شيخ علماء فرجيوة - الشيخ المطيش -
مقدمة
مرت الأمة الجزائري طيلة تاريخها بفترات عصيبة حالكة من التشرذم و الصراعات الداخلية إلى الهيمنة و السيطرة الخارجية مما جعلها لا تنعم بالأمن و الاستقرار اللذين هما عاملين أساسيين من عوامل الرقي و الحضارة.
و كانت أحلك حقبة في تاريخ هذه الأمة هي حقبة الاحتلال الفرنسي الذي حاول جاهدا طمس هويتها و سلخها عن مقوماتها و زرع بذور النعرات الجهوية و القبلية في صفوفها تارة بالتقتيل الوحشي و مجازر الإبادة الجماعية و التهجير القسري من الأرض حتى يخلو له الميدان لاستعمارها بأجناس نصرانية وفدت معه من وراء البحر و تارة أخرى بالقضاء الهمجي على كل وسائل الحضارة و الهوية بهدم المساجد و المدارس و الزوايا العلمية لتجهيل أبناء الشعب وإشاعة الأمية في أوساطه فيسهل بعد ذلك الاستخفاف به و استعباده و قهره .
قاوم الشعب الجزائري هذا العدوان البربري بكل شجاعة و رغم البون الشاسع في ميزان القوى بينه و بين المحتل إلا أن الثورات المسلحة اندلعت عبر كامل التراب الوطني بدافع العزة الدينية و الحمية الوطنية فلم يهنأ الاستعمار يوما في هذه الأرض الطيبة التي كان يظنها كلأ مباحا ..
و لعل أهم دافع كان يؤجج تلك الحمية و يعزز ذلك الشعور الوجداني بأن الشعب الجزائري شعب يختلف عن الشعب الفرنسي لغة دينا و لغة و عنصرا و أنه لابد له من الاستقلال للعيش بكرامة هو تلك الجهود المباركة التي بذلها علماء الأمة جيلا بعد جيل بالتعليم و التربية و بث روح العزة الإسلامية في النفوس والإبقاء على شعلة الجهاد متقدة في القلوب
و قد قدم علماء الأمة التضحيات الجسام بأوقاتهم و أموالهم و فلذات أكبادهم و أرواحهم فكانوا القدوة المثلى للأمة حتى تنهض من كبوتها و توحد صفها و ترفع راية الجهاد و الاستشهاد ...
و قد قضت مشيئة الله أن يشتهر البعض من هؤلاء العلماء الأجلاء و يحفظ تاريخهم و تدرس سيرهم و أن يغمر البعض الآخر فيعفى أثره و يقل ذكره لحكمة يعلمها سبحانه و تعالى وحده ..لكن تبقى مسؤولية الأجيال قائمة لنفض الغبار عن سيرة و كل عالم و تضحية كل مجاهد عرفانا لأهل الفضل بفضلهم لن من لا يشكر الناس لا يشكر الله.. و هذه النعمة الكبرى نعمة الاستقلال هي بفضل الله من ثمرات جهادهم و تضحياتهم ..
من هؤلاء العلماء الذين يكاد يطويهم النسيان و الذي نحاول بحول الله نفض بعض الغبار الذي ران على مسيرتهم و جهادهم
العالم النحرير و المجاهد الكبير
االشيخ الجليل
المطيش اطويل
مولده و نسبه :
ولد الشيخ المطيش اطويل سنة 1871 .
و هو إ بن السعيد بن اعمر، من أسرة طويل التي تنتمي إلى عرش الشرفة الذين ينحدرون من أشراف الهامل ببوسعادة و ينتهي نسبهم إلى الحسن بن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ
أما والدته فهي السيدة .... منادي من عرش ليداغة الذين يقطنون بالقرب من جبال الحلفاء .
أبناؤه :
رزق الشيخ بخمسة أبناء و بنات هم :
محمد السعيد
وقد سجن عقب أحداث 8ماي 1945 إلى غاية الإستقلال ثم أصبح رئيسا لبلدية الرواشد و هو من تلاميذ جمعية العلماء المسلمين.
محمد الطاهر
و قد إلتحق بثورة التحرير مبكرا و نال شرف الشهادة في سبيل الله سنة 1958.
زينب
و هي زوجة اطويل يوسف
زليخة
و هي زوجة اطويل عمار
فطيمة
و هي زوجة طويل الدراجي و أم سي عبد المجيد المجاهد المعروف بفرجيوة .
رحلته العلمية :
يبدو من بعض القرائن أن الشيخ تلقى تعليمه الأول على يد شيوخ عائلته المعروفة بالمحافظة على حفظ القرآن الكريم و تحفيظه، كما تلقى مبادئ بعض العلوم الشرعية ثم انتقل إلى مدينة قسنطينة التي كانت ما تزال تزخر بالعلماء فتتلمذ على يد الشيخ حمدان الونيسي وقبس من أخلاقه و سمو روحه... و بعد أن اشتد عوده سافر إلى مدينة تلمسان و منها إلى مدينتي فاس و مكناس المغربيتين
و قد دامت رحلته العلمية أربعا و عشرين سنة تزود فيها بمختلف العلوم و تلقى أنواع المعارف ، و تبحر في البعض منها ، حتى قيل عنه أنه أعلم أهل الجزائر بالفرائض -أي علم المواربث
و كان الشيخ ابن باديس - رحمه الله يقول لأهل فرجيوة إذا جاؤوه يستفتونه في أمر من أمور دينهم :
كيف تستفتونني و عندكم الشيخ المطيش .
جهاده التعليمي
- تأسيسه لزاوية علمية :
أنشأ الشيخ بمسقط رأسه زاوية ،و هي عبارة عن مسجد للصلاة ، يتحول بين الصلوات إلى مدرسة كانت منارة للعلم و التعليم يؤمها ـ بالإضافة إلى أبناء العرش ـ طلبة العلم من كل مكان .
كان المنهج المتبع في الزاوية هو منهج المغاربة منذ عصور أي البدء بحفظ القرآن الكريم ، ثم حفظ بعض المتون والمنظومات في مختلف العلوم الشرعية إلا أن الشيخ المطيش بحكم تجربته و رحلاته و وعيه السياسي و حسه الوطني أضاف لطلبته دروسا في التاريخ و الجغرافيا .
و بعد تأسيس جمعية العلماء المسلمين بقسنطينة كان الشيخ من مؤيديها و مناصريها فاعتمد مناهجها التعليمية في زاويته ، و كان يرسل تلاميذه إلى قسنطينة لإتمام دراستهم على أيدي علمائها و شيوخها، فكانوا يقبلون مباشرة من طرف الشيخ إبن باديس و إخوانه بمجرد استظهار تزكية من الشيخ المطيش ، مما يدل على المكانة الخاصة و الإحترام الكبير الذي كان للشيخ عند جمعية العلماء و رئيسها .
أشهر تلاميذه :
يكفي الشيخ فخرا أن أغلب علماء المنطقة العاملين قد تتلمذوا على يده و نهلوا من معارفه فمن تلامذته المشهورين الذين أخذوا عنه بمشتى الزحاتنة ، ثم أصبحوا من بعده دعة عاملين و علماء مجاهدين و أئمة مفتين نذكر :
1- الشيخ محمد أوالحاج :
المعروف بمدينة فرجيوة بعلمه و تقواه و ورعه و مواقفه التي ما زال أهل فرجيوة يتذكرونها و قد كان إماما بالمسجد العتيق إلى نهاية الستينيات.
2-الشهيد محمد شوارفة
المعروف بابن الشيروف الذي كان معلما بمدرسة جمعية العلماء بفرجيوة و إمام مسجدها العتيق إبان الثورة التحريرية و أحد رموز الحركة الوطنية بالمنطقة و الذي أعدمته السلطات الإستعمارية سنة 1958.
3-الشيخ عبد المجيد حيرش :
خريج جامع الزيتونة أحد نشطاء جمعية العلماء المسلمين و المعلم بمدارسها المختلفة وله فضل كبير على تلاميذ المنطقة خاصة الذين درسوا بمعهد ابن باديس بقسنطينة قبل اندلاع الثورة .
4-الشيخ أحمدعطية :
من عائلة بلحداد الشهيرة بمنطقة قرقوس بجبال الحلفاء و كان عالما زاهدا مصلحا و هو مرجع سكان منطقة العياضي و ما جاورها في الفتوى والفصل في الخصومات و مختلف شؤونهم الدينية.
هؤلاء المشايخ تتلمذوا على يد الشيخ المطيش بدوار الزحاتنة في رحاب عائلة حيرش ذات الأملاك الواسعة .
و كان للشيخ بمسقط رأسه بدشرة الطابية بزارزة تلامذة مباركون تتلمذوا على يده و كانوا له بعد رحلاتهم و تمكنهم من ناصية العلوم خير الأعوان على أداء رسالته العلمية بالمنطقة،ثم أصبحوا فيما بعد أئمة منطقة زارزة و قضاتها و مراجعها الدينية ، نذكر منهم
الشيخ محمد الطاهر خيروش من مشتى آزمو )الطميرة( بزارزة
الشيخ عبد العزيز رحال من مشتى بين الوعور بزارزة
الشيخ سليمان غوالي من مشتى غدير القروة بزارزة
هذا إضافة إلى العشرات من حفظة كتاب الله الكريم ، الذين حفظوه عن ظهر قلب ، ثم أصبحوا أئمة و مؤذنين و معلمين للقرآن إبان الثورة أو بعد الإستقلال فكانت صدورهم من خير الأوعية التي حفظ الله بها كتابه في أحلك الظروف .
الشيخ المطيش و أحداث 1945
للشيخ المطيش مواقف مشهودة ، تنم عن شخصيته الفذة ، و أخلاقه السامية ، حيث يظهر لنا من خلالها ، جهاده وعطاؤه ، تضحيتهو صبره ، و شجاعته و كرمه ،و زهده و تواضعه ، مما يدل على أنه كان من العلماء الربانيين ، الذين يقدمون القدوة و المثال قبل الكلمة و المقال ، فكان له بذلك أبلغ الأثر في نفوس كل من عايشه أو أخذ عنه ...و هاهي بعض هذه المواقف :
اندلعت أحداث 8 ماي 1945 بعد المجازر الدموية التي ارتكبها الإستعمار الفرنسي في حق الجزائريين العزل الذين خرجوا في مظاهرات سلمية يبتهجون باندحار النازية و يطالبون فرنسا بإنجاز وعدها بمنح الإستقلال..
و كانت منطقة أولاد عامر التي يقيم عرش الشرفة بجوارها من أهم المناطق التي ثار أهلها نصرة لإخوانهم الذين تعرضوا للمجازر ببعض مدن الشرق الجزائري ..
و قد سلكت فرنسا في سبيل إخماد هذه الثورة سبلا وحشية كالتقتيل الجماعي ، و الإعتداء على الحرمات ، و الإعتقالات العشوائية ..
وكانت أسرة الشيخ المطيش من أبرز الأسر التي نالها البطش الإستعماري بفعل مواقف رجالها الرافضين للضيم و الطغيان ..فأعدم إبن عمه طويل محمود رميا بالرصاص رفقة مجموعة من المواطنين ، و شاء الله أن ينجو إبن عمه الآخرطويل صالح من القتل بعد أن أخطاه رصاص الإعدام فسيق إلى المحاكمة رفقة أبيه طويل أحمد و أخيه طويل عمار و إبن الشيخ المطيش طويل محمد السعيد .. و طبعا كان الشيخ على رأس قائمة المعتقلين .. لأنه عالم المنطقة و فقبهها فهو المحرض على التمرد و الثورة .
وقد أصدرت المحكمة العسكرية بقسنطينة حكما بالإعدام في حق طويل محمد السعيد ابن الشيخ المطيش و طويل صالح ثم خفف الحكم فيما بعد إلى المؤبد و قد شاء الله عز وجل أن يقضوا بالسجن سبعة عشر عاما ليخرجوا مع فجر الإستقلال سنة 1962 .
كما قضت نفس المحكمة بسبعة أشهر في حق طويل عمار و أبيه طويل أحمد ، أما الشيخ المطيش فكان نصيبه أربعة أشهر قضاها في سجن الكدية ، و شاء الله أن يقضي ثلاثة أشهر إضافية في سجن الحراش..
مواقفه :
1- لم يكن الشيخ المطيش رجل علم و بيان أو صاحب قلم و لسان فحسب ،بل كان صاحب قلب شجاع و مواقف صلبة تجلت في الكثير من محطات حياته،فعندما ألقي عليه القبض عقب أحداث ماي 1945 سأله الحاكم الإداري بفرجيوة و كان محاطا بزبانيته :
أنت الذي تحرض الناس على الجهاد؟؟؟
قال الشيخ : هذا لا يمكن.
قال الحاكم : و كيف ؟
قال الشيخ : لقد خلق الله لي عينين و ها أنا الآن لي أربع.
و أشار إلى النظارات.) و هو يقصد أنه أصبح فاقدا للبصر(
و خلق الله لي رجلين و ها أنا أمشي على ثلاث. و أشار إلى عصاه.
و والله لو كنت أملك قوة لما نخلفت عن جهادكم و مقاومتكم.
2- في سجن الكدية ،لما أمرت المحكمة بإطلاق سراحه بعد أن قضى ثلاثة أشهر بالسجن، قال له أحد ضباط السجن و كان يهوديا و هو يحاول الإستهزاء به :
أيها الشيخ ،أريد أن تعلمني شيئا من الفقه .
فأجابه الشيخ بصرامة و حدة :
إن العسل لا يوضع في جلود الكلاب.
و كانت هذه الإجابة سببا في اغتياظ هذا الضابط ، و بدل أن يطلق سراح الشيخ المطيش فقد حول إلى سجن الحراش بالعاصمة ليقضي أربعة أشهر ظلما و عدوانا.
3- بعد غطلاق سراحه عاد الشيخ إلى نشاطه التعليمي بمسقط رأسه بطريقة سرية حيث أن الإستعمار قد أصدر تعليماته الصارمة بمنع أي نشاط . فكان صغار السن يدرسون مساء من صلاة العصر إلى المغرب بينما يلقي الشيخ دروسه على الكبار بعد صلاة المغرب و هذا للتمويه على سلطات الإستعمار و أعوانه و عيونه.
و في إحدى المرات ، داهمهم رجال الجندرمة الفرنسية و هم يمتطون خيولهم.و كان الشيخ قد أمر المعلم بصرف التلاميذ مع ألواحهم. إلا أنهم عثروا على لوح مسح حديثا..فقال رئيسهم للشيخ :
لقد منعناكم من التدريس فلناذا خالفتم التعليمات؟؟
و مع إصرار الشيخ على الإنكار أضاف رئيس الدرك :
أنتم لصوص .. تدرسون خفية كاللصوص..
و هنا فار الدم في رأس الشيخ فانتفض قائلا :
بل أنتمو آباؤكم هم اللصوص..جئتم إلى ديارنا من وراء البحار،فاعتديتم على أوطاننا و نهبتم خيراتنا و سرقتم أموالنا..ثم ها أنتم تمنعون عنا حتى طلب العلم.
فلم يجد هذا الظالم ما يجيب به فأمر أعوانه بالإنصراف..
وفاته :
توفي الشيخ المطيش يوم من شهر سبتمبر سنة 1953 عن عمر يناهز 82 سنة.
رحم الله الشيخ المجاهد العالم العابد اطويل المطيش و أسكنه فسيح جناته و أغدق عليه فائض رحماته و ألحقه بالأنبياء و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا...
مرت الأمة الجزائري طيلة تاريخها بفترات عصيبة حالكة من التشرذم و الصراعات الداخلية إلى الهيمنة و السيطرة الخارجية مما جعلها لا تنعم بالأمن و الاستقرار اللذين هما عاملين أساسيين من عوامل الرقي و الحضارة.
و كانت أحلك حقبة في تاريخ هذه الأمة هي حقبة الاحتلال الفرنسي الذي حاول جاهدا طمس هويتها و سلخها عن مقوماتها و زرع بذور النعرات الجهوية و القبلية في صفوفها تارة بالتقتيل الوحشي و مجازر الإبادة الجماعية و التهجير القسري من الأرض حتى يخلو له الميدان لاستعمارها بأجناس نصرانية وفدت معه من وراء البحر و تارة أخرى بالقضاء الهمجي على كل وسائل الحضارة و الهوية بهدم المساجد و المدارس و الزوايا العلمية لتجهيل أبناء الشعب وإشاعة الأمية في أوساطه فيسهل بعد ذلك الاستخفاف به و استعباده و قهره .
قاوم الشعب الجزائري هذا العدوان البربري بكل شجاعة و رغم البون الشاسع في ميزان القوى بينه و بين المحتل إلا أن الثورات المسلحة اندلعت عبر كامل التراب الوطني بدافع العزة الدينية و الحمية الوطنية فلم يهنأ الاستعمار يوما في هذه الأرض الطيبة التي كان يظنها كلأ مباحا ..
و لعل أهم دافع كان يؤجج تلك الحمية و يعزز ذلك الشعور الوجداني بأن الشعب الجزائري شعب يختلف عن الشعب الفرنسي لغة دينا و لغة و عنصرا و أنه لابد له من الاستقلال للعيش بكرامة هو تلك الجهود المباركة التي بذلها علماء الأمة جيلا بعد جيل بالتعليم و التربية و بث روح العزة الإسلامية في النفوس والإبقاء على شعلة الجهاد متقدة في القلوب
و قد قدم علماء الأمة التضحيات الجسام بأوقاتهم و أموالهم و فلذات أكبادهم و أرواحهم فكانوا القدوة المثلى للأمة حتى تنهض من كبوتها و توحد صفها و ترفع راية الجهاد و الاستشهاد ...
و قد قضت مشيئة الله أن يشتهر البعض من هؤلاء العلماء الأجلاء و يحفظ تاريخهم و تدرس سيرهم و أن يغمر البعض الآخر فيعفى أثره و يقل ذكره لحكمة يعلمها سبحانه و تعالى وحده ..لكن تبقى مسؤولية الأجيال قائمة لنفض الغبار عن سيرة و كل عالم و تضحية كل مجاهد عرفانا لأهل الفضل بفضلهم لن من لا يشكر الناس لا يشكر الله.. و هذه النعمة الكبرى نعمة الاستقلال هي بفضل الله من ثمرات جهادهم و تضحياتهم ..
من هؤلاء العلماء الذين يكاد يطويهم النسيان و الذي نحاول بحول الله نفض بعض الغبار الذي ران على مسيرتهم و جهادهم
العالم النحرير و المجاهد الكبير
االشيخ الجليل
المطيش اطويل
مولده و نسبه :
ولد الشيخ المطيش اطويل سنة 1871 .
و هو إ بن السعيد بن اعمر، من أسرة طويل التي تنتمي إلى عرش الشرفة الذين ينحدرون من أشراف الهامل ببوسعادة و ينتهي نسبهم إلى الحسن بن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ
أما والدته فهي السيدة .... منادي من عرش ليداغة الذين يقطنون بالقرب من جبال الحلفاء .
أبناؤه :
رزق الشيخ بخمسة أبناء و بنات هم :
محمد السعيد
وقد سجن عقب أحداث 8ماي 1945 إلى غاية الإستقلال ثم أصبح رئيسا لبلدية الرواشد و هو من تلاميذ جمعية العلماء المسلمين.
محمد الطاهر
و قد إلتحق بثورة التحرير مبكرا و نال شرف الشهادة في سبيل الله سنة 1958.
زينب
و هي زوجة اطويل يوسف
زليخة
و هي زوجة اطويل عمار
فطيمة
و هي زوجة طويل الدراجي و أم سي عبد المجيد المجاهد المعروف بفرجيوة .
رحلته العلمية :
يبدو من بعض القرائن أن الشيخ تلقى تعليمه الأول على يد شيوخ عائلته المعروفة بالمحافظة على حفظ القرآن الكريم و تحفيظه، كما تلقى مبادئ بعض العلوم الشرعية ثم انتقل إلى مدينة قسنطينة التي كانت ما تزال تزخر بالعلماء فتتلمذ على يد الشيخ حمدان الونيسي وقبس من أخلاقه و سمو روحه... و بعد أن اشتد عوده سافر إلى مدينة تلمسان و منها إلى مدينتي فاس و مكناس المغربيتين
و قد دامت رحلته العلمية أربعا و عشرين سنة تزود فيها بمختلف العلوم و تلقى أنواع المعارف ، و تبحر في البعض منها ، حتى قيل عنه أنه أعلم أهل الجزائر بالفرائض -أي علم المواربث
و كان الشيخ ابن باديس - رحمه الله يقول لأهل فرجيوة إذا جاؤوه يستفتونه في أمر من أمور دينهم :
كيف تستفتونني و عندكم الشيخ المطيش .
جهاده التعليمي
- تأسيسه لزاوية علمية :
أنشأ الشيخ بمسقط رأسه زاوية ،و هي عبارة عن مسجد للصلاة ، يتحول بين الصلوات إلى مدرسة كانت منارة للعلم و التعليم يؤمها ـ بالإضافة إلى أبناء العرش ـ طلبة العلم من كل مكان .
كان المنهج المتبع في الزاوية هو منهج المغاربة منذ عصور أي البدء بحفظ القرآن الكريم ، ثم حفظ بعض المتون والمنظومات في مختلف العلوم الشرعية إلا أن الشيخ المطيش بحكم تجربته و رحلاته و وعيه السياسي و حسه الوطني أضاف لطلبته دروسا في التاريخ و الجغرافيا .
و بعد تأسيس جمعية العلماء المسلمين بقسنطينة كان الشيخ من مؤيديها و مناصريها فاعتمد مناهجها التعليمية في زاويته ، و كان يرسل تلاميذه إلى قسنطينة لإتمام دراستهم على أيدي علمائها و شيوخها، فكانوا يقبلون مباشرة من طرف الشيخ إبن باديس و إخوانه بمجرد استظهار تزكية من الشيخ المطيش ، مما يدل على المكانة الخاصة و الإحترام الكبير الذي كان للشيخ عند جمعية العلماء و رئيسها .
أشهر تلاميذه :
يكفي الشيخ فخرا أن أغلب علماء المنطقة العاملين قد تتلمذوا على يده و نهلوا من معارفه فمن تلامذته المشهورين الذين أخذوا عنه بمشتى الزحاتنة ، ثم أصبحوا من بعده دعة عاملين و علماء مجاهدين و أئمة مفتين نذكر :
1- الشيخ محمد أوالحاج :
المعروف بمدينة فرجيوة بعلمه و تقواه و ورعه و مواقفه التي ما زال أهل فرجيوة يتذكرونها و قد كان إماما بالمسجد العتيق إلى نهاية الستينيات.
2-الشهيد محمد شوارفة
المعروف بابن الشيروف الذي كان معلما بمدرسة جمعية العلماء بفرجيوة و إمام مسجدها العتيق إبان الثورة التحريرية و أحد رموز الحركة الوطنية بالمنطقة و الذي أعدمته السلطات الإستعمارية سنة 1958.
3-الشيخ عبد المجيد حيرش :
خريج جامع الزيتونة أحد نشطاء جمعية العلماء المسلمين و المعلم بمدارسها المختلفة وله فضل كبير على تلاميذ المنطقة خاصة الذين درسوا بمعهد ابن باديس بقسنطينة قبل اندلاع الثورة .
4-الشيخ أحمدعطية :
من عائلة بلحداد الشهيرة بمنطقة قرقوس بجبال الحلفاء و كان عالما زاهدا مصلحا و هو مرجع سكان منطقة العياضي و ما جاورها في الفتوى والفصل في الخصومات و مختلف شؤونهم الدينية.
هؤلاء المشايخ تتلمذوا على يد الشيخ المطيش بدوار الزحاتنة في رحاب عائلة حيرش ذات الأملاك الواسعة .
و كان للشيخ بمسقط رأسه بدشرة الطابية بزارزة تلامذة مباركون تتلمذوا على يده و كانوا له بعد رحلاتهم و تمكنهم من ناصية العلوم خير الأعوان على أداء رسالته العلمية بالمنطقة،ثم أصبحوا فيما بعد أئمة منطقة زارزة و قضاتها و مراجعها الدينية ، نذكر منهم
الشيخ محمد الطاهر خيروش من مشتى آزمو )الطميرة( بزارزة
الشيخ عبد العزيز رحال من مشتى بين الوعور بزارزة
الشيخ سليمان غوالي من مشتى غدير القروة بزارزة
هذا إضافة إلى العشرات من حفظة كتاب الله الكريم ، الذين حفظوه عن ظهر قلب ، ثم أصبحوا أئمة و مؤذنين و معلمين للقرآن إبان الثورة أو بعد الإستقلال فكانت صدورهم من خير الأوعية التي حفظ الله بها كتابه في أحلك الظروف .
الشيخ المطيش و أحداث 1945
للشيخ المطيش مواقف مشهودة ، تنم عن شخصيته الفذة ، و أخلاقه السامية ، حيث يظهر لنا من خلالها ، جهاده وعطاؤه ، تضحيتهو صبره ، و شجاعته و كرمه ،و زهده و تواضعه ، مما يدل على أنه كان من العلماء الربانيين ، الذين يقدمون القدوة و المثال قبل الكلمة و المقال ، فكان له بذلك أبلغ الأثر في نفوس كل من عايشه أو أخذ عنه ...و هاهي بعض هذه المواقف :
اندلعت أحداث 8 ماي 1945 بعد المجازر الدموية التي ارتكبها الإستعمار الفرنسي في حق الجزائريين العزل الذين خرجوا في مظاهرات سلمية يبتهجون باندحار النازية و يطالبون فرنسا بإنجاز وعدها بمنح الإستقلال..
و كانت منطقة أولاد عامر التي يقيم عرش الشرفة بجوارها من أهم المناطق التي ثار أهلها نصرة لإخوانهم الذين تعرضوا للمجازر ببعض مدن الشرق الجزائري ..
و قد سلكت فرنسا في سبيل إخماد هذه الثورة سبلا وحشية كالتقتيل الجماعي ، و الإعتداء على الحرمات ، و الإعتقالات العشوائية ..
وكانت أسرة الشيخ المطيش من أبرز الأسر التي نالها البطش الإستعماري بفعل مواقف رجالها الرافضين للضيم و الطغيان ..فأعدم إبن عمه طويل محمود رميا بالرصاص رفقة مجموعة من المواطنين ، و شاء الله أن ينجو إبن عمه الآخرطويل صالح من القتل بعد أن أخطاه رصاص الإعدام فسيق إلى المحاكمة رفقة أبيه طويل أحمد و أخيه طويل عمار و إبن الشيخ المطيش طويل محمد السعيد .. و طبعا كان الشيخ على رأس قائمة المعتقلين .. لأنه عالم المنطقة و فقبهها فهو المحرض على التمرد و الثورة .
وقد أصدرت المحكمة العسكرية بقسنطينة حكما بالإعدام في حق طويل محمد السعيد ابن الشيخ المطيش و طويل صالح ثم خفف الحكم فيما بعد إلى المؤبد و قد شاء الله عز وجل أن يقضوا بالسجن سبعة عشر عاما ليخرجوا مع فجر الإستقلال سنة 1962 .
كما قضت نفس المحكمة بسبعة أشهر في حق طويل عمار و أبيه طويل أحمد ، أما الشيخ المطيش فكان نصيبه أربعة أشهر قضاها في سجن الكدية ، و شاء الله أن يقضي ثلاثة أشهر إضافية في سجن الحراش..
مواقفه :
1- لم يكن الشيخ المطيش رجل علم و بيان أو صاحب قلم و لسان فحسب ،بل كان صاحب قلب شجاع و مواقف صلبة تجلت في الكثير من محطات حياته،فعندما ألقي عليه القبض عقب أحداث ماي 1945 سأله الحاكم الإداري بفرجيوة و كان محاطا بزبانيته :
أنت الذي تحرض الناس على الجهاد؟؟؟
قال الشيخ : هذا لا يمكن.
قال الحاكم : و كيف ؟
قال الشيخ : لقد خلق الله لي عينين و ها أنا الآن لي أربع.
و أشار إلى النظارات.) و هو يقصد أنه أصبح فاقدا للبصر(
و خلق الله لي رجلين و ها أنا أمشي على ثلاث. و أشار إلى عصاه.
و والله لو كنت أملك قوة لما نخلفت عن جهادكم و مقاومتكم.
2- في سجن الكدية ،لما أمرت المحكمة بإطلاق سراحه بعد أن قضى ثلاثة أشهر بالسجن، قال له أحد ضباط السجن و كان يهوديا و هو يحاول الإستهزاء به :
أيها الشيخ ،أريد أن تعلمني شيئا من الفقه .
فأجابه الشيخ بصرامة و حدة :
إن العسل لا يوضع في جلود الكلاب.
و كانت هذه الإجابة سببا في اغتياظ هذا الضابط ، و بدل أن يطلق سراح الشيخ المطيش فقد حول إلى سجن الحراش بالعاصمة ليقضي أربعة أشهر ظلما و عدوانا.
3- بعد غطلاق سراحه عاد الشيخ إلى نشاطه التعليمي بمسقط رأسه بطريقة سرية حيث أن الإستعمار قد أصدر تعليماته الصارمة بمنع أي نشاط . فكان صغار السن يدرسون مساء من صلاة العصر إلى المغرب بينما يلقي الشيخ دروسه على الكبار بعد صلاة المغرب و هذا للتمويه على سلطات الإستعمار و أعوانه و عيونه.
و في إحدى المرات ، داهمهم رجال الجندرمة الفرنسية و هم يمتطون خيولهم.و كان الشيخ قد أمر المعلم بصرف التلاميذ مع ألواحهم. إلا أنهم عثروا على لوح مسح حديثا..فقال رئيسهم للشيخ :
لقد منعناكم من التدريس فلناذا خالفتم التعليمات؟؟
و مع إصرار الشيخ على الإنكار أضاف رئيس الدرك :
أنتم لصوص .. تدرسون خفية كاللصوص..
و هنا فار الدم في رأس الشيخ فانتفض قائلا :
بل أنتمو آباؤكم هم اللصوص..جئتم إلى ديارنا من وراء البحار،فاعتديتم على أوطاننا و نهبتم خيراتنا و سرقتم أموالنا..ثم ها أنتم تمنعون عنا حتى طلب العلم.
فلم يجد هذا الظالم ما يجيب به فأمر أعوانه بالإنصراف..
وفاته :
توفي الشيخ المطيش يوم من شهر سبتمبر سنة 1953 عن عمر يناهز 82 سنة.
رحم الله الشيخ المجاهد العالم العابد اطويل المطيش و أسكنه فسيح جناته و أغدق عليه فائض رحماته و ألحقه بالأنبياء و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا...