30 عاما في 30يوما
عامًا فى 30 يومًا.. كيف حكم مبارك مصر.. عام فؤاد محيى الدين
مبارك لم يستمر خارج الحزب الوطنى سوى شهور ثم قبل رئاسة الحزب وبدأت عملية تهميش المعارضة
لم يكن خاليًا من الخبرة السياسية لأنه لعب دورًا محوريًا مع أمريكا والسعودية فى حرب الأفغان ضد السوفييت
تولى مبارك الحكم، ولم يبد أى رغبة فى التغيير الجذرى وفضل الاحتفاظ بنفس طواقم السياسيين من عصر السادات، وفضل الاحتفاظ بقيادات الحزب الوطنى والحكومة، بل إن الرئيس السادات كان قد ترأس الحكومة من مايو 1981 حتى اغتياله فى أكتوبر، والمثير أن مبارك احتفظ لنفسه بمنصب رئيس الوزراء حتى بداية عام 1982، ولم يفكر فى التغيير.
كان مبارك فى مرحلة استكشاف جديدة للسياسيين والحزبيين، بالرغم من أنه قضى 6 سنوات نائبا للرئيس السادات.. وكان يعلم الكثير من التفاصيل حول القيادات، الذين كانوا مستعدين للعب الدور نفسه مع الرئيس الجديد، فقد كان قيادات حزب مصر كانوا قد هرولوا مع السادات عندما أعلن عن نيته لتشكيل الحزب الوطنى، كانوا يفعلون هذا مع الجالس على كرسى الرئاسة، سواء كان السادات أم مبارك.
لم يكن مبارك بعيدًا عن السياسة فقد ظل مع الرئيس السادات 6 سنوات كان يلازمه فيها كظله، وترددت قصص عن صراعات دخل فيها مع منصور حسن وزير الإعلام ووزير رئاسة الجمهورية الذى أقاله السادات قبل اغتياله بأيام كان الدكتور محمود جامع قال فى أكثر من حوار له "إن جيهان السادات كانت تخطط مع أشرف مروان وفوزى عبد الحافظ (سكرتير زوجها) لتصعيد منصور حسن وزير الإعلام لمنصب نائب الرئيس السادات، وأن السيناريو بدأ بتعيينه وزيرًا لشئون رئاسة الجمهورية ومنحه صلاحيات متزايدة تسمح له بقراءة التقارير المرفوعة من أجهزة الأمن ـ والبريد الذى يأتى وتلخيصه للسادات، وقد كانت هذه المهمة من صلاحيات نائب الرئيس حسنى مبارك الذى خشيت جيهان السادات أن يستأثر بكل السلطات فى يده.. وهو ما خلق حساسية متصاعدة بينه وبين النائب.. وذكر موسى صبرى فى كتابه عن السادات مثل هذا الكلام لكن الوزير الأسبق منصور حسن نفى علمه بهذا فى أحاديثه التى أدلى بها مؤخرا.. وأغلق أبوابًا كثيرة عن هذا الصراع المتوهم، وإن كان وصف حسنى مبارك بأنه ضيع الكثير من الفرص.. وهى فرص كثيرة بمفهوم السلطة، لأنه تسلم مصر وهى تعانى مشكلات اقتصادية لكنها أيضا كانت على باب مرحلة واعدة سواء بعودة سيناء أو إمكانية إعادة العلاقات مع الدول العربية، وهى ثمار جناها مبارك، وكانت الدول العربية على استعداد للعودة إلى مصر، خاصة مع تطورات إقليمية ودولية.
تسلم حسنى مبارك الحكم والاتحاد السوفيتى فى عنفوانه، كان رونالد ريجان فى بداية فترته الأولى لحكم الولايات المتحدة الأمريكية، ومارجريت تاتشر، رئيسه لوزراء بريطانيا، والحرب الأهلية اللبنانية فى قمتها، والملك حسين يحكم الأردن، وحافظ الأسد فى سوريا، ولايزال الاتحاد السوفيتى فى عنفوانه والحرب الباردة تدور بشكل علنى فى أفغانستنان. التى غزاها السوفييت ليساندوا حكومة نجيب الله الشيوعية. وبدأت الولايات المتحدة تقود حربا بالوكالة فى أفغانستان عن طريق السعودية ومصر وكان حسنى مبارك نائب الرئيس السادات أحد اللاعبين الأساسيين فى ملف الحرب فى أفغانستان من خلال التنسيق بين الاستخبارات الأمريكية والسعودية وشجع السادات بدءا من عام 1979 اتجاه عدد من الشباب المصرى أعضاء الجماعات الإسلامية للسفر والجهاد ضد الغزو السوفيتى الشيوعى.. وقد تناول فيلم "حرب تشارلى" بطولته توم هانكس قصة تشارلى ويلسون عضو مجلس النواب الأمريكى الذى لعب الدور الأهم فى تمويل حرب المجاهدين فى أفغانستان، عبر عمليات معقدة قام من خلالها بتحويل الأموال وتدبير الأسلحة، من أجل إرهاق الاتحاد السوفيتى وتشارلى ويلسون، كان نائبًا يمارس حياته بحرية تصل إلى الهلس نساء وخمر، لكنه مارس عمليات استخباراتية معقدة كانت بعضها تدور فى مصر حيث التقى قيادة سياسية مهمة، بمساعدة دبلوماسى فى سفارة مصر فى واشنطن، وقتها كان المشير أبو غزالة ملحقًا فى واشنطن، ونقل أحد الكتب البريطانية أن مبارك وأبو غزالة وحسين سالم بدأوا تجارة للحمير التى كانت تحتاجها أفغانستان وكانت وسيلة نقل العتاد والمؤونة الوحيدة فى الأراضى الجبلية وأنهم عقدوا صفقة لتوريد 10 آلاف حمار، لأفغانستان ومعها أسلحة تم تمويلها من المملكة السعودية وأن هذه الصفقات كانت بداية البيزنس لمبارك وحسين سالم وتعاون استمر بينهما سنوات.. مبارك إذن لعب دورا فى الحرب الباردة، وكانت له علاقات مع الاستخبارات الأمريكية بحكم كونه همزة وصل بين السعوديين والأفغان المجاهدين، وكان على علم بسفر الشباب المصرى للجهاد هناك، وهم الشباب الذين حاكمهم مبارك بعد نهاية الحرب ضد السوفيينت وعادوا لينضموا إلى فصائل عسكرية للجماعات المسلحة.. كان تنظيم العائدين من أفغانستان هو فى الأساس أحد صنائع مبارك فى أفغانستان.
مبارك إذن لم يكن هو الرئيس الخالى من الخبرات، لكنه أيضًا كان يجيد لعب دور الموظف، مع الرئيس السادات أو بعده، حيث بدأ حكمه بفترة جس نبض، حرص خلالها على أن يستمع لكل الأطراف، مع الاحتفاظ برأيه، وقراره، دون الأخذ فى الاعتبار أى عناصر أخرى.
حاول مبارك فى بدايات حكمه أن يبدو رافضا للنفاق، والتهانى التى تنشر فى الصحف، وأعلن فى أكثر من مكان أنه ضد إنفاق المال العام على التهانى. وبالفعل أصدر توجيهات بعدم نشر إعلانات التهانى، وإن كانت الإعلانات لم تتوقف أبدا فى الصحف.. ومع هذا فقد ظلت صورة مبارك باهتة طوال السنوات الأولى لحكمه، بالرغم من محاولات الحزب الوطنى وقيادات النظام تلميعه حتى يمكن أن تستقر لهم الأحوال.. ولم يقبل مبارك خلال الشهور الأولى من حكمه دعاوى قيادات الحزب الوطنى بقبول رئاسة الحزب الوطنى، وكانت هذه هى مطالب المعارضة التى كانت متركزة فى حزب التجمع وجريدته الأهالى، وأيضًا جريدة الشعب التى يصدرها حزب العمل الاشتراكى برئاسة المهندس إبراهيم شكرى. مبارك أنه أخرج خصوم السادات من السجون واستقبلهم فى منزله ووعد بمزيد من الإجراءات التى تسهل ممارسة العمل السياسى.
فى أول أيام يناير 1982 خرجت الصحف القومية تحمل خطابًا للرئيس حسنى مبارك عن عام 1982 كان يشير إلى طريقته فى الحكم، والتى لم تتغير كثيرا طوال ثلاثين عامًا، أنه لايفضل التغيير إلا فى الأمور الأمنية، كما أنه لم يفكر فى تغيير السياسات التى اتبعها السادات من الانفتاح الاقتصادى أو طريقة اتخاذ القرار.. قال مبارك فى خطاب أول عام 1982 مجلس الشعب باق إلى أن يتم مدته الدستورية، ولا أرى داعيا إطلاقا لانتخابات جديدة"، كان مبارك يرد على مطالب بإجراء تغييرات جذرية فى القواعد الحزبية للحزب الوطنى ومجلسى الشعب والشورى، لكن مبارك استند إلى فكرة الحالة الأمنية وأراد أن يطمئن قيادات الحزب الوطنى وأعضاء مجلسى الشعب والشورى والحكومة.
بل إنه ظل رئيسًا لأول حكومة خلفا للرئيس السادات الذى ترأس الحكومة من مايو إلى أكتوبر 1981، ولم يغير منها سوى وزير الداخلية النبوى إسماعيل، الذى فشل فى توقع هجمات المنصة، أو خريطة تنظيم الجهاد وماهية الهجمات، وما إذا كانت هناك تنظيمات أخرى يمكن أن تمثل خطرا على النظام. مبارك لم يفكر فى الاستغناء عن النبوى إسماعيل تماما لكن عينه وزيرا للحكم المحلي، وهو المنصب الذى ظل طوال حكم مبارك ثلاجة لركن وزراء الداخلية الذين يتم التخلص منهم.
كانت وزارة الداخلية هى الوزارة التى شهدت أكبر عمليات تغيير، لأن الأمن كان هو نقطة الارتكاز الرئيسية لحسنى مبارك طوال فترة حكمه التى استمرت على عكس التوقعات طوال ثلاثين عاما.. وفى اليوم الثانى من يناير اختار الدكتور فؤاد محيى الدين رئيسًا للوزراء، وكان نائبا لرئيس الوزراء، ووزيرا للصحة، كان تولى منصب محافظ الشرقية والإسكندرية والجيزة ووزير الحكم المحلى ووزير الصحة ونائب رئيس الوزراء.
وكان فؤاد محيى الدين من السياسيين الذين صعدوا فى عالم السياسة من أيام الاتحاد الاشتراكى واتحادات الطلاب، وهو هو أول وآخر رئيس وزراء يأتى من باب السياسة فى عهد مبارك الطويل، تولى فؤاد محيى الدين موقع أمين عام الحزب الوطنى ولعب دورا فى إقناع مبارك بقبول رئاسة الحزب الوطنى، بالرغم من مطالبات المعارضة بإبعاد نفسه عن الحزب.. وفى 26 فبراير 1982 قبل مبارك رئاسة الحزب الوطنى، رافضًا مطالب المعارضة بأن يظل الرئيس مستقلا، خاصة أن الحزب الوطنى كان خليطا من الاتحاد الاشتراكى ورجال السادات وكل من يمتلك طموحا نحو السلطة.. كان قبول مبارك لرئاسة الحزب الوطنى، مؤشرا على أنه قرر الاستناد إلى كل أدوات النظام فى تقوية نفوذه وفرض سيطرته على العمل التنفيذى والسياسى.. وبدأت رحلة انتزاع صلاحية الأحزاب وإضعافها وإنهاكها بتدخلات أمن الدولة وقدرات كل من يوسف والى وصفوت الشريف.. وكلاهما لمع نجمه مع حسنى مبارك وانطفأ معه.. ولعبا دورًا فى استئناس المعارضة وإفقادها كل معنى وزرع الانشقاقات والعملاء داخلها.
مبارك لم يستمر خارج الحزب الوطنى سوى شهور ثم قبل رئاسة الحزب وبدأت عملية تهميش المعارضة
لم يكن خاليًا من الخبرة السياسية لأنه لعب دورًا محوريًا مع أمريكا والسعودية فى حرب الأفغان ضد السوفييت
تولى مبارك الحكم، ولم يبد أى رغبة فى التغيير الجذرى وفضل الاحتفاظ بنفس طواقم السياسيين من عصر السادات، وفضل الاحتفاظ بقيادات الحزب الوطنى والحكومة، بل إن الرئيس السادات كان قد ترأس الحكومة من مايو 1981 حتى اغتياله فى أكتوبر، والمثير أن مبارك احتفظ لنفسه بمنصب رئيس الوزراء حتى بداية عام 1982، ولم يفكر فى التغيير.
كان مبارك فى مرحلة استكشاف جديدة للسياسيين والحزبيين، بالرغم من أنه قضى 6 سنوات نائبا للرئيس السادات.. وكان يعلم الكثير من التفاصيل حول القيادات، الذين كانوا مستعدين للعب الدور نفسه مع الرئيس الجديد، فقد كان قيادات حزب مصر كانوا قد هرولوا مع السادات عندما أعلن عن نيته لتشكيل الحزب الوطنى، كانوا يفعلون هذا مع الجالس على كرسى الرئاسة، سواء كان السادات أم مبارك.
لم يكن مبارك بعيدًا عن السياسة فقد ظل مع الرئيس السادات 6 سنوات كان يلازمه فيها كظله، وترددت قصص عن صراعات دخل فيها مع منصور حسن وزير الإعلام ووزير رئاسة الجمهورية الذى أقاله السادات قبل اغتياله بأيام كان الدكتور محمود جامع قال فى أكثر من حوار له "إن جيهان السادات كانت تخطط مع أشرف مروان وفوزى عبد الحافظ (سكرتير زوجها) لتصعيد منصور حسن وزير الإعلام لمنصب نائب الرئيس السادات، وأن السيناريو بدأ بتعيينه وزيرًا لشئون رئاسة الجمهورية ومنحه صلاحيات متزايدة تسمح له بقراءة التقارير المرفوعة من أجهزة الأمن ـ والبريد الذى يأتى وتلخيصه للسادات، وقد كانت هذه المهمة من صلاحيات نائب الرئيس حسنى مبارك الذى خشيت جيهان السادات أن يستأثر بكل السلطات فى يده.. وهو ما خلق حساسية متصاعدة بينه وبين النائب.. وذكر موسى صبرى فى كتابه عن السادات مثل هذا الكلام لكن الوزير الأسبق منصور حسن نفى علمه بهذا فى أحاديثه التى أدلى بها مؤخرا.. وأغلق أبوابًا كثيرة عن هذا الصراع المتوهم، وإن كان وصف حسنى مبارك بأنه ضيع الكثير من الفرص.. وهى فرص كثيرة بمفهوم السلطة، لأنه تسلم مصر وهى تعانى مشكلات اقتصادية لكنها أيضا كانت على باب مرحلة واعدة سواء بعودة سيناء أو إمكانية إعادة العلاقات مع الدول العربية، وهى ثمار جناها مبارك، وكانت الدول العربية على استعداد للعودة إلى مصر، خاصة مع تطورات إقليمية ودولية.
تسلم حسنى مبارك الحكم والاتحاد السوفيتى فى عنفوانه، كان رونالد ريجان فى بداية فترته الأولى لحكم الولايات المتحدة الأمريكية، ومارجريت تاتشر، رئيسه لوزراء بريطانيا، والحرب الأهلية اللبنانية فى قمتها، والملك حسين يحكم الأردن، وحافظ الأسد فى سوريا، ولايزال الاتحاد السوفيتى فى عنفوانه والحرب الباردة تدور بشكل علنى فى أفغانستنان. التى غزاها السوفييت ليساندوا حكومة نجيب الله الشيوعية. وبدأت الولايات المتحدة تقود حربا بالوكالة فى أفغانستان عن طريق السعودية ومصر وكان حسنى مبارك نائب الرئيس السادات أحد اللاعبين الأساسيين فى ملف الحرب فى أفغانستان من خلال التنسيق بين الاستخبارات الأمريكية والسعودية وشجع السادات بدءا من عام 1979 اتجاه عدد من الشباب المصرى أعضاء الجماعات الإسلامية للسفر والجهاد ضد الغزو السوفيتى الشيوعى.. وقد تناول فيلم "حرب تشارلى" بطولته توم هانكس قصة تشارلى ويلسون عضو مجلس النواب الأمريكى الذى لعب الدور الأهم فى تمويل حرب المجاهدين فى أفغانستان، عبر عمليات معقدة قام من خلالها بتحويل الأموال وتدبير الأسلحة، من أجل إرهاق الاتحاد السوفيتى وتشارلى ويلسون، كان نائبًا يمارس حياته بحرية تصل إلى الهلس نساء وخمر، لكنه مارس عمليات استخباراتية معقدة كانت بعضها تدور فى مصر حيث التقى قيادة سياسية مهمة، بمساعدة دبلوماسى فى سفارة مصر فى واشنطن، وقتها كان المشير أبو غزالة ملحقًا فى واشنطن، ونقل أحد الكتب البريطانية أن مبارك وأبو غزالة وحسين سالم بدأوا تجارة للحمير التى كانت تحتاجها أفغانستان وكانت وسيلة نقل العتاد والمؤونة الوحيدة فى الأراضى الجبلية وأنهم عقدوا صفقة لتوريد 10 آلاف حمار، لأفغانستان ومعها أسلحة تم تمويلها من المملكة السعودية وأن هذه الصفقات كانت بداية البيزنس لمبارك وحسين سالم وتعاون استمر بينهما سنوات.. مبارك إذن لعب دورا فى الحرب الباردة، وكانت له علاقات مع الاستخبارات الأمريكية بحكم كونه همزة وصل بين السعوديين والأفغان المجاهدين، وكان على علم بسفر الشباب المصرى للجهاد هناك، وهم الشباب الذين حاكمهم مبارك بعد نهاية الحرب ضد السوفيينت وعادوا لينضموا إلى فصائل عسكرية للجماعات المسلحة.. كان تنظيم العائدين من أفغانستان هو فى الأساس أحد صنائع مبارك فى أفغانستان.
مبارك إذن لم يكن هو الرئيس الخالى من الخبرات، لكنه أيضًا كان يجيد لعب دور الموظف، مع الرئيس السادات أو بعده، حيث بدأ حكمه بفترة جس نبض، حرص خلالها على أن يستمع لكل الأطراف، مع الاحتفاظ برأيه، وقراره، دون الأخذ فى الاعتبار أى عناصر أخرى.
حاول مبارك فى بدايات حكمه أن يبدو رافضا للنفاق، والتهانى التى تنشر فى الصحف، وأعلن فى أكثر من مكان أنه ضد إنفاق المال العام على التهانى. وبالفعل أصدر توجيهات بعدم نشر إعلانات التهانى، وإن كانت الإعلانات لم تتوقف أبدا فى الصحف.. ومع هذا فقد ظلت صورة مبارك باهتة طوال السنوات الأولى لحكمه، بالرغم من محاولات الحزب الوطنى وقيادات النظام تلميعه حتى يمكن أن تستقر لهم الأحوال.. ولم يقبل مبارك خلال الشهور الأولى من حكمه دعاوى قيادات الحزب الوطنى بقبول رئاسة الحزب الوطنى، وكانت هذه هى مطالب المعارضة التى كانت متركزة فى حزب التجمع وجريدته الأهالى، وأيضًا جريدة الشعب التى يصدرها حزب العمل الاشتراكى برئاسة المهندس إبراهيم شكرى. مبارك أنه أخرج خصوم السادات من السجون واستقبلهم فى منزله ووعد بمزيد من الإجراءات التى تسهل ممارسة العمل السياسى.
فى أول أيام يناير 1982 خرجت الصحف القومية تحمل خطابًا للرئيس حسنى مبارك عن عام 1982 كان يشير إلى طريقته فى الحكم، والتى لم تتغير كثيرا طوال ثلاثين عامًا، أنه لايفضل التغيير إلا فى الأمور الأمنية، كما أنه لم يفكر فى تغيير السياسات التى اتبعها السادات من الانفتاح الاقتصادى أو طريقة اتخاذ القرار.. قال مبارك فى خطاب أول عام 1982 مجلس الشعب باق إلى أن يتم مدته الدستورية، ولا أرى داعيا إطلاقا لانتخابات جديدة"، كان مبارك يرد على مطالب بإجراء تغييرات جذرية فى القواعد الحزبية للحزب الوطنى ومجلسى الشعب والشورى، لكن مبارك استند إلى فكرة الحالة الأمنية وأراد أن يطمئن قيادات الحزب الوطنى وأعضاء مجلسى الشعب والشورى والحكومة.
بل إنه ظل رئيسًا لأول حكومة خلفا للرئيس السادات الذى ترأس الحكومة من مايو إلى أكتوبر 1981، ولم يغير منها سوى وزير الداخلية النبوى إسماعيل، الذى فشل فى توقع هجمات المنصة، أو خريطة تنظيم الجهاد وماهية الهجمات، وما إذا كانت هناك تنظيمات أخرى يمكن أن تمثل خطرا على النظام. مبارك لم يفكر فى الاستغناء عن النبوى إسماعيل تماما لكن عينه وزيرا للحكم المحلي، وهو المنصب الذى ظل طوال حكم مبارك ثلاجة لركن وزراء الداخلية الذين يتم التخلص منهم.
كانت وزارة الداخلية هى الوزارة التى شهدت أكبر عمليات تغيير، لأن الأمن كان هو نقطة الارتكاز الرئيسية لحسنى مبارك طوال فترة حكمه التى استمرت على عكس التوقعات طوال ثلاثين عاما.. وفى اليوم الثانى من يناير اختار الدكتور فؤاد محيى الدين رئيسًا للوزراء، وكان نائبا لرئيس الوزراء، ووزيرا للصحة، كان تولى منصب محافظ الشرقية والإسكندرية والجيزة ووزير الحكم المحلى ووزير الصحة ونائب رئيس الوزراء.
وكان فؤاد محيى الدين من السياسيين الذين صعدوا فى عالم السياسة من أيام الاتحاد الاشتراكى واتحادات الطلاب، وهو هو أول وآخر رئيس وزراء يأتى من باب السياسة فى عهد مبارك الطويل، تولى فؤاد محيى الدين موقع أمين عام الحزب الوطنى ولعب دورا فى إقناع مبارك بقبول رئاسة الحزب الوطنى، بالرغم من مطالبات المعارضة بإبعاد نفسه عن الحزب.. وفى 26 فبراير 1982 قبل مبارك رئاسة الحزب الوطنى، رافضًا مطالب المعارضة بأن يظل الرئيس مستقلا، خاصة أن الحزب الوطنى كان خليطا من الاتحاد الاشتراكى ورجال السادات وكل من يمتلك طموحا نحو السلطة.. كان قبول مبارك لرئاسة الحزب الوطنى، مؤشرا على أنه قرر الاستناد إلى كل أدوات النظام فى تقوية نفوذه وفرض سيطرته على العمل التنفيذى والسياسى.. وبدأت رحلة انتزاع صلاحية الأحزاب وإضعافها وإنهاكها بتدخلات أمن الدولة وقدرات كل من يوسف والى وصفوت الشريف.. وكلاهما لمع نجمه مع حسنى مبارك وانطفأ معه.. ولعبا دورًا فى استئناس المعارضة وإفقادها كل معنى وزرع الانشقاقات والعملاء داخلها.