(الله يعلم وانتم لاتعلمون)
(الله يعلم وانتم لاتعلمون) الدكتور محمد بن سعد الشويعر
قرأت في إحدى المجلات، من خارج المملكة، قصة صغيرة ذات مغزى، وهي قصة الأمير الحافي، تخص مشاهدة فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - يمشي أشعث حافياً.
والصحابي الجليل فضالة يَحْسُن إعطاء فكرة عن حياته ومكانته قبل إيراد القصة التي كانت سبباً
في الحديث عنه. هو صاحبي أوسيّ من السابقين إلى الإسلام، أطال ابن الأثير في تعداد أجداده، وكان يكنى بأبي محمد، أول مشاهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المعازي عزوة أحد، ثم حضر المشاهد كلها، وكان ممن بايع تحت الشجرة الذين قال الله فيهم: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} (الفتح الآيتان 18-19)، وانتقل إلى الشام وشهد فتح مصر، وسكن الشام، وولي القضاء بدمشق لمعاوية، واستقضاه في خروجه إلى صفين، وقال له: «أحببتُ أن أستتر بك من النار»، ثم أمَّره معاوية على جيش، فغزا الروم في البحر، وسَبى بأرضهم.
روى عنه مجموعة من التابعين، وذكر منهم ستة، ثم قال: وآخرون. ومما أورد عنه القول: حدثنا قتيبة، حدثنا الليث بسنده المتصل إلى فضالة بن عبيد، قال: اشتريتُ قلادة يوم خيبر باثنى عشر ديناراً، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لا تباع - يعني القلادة بعد هذا- حتى تفصل، ومن هذا أخذ الصحابة والفقهاء بعدهم برأي عدم بيع السيف المذهب، أو المنطقة المفضضة، أو مثل هذا بدراهم، حتى يميز ويفصل ما حُلي به، وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، وقال الحافظ أبو يعلى: وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي.
والعلّة في ذلك اجتناب الرّبا الذي حرّمه الله، وهو بيع الذهب بالذهب، والورق بالورق - وهو الفضة - ما لم يختلف الضدان. واختُلف في وفاته ما بين سنة ثلاث وخمسين في خلافة معاوية، وقبل سنة تسع وستين، فحمل معاوية سريره وقال لابنه عبدالله: «أعنِّي يا بُني، فإنّك لن تحمل بعده مثله». وكان موته بدمشق، وكان له بها عقب (أسد الغابة 4:363).
وقد جاءت ترجمته في مصادر عدة، ذكرها الزركلي في كتابه الأعلام (ج5 ص350 في الهامش).
وإذا رجعنا إلى ما ذكر في تلك المجلة التي أوردت قصة الأمير الحافي فقد شوهد فضالة بن عبيد، وهو والي الشام، أشعث حافياً، فقيل له: أنت الأمير وتفعل هكذا؟! فأجاب: «نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإرفاء، وأمرنا أن نتحفى أحياناً».
ولعل كلام فضالة هذا موافق لما يُروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «اخشوشنوا؛ فإنّ النّعم لا تدوم».
لم يكن فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - عندما مشى حافياً يدرك الأسباب الطبية، أو المؤشرات النفسية، سواء في جسمه أو فيمَنْ حوله، أو في المجتمع، لكنه اتبع الهدي النبوي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وفي هذا ردّ على المتجرئين على شرع الله سبحانه، الذين يلوون النصوص لياً، حتى تأتي على رغباتهم وأهوائهم، متناسين قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار» رواه ابن عُدي عن عبدالله بن جعفر مرسلاً، وما تلك الفتاوى من المتساهلين، والراغبين في البروز، والمخالفة للنصوص الشرعية، إلا من القول على الله سبحانه وعلى رسول - صلى الله عليه وسلم - بغير علم؛ لأن الله يقول، وقوله الحق: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ} (النحل آية 116).
وما ذلك إلا أن شرع الله ثابت، ولا يتغير مع تقادم الزمن، ورسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - هي الخاتمة، ولا يصح إطلاق كلمات هي من الجرأة على الله وعلى رسوله الكريم، كقول بعضهم: نسير مع التطور، ومجاراة الزمن، أو بما يتلاءم مع مقتضيات العصر، أو غير هذا من المسببات والأقاويل.
وإذا كان بعضهم يتجاهل بنصوص الشرعية، ولا يؤمن إلا بما يتلاءم مع ذهنه القاصر، وهوى نفسه، ولا يراقب الله سبحانه فيما يُكتب، كالذي كتب قبل أيام وجزم بإيمان فرعون، ودافع عنه لأنه في نظره مات مؤمناً، مع وجود آيات كثيرة في القرآن الكريم تزيد على 35 آية توضح كفر فرعون، وأنّه وآله يعرضون على النار غدواً وعشياً، ويوم تقوم الساعة يقول سبحانه: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (غافر آية 46) والنماذج كثيرة، والله سبحانه قد حفظ كتابه، عن التغيير والتبديل، بل عاش المسلمون مع الأمم الأخرى 14 قرناً، ما قالوا عن دين الله مثلما يصدر من بعض الكتّاب في الآونة الأخيرة!
ولطالما يأتي حوار حول التشريع عندهم وعندنا وأيهما يتلاءم عقلاً ومنطقاً مع العقل والرأفة بالإنسان، وينتهي - بحمد الله - بغلبة الشريعة وكمالها، وملاءمتها للفطرة، بل بإسلام بعضهم، أما اليوم فإن تجاهل شريعة الإسلام ونصوصها التي تُلوى لياً من أناس أسماؤهم وبيئتهم إسلامية، والله سبحانه يقول: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر آية 9)، وهذه الآية فيها تأكيدات متعددة، والبلاغيون يقولون: تأكيد المبنى زيادة في تمكين المعنى، فهل هؤلاء المتقوّلون أعلم أم الله؟!!
وإذا رجعنا إلى ما عمله الصحابي فضالة بن عبيد، عندما مشي حافياً ممتثلاً توجيه رسول الله - كما مرّ بنا - وأنّه لا بدّ أن يكون فيه فائدة، مع كونه من التواضع وعدم التكبُّر، تظهر حقيقة يقول كاتبها: والآن، وبعد أكثر من 1400 سنة، بل تزيد، نرى أحد أطباء الغرب ينصح في إحدى كليات الطب في ولاية (كاليفورنيا) بأمريكا بالمشي حافياً؛ لما في ذلك من الفائدة؛ حيث إن المشي يدلك أقسام القدم، ولأن كل قسم من أقسام أسفل القدم مرتبط بعضوٍ من أعضاء الجسم، كالمعدة والكبد والرئتين، فإذا تعذر المشي يمكن التدليك باليد. (المجلة ص 50).
ومن ذلك تأتي دلالة قول علي رضي الله عنه: «خاطبوا الناس بما يعرفون حتى لا يُكذَّب الله ورسوله» فيه ارتباط بما جدّ من تخصصات وعلوم حديثة كالطب والفيزياء والأحياء، وغيرها مما أصبح ميداناً واسعاً، لمخاطبة الأفئدة بما يقنع أصحابها، وما تفتحت عنه العقول البشرية الدنيوية، ولا يتعارض الصحيح منها مع النصوص الشرعية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكر تأبير النخل، وقال: «أنتم أعلم بأمور دنياكم»، بعد أن أكد التزام ما يخبرهم به من أمور الدين؛ لأن ذلك من الله.
نأخذ مثالاً ثانياً - وما أكثر الأمثلة لمن يريد أنْ يربط المعجزات الربانية، والتوجيهات الشرعية النبوية بالعلوم الإنسانية الحديثة من باب التأكيد والترسيخ، فيخبر الله سبحانه أن الحق لا يتبع الهوى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ} (المؤمنون آية 71) - فقد حذّر رسول الله وتوعد بالعقاب في (التخبيب)، والتخبيب هو إفساد المرأة على زوجها؛ ليتزوجها أو بالعكس. فقد اكتُشف في (مستشفى دوشل) في نيويورك بأمريكا، وبموجب إحصائية طبية، أثبتت بعد الدراسة أنّ الرجل الذي يخطط ليتزوج من امرأة متزوجة من رجل آخر، ويعمد لإثارة مشكلات بينهما كي يحصل الطلاق بينهما، ومن ثمّ يتزوجها، وكذلك المرأة التي تخطط لتتزوج من رجل متزوج من امرأة أخرى، وتعمد إلى إثارة مشكلات بينهما، سواء كانت من المرأة أو الرجل، فيما يخصهما، أو تحريك مَنْ يعمل ذلك لمصلحتها؛ ليحصل الطلاق، ومن ثم تتزوج المرأة الرجل، بعد طلاقه امرأته، أو يتزوج الرجل المرأة بعد طلاقها من زوجها، أثبتت الدراسات في هذا المستشفى (مستشفى دوشل) في نيويورك بأمريكا، التي أُجريت على آلاف الحالات، أن كلاّ من الرجل والمرأة، يعني كلاً منهما الذي عمل ذلك العمل، يُصاب بأمراض القلب كالجلطة والسكتة والنوبة، وما يتبعها من أمراض. فسبحان الله، ما أحلمه وما أحكمه؛ فهو يرسل الآيات والنذائر.
ففي المجتمعات الإسلامية يأتي الوعيد الشديد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتخويف من عقاب الله، وفي بعض المجتمعات يأتي عقاب الله بأشياء يفزعون منها، تتعلق بالإنسان وأمراضه، وبالمعيشة وبالأزمات؛ لعل القلوب تتعظ والنفوس ترعوي.
ولما كان الشيء بالشيء يُذكر فسوف أذكر حالة ترتبط بالمشي حافياً،
حدّث بها الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود- رحمه الله -.
ففي في سنةٍ من السنوات وهو في الطائف في الصيفية، حيث تذهب مكاتب المسؤولين في الدولة، على العادة التي رسمها الملك عبدالعزيز - رحمه الله - ثم أبناؤه من بعده، في تلك السنة كانت جلسة الملك مع العلماء، وفي يومها المحدد أسبوعياً، وفي رمضان كانت تلك الجلسة بعد صلاة التراويح، فجاء الملك فهد - رحمه الله - والمشايخ مجتمعون، وكانت قَدَمُهُ اليمنى ملفوفة بضمادات، ويتكئ على عصا، وكان سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - الذي جئت معه على يمين الملك، وبعد السلام والجلوس التفتَ الملك إلى الشيخ موجِّهاً الكلام؛ لأنه كفيف لم يرَ الذي رأوه، ولكي يُشْركه في الحديث.
قال: يا شيخ عبدالعزيز، أقدار الله تأتي الإنسان حتماً، فقد كنت أتمشى في الحديقة حافياً؛ لأن مريضة من بنات إحدى الأسر كانت تشكو مرضاً أعْجز الأطباء معرفته، ولم تستفد من العلاجات في الخارج، وقد حدّد أحد الأطباء الذين عالجوها علاجاً سهلاً، بحجة أن مرضها الذي بان له هو (نقص المناعة)، وعلاجه أنْ تمشي حافية القدمين كل يوم بمعدل ساعة، وقد استمرت فترة من الزمن فشفيت تماماً - بحمد الله - واليوم أردت المشي حافياً ما دامت الفائدة من المشي ظاهرة، إلا أنني تعرضتُ لجُرْح كبير في قدمي، لست أدري هل هو مسمار أو زجاجة، وهو ما رآه العلماء بضماداته في قدمي.
فدعوا له بالشفاء، وفي الجلسة القامة كان بحمد الله سليماً، وهذا من عِلْم الله الذي بدأت علاماته تتكشف للناس، وهو من المعجزات التي يجب الاعتبار بها، وتقوي إيماننا؛ لكي نشرحها أمام الآخرين بعالمية دين الإسلام، وأسراره؛ لعلّهم يتعظون ويتفكرون.
قرأت في إحدى المجلات، من خارج المملكة، قصة صغيرة ذات مغزى، وهي قصة الأمير الحافي، تخص مشاهدة فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - يمشي أشعث حافياً.
والصحابي الجليل فضالة يَحْسُن إعطاء فكرة عن حياته ومكانته قبل إيراد القصة التي كانت سبباً
في الحديث عنه. هو صاحبي أوسيّ من السابقين إلى الإسلام، أطال ابن الأثير في تعداد أجداده، وكان يكنى بأبي محمد، أول مشاهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المعازي عزوة أحد، ثم حضر المشاهد كلها، وكان ممن بايع تحت الشجرة الذين قال الله فيهم: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} (الفتح الآيتان 18-19)، وانتقل إلى الشام وشهد فتح مصر، وسكن الشام، وولي القضاء بدمشق لمعاوية، واستقضاه في خروجه إلى صفين، وقال له: «أحببتُ أن أستتر بك من النار»، ثم أمَّره معاوية على جيش، فغزا الروم في البحر، وسَبى بأرضهم.
روى عنه مجموعة من التابعين، وذكر منهم ستة، ثم قال: وآخرون. ومما أورد عنه القول: حدثنا قتيبة، حدثنا الليث بسنده المتصل إلى فضالة بن عبيد، قال: اشتريتُ قلادة يوم خيبر باثنى عشر ديناراً، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لا تباع - يعني القلادة بعد هذا- حتى تفصل، ومن هذا أخذ الصحابة والفقهاء بعدهم برأي عدم بيع السيف المذهب، أو المنطقة المفضضة، أو مثل هذا بدراهم، حتى يميز ويفصل ما حُلي به، وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، وقال الحافظ أبو يعلى: وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي.
والعلّة في ذلك اجتناب الرّبا الذي حرّمه الله، وهو بيع الذهب بالذهب، والورق بالورق - وهو الفضة - ما لم يختلف الضدان. واختُلف في وفاته ما بين سنة ثلاث وخمسين في خلافة معاوية، وقبل سنة تسع وستين، فحمل معاوية سريره وقال لابنه عبدالله: «أعنِّي يا بُني، فإنّك لن تحمل بعده مثله». وكان موته بدمشق، وكان له بها عقب (أسد الغابة 4:363).
وقد جاءت ترجمته في مصادر عدة، ذكرها الزركلي في كتابه الأعلام (ج5 ص350 في الهامش).
وإذا رجعنا إلى ما ذكر في تلك المجلة التي أوردت قصة الأمير الحافي فقد شوهد فضالة بن عبيد، وهو والي الشام، أشعث حافياً، فقيل له: أنت الأمير وتفعل هكذا؟! فأجاب: «نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإرفاء، وأمرنا أن نتحفى أحياناً».
ولعل كلام فضالة هذا موافق لما يُروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «اخشوشنوا؛ فإنّ النّعم لا تدوم».
لم يكن فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - عندما مشى حافياً يدرك الأسباب الطبية، أو المؤشرات النفسية، سواء في جسمه أو فيمَنْ حوله، أو في المجتمع، لكنه اتبع الهدي النبوي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وفي هذا ردّ على المتجرئين على شرع الله سبحانه، الذين يلوون النصوص لياً، حتى تأتي على رغباتهم وأهوائهم، متناسين قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار» رواه ابن عُدي عن عبدالله بن جعفر مرسلاً، وما تلك الفتاوى من المتساهلين، والراغبين في البروز، والمخالفة للنصوص الشرعية، إلا من القول على الله سبحانه وعلى رسول - صلى الله عليه وسلم - بغير علم؛ لأن الله يقول، وقوله الحق: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ} (النحل آية 116).
وما ذلك إلا أن شرع الله ثابت، ولا يتغير مع تقادم الزمن، ورسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - هي الخاتمة، ولا يصح إطلاق كلمات هي من الجرأة على الله وعلى رسوله الكريم، كقول بعضهم: نسير مع التطور، ومجاراة الزمن، أو بما يتلاءم مع مقتضيات العصر، أو غير هذا من المسببات والأقاويل.
وإذا كان بعضهم يتجاهل بنصوص الشرعية، ولا يؤمن إلا بما يتلاءم مع ذهنه القاصر، وهوى نفسه، ولا يراقب الله سبحانه فيما يُكتب، كالذي كتب قبل أيام وجزم بإيمان فرعون، ودافع عنه لأنه في نظره مات مؤمناً، مع وجود آيات كثيرة في القرآن الكريم تزيد على 35 آية توضح كفر فرعون، وأنّه وآله يعرضون على النار غدواً وعشياً، ويوم تقوم الساعة يقول سبحانه: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (غافر آية 46) والنماذج كثيرة، والله سبحانه قد حفظ كتابه، عن التغيير والتبديل، بل عاش المسلمون مع الأمم الأخرى 14 قرناً، ما قالوا عن دين الله مثلما يصدر من بعض الكتّاب في الآونة الأخيرة!
ولطالما يأتي حوار حول التشريع عندهم وعندنا وأيهما يتلاءم عقلاً ومنطقاً مع العقل والرأفة بالإنسان، وينتهي - بحمد الله - بغلبة الشريعة وكمالها، وملاءمتها للفطرة، بل بإسلام بعضهم، أما اليوم فإن تجاهل شريعة الإسلام ونصوصها التي تُلوى لياً من أناس أسماؤهم وبيئتهم إسلامية، والله سبحانه يقول: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر آية 9)، وهذه الآية فيها تأكيدات متعددة، والبلاغيون يقولون: تأكيد المبنى زيادة في تمكين المعنى، فهل هؤلاء المتقوّلون أعلم أم الله؟!!
وإذا رجعنا إلى ما عمله الصحابي فضالة بن عبيد، عندما مشي حافياً ممتثلاً توجيه رسول الله - كما مرّ بنا - وأنّه لا بدّ أن يكون فيه فائدة، مع كونه من التواضع وعدم التكبُّر، تظهر حقيقة يقول كاتبها: والآن، وبعد أكثر من 1400 سنة، بل تزيد، نرى أحد أطباء الغرب ينصح في إحدى كليات الطب في ولاية (كاليفورنيا) بأمريكا بالمشي حافياً؛ لما في ذلك من الفائدة؛ حيث إن المشي يدلك أقسام القدم، ولأن كل قسم من أقسام أسفل القدم مرتبط بعضوٍ من أعضاء الجسم، كالمعدة والكبد والرئتين، فإذا تعذر المشي يمكن التدليك باليد. (المجلة ص 50).
ومن ذلك تأتي دلالة قول علي رضي الله عنه: «خاطبوا الناس بما يعرفون حتى لا يُكذَّب الله ورسوله» فيه ارتباط بما جدّ من تخصصات وعلوم حديثة كالطب والفيزياء والأحياء، وغيرها مما أصبح ميداناً واسعاً، لمخاطبة الأفئدة بما يقنع أصحابها، وما تفتحت عنه العقول البشرية الدنيوية، ولا يتعارض الصحيح منها مع النصوص الشرعية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكر تأبير النخل، وقال: «أنتم أعلم بأمور دنياكم»، بعد أن أكد التزام ما يخبرهم به من أمور الدين؛ لأن ذلك من الله.
نأخذ مثالاً ثانياً - وما أكثر الأمثلة لمن يريد أنْ يربط المعجزات الربانية، والتوجيهات الشرعية النبوية بالعلوم الإنسانية الحديثة من باب التأكيد والترسيخ، فيخبر الله سبحانه أن الحق لا يتبع الهوى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ} (المؤمنون آية 71) - فقد حذّر رسول الله وتوعد بالعقاب في (التخبيب)، والتخبيب هو إفساد المرأة على زوجها؛ ليتزوجها أو بالعكس. فقد اكتُشف في (مستشفى دوشل) في نيويورك بأمريكا، وبموجب إحصائية طبية، أثبتت بعد الدراسة أنّ الرجل الذي يخطط ليتزوج من امرأة متزوجة من رجل آخر، ويعمد لإثارة مشكلات بينهما كي يحصل الطلاق بينهما، ومن ثمّ يتزوجها، وكذلك المرأة التي تخطط لتتزوج من رجل متزوج من امرأة أخرى، وتعمد إلى إثارة مشكلات بينهما، سواء كانت من المرأة أو الرجل، فيما يخصهما، أو تحريك مَنْ يعمل ذلك لمصلحتها؛ ليحصل الطلاق، ومن ثم تتزوج المرأة الرجل، بعد طلاقه امرأته، أو يتزوج الرجل المرأة بعد طلاقها من زوجها، أثبتت الدراسات في هذا المستشفى (مستشفى دوشل) في نيويورك بأمريكا، التي أُجريت على آلاف الحالات، أن كلاّ من الرجل والمرأة، يعني كلاً منهما الذي عمل ذلك العمل، يُصاب بأمراض القلب كالجلطة والسكتة والنوبة، وما يتبعها من أمراض. فسبحان الله، ما أحلمه وما أحكمه؛ فهو يرسل الآيات والنذائر.
ففي المجتمعات الإسلامية يأتي الوعيد الشديد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتخويف من عقاب الله، وفي بعض المجتمعات يأتي عقاب الله بأشياء يفزعون منها، تتعلق بالإنسان وأمراضه، وبالمعيشة وبالأزمات؛ لعل القلوب تتعظ والنفوس ترعوي.
ولما كان الشيء بالشيء يُذكر فسوف أذكر حالة ترتبط بالمشي حافياً،
حدّث بها الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود- رحمه الله -.
ففي في سنةٍ من السنوات وهو في الطائف في الصيفية، حيث تذهب مكاتب المسؤولين في الدولة، على العادة التي رسمها الملك عبدالعزيز - رحمه الله - ثم أبناؤه من بعده، في تلك السنة كانت جلسة الملك مع العلماء، وفي يومها المحدد أسبوعياً، وفي رمضان كانت تلك الجلسة بعد صلاة التراويح، فجاء الملك فهد - رحمه الله - والمشايخ مجتمعون، وكانت قَدَمُهُ اليمنى ملفوفة بضمادات، ويتكئ على عصا، وكان سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - الذي جئت معه على يمين الملك، وبعد السلام والجلوس التفتَ الملك إلى الشيخ موجِّهاً الكلام؛ لأنه كفيف لم يرَ الذي رأوه، ولكي يُشْركه في الحديث.
قال: يا شيخ عبدالعزيز، أقدار الله تأتي الإنسان حتماً، فقد كنت أتمشى في الحديقة حافياً؛ لأن مريضة من بنات إحدى الأسر كانت تشكو مرضاً أعْجز الأطباء معرفته، ولم تستفد من العلاجات في الخارج، وقد حدّد أحد الأطباء الذين عالجوها علاجاً سهلاً، بحجة أن مرضها الذي بان له هو (نقص المناعة)، وعلاجه أنْ تمشي حافية القدمين كل يوم بمعدل ساعة، وقد استمرت فترة من الزمن فشفيت تماماً - بحمد الله - واليوم أردت المشي حافياً ما دامت الفائدة من المشي ظاهرة، إلا أنني تعرضتُ لجُرْح كبير في قدمي، لست أدري هل هو مسمار أو زجاجة، وهو ما رآه العلماء بضماداته في قدمي.
فدعوا له بالشفاء، وفي الجلسة القامة كان بحمد الله سليماً، وهذا من عِلْم الله الذي بدأت علاماته تتكشف للناس، وهو من المعجزات التي يجب الاعتبار بها، وتقوي إيماننا؛ لكي نشرحها أمام الآخرين بعالمية دين الإسلام، وأسراره؛ لعلّهم يتعظون ويتفكرون.
