هل انتهى عهد ظهور الاولياء الصالحين
يقول الله تعالى: ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . الذين آمنوا وكانوا يتقون . لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة . لا تبديل لكلمات الله . ذلك هو الفوز العظيم)
يقول الله تعالى: ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )
(لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من لعن والديه. لعن الله من آوى محدثاً، لعن الله من غير منار الأرض)
من هم أولياء الله ؟
كيف يمكن لأيٍ منا أن يصبح وليًا لله ؟
الأولياء جمع ولي ، والولي هو النصير الذي ينصر دين الله وشريعته ، وقيل الولي هو القريب من الله اي استغراق القلب في معرفته واليقين عليه لا ينشغل إلا بالله فإن رأى أي منظر أو موقف رأى دلائل قدرة الله، وإن سمع شيئا سمع آيات الله وإن نطق نطق بالثناء على الله وحمده وشكره ، وإن تحرك تحرك في الدعوة إليه . فهذا الشخص يكون وليا لله تعالى. وسواء كان المعنى النصير أو القريب ، فكلا المعنيين أيضا يكون لله تعالى فلو كان الولي نصيرا فالله أيضا نصير له ، وإن كان الولي قريبا من الله فالله أيضا قريب منه كما قال تعالى (الله ولي الذين ءامنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور).
اولياء الله هم الذين يذكر الله تعالى برؤيتهم ، أي أنك إذا رأيت أحدهم تذكرت الله تعالى وذكرته. قال بعض المفسرين إن السبب في ذلك هي علامات الخشوع والخضوع البادية عليهم فمشاهدتهم تذكر بأمر الآخرة كما قال تعالى (سيماهم فى وجوههم من أثر السجود) ، فأولياء الله أناس يعيشون لله ولدين الله ويجتهدون في توجيه الخلق إليه في كل وقت وكل مكان وكل مناسبة فيصبح من يراهم يتذكر تلقائيا الله ودينه وشرعه.
بعض الناس يذكرونك بالسياسة دون أن يتكلموا لأنك عرفت من مخالطتهم أنهم لا يجلسون مجلسا ولا يفوتون مناسبة إلا وخاضوا في السياسة . وبعض الناس تراهم فيتبادر إليك شأن الرياضة والكرة لان كلامهم دائما عن الكرة ومشاكلها وبعض الناس ولو لم يتكلموا يذكرونك بمعصية الله لأن هؤلاء قد غلبت عليهم المعاصي يقعون فيها ويخوضون فيها ولا يستحون أن يفضحوا أنفسهم ويكشفوا ستر الله لهم.فهكذا أولياء الله من كثرة ما يعيشون لله ويدعون إليه ويلهثون بحمده والثناء عليه ورؤية نعمه في كل شيئ ، إذا رأيتهم ذكرت الله حتى ولو لم يتكلموا.
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (يأتي من أفناء الناس ونوازع القبائل قوم لم تتصل بينهم أرحام متقاربة تحابوا في الله وتصافحوا في الله يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسهم عليها يفزع الناس ولا يفزعون انهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون)
وهذه صفة عظيمة لهم ، فهم تجمعهم طاعة الله من غير أن يكون بينهم قاسم مشترك من تجارة أو نسب أو رحم أو غيرها ، إنما يجتمعون على حب الله ويفترقون عليه ، فأقاموا أمر الله (وتعاونوا على البر والتقوى) عمليا في حياتهم. هذه الروح الاجتماعية بلا عصبيات قومية أو حساسيات مذهبية أو مصالح دنيوية ، هذه روح أولياء الله ومجالسهم واجتماعهم. ولذلك رأينا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تنشأ بينهم أخوة الدين بصرف النظر عن ألوانهم أو أجناسهم. وكل منا يراجع المجالس التي يرتادها في كل يوم ، هل تعمر بذكر الله ؟ وهل ينشأ فيها ما يدعو للمحبة في الله ؟ لو كانت كذلك فهذه إحدى علامات أو صفات أولياء الله.
تأمل هذا الحديث الشريف ووصفه الدقيق لأولياء الله ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف الحال، ذو حظ من الصلاة، أحسن عبادة ربه، وأطاعه في السر، وكان غامضاً في الناس، لا يشار إليه بالأصابع، وكان رزقه كفافاً، فصبر على ذلك ) ثم نقر بيده، فقال : (عجلت منيته، فقلت بواكيه، وقل ثراؤه). فهذا العبد المخلص لله الذي لا يعرفه الناس ولا يشتهر بينهم ، وحتى عند موته لم ينتبه لفراقه فلم يبك عليه الكثير ، هذا ليس وليا لله فقط بل هو أغبط أولياء الله.
ولأولياء الله بطبيعة الحال صفات أخرى يشتركون فيها مع صفات عامة المؤمنين مثل المحافظة على أداء الفرائض والاجتهاد في النوافل والحب في الله والبغض في الله فهم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ، يؤدون الحقوق التي عليهم ويتعاملون بالعفو والصفح ، أخلاقهم رفيعة وألسنتهم عطرة بذكر الله وغيرها من صفات أهل الإيمان والتقوى. ولكن الصفات التي ذكرناها أولا يختص ويتميز بها أولياء الله. وإذا تأملنا هذه الصفات نرى أنها متاحة لنا جميعا أن نجتهد لتحصيلها والرقي لمستواها ، فأولياء الله حولنا الآن فليس الأمر كما يتصور كثير من الناس أن أولياء الله مضى عهدهم وانتهى ، بل إن البعض إذا ذُكر أمامه أولياء الله فيظن أنهم لابد أن يكونوا من الأموات. وهذا إغلاق لباب واسع من رحمة الله جعل فيه الخير في هذه الأمة لا ينقطع ولا يزال الله تبارك وتعالى يغرس لهذه الأمة غرسا يستخدمهم لطاعته ولنصرة دينه.