فضاءات شنهور

شنهور

فضاء الإبداعات الأدبية والفنية

العضو الأكثر فعالية على مستوى الـبلدة
الطيب سيد أحمد محمد
مسجــل منــــذ: 2011-02-13
مجموع النقط: 1458.41
إعلانات


رسالة في ليلة التنفيذ .... شعر : هاشم الرفاعي

رسالة في ليلة التنفيذ

شعر هاشم الرفاعي

......

شهداء الحرية يتساقطون في كل مكان , ويحكم عليهم بالموت...


وهذا واحد منهم يكتب إلى أبيه ( رسالة في ليلة التنفيذ )

..............

أبتاه ماذا قد يخط بناني : والحبل والجلاد منتظران

هذا الكتاب إليك من زنزانة : مقرورة صخرية الجدران

لم تبق إلا ليلة أحيا بها : وأحس أن ظلامها أكفاني

ستمر يا أبتاه لست أشك في : هذا , وتحمل بعدها جثماني

..............

الليل من حولي هدوء قاتل : والذكريات تمور في وجداني

ويهدني ألمي فأنشد راحتي : في بضع آيات من القرآن

والنفس بين جوانحي شفافة : دب الخشوع بها فهز كياني

قد عشت أؤمن بالإله ولم أذق : إلا أخيرا لذة الإيمان

...................

شكرا لهم أنا لا أريد طعامهم : فليرفعوه فلست بالجوعان

هذا الطعام المر ما صنعته لي : أمي ولا وضعوه فوق خوان

كلا ولم يشهد صحائفه معي : أخوان لي جاءاه يستبقان

مدوا إلي به يدا مصبوغة : بدمي وهذا غاية الإحسان

..................

والصمت يقطعه رنين سلاسل : عبثت بهن أصابع السجان

ما بين آونة تمر وأختها : يرنو إلي بمقلتي شيطان

من كوة بالباب يرقب صيده : ويعود في أمن إلى الدوران

أنا لا أحس بأي حقد نحوه : ماذا جنى فتمسه أضغاني ؟

هو طيب الأخلاق مثلك يا أبي : لم يبد في ظمأ إلى العدوان

لكنه إن نام عني لحظة : ذاق العيال مرارة الحرمان

فلربما - وهو المروع سحنة - : لو كان مثلي شاعرا لرثاني

أو عاد – من يدري – إلى أولاده : يوما وذكر صورتي فبكاني

..................

وعلى الجدار الصلب نافذة بها :معنى الحياة ,غليظة القضبان

قد طالما شارفتها متأملا : في السائرين على الأسى اليقظان

فأرى وجوما كالضباب مصورا : ما في قلوب الناس من غليان

نفس الشعور لدى الجميع وإن هم : كتموا , وكان الموت في إعلان

ويدور همس في الجوانح ما الذي : بالثورة الحمقاء قد أغراني ؟

أو لم يكن خيرا لنفسي أن أرى : مثل الجموع أسير في إذعان ؟

ما ضرني لو قد سكت وكلما : غلب الأسى بالغت في الكتمان ؟

هذا دمي سيسيل يجري مطفئا : ما ثار في جنبي من نيران

وفؤادي الموار في نبضاته : سيكف من غده عن الخفقان

والظلم باق لن يحطم قيده : موتي ولن يودي به قرباني

ويسير ركب البغي ليس يضيره : شاة إذا اجتثت من القطعان


.......

هذا حديث النفس حين تشف عن : بشريتي وتئوب بعد ثوان

وتقول لي إن الحياة لغاية : أسمى من التصفيق للطغيان

أنفاسك الحرى وإن هي أخمدت : ستظل تغمر أفقهم بدخان

وقروح جسمك وهو تحت سياطهم : قسمات صبح يتقيه الجاني

دمع السجين هناك في أغلاله :ودم الشهيد هنا سيلتقيان

حتى إذا ما أفعمت بهما الربى : لم يبق غير تمرد الفيضان

ومن العواصف ما يكون هبوبها : بعد الهدوء وراحة الربان

إن احتدام النار في جوف الثرى : أمر يثير حفيظة البركان

وتتابع القطرات ينزل بعده : سيل يليه تدفق الطوفان

فيموج يقتلع الطغاة مزمجرا : أقوى من الجبروت والسلطان

..............

أنا لست أدري هل ستذكر قصتي : أم سوف يعروها دجى النسيان ؟

أو أنني سأكون في تاريخنا : متآمرا أم هادم الأوثان ؟

كل الذي أدريه أن تجرعي : كأس المنية ليس في إمكاني

لو لم أكن في ثورتي متطلبا : غير الضياء لأمتي لكفاني

أهوى الحياة كريمة لا قيد لا : إرهاب لا استخفاف بالإنسان

فإذا سقطت سقطت أحمل عزتي : يغلي دم الأحرار في شرياني

................

أبتاه إن طلع الصباح على الدنا : وأضاء نور الشمس كل مكان

واستقبل العصفور بين غصونه : يوما جديدا مشرق الألوان

وسمعت أنغام التفاؤل ثرة : تجري على فم بائع الألبان

وأتى يدق كما تعود بابنا : سيدق باب السجن جلادان

وأكون بعد هنيهة متأرجحا : في الحبل مشدودا إلى العيدان

ليكن عزاؤك أن هذا الحبل ما : صنعته في هذه الربوع يدان

نسجوه في بلد يشع حضارة : وتضاء منه مشاعل العرفان

أو هكذا زعموا وجيء به إلى : بلدي الجريح على يد الأعوان

............

أنا لا أريدك أن تعيش محطما : في زحمة الآلام والأشجان

إن ابنك المصفود في أغلاله : قد سيق نحو الموت غير مدان

فاذكر حكايات بأيام الصبا : قد قلتها لي عن هوى الأوطان

وإذا سمعت نشيج أمي في الدجى : تبكي شبابا ضاع في الريعان

وتكتم الحسرات في أعماقها : ألما تواريه عن الجيران

فاطلب إليها الصفح عني إنني : لا أبتغي منها سوى الغفران

ما زال في سمعي رنين حديثها : ومقالها في رحمة وحنان

أبني إني قد غدوت عليلة : لم يبق لي جلد على الأحزان

فأذق فؤادي راحة بالبحث عن : بنت الحلال ودعك من عصياني

كانت لها أمنية ريانة : يا حسن آمال لها وأماني

غزلت خيوط السعد مخضلا ولم : يكن انتقاض الغزل في الحسبان

والآن لا أدري بأي جوانح : ستبيت بعدي أم بأي جنان ؟

..............

هذا الذي سطرته لك يا أبي : بعض الذي يجري بفكر عان

لكن إذا انتصر الضياء ومزقت : بيد الجموع شريعة القرصان

فلسوف يذكرني ويكبر همتي : من كان في بلدي حليف هوان

وإلى لقاء تحت ظل عدالة : قدسية الأحكام والميزان

هاشم الرفاعي في عام 1959


تقييم:

0

0
مشاركة:


التعليق على الموضوع


لم يسجل بعد أي تعليق على هذه المشاركة !...

...........................................

=== إضافة تعليق جديد ===
الإسم:

نص التعليق:

انقل محتوى صويرة التحقق في الخانة أسفله:
الصورة غير ظاهرة