حديث الثورة!
الاحتجاجات التي تحدث هنا وهناك، في العاصمة وغيرها من الولايات الداخلية، وحديث البعض عن رفع مصالح الأمن لحالة التأهب، مع انطلاق حملة مضادة على الفايسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي لوأد فتنة مزعومة، كلها مؤشرات تدل على أننا مازلنا، حكاما ومحكومين، نشعر بالخوف من أي كلام عن الثورة، رغم أن هذه الأخيرة، ليست شرّا بالمطلق، ولا خيرا بالمطلق في الوقت ذاته!
- بمعنى أن حديث السلطة عن وجود الجزائر بمعزل عن الثورات العربية التي وقعت في بلدان مجاورة، هو حديث زائف ومفبرك، يشبه في تفاصيله ما كان يردده أقطاب النظام المصري عن تونس سابقا، وما قاله أتباع القذافي بخصوص مصر، وهو الحديث ذاته المتمسك به نظام الرئيسين اليمني والسوري، رغم أن هذا الأخير، مافتئ يواجهه بالتقتيل والترهيب، حتى إذا صفّى نصف الشعب، حكم النصف الآخر!
- الأسطوانة التي تقول أيضا أن الجزائر عاشت ثورتها قبل عقدين من الزمن، وأدخلت إصلاحات مهمة في الحياة السياسية والتعددية في البلاد، لم تعد تقنع أحدا، والدليل أن الرئيس بوتفليقة ماضٍ في سياسة الإصلاحات لاقتناعه أن الشعب يريد المزيد، ولن يكتفي بتعددية زائفة، وإعلام منغلق، وبرلمان فاقد الشرعية، وطبقة سياسية منافقة. كما أن رياح التغيير لابد من مواجهتها بعواصف من الإصلاح وترتيب البيت الداخلي، خصوصا أن الفتن والمؤامرات، تحضر بقوة في مثل هذه الأوقات، ومصدرها الأكثر مبعثا للقلق والخطورة، يكمن في الداخل المندّس أكثر منه في الخارج المفضوح.
- وعليه، فإن حروب الردة التي وقعت ما بعد ثورة أكتوبر 88، مثلما يسميها النظام، وتطلق عليها بعض النخب أيضا، تكاد تمهِّد في الوقت الحالي لثورات كبيرة من أجل تصحيح المسار، والعودة إلى المنطلق الصحيح، بعيدا عن عصابات الخطف السياسي، ورهن الإرادة الشعبية والسطو على المقدّرات الوطنية، وإجهاض وتهجير العقول المبدعة، سياسيا وفكريا، واقتصاديا وثقافيا.
- رياح التغيير القادمة شرقا وغربا وجنوبا، لن تتوقف إلا بوجود نية حقيقية وسليمة، متبوعة بإجراءات عملية، الهدف منها التأكيد، بأن الإصلاح غاية الأغلبية، وليس وسيلة تتخذها الأقلية للبقاء في السلطة، لذلك فإن أولى خطوات الإصلاح تتمثل في كنس الوجوه القديمة التي عاثت فسادا في كل مكان تولّت مسؤوليته، وماتزال حتى الآن تنتقل من الأحادية للتعددية، ومن الشمولية للديمقراطية، ومن كبت الحريات إلى المناداة بإطلاقها، وكأنها تغيّر أقمصتها حسب الفصول، وترتدي الثوب المناسب للزمن المناسب ضمانا للاستمرارية في ظل التغيير المزيف!
- الشعب ليس غبيا، وشباب الفايسبوك الذين يقفون في وجه ما يصفونها مؤامرات خارجية، معنيون بالمساهمة في التغيير من الداخل وبدء الإصلاح الذاتي أوّلا، قبل الحديث عن أيادٍ خارجية خبيثة، كما أن الخيار الأمني الذي يريد البعض مباركته وتشجيعه باقتراح الرجوع للخلف والتعامل مع الاحتجاجات وفقا لقانون الطوارئ، هو خيار فاشل ويمثل نصف الحل فقط، كما أنه معروف العواقب، والدليل أن جميع الثورات التي وقعت هنا وهناك، لم تنفع أي قوة أمنية في توقيفها مهما بلغ حجمها وقوتها