ظاهرة الشعر الحديث
تلخيــص ظاهرة الشعر الحديثأحمد المجاطي
" ظاهرة الشعر الحديث " دراسة نقدية تتبعت مسارتطور الشعر العربي الحديث ،والبحث في العوامل التي جعلت الشاعر ينتقل من مرحلةالإحياء والذات إلى مرحلة التحرر من قيود التقليد ، مع رصد العوامل والتجارب التيغذت التجديد في الشعر العربيعلى مستوى المضمونمن خلال تجربة الغربةوالضياع ،وتجربة الموت والحياة ،مع ما تتميز به كل تجربة من مظاهر وخصوصيات،وعلى مستوى الشكلوالبناء الفني من خلال اللغة والسياق وآليات التعبيروخاصة الصورة الشعرية والأسس الموسيقية.
فيبدأ الفصل الأولبتتبع التطور التدريجي فيالشعر الحديث، ويبين من خلالالمدخلالشروط اللازمة لتحقيق التطور والتي حصرأهمها في الاحتكاك الفكري بالثقافات والآداب الأجنبية وشرط التوفر على قدر منالحرية، حيث أن شرط الاحتكاك الفكري في الشعر العربي تحقق منذ العصر العباسيوالأندلسي إلى العصر الحديث وانتهى إلى التخلص من التقليد والعودة إلى التجربةالذاتية.
في حين أن شرط الحرية في الشعر العربي ظل محدودا ،مما ضيق مجالالتطور في الشعر العربي.وقد لخص أهم أسباب غياب الحرية في هيمنة علماء اللغة علىالنقد الأدبي،والتقيد بنهج القصيدة التقليدية.إلى أن جاءت نكبة فلسطين التي زعزعتالوجود العربي التقليدي ، وفسحت مجالا واسعا للحرية ،فظهرت حركتان تجديديتان فيالشعر العربي الحديث:حركة اعتمدت التطور التدريجي في مواجهة الوجود العربيالتقليدي،وحركت ظهرت بعد انهيار الوجود العربي التقليدي وكان التجديد عندها قوياوعنيفا يجمع بين التفتح على المفاهيم الشعرية الغربية ،والثورة على الأشكال الشعريةالقديمة.
ليستنتج من هذه التحولات العوامل العامة التي كانت وراء بلورة حركةالتجديد وحصرها في :
عوامل تاريخية: وتتمثل في امتداد الرغبة في التطوير عبر العصور،واتساع مجال التفتح على ثقافات الأمم الأخرى
عوامل فكرية : وتتمثل في التشبع بالمفاهيم الشعريةالغربية.(كعامل مؤيد)وهيمنة علماء اللغة على النقد العربي .(عاملمعارض)
عواملسياسية:غياب الحرية فرض وثيرة التدرج في تطور الشعر العربي.(عامل معارض)و نكبةفلسطين شجعت على التحرر والثورة.(عامل مؤيد)
عوامل اجتماعية: التشبث بالوجود العربي التقليديالمحافظ.(عامل معارض)و انهيار عامل الثقة في الوجود العربي التقليدي. (عاملمؤيد)
لينتقلبعد ذلك فيالقسم الأول من الفصل الأولإلى البحث في العوامل التي أثمرتالتجربة الذاتية وأولها انهيار تجربة البعث والإحياء ـ والتي كان لها الفضل في نفضرواسب عصور الانحطاط عن الشعر العربي ،وتوجه شعراء التيار الإحيائي نحو القصيدةالعربية في أوج ازدهارها ونضجها ـ، فكانت انطلاقة التيار الذاتي مع مدرسة الديوانوتبلورت مع الرابطة القلمية وجماعة أبولو، حيث أجمع شعراء جماعة الديوان على وحدةمفهوم الشعر " إن الشعر وجدان"وإن تباين مفهوم الوجدان بين العقاد وشكري والمازني: فالعقاد : يرى الوجدان مزاجا بين الشعور والفكر ، وغلب الطابع الفكري علىشعره.وشكري: يرى الوجدان تأملا في أعماق الذات بأبعادها الشعورية واللاشعورية ،وأهمل العقل.في حين أن المازني: يرى الوجدان تعبيرا عما تفيض به النفس من مشاعر ،والمعاني جزء من النفس.وبذلك تكون مدرسة الديوان قد مهدت الطريق للاتجاه الرومانسيالذي بدأت تظهر بوادره مع تيار الرابطة القلمية التي كان عامل الهجرة والغربةـ جسداوروحا ولساناـ عاملا محفزا لنشأتها فوحد الذات الفردية لأدباء المهجر من خلالنظرتهم للكون والحياة وشجع على الهروب إلى الطبيعة والاعتماد على الخيال والاستسلامإلى حد القطيعة مع الحياة.)
،وقد امتد اشعاع هذا التيار إلى داخل الوطن العربي معجماعة أبولو ، فأصبحت ذات الشاعر مصدرا للتجربة الشعرية وهيمنتها على موضوع القصيدةإلى حد الإفراط في الهروب إلى الطبيعة والإغراق في الذات و الإحساس بالحرمان والعجز،إلا أن إغراق التجربة في اجترار نفس الموضوعات (الحب ،الملذات، الفشل)عجل بموتالتيار الذاتي .)
فجاءت نكبة فلسطين التي أخرجت الشاعر من قوقعة الذات إلى الحياةالجماعية تحدوه الرغبة في الخروج من دائرة التخلف وبناء الذات بعدما تشبع بالمفاهيمالشعرية الغربية، ووعى الشاعر بمسؤوليته فيالمجتمع.)
فجاءالقسم الثاني من الفصل الأولليحدد معالم هذا الشكل الجديد فكانت البدايةمعمصالحة الشاعر لذاته ومجتمعه مع ما تطلبه ذلك من تحولات في القصيدة العربية سواءعلى مستوى اللغة ،وذلك بالانتقال من قوة ومتانة اللغة الإحيائية إلى لغة سهلة ميسرةدون ابتذال ،وقد كانت عند عباس محمود العقاد لغة الشعر عنده أقرب من لغة الحديث (ص:37 ) أما إيليا أبو ماضي فلغة الشعر اتخذت شكلا نثريا محضا (ص: 38)
أو على مستوى الصورة إذ أصبحت للصورة الشعرية وظيفة بيانية تخصالتجربة ،بدل الوظيفة التزيينية التي كانت عليها عند الإحيائيين (ص40ـ41)
وكانالاهتمام بالوحدة العضوية واضحا عند أنصار الشكل الجديد عبر الربط بين الأحاسيسوالأفكار مما جعل القصيدة كائنا واحدا (وحدة الفكرة ووحدة العاطفة وتسلسل الأفكارفي إطار الموضوع الواحد )وقد نتج عن الربط بين المضمون والشكل الفني ربط القافيةوالوزن بالأفكار والعواطف الجزئية.فتولد عن ذلك انسجام القافية مع عواطف الشاعرتتبدل بتبدلها .(ص : 46)
إلا أن هذا التوجه الجديد لقي مواجهة عنيفة تتمثل في رفض الخروج عناللغة العربية الأصيلة والتشبث بالقافية العربية مما حد من وثيرة التجديد وجعلهيتوقف عند المستوى الذي وصل إليه.(ص:49)،إضافة إلى عوامل داخلية عجلت بنهايةالتجربة الذاتية:فعلى مستوى المضمون : نجد انحدار الشعراء إلى البكاء والأنين إلىحد الضعف ،أما على مستوى الشكل فيتمثل في الفشل في وضع مقومات خاصة بالتجربةالذاتية.
وقدجاءالفصل الثانيليضع تجربة الشكل الجديد للشعر العربي تحتالمجهر ويقرب لنا مواضيعه وتجاربه وافتحاصها من الداخل والبداية كانت مع تجربةالغربة والضياع التي كانت عاملا من عوامل التحول ساهمت في ترسيخها نكبة فلسطين (1948) التي زعزعت الثقة بالموروث العربي القديم (ص:56) فاستغل الشاعر الفرصةللتحرر من سلطة الشعر التقليدي (ص:56) ،وينخرط في التخطيط والتدبير بدل التفرجوالاجترار، وقد جعله تنوع مصادر ثقافته ـ بين العربية والغربيةـ في مستوى الحدثوالتطلع عبر مساهمته في إنتاج الفكر والمواقف. (ص:59)معتمدا التاريخ والحضارةوالأسطورة العالمية في التعبير عن هموم الإنسانالعربي(ص:60)
فقوة التحول في الشعر الحديث كانت بحجم قوة النكبة.(ص: 62)،وارتباطوثيرة التجديد في شكل القصيدة بتواصل النكبات ،حتى أصبح عدم التوقف عند شكل محددعلامة صحية تضمن استمرار التطور والتجديد يضاف إلى ذلك تأثر الشاعر بأعمال بعضالشعراء الغربيين وببعض الروائيين والمسرحيين الوجوديين ،فعرفت الغربة عدة مظاهر فيتجربة الشعر الحديث :
1ـ الغربة في الكون : فقدان الأرض والهوية وما صاحبها من ذل وهوان .
2ـ الغربة في المدينة: مسخ المدينة وطمس هويتها مع الغزو الغربي عمقغربة الشاعر في وطنه .
3ـ الغربة في الحب : فشل التعايش وتحقيق السكينة حولالحب إلى عداوة قاتلة (ص:76)
4ـ الغربة في الكلمة: عجز الكلمة عن احتواء أزمة الشاعرومعاكستها لرغبته.
كما اعتمد الشاعر عدة آليات للتعبير عن هذه الغربةكتوظيف الرمز والأسطورة بكثافة لاختزال تجربة الغربة والضياع(ص:88) إلى حد إقرارالشاعر بحقيقة الموت : موت الأمة وموت الكلمة (ص:91) مع السعي إلى الخروج من الضياعنحو اليقظة والبعث.
إلا أن التجاذب بين أمل البعث وخيبة الإخفاق، هيأ لدخول الشاعر فيتجربة جديدة هي تجربة الموت والحياة نتتبع أطوارها معالفصل الثالثحيثيتجاوز الشاعر مرحلة الغربة والضياع نحو الموت المفضي إلى البعث،فتم ربط نجاح تجربةالشاعر بمدى إيمانه بجدلية الموت والحياة ،واعتبار الشاعر الحقيقي هو من يواجهالموت بكل قواه كمعبر إلى الحياة،واعتبر الشعراء أن تجربة الغربة مشدودة إلى الحاضربينما تجربة الموت والحياة مشدودة إلى المستقبل .فتحول الشاعر إلى مصدر الحكمةوالتوجيه والحياة المتجددة ،مع التركيز على الرمز والأسطورة بمختلف مصادرها لنقلتجربته .
فالشاعر علي أحمد سعيد (أدونيس) يرى أن التحول يمر عبر الحياة والموتو رَبَط الشاعر بالأمة فالتجربة "التقت فيها ذات الشاعر بذات أمته العربية " ص 118،وقد اعتماد الشاعر أدونيس على أسطورة الفنيق ومهيار لتأكيد امكانية الموتوالبعث.
أماالشاعر خليل حاوي فقد خض معاناة الحياة والموت عندما يرفض التحول ويقيم مقامه مبدأالمعاناة (معاناة الموت و معاناة البعث) إلا أن الشاعر يئس من البعث أمام التفسخالذي يثمر الموت فاعتمد على أسطورة تموز للدلالة على الخراب والدمار، وإمكانيةالبعث مع العنقاء،ليقر بالبعث في النهاية ويحصره في الأجيال الجديدة وقد ربط الفشلفي تحقيق البعث بتشبث الإنسان العربي بالتقاليد ، وتحقيق البعث مرهون بالقضاء علىهذه التقاليد ص 144 .ويرى أن معاكسة الزمن لطموحه كان سببا في فشله .ص 146
أما الشاعربدر شاكر السياب فتبنى طبيعة الفداء في الموت ،ويرى أن الخلاص لا يكون إلا بالموت،فالموت شرط البعث ،وربط بعث الأمة بموت الفرد و موت العدو لا يثمربعثا.
بينماالشاعر عبد الوهاب البياتي فقد تأرجح بين جدلية الأمل واليأس،فيرى أن جدلية الموتوالحياة من شأنها أن تخلق الشاعر الثوري. ص 170.وقد مرت تجربة الشاعر بثلاث منحنياتص 171
+ المنحنىالأول : انتصار ساحق للحياة على الموت (منحنى الأمل)موت المناضل انتصار للحياة.
+المنحنىالثاني : التساوي بين الحياة والموت (منحنى الانتظار)يبدأ بخط الحياة وينتهي بخطالموت .
+المنحنى الثالث : انتصار الموت على الحياة (منحنى الشك )الشك فيالحقائق والوقائع والبعث الزائف.
وينتهي الكاتب في خاتمة الفصل إلى استخلاص آثار التجربةعلى الشاعر العربي أهمها :اشتراك الشعراء في الإحساس بمعنى الحياة والموت ،وحلولذات الشاعر في ذات الجماعة كموقف موحدإلا أن عدم اهتمام المسؤولين بتنبؤات الشعراءكان وراء النكسة رغم قيام الشاعر بالمهام المنوطة به في كشف الواقع و استشرافالمستقبل.
إضافة إلى أسباب أخرى ساهمت في عجز الشاعر عنالتواصل مع الجمهور منها:
+ عامل ديني قومي : الشك في التيار الشعري من أن يكون يحاول تشويهالشخصية الدينية القومية.
+ عامل ثقافي : التشبث بالشعر القديم ورفضالتجديد.
+ عاملسياسي : خوف الحكام من المضامين الثورية ،ومحاربتهم الشعراءالمحدثين.
+عاملتقني : الوسائل الفنية المستحدثة حالت بين الشاعروالمتلقي.
وجاءالفصل الرابعليطرح الشكل الجديد المتمثل في الشعرالحديث الذي تجاوز التصوير إلى الكشف عن واقع الشاعر النفسي والاجتماعي والحضاريواستشراف المستقبل ، و ساهمت الوسائل الفنية في توضيح القيمة الفكرية ،ومدها بالقيمالجمالية حيث تحول الشاعر عن الوسائل التقليدية لعدم مناسبتها حياته المتغيرة فيمضمونها وإطارها ص196،وربط أدوات تعبيره ووسائله الفنية باللحظة التي يحياها فيطبيعتها الخاصة وهو ما يبرر تقارب الشعر الحديث في الأسلوب وطريقة التعبير واستخدامالصور البيانية والرموز والأساطير.(وحدة التجربة تفرض وحدة الوسائل) ص 198،و ارتباطنمو الشكل بطبيعة التحول والتجربة .
ولم تسلم لغة الشعر الحديث من رياح التطوير فتدرجت اللغة في التطوروفي اتجاهات مختلفة حتى أصبح لكل شاعر لغته الخاصة ،فمنهم من فضل العبارة الفخمةوالسبك المتين والمعجم التقليدي سيرا على نهج القدماء (بدر شاكر السياب نموذجا )،ومنهم من انتقل إلى لغة الحديث اليومي كالشاعر أمل دنقل .
كم نجد من سعىإلى السمو باللغة إلى حد الإيحاء والغموض، و شحن اللغة العادية بمعاني ودلالاتجديدة بتحويلها إلى رمز وربطها بعالم الشاعر وهو ما جعل السياق اللغوي ينبع منالذات ليعود إليها .
أما بالنسبة للصورة الشعرية فقد عمد الشاعر الحديث إلى الحد من تسلطالتراث على أخيلته وربطها بآفاق التجربة الذاتية و التخلص من الصورة الذاكرة إلىالصورة التجربة،فأصبحت تتوزع الصورة بين مدلولها لذاتها ومدلولها في علاقتها بالصورالأخرى ومدلولها في علاقتها بتجربة الشاعر
و تطور الأسس الموسيقية للشعر الحديث يمثل امتداداطبيعيا لباقي التحولات السالفة ، حيث اعتمد الشاعر الحديث على الإيقاع التقليديوالتجديد في داخله مع إخضاع الموسيقى لتجربة الشاعر في تطورها وتنوعها فكان التغييرفي أسس الموسيقى الشعرية يعتمد التدرج في التغيير من خلال الزحافات والعلل و تطعيمموسيقى البحر بالتنغيم الداخلي ،مع ربط طول السطر الشعري بالنسق الشعوري والفكري،واقتصار الشعراء على بحور محدودة يتولد منها عدد جديد من التفعيلات .ص 240 ،و خضوعالقافية للمعاني الجزئية داخل القصيدة ،و تفتت نظام البيت جعل القافية تتعدد فيأحرفها و تنوع بتنوع الأضرب ارتباطا بالجملة الشعرية .
وفي خاتمةالفصل ينفي الكاتب مسؤولية الحداثة على الغموض في الشعر الحديث ، وربط الغموض بعنصرالمفاجأة في الشعر الحديث