ثورة الملك والشعب دروس وعبر
ثورة الملك والشعب دروس وعبر
يحتفل الشعب المغربي في 20 غشت من كل سنة بذكرى عظيمة ،ذكرى ثورة الملك والشعب ،لكن القليل من المغاربة من يستحظر مكانتها ودورها في صنع تاريخ المغرب الحديث ،كما أن القلة القليلة من تدرك عظم الملاحم البطولية التي سطرها المغاربة بقيادة ملكهم المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه ،من أجل نيل الحرية والكرامة.
فرجوعا إلى التاريخ ،نقف وقفة احترام وتقدير أمام رجال عظام أبلوا البلاء الحسن في مقاومة الإستعمار ،ونستحظر الويلات التي لاقوها في مقاومة الإستعمار؛من مناف واعتقالات واغتيالات ،ومصادرة للممتلكات.....كما زج بالآلاف منهم في غياهب السجون.
فلا تجد مدينة أوقرية ،إلا ويرتبط بتاريخها رجال بواسل ،استرخصوا دماءهم الزكية في سبيل دينهم ووطنهم ،آثروا الموت بكرامة على أن يعيشوا حياة الذل والعبودية.
فماهي العبر التي نستفيدها من ذكرى ثورة الملك والشعب؟
1 – التلاحم بين الملك والشعب في السراء والضراء.
من خلال قراءة للأحداث التي واكبت ثورة الملك والشعب في مقاومة الإستعمار الغاشم،تقرأ مدى الحب الذي كان يضمره آباؤنا وأجدادنا لملكهم محمد الخامس طيب الله ثراه ،ومدى الرمزية التي كان يمثلها في حياتهم ؛فهو الأب الحنون والقائد الشهم ،و والمعلم والفقيه القدوة....وكان بحق يتقمص هذه الأدوار وبنجاح كبير . فلا غرو إذن أن يفضل المنفى والإبعاد عن أرضه وشعبه على قبول الحلول الإستسلامية والعروض المغرية للمستعمر الفرنسي ،حتى يخلو
لهذا الأخيرالجو لإذلال المغاربة ونهب خيراتهم ،ومحاربة دينهم.
2- الملك رمز للوحدة الوطنية.
كان المغاربة وقتئذ يرون في ملكهم رمزا للوحدة الوطنية،وفي غيابه،أوتجاوزه مدعاة للفرقة والتناحر ،وهذا لعمري إدراك منهم لأسباب النصر في معركتهم ضد المستعمر ،هذا الأخير الذي حاول جاهدا بث روح الصراع في صفوف المغاربة لكنهم كانوا أذكى منه ،وهذا درس قد يتجدد في كل حين ،إذا وضعناه في سياق
الأطماع التوسعية لبعض لدول الجوار،أو غيرها من الدول الإستعمارية.
هذه المواقف الحكيمة لآبائنا وأجدادنا ،يجب أن نستحظرها في وقتنا الراهن ،وأن نتبناها في معالجة قضايا الوضع الراهن ،حيث كثر اللغط والهرج والمرج باسم التغيير والثورة....إلخ
3- الملك شريك في بناء الدولة المغربية.
قراءتنا للثورة ، تجعلنا نقف على حقيقة تاريخية ،مفادها أن الملكية كانت شريكا حقيقيا للمغاربة في بناء الدولة المغربية الحديثة،بل كانت عبر الزمن ،وفي وقت الشدائد والأزمات ،صمام أمان ،منع الدولة المغربية من السقوط والإمحاء.
لم تأتي الملكية إلى المغرب بسبب حدث عارض ،أو نتيجة انقلاب عسكري ،أو تآمر على ثورة شعبية ....كما يحدث في بعض الدول ،بل أتت نتيجة تراض وتعاقد وبيعة بين العرش والشعب على مدار التاريخ.فهي إذن عند المغاربة تاريخ وثقافة وهوية ...عايشوها جيلا بعد جيل....مما يعنى أن التفكير في نظام بديل ،يعتبر مغامرة ،وإشعال فتيل نار لن ينطفئ لهيبها...لأن المرء لا يمكن أن يحارب تاريخه وهويته.
4 – استلهام مبادئ الثورة.
تعتبر الثورة مدرسة ،فيها يتعلم الثائر مجموعة من المبادئ والقيم النبيلة ؛كالحرية والكرامة والعدل والمساواة.....وهذه مبادئ تبقى خالدة ما بقي الإنسان على وجه الأرض ،لأنهاترتبط بوجوده ،وتعبر عن الحقوق الطبيعية التي وهبها الله للإنسان وجبله على حبها.وبدونها لن يتمكن من تحقيق المراد من الهدف الرباني الذي أوجد الله من أجله ،ألا وهو الإستخلاف في الأرض ،من أجل إعمارها ،وبناء حظارة إنسانية راقية.
فما أحوجنا ،نحن المغاربة ،اليوم إلى استلهام مبادئ الثورة ،ثورة الملك والشعب،كي نستطيع أن نعالج بروح ثورية المشاكل المزمنة التي باتت تنخر جسد مجتمعنا ،وهذا ما سماه المغفور له محمد الخامس ؛بالجهاد الأكبر.
بروح ثورية سنتمكن من كشف ومحاسبة المفسدين ،الذين استأثروا بخيرات البلاد ،وراكموا الثروة بالطرق المشروعة وغير المشروعة ،وتركوا لعامة الشعب الفتات،بهذه الروح نستطيع أن نمكن الشرفاء والأكفاء والأمناء من
القرار السياسي ،حتى تعاد الأمور إلى نصابها،ويتحقق مبدأمن مبادئ الثورة
وهو الحق في العيش الكريم لكل أبناء الشعب.
بروح الثورة ،سنحارب الرشوة ،التي نخرت مؤسساتنا ،حتى أصبح بلدنا وللأسف،يحتل مراتب غير مشرفة بالنسبة للدول التي تنتشر فيها هذه الآفة.
بروح الثورة،نبني مغربا حرا ديموقراطيا ،السيادة فيه للقانون ،كي يأمن الإنسان على ماله وعرضه ومستقبل أبنائه.
بروح الثورة ،نبني بلدا متقدما اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا ،لأن الثائر تواق للأفضل ،طموح ومبدع وغيور .
من أجل هذا وغيره ثار الملك والشعب .مهدوا لبناء مستقبل واعد لأبنائهم وأحفادهم ،ومن أجل هذا ،استرخصوا دماءهم ،وهي أمانة في أعناقنا إلى أن نلقى الله.
فالذين خرجوا اليوم عن هذا الخط التحرري ،خط الثورة الحكيمة ،هم تلاميذ فاشلون لم يستوعبوا دروس الثورة ،وهم كذلك علموا أو لم يعلموا ؛أنه قد أساؤوا لآبائهم وأجدادهم وللتاريخ.وهم قطعا لا يستحقون تلك الدماء الزكية والجهد الكبير الذي بذله أسلافهم.
خاتمة:
مهما حاولنا أن نعدد فضل ومزايا ثورة الملك والشعب،فلن نوفها حقها ،وحسبنا أن نتعلم أن المغرب لن يتقدم ،ولن يكون بخير إلا بثورة ملك وشعب.