بنت الخص -تاريخ عريق
جدير بالاهتمام أن يكون هناك تواصل بين الأجيال عبر تدوين و كتابة التاريخ الشفهي والأجدر من ذلك أن تكون الكتابة موضوعية ومحققة و خالية من كل مجاملة و تبجيل ويمكن القول أنه من الأمور التي أضحت مألوفة هو التسليم بصحة الرواية التي تتناول تاريخ معالم و سير و مناقب أعلام دون العودة إلى تحقيق و تمحيص هذه الرواية غير أن ذلك لا يمنع من العمل على تدوين هذا التراث الشعبي الزاخر بكل ما يحمله من أساطير و ملاحم و سير أعلام و تاريخ معالم وحكايات شعبية ومعتقدات و ممارسات طقوسية شرط أن تكون الكتابة بأمانة علمية صادقة لأن هذا الزخم الـثقافي هو في الحقيقة ارث مشترك وقاسم فولكلوري للمجتمع عامة من الواجب العناية به و المحافظة عليه حتى لا يندثر في خضم بحر المتاهـات الثقافية العالمية الواسعة كما انه يعتبر كمادة خام ينهل منها كل من شدته الرغبة للتوسع و التحقيق.
ومن المؤسف أن الكثير من سير الأعلام والأحداث التاريخية المهمة تتساقط إتباعا من الذاكرة الشعبية و ذلك لعدم تدوينها بفعل الإهمال و النسيان واللامبالاة و لا زال هذا النزيف ينخر تراثنا دون أن يعير باحثونـا و مؤرخونا ادني اهتمام وكأن التراث أضحي من سقط المتاع و تبقى المحاولات المتواضعة لسد هذه الثغـرات دون المستوى المنشود.
و هذا البحث الذي نقدمه للقارئ الكريم هو في الحقيقة محاولة متواضعة حاولنا فيها بقدر الإمكان تدوين بعض الصفحات من الذاكرة الشعبية و العمل من خلالها على إحياء تاريخ منطقة بريزينة و صحراء واد صقر و نفض الغبار عن أعلام و معالم طمسها الزمن و قد ظلت هذه الغاية تراودني لكن ما كان يعيق مسيرتي في هذا البحث هو غموض مباحثه و فقدان مراجعه, و في غياب الدليل تبقي الرواية الشعبية هي المصدر الوحيد لهذا البحث مع الاعتماد علي القليل مما دونه بعض المخبرين الفرنسيين في هذا الشأن.
و تجدر الإشارة أن البحث في هذا الموضوع هو في غاية الصعوبة لتضارب الروايات و لعدم توفر المراجع التي تقدم المعلومة الصحيحة و الـموثـوقة للدارس إلا أننا نحاول تـقديـم و تدويـن ما جادت به علينا الرواية الشعبية للمحافظة عليها و تدوينها من جهة و لربط الأجيال بماضيها و بتاريخها الزاخر من جهة أخرى.
و الحقيقة لست أرمي أن ألم بجميع جوانب البحث لكنني اعتبره كمعالم أولية تحدد الخطوط العريضة ينهج علي منوالها كل من شدته الرغبة للكتابة من لأحداث التاريخية المهمة.
تمهيد
عند تناولي لهذا الموضوع اعتمدت في منهجية الكتابة بتقسيمه إلى مقدمة اتبعتها بثلاثة أبواب و خاتمة.
الباب الأول.
عنونت الباب الأول بلمحة تاريخية عن بني هلال و تـغريبتهم الكبرى وقد ارتأيت قبل الدخول في صميم الموضوع أن أحيط القارئ الكريم بلمحة تاريخية عن تغريبة بني هلال الكبرى و ذلك لارتباطهـا بالموضوع وباعتبارها من النماذج التاريخية الخصبة و ذات الأهمية الكبرى لما لها من أثر كبير في تحول بلاد شمال أفريقيا من الناحية السوسيولوجية و الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية وقد تركت قبائل بنو هلال تراثا غنيا و سيرة زاخرة و تاريخا ثريا و رغم ما كتب عنها إلا أنها تفتقر إلى الدراسة و التمحيص و تبقي في حاجة ماسة إلي المزيد من العناية و الاهتمام .
و نظرا لهذه الأهمية التاريخية فانه جدير بالذكر أن نعرف من هم قبائل بني هلال و من أين جاءوا و أين استقروا و ما هو اثر هذه القبائل في التركيبة البشرية لبلاد شـمـال أفـريـقيـا.
الباب الثاني.
صفحات من الذاكرة الشعبية في منطقة بربزينة و صحراء واد صقر هو عنوان الباب الثاني و الذي تطرقت فيه إلى سرد بعض المحطات التاريخية المهمة في تاريخ منطقة بريزينة و صحراء واد صقر وطالما كانت هذه المنطـقة محطـة لحركة القبائل التي كـانت دائما في حل و ترحال و كر و فر كما كانت أيضا ممرا للقوافل التجارية المتجهة إلى قصور توات و قورارة و وادي مزاب.
الباب الثالث.
أحداث و شخصيات مرت بالمنطقة وقد اعتمدت في هذا الباب على تدوين سير و حياة شخصيات و أعلام مرت من هذه المنطقة وارتبطت بذاكرتها و تركت بصماتها خالدة في سجل التاريخ المحلي للمنطقة مبتدأ بسيرة و حياة امرأة تتفق الروايات الشعبية المتواترة و المختلفة و المتفقة من حيث المبدأ على أنها أميرة هلالية من قبيلة بني عامر تدعي مباركة بنت الخص ثم عرجت على نخبة من شعراء المنطقة بداء بالشاعر احمد بالخضر و سي بالعربي ابن النعيمي الملقب بمداح الرسول و ابنه الشارع محمد بيطار و مقدم سيد الشيخ الحاج محمد ابن كبار و الشاعرة المعروفة بالمقرانية و إن كانت هذه الأخيرة لا تنتمي للمنطقة بريزينة ولكن القصيدة ارتبطت بالذاكرة الشعبية في هذه المنطقة.
الباب الأول
قبائل بني هلال
-1- نسب و موطن قبائل بني هلال (1).
يذكر نسابة العرب القدامى أن قبائل بني هلال تنحدرمن هلال بن عامرا بن صعصعة ابن بكر ا بن هوازن المنحدر من مضر ابن نزار ابن عد نان و المتتبع لسيرة قبيلة بني هلال يلاحظ أنها كانت دائما في حل و ترحا ل بين صحرأ نجد و الحجاز, و نصادف أثارهم في بلاد الشام و صعيد مصر وكان هذا أخر موطن لهم قبل نزوحهم علي بلاد شمال إفريقيا.
-2- نزوح قبائل بني هلال علي شمال إفريقيا.
لم يكن نزوح بني هلال علي الشمال الإفريقي من باب الصدفة أينما كان بأمر من الخليفة الفاطمي المستنصر العلوي (1036 - 1094 م ) و ذلك انه بعد موت كافور الإخشيدي انتقلت الخلافة الفاطمية إلي مصر و حفاظا علي نفوذها وسلطتها بإفريقيا احتدي أمراءها إلي تولية قبيلة صنهاجة ملك الفاطميين بإفريقيا علي أن يبقي الولاء و الدعوة للخلافة الفاطمية و تأسست بذلك دولة صنهاجة و عندما وصلت الخلافة إلي المعز بن باديس الصنهاجي رفض الولاء للخلافة الفاطمية وخطب باسم الخليفة العباسي القائم أبو جعفر و ذلك سنة ( 1046م) وقام بتشريد و تقتيل أتباع الفاطميين و الغي المذهب الشيعي و أعلن المذهب المالكي ومن تاريخ هذه الواقعة ظل المذهب المالكي قائما في شمال إفريقيا إلى يومنا هذا.
استاء الخليفة الفاطمي لما فعله المعز بن باديس و تأثر كثيرا لهذا الانقلاب السياسي و المذهبي فاستشار وزيره أبو محمد ابن علي اليازوري و كان هذا أخير داهية في الرأي السياسي فأشار عليه بترحيل أعراب بني هلال ضاربا بذلك عصفورين بحجر واحد ليأمن بطشهم و شغبهم من جهة وليستعملهم كوسيلة تنكيل علي ملك المعز بن باديس أمير دولة صنهاجة من جهة أخري.
قبل الخليفة الرأي وأستدعي عيون و رؤساء قبا ئل بني هلال و أمدهم بالمال و أمرهم بالرحيل إلي شمال إفريقيا فشدت الرحال و قطعت القبائل العربية البراري و الصحاري إلي أن اشرفوا علي بلاد إفريقيا و دخلوها سنة 1052م .
-3- دخول الهلا ليين إلى الجزائر.
دخلت قبائل بني هلال و قبيلة زغبه خاصة إلي الجزائر عبر ثلاثة معابر(2).
-3-1- الجهة الأولي.
عبر السواحل حيث تقطن قبائل كتامة و يضعف نفوذ قبيلة صنهاجة ولم جد الهلاليين ادني مقاومة أو رفض و ذلك للعلاقة الحميمة التي كانت تربط التجار العرب مع البربر. .
-3-2- الجهة الثانية .
وكانت عبر الهضاب العليا أي الوسط حيث نفوذ سلطة الحماديين ودام الصراع بين قبيلة صنهاجة وقبيلة زغبه حينا من الدهر ولم تنكسر شوكة البربر إلا بشق الأنفس
-3 -3- الجهة الثالثة.
وكانت عبرا لصحراء حيث تقيم قبيلة زناته و الخاضعة لسلطة الحمادييين وقد عجزت قبيلة زناته عن ردع القبائل العربية واستسلمت لقوة السيف.
ولقد استطاعت القبائل العربية أن تزاحم قبائل صنهاجة و زناته في كل ما يملكن و أقامت علي أنقاض ملك البربر صرحا عربيا خالدا.
و بقدر ما كان زحف القبائل العربية على شمال إفريقيا نقمة علي ملك البربر عامة على ملك دولة صنهاجة خاصة فلقد كان أيضا نعمة عليهم إذ هذب و عرب اللسان ا لبربري و عمت اللغة العربية بين أوساط البربر بالاحتكاك و المصاهرة و كانت اللغة العربية عاملا مهما وسيلة قوية في بعث روح الإسلام السلم بين العرب والبربر.
وان كان للعرب و البربر صفات وعادات و تقاليد مختلفة إلا أنهم انصهروا في ما بينهم باختلاط الدماء و الأنساب عن طريق المصاهرة مما أدى إلى تبادل العلاقات و النظم الاجتماعية, و قد ساعد كل ذلك على إرساء سياسة التسامح و الترابط و نشاء من هذا الاختلاط و التلاحم جيل جديد يحمل صفة التعايش الحضاري
تعرف القبيلة في علم الاجتماع بأنها راس التنظيم الاجتماعي للمجتمعات البدوية وأعلى سلطة فيها هي شيخ القبيلة أو أميرها و تكون سلطته وراثية في معظم الأحوال و هو الذي يحدد مواعيد و أماكن الحل و الترحال و يبث في أمور الحرب و السلم مع القبائل الأخرى.
و القبيلة كما هو معروف مجتمع مغلق على نفسه يجني المغانم تارة و يتكبد المغارم تارة أخرى و هو في صراع دائم من اجل البقاء في دروب الصحراء الموحشة و المعروفة بوعورة المسالك و شدة الحر و ندرة الماء وبقدر ما تكون هذه العوامل كعوائق للبدوي في حياته فهي أيضا حليفة له في مجملها وهي خط دفاعه الأول و الطبيعي ضد كل زاحف و غاز وقد عرفت القبائل في ما بينها حروب ضروس حتى أصبحت شيئا من طبيعتها إلى درجة أن ما تستطيع انتزاعه بحد السيف هو ملك لها بدون نزاع خاصة طرق القوافل الرابطة بين الشمال و الجنوب و مناطق الرعي ومنابع المياه وقطعان الإبل التي كانت تسبى بين القبائل من حين لأخر وقد أشار ابن خلدون إلى حب التملك عند قبائل البدو حيث قال في مقدمته الشهيرة.( و طبيعتهم انتهاب ما في أيدي الناس و أن رزقهم في ظلال رماحهم....).
و تجدر الإشارة أن قبيلة بني عامر التي يعود أصلها إلى شبه الجزيرة العربية ليست هي نفس القبيلة التي زحفت على شمال إفريقيا كما يعتقد الكثير وهناك فرق زمني شاسع بين القبيلتين فقبيلة بني عامر التي عاشت في المشرق عامة يعود أصلها إلى عامر ابن صعصعة ابن بكر.
أما قبيلة بني عامر المعروفة في الجزائر فهي بطن من بطون زغبة و يعود نسبها إلى عامر ابن زغبة ابن ربيعة ابن نهيك ابن هلال ابن عامر ابن صعصعة ابن بكر (3 ) أي بمعنى أن قبيلة بني عامر التي عاشت في المشرق هي من الأصول الأولى لقبيلة بني عامرا لتي زحفت على بلاد شمال إفريقيا وتعتبر قبيلة بني عامر من القبائل الهلالية الكبرى التي استوطنت الجزائر وعلى وجه الخصوص منطقة الجنوب الغربي الجزائري ما بين شمال ارض مزاب مرورا بصحراء واد صقر(*) إلى غرب جبل العمور وذلك إلى حين أن ملك يغمرا سن بن زيان (1235-1283) م مدينة تلمسان العريقة حيث نقلهم إلي ضواحي مملكته للحماية و الدفاع عنها و استوطنت قبيلة بني عامر بين جنوب تلمسان و سيدي بلعباس و عين تموشنت وظلت علاقة الولاء و الحماية وطيدة بين سلاطين دولة بني زيان و قبيلة بني عامر و خاصة في عهد السلطان ابوحمو موسي الثاني الذي كان دوما في حماية قبيلة بني عامر , ومما يذكر في هذا الشأن انه عندما هجم السلطان عبد العزيز المر يني سنة (1381م) علي تلمسان فر السلطان أبو حمو موسي مع أبنائه و ظل في حماية بني عامر و ردا للجميل عن هذا الولاء اقتطعت الدولة الزيانية منطقة الجنوب الغربي لتكون تحت سلطة بني عامر يضعنون فيها بمواشيهم بدون منافس من القبائل الأخرى خاصة قبيلة بنو سويد التي كانت تقطن بمنطقة جبل العمور شرقا والتي كانت تنافس بني عامر في الزعامة و تزاحمهم في المضاعن وقد كانت رحى الحرب لا تهدأ بين القبيلتين, و من أشهر المعارك التي دارت بينهم معركة واد مـلال(*) حيث أغار بنو عامر علي بنو سويد والحقوا بهم شر هزيمة وقتل زعيمهم عثمان بن ونزمار بن عريف وطردوا من مرابع بنو عامر إلى غير رجعة (4).
كان لقبيلة بني عامر حظوة سياسية كبيرة وكان رؤساءها مقربين من سلاطين الدولة الزيانية تارة ومن سلاطين الدولة المرينية تارة أخرى و نذكر من رؤساءها عامر بن إبراهيم و قد كان شهما حازما و كانت تربطه علاقة حميمة مع السلطان المريني أبي سعيد(1330م) ووصلت بهم العلاقة إلى حد المصاهرة إذ تزوج هدا الأخير من ابنة عامر بن إبراهيم (5) ثم خلفه ابنه صغير بن عامر وفي عهده ساءت العلاقة بين دولة بني مرين و قبيلة بني عامر.
وبعد سقوط تلمسان في يد المرنيين سنة ( 1337)م فر صغير بن عامر إلى مدينة المنيعة وتقرب من السلطان الدولة الزيانية أبو حمو موسى الثاني و تحالف معه (6) واستمرت زعامة بني عامر بعد ذلك في أولاد صغير بن عامر وهم عبد الله و مسعود و ملوك كما كان ابن عمهم علي بن عمر بن إبراهيم من ابرز رؤساء بني عامر وكان فحلا من فحول الشعراء وقد عاصر هذا الأخير العلامة عبد الرحمن بن خلدون(1332-1406)م (7) .
منقووول
ومن المؤسف أن الكثير من سير الأعلام والأحداث التاريخية المهمة تتساقط إتباعا من الذاكرة الشعبية و ذلك لعدم تدوينها بفعل الإهمال و النسيان واللامبالاة و لا زال هذا النزيف ينخر تراثنا دون أن يعير باحثونـا و مؤرخونا ادني اهتمام وكأن التراث أضحي من سقط المتاع و تبقى المحاولات المتواضعة لسد هذه الثغـرات دون المستوى المنشود.
و هذا البحث الذي نقدمه للقارئ الكريم هو في الحقيقة محاولة متواضعة حاولنا فيها بقدر الإمكان تدوين بعض الصفحات من الذاكرة الشعبية و العمل من خلالها على إحياء تاريخ منطقة بريزينة و صحراء واد صقر و نفض الغبار عن أعلام و معالم طمسها الزمن و قد ظلت هذه الغاية تراودني لكن ما كان يعيق مسيرتي في هذا البحث هو غموض مباحثه و فقدان مراجعه, و في غياب الدليل تبقي الرواية الشعبية هي المصدر الوحيد لهذا البحث مع الاعتماد علي القليل مما دونه بعض المخبرين الفرنسيين في هذا الشأن.
و تجدر الإشارة أن البحث في هذا الموضوع هو في غاية الصعوبة لتضارب الروايات و لعدم توفر المراجع التي تقدم المعلومة الصحيحة و الـموثـوقة للدارس إلا أننا نحاول تـقديـم و تدويـن ما جادت به علينا الرواية الشعبية للمحافظة عليها و تدوينها من جهة و لربط الأجيال بماضيها و بتاريخها الزاخر من جهة أخرى.
و الحقيقة لست أرمي أن ألم بجميع جوانب البحث لكنني اعتبره كمعالم أولية تحدد الخطوط العريضة ينهج علي منوالها كل من شدته الرغبة للكتابة من لأحداث التاريخية المهمة.
تمهيد
عند تناولي لهذا الموضوع اعتمدت في منهجية الكتابة بتقسيمه إلى مقدمة اتبعتها بثلاثة أبواب و خاتمة.
الباب الأول.
عنونت الباب الأول بلمحة تاريخية عن بني هلال و تـغريبتهم الكبرى وقد ارتأيت قبل الدخول في صميم الموضوع أن أحيط القارئ الكريم بلمحة تاريخية عن تغريبة بني هلال الكبرى و ذلك لارتباطهـا بالموضوع وباعتبارها من النماذج التاريخية الخصبة و ذات الأهمية الكبرى لما لها من أثر كبير في تحول بلاد شمال أفريقيا من الناحية السوسيولوجية و الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية وقد تركت قبائل بنو هلال تراثا غنيا و سيرة زاخرة و تاريخا ثريا و رغم ما كتب عنها إلا أنها تفتقر إلى الدراسة و التمحيص و تبقي في حاجة ماسة إلي المزيد من العناية و الاهتمام .
و نظرا لهذه الأهمية التاريخية فانه جدير بالذكر أن نعرف من هم قبائل بني هلال و من أين جاءوا و أين استقروا و ما هو اثر هذه القبائل في التركيبة البشرية لبلاد شـمـال أفـريـقيـا.
الباب الثاني.
صفحات من الذاكرة الشعبية في منطقة بربزينة و صحراء واد صقر هو عنوان الباب الثاني و الذي تطرقت فيه إلى سرد بعض المحطات التاريخية المهمة في تاريخ منطقة بريزينة و صحراء واد صقر وطالما كانت هذه المنطـقة محطـة لحركة القبائل التي كـانت دائما في حل و ترحال و كر و فر كما كانت أيضا ممرا للقوافل التجارية المتجهة إلى قصور توات و قورارة و وادي مزاب.
الباب الثالث.
أحداث و شخصيات مرت بالمنطقة وقد اعتمدت في هذا الباب على تدوين سير و حياة شخصيات و أعلام مرت من هذه المنطقة وارتبطت بذاكرتها و تركت بصماتها خالدة في سجل التاريخ المحلي للمنطقة مبتدأ بسيرة و حياة امرأة تتفق الروايات الشعبية المتواترة و المختلفة و المتفقة من حيث المبدأ على أنها أميرة هلالية من قبيلة بني عامر تدعي مباركة بنت الخص ثم عرجت على نخبة من شعراء المنطقة بداء بالشاعر احمد بالخضر و سي بالعربي ابن النعيمي الملقب بمداح الرسول و ابنه الشارع محمد بيطار و مقدم سيد الشيخ الحاج محمد ابن كبار و الشاعرة المعروفة بالمقرانية و إن كانت هذه الأخيرة لا تنتمي للمنطقة بريزينة ولكن القصيدة ارتبطت بالذاكرة الشعبية في هذه المنطقة.
الباب الأول
قبائل بني هلال
-1- نسب و موطن قبائل بني هلال (1).
يذكر نسابة العرب القدامى أن قبائل بني هلال تنحدرمن هلال بن عامرا بن صعصعة ابن بكر ا بن هوازن المنحدر من مضر ابن نزار ابن عد نان و المتتبع لسيرة قبيلة بني هلال يلاحظ أنها كانت دائما في حل و ترحا ل بين صحرأ نجد و الحجاز, و نصادف أثارهم في بلاد الشام و صعيد مصر وكان هذا أخر موطن لهم قبل نزوحهم علي بلاد شمال إفريقيا.
-2- نزوح قبائل بني هلال علي شمال إفريقيا.
لم يكن نزوح بني هلال علي الشمال الإفريقي من باب الصدفة أينما كان بأمر من الخليفة الفاطمي المستنصر العلوي (1036 - 1094 م ) و ذلك انه بعد موت كافور الإخشيدي انتقلت الخلافة الفاطمية إلي مصر و حفاظا علي نفوذها وسلطتها بإفريقيا احتدي أمراءها إلي تولية قبيلة صنهاجة ملك الفاطميين بإفريقيا علي أن يبقي الولاء و الدعوة للخلافة الفاطمية و تأسست بذلك دولة صنهاجة و عندما وصلت الخلافة إلي المعز بن باديس الصنهاجي رفض الولاء للخلافة الفاطمية وخطب باسم الخليفة العباسي القائم أبو جعفر و ذلك سنة ( 1046م) وقام بتشريد و تقتيل أتباع الفاطميين و الغي المذهب الشيعي و أعلن المذهب المالكي ومن تاريخ هذه الواقعة ظل المذهب المالكي قائما في شمال إفريقيا إلى يومنا هذا.
استاء الخليفة الفاطمي لما فعله المعز بن باديس و تأثر كثيرا لهذا الانقلاب السياسي و المذهبي فاستشار وزيره أبو محمد ابن علي اليازوري و كان هذا أخير داهية في الرأي السياسي فأشار عليه بترحيل أعراب بني هلال ضاربا بذلك عصفورين بحجر واحد ليأمن بطشهم و شغبهم من جهة وليستعملهم كوسيلة تنكيل علي ملك المعز بن باديس أمير دولة صنهاجة من جهة أخري.
قبل الخليفة الرأي وأستدعي عيون و رؤساء قبا ئل بني هلال و أمدهم بالمال و أمرهم بالرحيل إلي شمال إفريقيا فشدت الرحال و قطعت القبائل العربية البراري و الصحاري إلي أن اشرفوا علي بلاد إفريقيا و دخلوها سنة 1052م .
-3- دخول الهلا ليين إلى الجزائر.
دخلت قبائل بني هلال و قبيلة زغبه خاصة إلي الجزائر عبر ثلاثة معابر(2).
-3-1- الجهة الأولي.
عبر السواحل حيث تقطن قبائل كتامة و يضعف نفوذ قبيلة صنهاجة ولم جد الهلاليين ادني مقاومة أو رفض و ذلك للعلاقة الحميمة التي كانت تربط التجار العرب مع البربر. .
-3-2- الجهة الثانية .
وكانت عبر الهضاب العليا أي الوسط حيث نفوذ سلطة الحماديين ودام الصراع بين قبيلة صنهاجة وقبيلة زغبه حينا من الدهر ولم تنكسر شوكة البربر إلا بشق الأنفس
-3 -3- الجهة الثالثة.
وكانت عبرا لصحراء حيث تقيم قبيلة زناته و الخاضعة لسلطة الحمادييين وقد عجزت قبيلة زناته عن ردع القبائل العربية واستسلمت لقوة السيف.
ولقد استطاعت القبائل العربية أن تزاحم قبائل صنهاجة و زناته في كل ما يملكن و أقامت علي أنقاض ملك البربر صرحا عربيا خالدا.
و بقدر ما كان زحف القبائل العربية على شمال إفريقيا نقمة علي ملك البربر عامة على ملك دولة صنهاجة خاصة فلقد كان أيضا نعمة عليهم إذ هذب و عرب اللسان ا لبربري و عمت اللغة العربية بين أوساط البربر بالاحتكاك و المصاهرة و كانت اللغة العربية عاملا مهما وسيلة قوية في بعث روح الإسلام السلم بين العرب والبربر.
وان كان للعرب و البربر صفات وعادات و تقاليد مختلفة إلا أنهم انصهروا في ما بينهم باختلاط الدماء و الأنساب عن طريق المصاهرة مما أدى إلى تبادل العلاقات و النظم الاجتماعية, و قد ساعد كل ذلك على إرساء سياسة التسامح و الترابط و نشاء من هذا الاختلاط و التلاحم جيل جديد يحمل صفة التعايش الحضاري
تعرف القبيلة في علم الاجتماع بأنها راس التنظيم الاجتماعي للمجتمعات البدوية وأعلى سلطة فيها هي شيخ القبيلة أو أميرها و تكون سلطته وراثية في معظم الأحوال و هو الذي يحدد مواعيد و أماكن الحل و الترحال و يبث في أمور الحرب و السلم مع القبائل الأخرى.
و القبيلة كما هو معروف مجتمع مغلق على نفسه يجني المغانم تارة و يتكبد المغارم تارة أخرى و هو في صراع دائم من اجل البقاء في دروب الصحراء الموحشة و المعروفة بوعورة المسالك و شدة الحر و ندرة الماء وبقدر ما تكون هذه العوامل كعوائق للبدوي في حياته فهي أيضا حليفة له في مجملها وهي خط دفاعه الأول و الطبيعي ضد كل زاحف و غاز وقد عرفت القبائل في ما بينها حروب ضروس حتى أصبحت شيئا من طبيعتها إلى درجة أن ما تستطيع انتزاعه بحد السيف هو ملك لها بدون نزاع خاصة طرق القوافل الرابطة بين الشمال و الجنوب و مناطق الرعي ومنابع المياه وقطعان الإبل التي كانت تسبى بين القبائل من حين لأخر وقد أشار ابن خلدون إلى حب التملك عند قبائل البدو حيث قال في مقدمته الشهيرة.( و طبيعتهم انتهاب ما في أيدي الناس و أن رزقهم في ظلال رماحهم....).
و تجدر الإشارة أن قبيلة بني عامر التي يعود أصلها إلى شبه الجزيرة العربية ليست هي نفس القبيلة التي زحفت على شمال إفريقيا كما يعتقد الكثير وهناك فرق زمني شاسع بين القبيلتين فقبيلة بني عامر التي عاشت في المشرق عامة يعود أصلها إلى عامر ابن صعصعة ابن بكر.
أما قبيلة بني عامر المعروفة في الجزائر فهي بطن من بطون زغبة و يعود نسبها إلى عامر ابن زغبة ابن ربيعة ابن نهيك ابن هلال ابن عامر ابن صعصعة ابن بكر (3 ) أي بمعنى أن قبيلة بني عامر التي عاشت في المشرق هي من الأصول الأولى لقبيلة بني عامرا لتي زحفت على بلاد شمال إفريقيا وتعتبر قبيلة بني عامر من القبائل الهلالية الكبرى التي استوطنت الجزائر وعلى وجه الخصوص منطقة الجنوب الغربي الجزائري ما بين شمال ارض مزاب مرورا بصحراء واد صقر(*) إلى غرب جبل العمور وذلك إلى حين أن ملك يغمرا سن بن زيان (1235-1283) م مدينة تلمسان العريقة حيث نقلهم إلي ضواحي مملكته للحماية و الدفاع عنها و استوطنت قبيلة بني عامر بين جنوب تلمسان و سيدي بلعباس و عين تموشنت وظلت علاقة الولاء و الحماية وطيدة بين سلاطين دولة بني زيان و قبيلة بني عامر و خاصة في عهد السلطان ابوحمو موسي الثاني الذي كان دوما في حماية قبيلة بني عامر , ومما يذكر في هذا الشأن انه عندما هجم السلطان عبد العزيز المر يني سنة (1381م) علي تلمسان فر السلطان أبو حمو موسي مع أبنائه و ظل في حماية بني عامر و ردا للجميل عن هذا الولاء اقتطعت الدولة الزيانية منطقة الجنوب الغربي لتكون تحت سلطة بني عامر يضعنون فيها بمواشيهم بدون منافس من القبائل الأخرى خاصة قبيلة بنو سويد التي كانت تقطن بمنطقة جبل العمور شرقا والتي كانت تنافس بني عامر في الزعامة و تزاحمهم في المضاعن وقد كانت رحى الحرب لا تهدأ بين القبيلتين, و من أشهر المعارك التي دارت بينهم معركة واد مـلال(*) حيث أغار بنو عامر علي بنو سويد والحقوا بهم شر هزيمة وقتل زعيمهم عثمان بن ونزمار بن عريف وطردوا من مرابع بنو عامر إلى غير رجعة (4).
كان لقبيلة بني عامر حظوة سياسية كبيرة وكان رؤساءها مقربين من سلاطين الدولة الزيانية تارة ومن سلاطين الدولة المرينية تارة أخرى و نذكر من رؤساءها عامر بن إبراهيم و قد كان شهما حازما و كانت تربطه علاقة حميمة مع السلطان المريني أبي سعيد(1330م) ووصلت بهم العلاقة إلى حد المصاهرة إذ تزوج هدا الأخير من ابنة عامر بن إبراهيم (5) ثم خلفه ابنه صغير بن عامر وفي عهده ساءت العلاقة بين دولة بني مرين و قبيلة بني عامر.
وبعد سقوط تلمسان في يد المرنيين سنة ( 1337)م فر صغير بن عامر إلى مدينة المنيعة وتقرب من السلطان الدولة الزيانية أبو حمو موسى الثاني و تحالف معه (6) واستمرت زعامة بني عامر بعد ذلك في أولاد صغير بن عامر وهم عبد الله و مسعود و ملوك كما كان ابن عمهم علي بن عمر بن إبراهيم من ابرز رؤساء بني عامر وكان فحلا من فحول الشعراء وقد عاصر هذا الأخير العلامة عبد الرحمن بن خلدون(1332-1406)م (7) .
منقووول