كلمات لا نفهم مدلولها
الأستاذ :كيمية العياشي
الوردزاغ تاونات
الديموقراطية
كثيرا ما نسمع الناس يتشدقون بكلمة الديموقراطية ،وهم في كثير من الأحيان لا يستوعبون مدلولها ،ولا يدركون كم عانت البشرية من أجل بنائها في مجتمعات
هي اليوم تعيش حياة الرفاهية والإزدهار والتقدم في جميع المجالات .
والملفت للإنتباه ،أن كلمة الديموقراطية ،تصبح الكلمة الرائجة والمستهلكة في فترة
الإنتخابات عند من يسمون أنفسهم بالسياسيين ،حيث لا تجد برنامجا انتخابيا لهذا الحزب أوذاك ،من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين ،إلا ويتفنن في الحديث عن الديموقراطية ،وينصب نفسه المدافع الأوحد عن مبادئها،لكن وكما يقول المثل :كل واحد واحسابو فراسو.
فكيف نفهم الديموقراطية:
فالمواطن الكادح المسكين ،يرى في الكلمة الحق في الشغل والسكن والتطبيب والتعليم
بل يخلخصها في كلمة :المعقول،لكن إذا ما تعارضت مصلحته مع مصلحة غيره،ضرب عرض الحائط كل تلك القيم وتحول إلى راش أو مرتش ،وارتمى في أحضان الفاسدين. ويرى فيها المفكر طريقا لبناء مجتمع الحق والقانون وحرية التعبير ،وبناء دولة
المؤسسات.....لكن إذا تتبعت مسار حياته وجدته ،إما منزو عن المجتمع يعيش عالمه الخاص ،أو زعيما سياسيا ملهما لا يرى في غيره بديلا لتمثل الديموقراطية ، فهو ينقض أهداف ومبادئ الديموقراطية من حيث يظن أنه يخدمها .
إلا أن السياسيين ،من أمثال ممثلينا بالمجالس البرلمانية والجماعية .....،فيرون فيها
مطية للوصول إلى امتلاك السلطة والنفوذ من أجل الإستفادة من الإمتيازات،والرفع
من أرصدتهم في البنوك ،عن طريق الصفقات المشبوهة والتملص من دفع الضرائب...................إلخ
كل هؤلاء لم يفهموا حقيقة الديموقراطية ، ولم يتمثلوا مبادئها ،ولم يمارسوها في حياتهم اليومية.فالمواطن الكادح ينهزم بأنانيته لمصالحه الضيقة ،وينخدع بسذاجته للشعارات الزائفة ،وهو لا يعلم بأن يذبح الديموقراطية ،ويحطم مستقبله ومستقبل أبنائه....وممثلونا
لا هم فهموا المدلول ،ولا مارسوا المضمون ،فالديموقراطية تحتاج إلى ديموقراطيين .
وإذا أخذنا عينة من أمثال هؤلاء السياسيين ،سنجد معضمهم عبارة عن جماعة من الجهلة والسراق والإنتهازيين ....لا يحسنون حتى كتابة أسمائهم ،فكيف بهم أن يستوعبوا مدلول هذه الكلمة النبيلة .وإذا تتبعت مسار حياتهم ،وكيف يديرون شؤونهم الخاصة ،وجدتهم يجهلون أبسط أساليب الحياة،بل عاجزون عن إدارة شؤون أسرهم ،فكيف بهؤلاء أن يديروا شؤون الناس بأسلوب ديموقراطي؟
وعينة أخرى ،من أشباه المثقفين ،لا تجيد إلا التلاعب بالألفاظ ،وتقضي معظم وقتها في التنظير واجترار ما أنتجته عقول المفكرين في مجال الديموقراطية،موهمة نفسها والناس من حولها، أن الديموقراطية ستحل بأوطانهم دون أن يتخذوا لها سبباأو يضحوا من أجلها.
إلا أن أخطرهم؛ اولئك الذين يخرجون إلى الناس في صورة الناصحين مرة ،والثائرين مرة أخرى ،لكن إذا ما تمكنوا من السلطة تحولواإلى ديكتاتوريين وانتهازيين ،يعتمدون كل الأساليب الدنيئة من الأجل الفوز بكرسي في البرلمان أو رئاسة مجلس جماعي.وهذه هي السمة التي طبعت سلوك أغلب أعضاءالبرلمان و رؤساء المجالس المحلية الحالية.
فلا هؤلاء ولا أولئك فهموا معنى الديموقراطية،ولا مارسوها على الوجه الصحيح.
فماهي الديموقراطية التي كانت وراء بناء حضار الغرب وتفوقه على جميع الأصعدة؟
إن الديموقراطية ، فكرة نبيلة ،تعبرعن أسمى ما وصل إليه الفكر الإنساني في مجال
تنظيم حياته العامة ،والغرض منها ،بكل بساطة ،تنظيم العلاقة بين الناس عن طريق
التعاقد .في ظلها يحتكم الناس للقانون ،وتؤسس على إثرها دولة تعبر عن إرادة شعبها.فيها تتاح الفرص بالتساوي للأفراد والجماعات ،كما تغيب فيها سلطة الفردوالقبيلة
وتحل محلها سلطة المؤسسة التي ينشئها الشعب بكامل الحرية...........إلى
كيف نبني ديموقراطيتنا؟
إن المدخل لبناء الديموقراطية في مجتمعنا،هو إشاعة الوعي بمضمونها.ولما كانت الديموقراطية سلوكا قبل أن تكون ثقافة،كان لا بد من إحداث تغيير في برامجنا التعليمية بالشكل الذي يمكن أبناءوطننا من تعلم السلوك الديموقراطي ،ويتشربون مبادئها النبيلة
على مستوى المؤسسات التعليمية،دون إغفال دور الأسرة والمجتمع والإعلام في هذا الصدد.
وإذا كانت الأحزاب كآليات لتنفيذ وممارسةالديموقراطية في واقع الناس ،فإن أحزابنا مطالبة بمراجعة فهمها للديموقراطية ،ومطالبة أيضا باختيارالرجال الديموقراطيين لتقلد
المناصب في المجالس المنتخبة.
كما أن على السلطة أن تقوم بدورها في تفعيل القوانين والقرارات التي تدعم اليموقراطية ،وتسهر على تنفيذها في الحياة العامة،وذلك بالحرص على نزاهة الإنتخابات ،والضرب على يد المرتشين والفاسدين أعداء الديموقراطية.
وفي الأخير يبقى المواطن هو الحجر الأساس في بناء الصرح الديموقراطي ،فلا ينخدع أمام الشعارات الرنانة ،ويتحرى الصدق في القول والفعل لمرشحي الأحزاب السياسية ،والإبتعاد عن الإعتبارات القبلية والأسرية والمصالح الضيقة ....في اختيار ممثلي الأمة.
هكذا نستطيع أن نبني ديموقراطيتنا ،ونعطيها مدلولها الذي تستحقه.