الخوف من رمضان
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
هناك شعور خفي لدى كثير منا عند إقبال الشهر وهلول نسائمه المباركة.
الخوف! نعم... ولماذا الخوف؟
البعض يخاف من النفقات التي يثقل بها كاهله، والتي ما أنزل الله بها من سلطان، بينما يخالف بذلك ما يعرف عن الصيام من تزهيده في الدنيا.
وتأمل معي في هذا المعنى الذي يحدثنا عنه الصحابي الجليل أبو أمامة الباهلي، فعن أبي أمامة قال: «أنشأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جيشاً فأتيته فقلت له يا رسول الله ادع الله لي بالشهادة، فقال: اللهم سلمهم وغنمهم، فغزونا فسلمنا وغنمنا، حتى ذكر مثل ذلك ثلاث مرات. قال: ثم أتيته فقلت يا رسول الله، أتيتك تترى ثلاث مرات أسألك أن تدعو الله لي بالشهادة فقلت اللهم سلمهم وغنمهم، فسلمنا وغنمنا، يا رسول الله فمرني بعمل أدخل به الجنة. قال: عليك بالصوم فإنه لا مثل له. قال: فكان أبو أمامة لا يُرى في بيته الدخان نهاراً إلا إذا نزل بهم ضيف».
فتأمل كيف يكون زُهد الصائمين إذ لم يمضوا وقتهم كما يفعل الكثيرون نهاراً في الاستعداد لولائم الليل، بل لم يعْدُ الأمر مجرد الاستعداد العادي للإفطار الذي لا يكاد يوقد له نار!
بينما إن حَلَّ ضيف فيختلف الأمر إذ للضيف حق الإكرام بلا شك، فعندئذ توقد النيران ويفطر المتطوعون للقيام بهذا الحق.
وآخرون يخافون من أشياء أخر بخلاف النفقة مثل التعب من أداء العبادة ومشقتها.
وكل عبادة فيها نوع مشقة لا ننكر هذا -ومن هنا جاء التكليف-، لكنها مشقة يطيقها الإنسان، ولذا جاء العذر لمن فاقت تلك المشقة حدود تحمله فأذن الله -تعالى- له بالفطر.
لكن في مقابل هذا فإن للعبادات لذة يدركها من استحضر المعاني العظيمة للتقرب إلى الله -تعالى-، فلو سعى الصائم لاستحضارها وتحصيلها لاستفاد أيما استفادة من صيام الشهر.
يا الله... أتقيم الصلاة، وهي بضع ركعات، وتصوم الشهر، وهو بضع ساعات، وتخرج الزكاة، وهي بضع دريهمات، وتحج، وهي أيام معدودات، فتحصل بذلك على رضا ربك وإكرامه وإنعامه... يا له من فضل، دونه يهون كل تعب وتُنسى كل مشقة!!
فأي مشقة تلك التي يتحسب لها أولئك؟
لقد كان السلف يجدون لذتهم في العبادة، فقد أورثهم القرب من ربهم تلك اللذة في مناجاته وطاعته ومحبته، فكيف لا يمنحهم الله -تعالى- من محبة الخير والتلذذ بالعبادة ما يجعلها عندهم أحب إليهم من كل شيء، وقد ورد عن سليمان الداراني: لو لم يبك العاقل فيما بقي من عمره إلا على لذة ما فاته من الطاعة فيما مضى، كان ينبغي له أن يبكيه حتى يموت، قلت له -أي الإمام أحمد الذي نقل عنه- فليس يبكي على لذة ما مضى إلا من وجد لذة ما بقي، فقال: ليس العجب ممن يجد لذة الطاعة، إنما العجب ممن وجد لذتها ثم تركها، كيف صبر عنها؟!
ومن كلام يحيى بن معاذ -رحمه الله-: "... واعلموا أنه من لم يكن طلبه في طريق الرغبة والرهبة والشوق والمحبة كان متحيراً في طلبه، مخلطاً في عمله، لا يجد لذة العبادة، ولا يقطع طريق الزهادة، فاتقوا الله الذي إليه معادكم، وانظروا ألا تكونوا ممن يعرفهم جيرانهم وإخوانهم بالخير والإرادة والزهادة والعبادة وحالكم عند الله على خلاف ذلك؛ فإن الله إنما يجزيكم على ما يعرف منكم لا على ما يظنه الناس...".
والصنف الثالث من أهل الخوف في رمضان أولئك المخلصون الذين يحبون العمل فيه، ويخافون من التقصير، ويزلزل نفوسهم أن يمر عليهم الشهر من غير اغتنام له، فأولئك الذين عرفوا للشهر قدره وفضله، فتهيبوا من التقصير فيه.
ويكفيك في فضل الصوم أن خصه الله بالإضافة إليه كما في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال مخبراً عن ربه -تبارك وتعالى-: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به..» الحديث.
وإنما خَصَّ الصوم بأنه له، وإن كانت العبادات كلها له لأمرين بَايَنَ الصومُ بهما سائر العبادات:
أحدهما: أن الصوم يمنع من ملاذ النفس وشهواتها ما لا يمنع منه سائر العبادات.
الثاني: أن الصوم سر بين العبد وبين ربه لا يظهر إلا له، فلذلك صار مختصاً به، وما سواه من العبادات ظاهر، ربما فعله تصنعاً ورياءً.
فلهذا صار أخص بالصوم من غيره، فخسارة المسلم لا تعوض في الشهر الفضيل إن مر به دون اجتهاد.
وهذا النوع من الخوف هو خوف محمود مادام يدفع إلى العمل، ولم يوقع صاحبه في اليأس والقنوت.
فهلم نجتهد، ونترك الخوف المذموم، ونجعل من الخوف المحمود دافعاً للإحسان.
هناك شعور خفي لدى كثير منا عند إقبال الشهر وهلول نسائمه المباركة.
الخوف! نعم... ولماذا الخوف؟
البعض يخاف من النفقات التي يثقل بها كاهله، والتي ما أنزل الله بها من سلطان، بينما يخالف بذلك ما يعرف عن الصيام من تزهيده في الدنيا.
وتأمل معي في هذا المعنى الذي يحدثنا عنه الصحابي الجليل أبو أمامة الباهلي، فعن أبي أمامة قال: «أنشأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جيشاً فأتيته فقلت له يا رسول الله ادع الله لي بالشهادة، فقال: اللهم سلمهم وغنمهم، فغزونا فسلمنا وغنمنا، حتى ذكر مثل ذلك ثلاث مرات. قال: ثم أتيته فقلت يا رسول الله، أتيتك تترى ثلاث مرات أسألك أن تدعو الله لي بالشهادة فقلت اللهم سلمهم وغنمهم، فسلمنا وغنمنا، يا رسول الله فمرني بعمل أدخل به الجنة. قال: عليك بالصوم فإنه لا مثل له. قال: فكان أبو أمامة لا يُرى في بيته الدخان نهاراً إلا إذا نزل بهم ضيف».
فتأمل كيف يكون زُهد الصائمين إذ لم يمضوا وقتهم كما يفعل الكثيرون نهاراً في الاستعداد لولائم الليل، بل لم يعْدُ الأمر مجرد الاستعداد العادي للإفطار الذي لا يكاد يوقد له نار!
بينما إن حَلَّ ضيف فيختلف الأمر إذ للضيف حق الإكرام بلا شك، فعندئذ توقد النيران ويفطر المتطوعون للقيام بهذا الحق.
وآخرون يخافون من أشياء أخر بخلاف النفقة مثل التعب من أداء العبادة ومشقتها.
وكل عبادة فيها نوع مشقة لا ننكر هذا -ومن هنا جاء التكليف-، لكنها مشقة يطيقها الإنسان، ولذا جاء العذر لمن فاقت تلك المشقة حدود تحمله فأذن الله -تعالى- له بالفطر.
لكن في مقابل هذا فإن للعبادات لذة يدركها من استحضر المعاني العظيمة للتقرب إلى الله -تعالى-، فلو سعى الصائم لاستحضارها وتحصيلها لاستفاد أيما استفادة من صيام الشهر.
يا الله... أتقيم الصلاة، وهي بضع ركعات، وتصوم الشهر، وهو بضع ساعات، وتخرج الزكاة، وهي بضع دريهمات، وتحج، وهي أيام معدودات، فتحصل بذلك على رضا ربك وإكرامه وإنعامه... يا له من فضل، دونه يهون كل تعب وتُنسى كل مشقة!!
فأي مشقة تلك التي يتحسب لها أولئك؟
لقد كان السلف يجدون لذتهم في العبادة، فقد أورثهم القرب من ربهم تلك اللذة في مناجاته وطاعته ومحبته، فكيف لا يمنحهم الله -تعالى- من محبة الخير والتلذذ بالعبادة ما يجعلها عندهم أحب إليهم من كل شيء، وقد ورد عن سليمان الداراني: لو لم يبك العاقل فيما بقي من عمره إلا على لذة ما فاته من الطاعة فيما مضى، كان ينبغي له أن يبكيه حتى يموت، قلت له -أي الإمام أحمد الذي نقل عنه- فليس يبكي على لذة ما مضى إلا من وجد لذة ما بقي، فقال: ليس العجب ممن يجد لذة الطاعة، إنما العجب ممن وجد لذتها ثم تركها، كيف صبر عنها؟!
ومن كلام يحيى بن معاذ -رحمه الله-: "... واعلموا أنه من لم يكن طلبه في طريق الرغبة والرهبة والشوق والمحبة كان متحيراً في طلبه، مخلطاً في عمله، لا يجد لذة العبادة، ولا يقطع طريق الزهادة، فاتقوا الله الذي إليه معادكم، وانظروا ألا تكونوا ممن يعرفهم جيرانهم وإخوانهم بالخير والإرادة والزهادة والعبادة وحالكم عند الله على خلاف ذلك؛ فإن الله إنما يجزيكم على ما يعرف منكم لا على ما يظنه الناس...".
والصنف الثالث من أهل الخوف في رمضان أولئك المخلصون الذين يحبون العمل فيه، ويخافون من التقصير، ويزلزل نفوسهم أن يمر عليهم الشهر من غير اغتنام له، فأولئك الذين عرفوا للشهر قدره وفضله، فتهيبوا من التقصير فيه.
ويكفيك في فضل الصوم أن خصه الله بالإضافة إليه كما في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال مخبراً عن ربه -تبارك وتعالى-: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به..» الحديث.
وإنما خَصَّ الصوم بأنه له، وإن كانت العبادات كلها له لأمرين بَايَنَ الصومُ بهما سائر العبادات:
أحدهما: أن الصوم يمنع من ملاذ النفس وشهواتها ما لا يمنع منه سائر العبادات.
الثاني: أن الصوم سر بين العبد وبين ربه لا يظهر إلا له، فلذلك صار مختصاً به، وما سواه من العبادات ظاهر، ربما فعله تصنعاً ورياءً.
فلهذا صار أخص بالصوم من غيره، فخسارة المسلم لا تعوض في الشهر الفضيل إن مر به دون اجتهاد.
وهذا النوع من الخوف هو خوف محمود مادام يدفع إلى العمل، ولم يوقع صاحبه في اليأس والقنوت.
فهلم نجتهد، ونترك الخوف المذموم، ونجعل من الخوف المحمود دافعاً للإحسان.