متى تفسد صلاة الإمام دون المأموم؟
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:فهناك مسائل ذكرها العلماء في باب الإمامة والائتمام تبين الأحوال التي تفسد فيها صلاة الإمام دون المؤتم وتجب عليه إعادة التي صلاها، وكذلك الأحوال التي تفسد فيها صلاة الجميع، وتجب عليهم الإعادة جميعاً، وإليك تفصيل ذلك كما ورد عن علماء الإسلام -عليهم رحمة الله-:قال الأحناف: إن كان بالإمام حدث أو جنابة أو مفسد للصلاة سابق على تكبيرة الإمام، أو مقارن لتكبيرة المقتدي، أو سابق عليها بعد تكبيرة الإمام، بطلت صلاة الإمام والمقتدي، لتضمن صلاة الإمام صلاة المؤتم صحة وفساداً، أي أن صلاة الإمام متضمنة لصلاة المقتدي، فإذا صحت صلاة الإمام صحت صلاة المقتدي، إلا لمانع آخر، وإذا فسدت صلاته فسدت صلاة المقتدي؛ لأنه متى فسد الشيء فسد ما في ضمنه، فمن اقتدى بإمام ثم علم المقتدي أن الإمام على غير وضوء، أعاد الصلاة اتفاقاً؛ لظهور بطلانها.أما لو طرأ المفسد أو خلل الشرط أو الركن فإن الصلاة تنعقد أولاً، ثم تبطل صلاة الإمام عند وجود الخلل أو الحدث مثلاً، ولا يعيد المقتدي صلاته، كما لو ارتد الإمام، أو سعى إلى الجمعة بعد ما صلى الظهر بجماعة، فسدت صلاته فقط.وكذا لو عاد إلى سجود التلاوة بعدما تفرق المقتدون، ولو سلم القوم قبل الإمام بعدما قعد قدر التشهد، ثم عرض له الحدث، فإنها تبطل صلاته وحده.ففي هذه المسائل تفسد صلاة الإمام، وتصح صلاة المؤتم، ولا تنتقض القاعدة السابقة (صلاة الإمام متضمنة لصلاة المؤتم) بذلك؛ لأن هذا الفساد طارئ على صلاة الإمام بعد فراغ الإمامة، فلا إمام ولا مؤتم في الحقيقة.وقال المالكية: إذا صلى الإمام بجنابة أو على غير وضوء بطلت صلاته اتفاقاً في العمد والنسيان، وتبطل صلاة المأموم في العمد دون النسيان.وقال الشافعية: إذا بان أن الإمام امرأة أو كافراً وجب على المقتدي إعادة الصلاة؛ لأنه مقصر بترك البحث عن الإمام الصالح؛ ولعدم أهلية الإمام للإمامة.أما لو بان كون الإمام جنباً أو محدثاً أو ذا نجاسة خفية في ثوبه أو بدنه فلا تجب على المقتدي إعادة الصلاة لانتفاء التقصير، إلا في الجمعة إذا كان المصلون مع الإمام أربعين فقط مع المحدث أو ذي النجاسة. وتجب الإعادة على المقتدي إذا كانت النجاسة ظاهرة؛ لتقصيره في هذه الحالة. والنجاسة الظاهرة: ما تكون بحيث لو تأملها المأموم لرآها. والخفية بخلافها.وقال الحنابلة: إذا بان أن الإمام امرأة أو كافراً وجبت إعادة الصلاة على المؤتم، كما قال الشافعية؛ إذ تمتاز المرأة بالصوت والهيئة وغيرهما، والكفر لا يخفى غالباً، فالجاهل بذلك مفرط.ولا تصح إمامة محدث أو متنجس يعلم ذلك؛ لأنه أخل بشرط الصلاة مع القدرة، فأشبه المتلاعب، ويجب على المقتدي في حال علم الإمام بحدثه أو نجسه أن يعيد صلاته، وإن كان جاهلاً بحال الإمام. أما لو كان الإمام جاهلاً بالحدث أو النجس، وكذلك المأمومون يجهلون ذلك حتى قضوا الصلاة فتصح صلاة المأموم وحده، دون الإمام؛ للحديث الوارد: (إذا صلى الجنب بالقوم أعاد صلاته، وتمت للقوم صلاتهم).1وعليه إذا صلى الإمام بالجماعة محدثاً أو جنباً غير عالم بحدثه، فلم يعلم هو ولا المأمومون حتى فرغوا من الصلاة فصلاتهم صحيحة اتفاقاً، وصلاة الإمام باطلة.2فهذا ما ذكره العلماء بشأن اختلال صلاة الإمام وتأثيرها عليه وحده، أو عليه وعليهم؛ وبيان الأسباب في ذلك، وهي من المسائل التي تحتاج إلى اهتمام من قبل المسلم؛ إذ أنها تتعلق بصحة صلاته أو بطلانها، فالصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، والمحافظة عليها وعلى قبولها دليل على قوة الإيمان.. والخلاصة أن الصلاة خلف المحدث أو المتنجس تصح بشرط أن يكون الإمام والمأموم جاهلين بذلك حتى تتم الصلاة . وذلك لأنهم كانوا جاهلين فهم معذورون بالجهل وليس بوسعهم ولا بواجب عليهم أن يسألوا إمامهم هل أنت على وضوء أو لا ؟ وهل عليك جنابة أو لا؟ فإذا كان هذا لا يلزمهم وصلى بهم وهو يعلم أنه محدث فكيف تبطل صلاتهم ؟!!وههنا قاعدة مهمة جداً وهي " أن من فعل شيئاً على وجه شرعي صحيح بمقتضى الدليل الشرعي، فإنه لا يمكن إبطاله إلا بدليل شرعي" لأننا لو أبطلنا ما قام الدليل على صحته لكان هذا قولاً بلا علم على الشرع. وإعناة للمكلف ومشقة عليه فهم فعلوا ما أمروا به من الإقتداء بهذا الإمام ولم يكلفوا به فإنه لا يلزمهم حكمه.وعلى هذا فالصحيح أن صلاة المأمومين مع جهلهم بحاله صحيحة بكل حال حتى وإن كان الإمام عالماً؛ لأنه أحيانا ً يكون الإمام محدثاً ويستحي أن ينصرف وهذا حرام عليه ولاشك، لكن قد تقع من بعض الجهال، فإذا ذكر الإمام في أثناء الصلاة أنه محدث، أو علم أنه محدث وجب عليه الانصراف ويستخلف من يكمل بهم الصلاة؛ لن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي، غلام المغيرة، بعد أن شرع في صلاة الصبح ، تناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه فصلى بهم صلاة خفيفة وهذا بحضرة الصحابة رضي الله عنهم، إن لم يفعل وانصرف، فللمأمومين الخيار بين أن يقدموا واحداً منهم يكمل به نهم الصلاة أو يتموها فرادى ، لأن إمامهم لم يستخلف."3أما الصلاة خلف المتنجس فالقول "الصحيح في هذه المسألة أنه إذا جهل النجاسة هو والمأموم حتى انقضت الصلاة فصلاتهم صحيحة جميعاً، والعذر للجميع الجهل والمصلي بالنجاسة جاهلاً بها على القول الراجح ليس عليه إعادة، وكذلك لو علم بها لكن نسي يغسلها فإن صلاته على القول الراجح صحيحة.ومن هنا يتضح الفرق بين هذه والتي قبلها على القول لراجح أنه إذا جهل المصلي بالحدث أعاد الصلاة، ولا يعيد الصلاة إن كان جاهلاً بالنجاسة، والفرق بينهما أن الوضوء من الحدث باب فعل المأمور، واجتناب النجاسة من باب ترك المحظور، فإذا فعله جاهلاً فلا يلحقه حكمه.ويدل لهذا القول الراجح " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ذات يوم وعليه نعلاه فخلعهما، فخلع الصحابة نعالهم فلما انصرف سألهم: لماذا خلعوا ؟ قالوا رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا فقال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً فخلعتهما "وهذا صريح في أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد لبس نعليه قذرتين، لكنه لم يكن عالماً بذلك ولو كانت الصلاة تبطل مع الجهل لاستأنف بهم النبي صلى الله عليه صلاته."4والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
1- أخرجه أبو سليمان محمد بن الحسن الحراني في جزء له عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- مرفوعاً، انظر المغني لابن قدامة (1/777)، وغيره من كتب الحنابلة.. وهو في مصنف ابن أبي شيبة (1/398) (باب: الرجل يصلي بالقوم وهو على غير وضوء) عن علي -رضي الله عنه- موقوفاً بلفظ مقارب له.
2- انظر كتاب (الفقه الإسلامي وأدلته) تأليف/ أ.د. وهبة الزحيلي.
3 - الشرح الممتع : 4/241-243
4 -الشرح الممتع: 4/244
منقول