زعامة محمد بن راشد الدوسري , وقد كانت مساكنهم عبارة عن عشش وأكواخ من سعف النخيل الذي جيء به من القطيف كذلك كانوا يأتون بماء الشرب من القطيف بسبب شح المياه في هذه المناطق , وقد ظلوا على أعمالهم فهم أهل بحر من غوص وصيد وغير ذلك .
وهكذا ظلت الدمام والخبر تابعتان لإمارة القطيف حتى تأسست في الخبر إمارة عام 1359هـ سميت إمارة مقاطعة الظهران وأميرها محمد بن ماضي , وفي الدمام كان أحمد بن عبدالله الدوسري هو الأمير , ثم عند انتقال إمارة المنطقة الشرقية للدمام عام 1370هـ تحول إسم "إمارة مقاطعة الظهران" إلى اسم "إمارة الخبر" واستحدثت إمارتين في الظهران والثقبة .
والجدير بالذكر أنه حتى عام 1360هـ لم يكن في الدمام سوى 300 كوخ فقط , ومنزل واحد مبني بالحجر هو منزل الأمير , أما الخبر فلم يكن هناك سوى 15 كوخاً فقط ومنزل واحد مبني بالحجر هو منزل الأمير .
وفي تلك الفترة تم اكتشاف النفط وبدأ عصر الطفرة والنهوض الإقتصادي وبداية شركة أرامكوا التي اتخذت من الظهران مركزاً لها والتي كان أول بئر نفط تحفره هو بئر الدمام , فقامت الحكومة بالتركيز على هاتين المدينتين بشكل كبير كلفها المئات من الملايين لتشجيع أبناء المناطق الأخر للنزوح والإستيطان في الدمام والخبر وبالفعل نقلت إلى الدمام فيما بعد الإمارة وأصبحت الدمام هي عاصمة المنطقة الشرقية وأصبحت مع الخبر والظهران أهم مدن المنطقة الشرقية في هذا العصر .
أما من سكن الدمام والخبر بعد الدواسر وبعد ظهور النفط وبداية إنطلاق هاتين المدينتين , فحسب معلوماتي أن بعد وجود مقومات المدينة لجأ العديد من الهولة للسكن في الدمام والخبر وكان الكثير منهم يعيشون في دول الخليج المجاورة أو من الجبيل كالهولة الذين قدموا مع البوعينين وسكنوا معهم في الجبيل وحملوا أسمهم .
وقد برز من الهولة العديد من تجار الدمام والخبر كالكوهجي وكانو والعبدالواحد وغيرهم , هذا بالإضافة إلى قليل من البلوش الذين كانوا يسكنون القطيف وسيهات وغيرها من دول الخليج .
كذلك كان قد استقر في الدمام الكثير من البدو وكان لهم منطقة تعرف بـ "كمب البدو" أو حي البادية في الدمام .
ومن أوائل سكان الدمام والخبر أيضاً هم الحساوية وأولهم كانوا التجار , خاصة مع نشوء المدينة ودب الحياة بها فكانت تحتاج لأسواق فكان تجار الذهب من أوائل المهاجرين الحساوية وكذلك تجار الأقمشة والمواد الغذائية من تمر وأرز وخضار وقهوة وغيرها من جميع مستلزمات الملبس والمأكل . ومع بداية قيام شركة أرامكو والتوظيف بها أصبح للحساوية كثافة سكانية في هاتين المدينتين .
وفي الدمام كان السكان جميعاً يسكنون حي الدواسر "الخليج حالياً" وحي البادية وحي العدامة وكانت هناك كثافة شيعية من الحساوية في حي كان يعرف بحي بورشيد "الجزء الشرقي من حي الجلوية حالياً" وكان لهم فيه مسجداً هدمته الحكومة . ومن الشخصيات الأحسائية التي برزت في الدمام هو التاجر الشهير عبدالله فؤاد وكان هناك حي يحمل اسمه رسمياً تغير الآن , وكذلك كبار تجار العقار حالياً كحسن النمر وعلي الجبران وعلي الأمير وكذلك آل ناصر أصحاب أول مصانع الطابوق والألمنيوم في الدمام وغيرهم .
أما في الخبر فقد برز من الحساوية القصيبي والراشد والبوخمسين , بالإضافة لأهالي العمران الذين كانوا يتركزون في منطقة الصبيخة مع الدواسر ومنهم الآن الحاج عبدالله بن صالح المهنا عمدة الخبر الجنوبية .
كذلك سكن الدمام والخبر نسبة كبيرة من أهالي دارين والزور في جزيرة تاروت .
وبالنسبة للدمام وحسب معلوماتي ماعدا بورشيد وأجزاء من حي الدواسر , فإن الأحياء القديمة هجرها سكانها إلى الأحياء الجديدة فهم منتشرون في جميع الأحياء الجديدة والمتوسطة بلا استثناء , مع ملاحظة كثافة للزبارا في حي المزروعية وكثافة للحساوية والدواسر في شمال وشرق الدمام كحي الجلوية والنخيل والمباركية والحمراء والشاطئ والعنود والعزيزية والمحمدية والثلاث الأخيرة هي ذات نسبة شيعية كبيرة مع ملاحظة أن جميع الشيعة في الدمام والخبر هم من الأحساء إلا ماندر .
أما البدو فهم أيضاً منتشرون لكنهم يتركزون في المناطق القريبة من الصحراء كمخططات 71 و 91 . كذلك يلاحظ كثافة للقصمان في حي الفيصلية القريب من تلك المخططات .
منقول من موقع أنساب أون لاين http://www.ansab-online.com
.