أبناء الكرك هم أبنائها
خالد محادين
"إلى الشيخ المجاهد حمزه منصور"
رضعت من ثدي الكرك ولم أزل جائعا وظامئا للمزيد، لم أخن حليبها من أجل وظيفة ولم أبعه من أجل حفنة دنانير أو دولارات أو شيكلات، فوق أبراجها المحيطه بها وفي طبقات قلعتها التي انتصرت على الصليبيين بجيش لا تعرف فيه من هو المسيحي ومن هو المسلم، وفي المشهد الممتد من ساحة مؤته وحتى مقام الصحابة الأحرار والشرفاء، فتحت عيني على وجهها وأطللت من جبالها على القدس والخليل، وظل الحبل السُرّي يربط بين سرتي وحجارة القدس والخليل في ميثاق غليظ ونبيل.
ليس كل أبناء الكرك أبناء حقيقيين لها، فهناك أبناء الحلال الذين احترفوا الغضب والثورة والعصيان والإيمان، وهناك أبناء الحرام والحكومات والرشاوي والأجهزة يتنقلون بين غرف الحكومه ولا يجرؤون على الظهور عندما يكون الحشد للوطن العربي وللأردن وللنفوس العصية على البيع والشراء والتجسس !
لم أقرأ في كتاب غير كتابها ولم أكتب في دفتر غير دفترها، وعندما يتحرك أهلها لا يمدّون أيديهم لفاسد أو مفسد طالبين لقمة الخبز الذليله، فهم يربطون على بطونهم حتى لا يستطيع أحد أو قوة أن يربط على أفواههم فلا تخرج رفضها ولا تتسول حقها ولا تسأل أحدا مكرمة من صندوق هي مالكته وحارسته.
أنا ابن الكرك التي لم أخنها ولم تخني، لم أحمل لها عاري وحمتني من كل عار، أملأ قلمي من وجوه عجائزها وشيوخها وصباياها وشبابها، عملت في قراها معلما لأبنائها العرب الذين أحبوا جمال عبد الناصر وميشيل عفلق وحسن البنا وهواري بومدين وصدام حسين، وعلقوا في داخل بيوتهم خريطة الوطن العربي الواحد ولم يضعوا فوقها عبارة لا معنى لها تقول: الأردن أولا، فالأردن عمان والقدس والقاهره وبغداد ودمشق والجزائر وتونس وبورسعيد، إنه هذا المرج الجميل وقد شقته أنهار الثوره والدم والصوفية.
لست من كتبة الحكومة ولا من كتبة الأجهزة ولا من الذين باعوا شرفهم وإنتماءهم لوطنهم وشعبهم وأمتهم، فدخلوا بيت الطاعة أعداء لكل صدق وغضب ورفض ودفعونا إلى احتقارهم ورفضهم في مدينتهم وكل مدن الوطن لأنهم أجراء للفساد والفاسدين وللمسؤول، وأعداء لكل من يقول (لا) في مواجهة هراوه أو منقل أو سيخ شواء.
أنا ابن الكرك الجائعه والظامئه والمحرومه، ولكنها الغزالة البرية القادرة على الرفض، لست من الوجهاء الذين يمنحهم سقوطهم مقعدا في احتفال يجلسون فوقه ويصفقون أو يهتفون تصفيقا ونفاقا لا يبق منه بعد انتهاء الاحتفال سوى كبرياء الأرض وكبرياء الناس وكبرياء المقاومه.
السلام على المدينه أمي التي لم أخنها وأمي التي لم تخني، فظل حبلها موصولا بين بيوتها الفقيره ونفوس أصحابها الغنية حين تهتف وحين تصمت وحين تجد الشجاعة لمواجهة التافهين والرخيصين والأنتان.
k.a.mahadin@hotmail.co
تقييم:
0
0