مغامرة صحفية داخ الخرقانية
المصرى اليوم» فى مغامرة لـ«ضرب» قسيمة زواج لطفلة بمساعدة مأذون فى القناطر
نيرة الشريف ??/ ?/ ????
شهادات ميلاد، وتسنين، وعقود زواج «مضروبة»، ومحترفو «تظبيط» أوراق الأحوال الشخصية كانت مغامرة «المصرى اليوم» للبحث عن هذا العالم السرى الذى نلمسه كل يوم. خاضت «المصرى اليوم» مغامرة مثيرة لتكشف عن الوجه الآخر للزواج، حيث العروسة طفلة، والعريس يتجاوز السبعين، بينما يستمر «شهر العسل» يوما أو عدة أيام وينتهى بطفلة حامل، وزوج خارج نطاق الخدمة. فى هذه المغامرة ترصد «المصرى اليوم» وقائع وطرق وتفاصيل تزوير عقد زواج لطفلة و«كله بالقانون» على حد تعبير مأذون القاصرات.
طرق جديدة تكشفها «المصرى اليوم» يتحايل بها بعض المسؤولين عن توثيق عقود الزواج لتحويل طفلة إلى «عروسة» و«زوجة» و«أم» وهى لم تبلغ السن القانونية بعد. تكشف هذه المغامرة كواليس وخفايا «عالم الورق المضروب» وترصد خط سير مأذون يعرف طرقا «قانونية» للتحايل على قانونى الطفل والأحوال الشخصية، نتتبع مأساة ضحية قادتها ظروف اقتصادية واجتماعية قاسية إلى الشارع ومنه إلى تجربة أمومة لم تكن فى الحسبان.
شهادة طفلة تدعى سماح عن زواجها ? مرات خلال عامين وضعت أمامى أكثر من علامة استفهام.. فحسب رواية سماح فإن «مأذون مشهور بيخلص الورق» لم تكن المشكلة فى «ختم النسر» فقط بل كانت فى «وصفة» بدا أنها ناجحة لعقد قران أطفال دون الثامنة عشرة بالمخالفة لقانون الطفل وقانون الأحوال الشخصية، ورغم الإجراءات والعقوبات التى فرضها القانون على تلك الجريمة فإن «وصفة الشيخ مجدى» غالبا ما تتفوق على أى قوانين. كانت شهادة سماح بسيطة ومرتبة، ينقصها توثيق يكشف تفاصيل هذا العالم السرى، ولم يكن أمامى سوى خوض مغامرة تكشف كواليس شهادة سماح.
فى رحلة البحث عن المأذون الذى ذكرته سماح، كان محمد خليفة المحامى بمركز حقوق الطفل شريكا، فى البداية جلسنا لنعد حبكة مقنعة لشيخ «ضرّيب».. كان خوفنا أن مأذوناً محترف «تخليص» قد يكشف القصة، وربما لا نستطيع الخروج من منطقته أصلا. فى النهاية كانت خطتنا واضحة: نذهب إلى الشيخ كوسطاء بين أسرة طفلة- تحت السن- والمأذون، والهدف الحصول على عقد زواج رسمى للطفلة دون أن تلمحه عقوبات قانونى الطفل والأحوال الشخصية.
فى القناطر وبالقرب من مجلس المدينة، كانت البداية.. معلومات قليلة حصلنا عليها من سماح وأخرى أكثر تفصيلا من باحثة اجتماعية بمؤسسة أبوقتاتة لرعاية الأحداث كانت قد أعدت «دراسة حالة» عن الطفلة، عرفنا مكان سكن المأذون، بمساعدة الجيران، صعدت مع المحامى الحقوقى درجات سلم العمارة إلى حيث أشار السكان لنجد شقة مدرعة بالمعنى الحرفى، «مدخل مقبض وباب حديدى يتلوه باب خشبى غريب الشكل»، طرقنا على الباب كثيرا حتى فتح الباب فجأة لأجد فتاة لم تتجاوز السابعة عشرة أمامى تتحدث بصوت منخفض من خلف الباب الحديد «الشيخ مش هنا» سألتها «ونلاقيه فين؟» فأجابت «روحوا مكتبه هناك فى الخرقانية.. شكلكم جايين للشغل.. كل الزباين بتروح له هناك فى المكتب».
أغلقت الفتاة الباب فجأة، ومن الجيران عرفنا عنوان محطتنا التالية بسهولة «إنتو بس تنزلوا الخرقانية وتسألوا أى حد عن مكتب الشيخ مجدى.. ده اسمه زى الطبل هناك وألف من يدلكم عليه»، ودعتنا جارة الشيخ بعد انتهاء جملتها وفى عينها أسئلة مكتومة.
فى الخرقانية عرفنا أن الشيخ «اسمه زى الطبل» فعلا، بمجرد وصولنا للمكان عرفنا «سر الشهرة».. كان المكان الموصوف عبارة عن منطقة زراعية ممتدة ليس بها سوى عدة منازل صغيرة، فيما وقفت بينها «عمارة الشيخ» لتشهد على «سمعته اللى زى الطبل»، فى الخرقانية تطوع بائع متجول ليؤكد لنا أن هذه هى العمارة المطلوبة، خاصة أن الشيخ لم يضع أى لافتات تشير لوجود مكتب مأذون.
على باب البناية أعدت تجربة الطرق المتواصل كما فعلت فى شقة الشيخ، هذه المرة كانت الإجابة هى الصمت التام.. كنت التفت إلى محمد المحامى الحقوقى لأخبره إن «مافيش فايدة» لأجد أمامى جهاز «إنتركم» حديثاً قريباً من الباب، على الجهاز كارت صغير ملون يحمل صورة باسم الشيخ مجدى وأرقام هواتفه.. شكل البناية والسيارة الفارهة التى تقف أمامها وجهاز الإنتركم الحديث توحى أنك حتما لست فى الخرقانية البلد الذى لا ترى فيه سوى بضعة منازل صغيرة الحجم.
«نجرب الإنتركم يمكن حد يرد» قالها محمد وضغط على الجهاز.. مرت ثوان قليلة حتى خرجت لنا سيدة خمسينية عرفنا فيما بعد أنها زوجة الشيخ، الزوجة التى رفضت فتح الباب رغم الطرقات المستمرة، فتحت الباب بحذر « انتو مين؟».. ابتلعت ريقى وأجبتها «إحنا كنا عايزين الشيخ فى موضوع شغل» تفحصتنا السيدة قليلا ثم أضافت «وعرفتوا العنوان ده إزاى يعنى؟»، أجابها المحامى إن «ولاد الحلال دلونا عليكم والجيران وصفوا طريق المكتب هنا وإحنا مش من هنا وعاوزين الشيخ فى موضوع وهانمشى».
هدأت زوجة الشيخ قليلا وتنحت عن الباب لندخل وننتظر الشيخ الغائب، سألت عن بعض التفاصيل فأخبرناها بأننا ذهبنا لبيته عند مجلس المدينة وأن فتاة هناك أخبرتنا أنه فى مكتبه هنا، فردت قائلة: «هنا بيته ومكتبه، وشقة مجلس المدينة دى سكن البنات»، نظرت لمحمد مندهشين من حكاية «سكن البنات» فالزوجة لم تتحدث طويلا حول هذه النقطة، والشيخ مجدى ليس لديه سوى ولدين يعملان فى المحاماة ويعيش كل منهما فى طابق كامل بالبناية، هل لدى الشيخ بنات؟ هل قرر أن يترك بناته فى شقة منفردة بينما يسكن أولاده الذكور فى نفس العمارة؟
أسئلة كثيرة لم تجب عنها زوجة الشيخ التى تركتنا ودخلت شقتها.. بعد دقائق فوجئنا بشاب ثلاثينى يخبرنا أنه ابن الشيخ مجدى وعادت دوامة «س وج» التى تمارسها عائلة الشيخ ثم تركنا ليذهب للسيارة الفارهة المتوقفة أمام المنزل ويعود لشقته وكأنه لا يرانا.
بعد قليل ظهر الشيخ مجدى نفسه.. رجل فى الستينيات من عمره.. يرتدى جلبابا.. ويتحرك بخطوات ثابتة.. بمجرد جلوسه نظر لنا بشك متسائلا عما إذا كانت المشكلة تخصنا نحن أم تخص أحدا آخر؟ فأخبرناه أننا أولاد خالة وأن الموضوع لا يخصنا نحن وإنما يخص ابنة خالتنا الثالثة التى تورطت فى علاقة غير شرعية مع أحدهم وأننا نود مساعدتها فى توثيق زواجها، لكن سنها الصغيرة (?? سنة) تمنعنا من ذلك، نظر إلينا متوجسا وسألنا «وعرفتونى منين؟!» أخبره محمد أنه محام وكان يبحث عن حل لتلك المشكلة فتعرف على سماح التى قالت له إن الشيخ مجدى هو من يستطيع مساعدته فى مثل هذا الأمر..
وبدأنا فى شرح الأزمة التى تقع عائلتنا بأكملها فيها، وأننا مستعدون لدفع أى مقابل مادى للخروج من هذه الأزمة، نظر إلينا الشيخ مجدى قائلا: «منهم لله الحكومة هما اللى طلعوا لنا حكاية التسنين بالكمبيوتر دى، وحددوا سن الجواز بـ ?? سنة، ربنا يلعنهم، وفضلوا يقولوا (زواج القاصرات.. زواج القاصرات.. زواج القاصرات) ويكتبوا فى الجرايد ويبلغوا النائب العام عن كل مأذون بيعمل ده، لغاية ما سدوا لنا كل المنافذ اللى كنا بنشتغل عليها، كنا الأول نقدر نضرب شهادة تسنين ونكتب عقد الجواز من غير ما يبقى فيه مشاكل، وكنّا بناخد ???? جنيه، أظن فى حالتكم دى لو طلبت ???? هتوافقوا»، صمت الشيخ وهو يرصد ردود أفعال «زبائن جدد».
أخبرناه بقدرتنا على دفع المبلغ المالى الذى يريده أيا كان وأن والد الفتاة يعمل فى إحدى الدول العربية وأتى خصيصا لمصر ليحل مشكلة ابنته، خصوصا بعد علمه بأمر حملها، وأنه قرر يأخذها وزوجها ليعيشا معه فى الخليج، لمعت عينا الشيخ مجدى وبدأ يفكر ورد قائلا: «بس دلوقتى التسنين بشهادات الكمبيوتر ده أزمة، مبيخلناش نعرف نعمل حاجة» صمت قليلاً ثم قال «لكن مافيش حاجة مستحيلة».
سألنا عما إذا كان الشاب الذى تورطت معه الفتاة مستعد للزواج، أجبناه بنعم ، فقال «فيه حل قانونى ما يخرش الميه، يكتبوا كتابهم عند أى مأذون ويفضل محتفظ بقسايم الجواز لغاية ما البنت تتم ?? سنة ياخدوا القسايم، لكن طبعا الحل ده مش هينفعكم، خصوصا إن البنت حامل... هو القانون اللى طلعوه فى ???? ده اللى سد لنا الدنيا وخلى سن الجواز من ?? سنة، عارفين لو كنتوا جيتوا لى من شهرين بالضبط فى شهر ?? اللى فات ده كنت قدرت اتصرف واحل لكم مشكلتكم من غير قلق».
وأضاف الشيخ مجدى بفخر «إحنا ساعة سماح اللى دلتكم عليا عملنا اللى ميتعملش، وكنّا بنعرف نجوزها بسهولة.. ده احنا جوزناها ولا خمس مرات، البت فى الأول كانت زى «القطة المغمضة» دلوقتى تشوفها متعرفهاش ومتقدرش تتخيل إن هى البنت دى اللى جاتلى أول مرة من سنتين، البت ضعيفة وحجمها صغير، ولما تشوفها متتخيلش إن البنت دى اتجوزت قبل كده ? مرات، ورغم إن سنها صغير وحجمها صغير بس تديها أكبر من سنها بكتير».
عدنا معه إلى مشكلتنا التى نريد فيها حلا الآن والتى فوجئنا رغم كل العقبات وصرامة القوانين التى ذكرها إلا أنه يملك حلولا لها تحدث عنها بثقة وهدوء ويبدو أنها مُجربة حيث رد قائلا: «بصوا أنتم قدامكم حل من اتنين، واحد قانونى ومفيش فيه أى شبهة، والتانى هو اللى ممكن نتعب فيه شوية».
سألناه بلهفة عنهما فرد قائلا «ممكن تروحوا تعملوا محضر فى أى قسم شرطة، بأن الولد والبنت كتبوا كتابهم مثلا فى مسجد الحسين على يد الشيخ أحمد، أو اسم أى شيخ آخر وهمى محدش هيدور ولا يعرف مين الشيخ أحمد من محمد، المهم إن ترتب على ده إن الولد والبنت تعاملوا معاملة الأزواج، وبعد أسبوع رجعتوا للشيخ اللى حرر القسايم فلم تعثروا له على أثر.. الموضوع هيتحول للنيابة، والنيابة هتأمر بأن جواز الولد والبنت يتوثق على يد مأذون دون النظر لاعتبار السن نظرا للظروف، وفى الحالة دى هترجعوا لى أوثق لكم الجواز. وكدا يبقى لا قانون أحوال ولا قانون مشيرة يقف قدامكم».
أخبرناه بأن والد الفتاة ربما يقلق من هذا الحل، فهو يود أن ينتهى الموضوع بأقل الخسائر الممكنة ولن يوافق على حل المحضر والنيابة، وهنا أخبرنا الشيخ مجدى عن الحل الثانى قائلا» الحل الثانى أنكم تشوفوا أى موظف فى السجل المدنى يطلع لكم شهادة ميلاد للبنت بالكمبيوتر بأنها من مواليد سنة ???? بدل مواليد سنة ???? وتجيبوا لى شهادة الميلاد اللى هتطلعوها وأنا هتصرف، والموظف هياخد قرشين يحننوا قلب الكمبيوتر علينا وتبقى الليلة خلصت».
سألته عما إذا كان هناك مكتب سجل مدنى معين جربّه يُمكننا من فعل هذا بسهولة، فأجاب الشيخ مجدى قائلا: «مكتب معين إيه يا بنتى، ده بيحصل فى كل حتة فى مصر، أى موظف هتديله فلوس هيعملهالك وإنتى واقفة دى مش حاجة سر دى بتحصل كل يوم».
كنا نسجل ما يقوله الشيخ مجدى بالصوت والصورة عبر هاتفنا المحمول، لكن هذا أقلقنا عندما خرج ابنه الكبير للجلوس معنا، وخفنا أن يصدر من التسجيل أى صوت فيكتشفه المحامى الشاب، وهو ما دفعنا لإغلاق الهواتف فى حركة سريعة مكتفين بما قمنا بتسجيله بالفعل، وقتها عرفنا الشيخ مجدى على ابنه الذى كان ينظر إلينا بريبة شديدة وحكى له قصتنا، ثم سأله قائلا «الشيخ عبد الرحمن يقدر يساعدهم؟» فأجابه قائلا «نسأله ونشوف» فرد الشيخ قائلا «ما إحنا سألناه من يومين فى قصة الواد التانى وخاف يتصرف» فأجابه «بس هو بيعرف يتصرف وممكن نسأل واحد تانى يساعد».
استأذناهم فى الانصراف بعدما اتفقنا أننا سنبحث عن الموظف الذى يمكنه استخراج شهادة ميلاد للبنت بسن أكبر من سنها وسنعود إليه، وقال الشيخ إنه سيحاول من جهته أن يبحث عن حل آخر مع «معارف» يثق فى قدرتهم على «الضرب».
تقييم:
0
0