اعمال المراه
ي مقال للكاتبة الأمريكية (فيليس ماكجنلي) بعنوان (البيت.. مملكة المرأة بدون منازع) تقول: (وهل نعد نحن النساء ـ بعد أن نلنا حريتنا أخيراً ـ خائنات لجنسنا إذا ارتددنا لدورنا القديم في البيوت؟ وتجيب على هذا التساؤل بقولها:
(إن لي آراء حاسمة في هذه النقطة، فإنني أصر على أن للنساء اكثر من حق في البقاء كربات بيوت، وإنني أقدر مهنتنا وأهميتها في الحقل البشري إلى حد أني أراها كافية لأن تملأ الحياة والقلب).
(وإذا قيل لنا على نحو تعسّفي: إن من واجبنا أن نعمل في أي مكان غير المنزل، فهذا لغو زائف، فإنه لا يوجد عمل يستحق أن يمزق شمل الأسرة من أجله)(1).
أما الكاتب الانكليزي الساخر برنارد شو فيقول في هذا الموضوع:
(أما العمل الذي تنهض به النساء.. العمل الذي لا يمكن الاستغناء عنه.. العمل الذي لا يمكن الاستعاضة عنه بشيء آخر.. فهو حمل الأجنّة، وولادتهم، وإرضاعهم، وتدبير البيوت من أجلهم، ولكن النساء لا يؤجرن عليه بأموال نقديّة وهذا ما جعل الكثير من الحمقى ينسون أنه عمل، على الاطلاق.. فإذا تحدّثوا عن العمل جاء ذكر الرجل على لسانهم، وأنه هو الكادح وراء الرزق.. الساعي المجهد وراء لقمة العيش وما إلى ذلك من الاوصاف التي يخلعونها عليه في جهل وافتراء.. إلا أن المرأة تعمل في البيت. وكان عملها في البيت هذا منذ الأزل، عملاً ضرورياً وحيوياً لبقاء المجتمع ووجوده. بينما يشغل الملايين من الرجال أنفسهم ويبدّدون أعمارهم في كثير من الأعمال التافهة.. ولعل عذرهم الوحيد في قيامهم بتلك الأعمال: أنّهم يعولون بها زوجاتهم اللاتي لا يمكن الاستغناء عنهن.. وهم بذلـــك القول مــغرورون... وهــــم لا يريـــدون أن يفهموا.. أن عملـــهم وعملهن ســـواء.. )(2).
القول في عمل المرأة لمساعدة من يعولها أو أطفالها
فالتبرير على ما يذهبون إليه يحمل تسليماً بالعلّة، أو استسلاماً لها، واكتفاءاً بعلاج أثرها لا علاجها هي.. وهو واضح البطلان.
فمما يذكر بهذا الصدد أن عدالة الإسلام جعلت حقاً في بيت المال لمحدودي الدخل يغطي نفقة من يعول، وذلك قوله تعالى: (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم)(3).
فقال العلماء: إن المحروم، هو المحارف الذي لا يكسب ما يكفيه.. ويجعل من لا عائل لها صغيرة كانت أم كبيرة في كفالة ولي الأمر ببيت المال، لأن صفة الانوثة في الإسلام من صفات العجز عن الكسب..
ويجعل اليتيم الذي لا مال له في كفالة ولي الأمر أيضا، بصفته قيّم بيت المال إلى أن يستغني بالعمل، وذلك قوله (ص): (ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة اقرءوا إن شئتم: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)(4) فأيّما مؤمن ترك ما لاً فلورثته.. وإن ترك ديناً أو ضيّاعاً، فليأتني، فأنا مولاه)(5) والضيّاع: هم العاجزون عن الكسب.
وإذا كان ذلك هو سنة المجتمعات، وعلامة الصحة فيها، فأولى في منطق العلاج أن يرد المجتمع إلى سننه الأولى، لا أن يبقى الفساد ثم يسام الضعفاء حمل آثاره(6).
عمل المرأة في منظار الإسلام
لقد ضمن الإسلام للمرأة حياة السعادة والتقدم إن هي التزمت خط الإيمان، وسلكت طريق العمل الصالح كالرجل تماماً: (من عمل صالحاً من ذكر أو انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة)(7).
وأي عمل تقوم به المرأة لله تعالى فلا ينكر لها جزاؤه وثوابه، فعمل المرأة محترم كعمل الرجل عند الله لأنهما من مصدر واحد وعلى مستوى واحد:
(فاستجاب لهم ربهم إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض)(8).
والمرأة شريكة الرجل في الجنة كما هي شريكته في دار الدنيا:
(ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو انثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنّة)(9) (10).
الفوارق الفسلجية بين المرأة والرجل
يقول الدكتور الكسيس كاريل، الحائز على جائزة نوبل في العلوم، متحدّثاً عن طبيعة مكوّنات المرأة وتأثيرها على عملها:
(إن الأمور التي تفرق بين الرجل والمرأة لا تتحدّد في الأشكال الخاصة بأعضائها التناسلية ولا تتحدّد أيضا في اختلاف تربيتها، وإنما تتحدّد بسبب أعمق من ذلك، لأن هذه الفوارق هي ذات طبيعة اساسية تنشأ من اختلاف نوعية الأنسجة في جسم كل من الرجل والمرأة، فالمرأة تحمل في كل جزئ من جسدها، تأثير المواد الكيمياوية ومفرزات الغدد التناسلية والذين ينادون بالمساواة بين الرجل والمرأة ويدعون إلى توحيد نوعية التربية والتعليم والوظائف بينهما، يجهلون جهلاً كاملاً هذه الفوارق، وهي فوارق اساسية من غير ترديد، لأن المرأة في الواقع تختلف عن الرجل كل الاختلاف فكل خلية من جسمها تحمل طابعاً خاصاً هو الطابع الأنثوي، وهكذا تكون أعضاؤها المختلفة، بل وأكثر من ذلك هو حال نظامها العصبي. ويضيف قائلاً: إن قوانين وظائف الأعضاء محددة ومنضبطة كقوانين الفلك والرياضيات، ولا يمكن إحداث أي تغيير فيها بمجرّد أن الأمنيات البشريّة تريد هذا التغيير، وعلينا أن نسلم بها كما هي، دون أن نسعى إلى ما هو غير طبيعي. فعلى النساء أن يقمن بتنمية مواهبهن بناء على طبيعتهن الفطرية، وأن يبتعدن عن تقليد الرجال تقليداً أعمى، فدورهن في تقدم الحضارة أعلى من دور الرجال، ولا يجوز لهن أن يتخلين عنه(11).
القول بقبح عمل المرأة
تقول خبيرة الجنس الفرنسية ذائعة الصيت: هيلين ميشال، موجهة كلامها إلى بنات جنسها: إذا أغروك بالعمل في المصنع والعمل بشكل سافر، حيث يوفر لك قدر أكبر من المال الخاص لشراء حاجيات الأولاد، وحاجياتك أنت. فلا تصدّقيهم.
إن المقصود ليس حصولك على المال، فهذا الأمر لا يهم الآخرين، ولكن المقصود حصولهم عليك. تذكّري: إن 80% من العاملات في المصانع والمعامل في الولايات المتحدة يشعرن بقرف شديد من العمل، لقد اكتشفن الحقيقة.
وتذكّري أيضا: إن الحرية، والتقدم الاقتصادي، والمراكز العالمية التي حصلت عليها المرأة في فرنسا، لم تمنع عنها المشاكل الحادة، ولم تحسّن وضعها، ولم تجعل منها النصف الملائم لقيادة سفينة الحياة(12).
المرأة في صدر الإسلام
أما بالنسبة إلى عمل المرأة في شرعنا، فالإسلام لا ينهى المرأة عن أي عمل، فلا يقول الإسلام إن من المحرمات على المرأة أن تصبح عاملة، أو مزارعة، أو تاجرة، فمن حق المرأة أن تقوم بما يقوم به الرجل في العمل والزراعة والتجارة شريطة أمر واحد هو (الحشمة) والحفاظ على كيانها كانسانة. فالإسلام ينهى عن التعرّي، والكشف عن أنوثة المرأة، ولا ينهى عن العمل، وكلنا نعرف أن خديجة بنت خويلد عليها السلام كانت صاحبة أملاك، وكانت تاجرة كبيرة، وتعرّفها على رسول الله (ص) كان عن طريق تجارتها، حيث عمل النبي (ص) لديها. فالمرأة تستطيع أن تعمل إذا استطاعت أن تحافظ في عملها على الحجاب أو لم تختلط بالرجال الاجانب، لأنها في غير هذه الصورة تتحول إلى متعة وجنس للرجال(13).
يقول الحديث الشريف (كل شيء لك حلال حتى تعرف أنه حرام) ففي عهد رسول الله (ص) كانت المرأة تعمل، تشتغل، وقد أوصى النبي (ص) المرأة أن تشتغل في الحياكة، حيث قال: (علموهنّ المغزل).
فإذا حافظت المرأة على (الحشمة المطلوبة) فلا مانع من أن تتوظف، أو تشتغل في أي مكان. إن الإسلام يوجب العمل على الرجل، ولا يوجبه على المرأة، وذلك لسبب بسيط، هو أن المرأة لا تتحمل عمل الرجل، فهي تعيش من ثلاثة أيام إلى عشرة أيام كل شهر مريضة، جسمياً ونفسياً وهي أيام العادة الشهرية، وتكون ثقيلة الحركة في أيام الحمل، وتكون مرتبطة بالولد في أيام الرضاع... وهكذا فكيف نستطيع أن نوجب عليها العمل في مثل هذه الحالات؟ هل نعطيها رخصة؟ هذا غير سليم لأن المرأة في حالة العادة لا تكون طريحة الفراش، ولكنها تكون مريضة جسميّاً وعلى الأقل تكون (حساسة) تجاه ما يقال لها أو يسلك تجاهها.
فهل يعقل أن نترك معملاً ضخماً أو شيئاً من هذا القبيل على عاتق امرأة حساسة تثور لأية كلمة مثلاً، أو تتحملها، وتتعقد عليها.
فالتغيرات الفسيولوجية في جسم المرأة، تصحبها تغييرات سيكولوجية تجعلها تشعر أيام العادة بالحساسية والكآبة وتكون سريعة التأثر لأقل شيء من أقربائها فكيف بالغرباء عنها(14).
المرأة خارج البيت
في قوله تعالى (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن)(15).
قال القرطبي: (ليس للزوج أن يخرجها من مسكن الزوجية، ولا يجوز لها الخروج إلا لضرورة ظاهرة)(16) فالآية نزلت في المعتدّة ولكن حكمها يسري على الزوجة.
قال ابن عربي: قال مالك: (ولا تخرج المعتدة دائماً، وإنما أذن لها في الخروج إن احتاجت إليه، وإنما يكون خروجها في العدّة كخروجها في الزواج، لأن العدّة فرع الزواج)(17) وقد لاحظ أئمة التفسير والفقه أن البيوت مضافة إلى ضمير النسوة في قوله تعالى: (لا تخرجوهن من بيوتهن) وفي قوله (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة...)(18) وقوله تعالى (وقرن في بيوتكن...)(19) مع أن البيوت للأزواج لا لهن، وخرجوا من ذلك بأنها ليست إضافة (تمليك) بل إضافة (إسكان) تقرّرت لاستمرار لزوم المرأة البيت ـ إلا لحاجة ـ حتى أضيف إليها(20).
والإسكان هو الزام بالاقامة، يقول الكاساني: (ومنها ـ أي من الأحكام التي تترتب على عقد الزواج ـ صيرورتها ممنوعة عن الخروج والبروز لقوله تعالى (اسكنوهن) والأمر بالاسكان نهي عن البروز إذ الأمر بالشيء نهي عن ضدّه، ولقوله عز وجل: (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن) ولأنها لو لم تكن ممنوعة من الخروج والبروز لاختل السكن، والنسب)(21). فالمقرر في الفطرة وفي الشرع: أن البقاء في المنزل هو الاصل. وأن الخروج منه هو الفرع. والرسول (ص) يقول:
(لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهنّ خير لهن)(22).
فالشرع يجيز للمرأة أن تخرج لأداء العبادة في المساجد، ولكنه يرى اداءها لها في البيت خير لها. وذلك لتجنّب الفتنة والعوارض، ولكفالة الاستقرار، وجعل المرأة متفرغة لمهمتها.
وقد ثبت أن النساء كنّ يخرجن باذن رسول الله (ص) مع الجيش لخدمة الرجال، وتمريض الجرحى، والقيام بأعمال الاسعاف، فقد روي عن الربيع بنت معوذ، قالت: كنا نغزو مع رسول الله نسقي القوم، ونخدمهم، ونردّ القتلى والجرحى إلى المدينة)(23).
وفي سؤال لاحدهم لسماحة السيد محمد الحسيني الشيرازي (دام ظله) في خصوص هذا الموضوع وهو: إن هناك من يعتقد أن الإسلام قسّم أدوار الزوجين بين أن يتحمّل الزوج ما يرتبط بخارج البيت من الكد وجلب الحاجيات المنزلية، وبين أن تتحمّل الزوجة ما يرتبط بداخل البيت من الطبخ والكنس والاهتمام بالأطفال... فهل ترون هذا التقسيم من الاسلام؟ فكان جوابه (دام ظله): نعم، لكن دور المرأة على سبيل الاستحباب(24).
(إن لي آراء حاسمة في هذه النقطة، فإنني أصر على أن للنساء اكثر من حق في البقاء كربات بيوت، وإنني أقدر مهنتنا وأهميتها في الحقل البشري إلى حد أني أراها كافية لأن تملأ الحياة والقلب).
(وإذا قيل لنا على نحو تعسّفي: إن من واجبنا أن نعمل في أي مكان غير المنزل، فهذا لغو زائف، فإنه لا يوجد عمل يستحق أن يمزق شمل الأسرة من أجله)(1).
أما الكاتب الانكليزي الساخر برنارد شو فيقول في هذا الموضوع:
(أما العمل الذي تنهض به النساء.. العمل الذي لا يمكن الاستغناء عنه.. العمل الذي لا يمكن الاستعاضة عنه بشيء آخر.. فهو حمل الأجنّة، وولادتهم، وإرضاعهم، وتدبير البيوت من أجلهم، ولكن النساء لا يؤجرن عليه بأموال نقديّة وهذا ما جعل الكثير من الحمقى ينسون أنه عمل، على الاطلاق.. فإذا تحدّثوا عن العمل جاء ذكر الرجل على لسانهم، وأنه هو الكادح وراء الرزق.. الساعي المجهد وراء لقمة العيش وما إلى ذلك من الاوصاف التي يخلعونها عليه في جهل وافتراء.. إلا أن المرأة تعمل في البيت. وكان عملها في البيت هذا منذ الأزل، عملاً ضرورياً وحيوياً لبقاء المجتمع ووجوده. بينما يشغل الملايين من الرجال أنفسهم ويبدّدون أعمارهم في كثير من الأعمال التافهة.. ولعل عذرهم الوحيد في قيامهم بتلك الأعمال: أنّهم يعولون بها زوجاتهم اللاتي لا يمكن الاستغناء عنهن.. وهم بذلـــك القول مــغرورون... وهــــم لا يريـــدون أن يفهموا.. أن عملـــهم وعملهن ســـواء.. )(2).
القول في عمل المرأة لمساعدة من يعولها أو أطفالها
فالتبرير على ما يذهبون إليه يحمل تسليماً بالعلّة، أو استسلاماً لها، واكتفاءاً بعلاج أثرها لا علاجها هي.. وهو واضح البطلان.
فمما يذكر بهذا الصدد أن عدالة الإسلام جعلت حقاً في بيت المال لمحدودي الدخل يغطي نفقة من يعول، وذلك قوله تعالى: (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم)(3).
فقال العلماء: إن المحروم، هو المحارف الذي لا يكسب ما يكفيه.. ويجعل من لا عائل لها صغيرة كانت أم كبيرة في كفالة ولي الأمر ببيت المال، لأن صفة الانوثة في الإسلام من صفات العجز عن الكسب..
ويجعل اليتيم الذي لا مال له في كفالة ولي الأمر أيضا، بصفته قيّم بيت المال إلى أن يستغني بالعمل، وذلك قوله (ص): (ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة اقرءوا إن شئتم: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)(4) فأيّما مؤمن ترك ما لاً فلورثته.. وإن ترك ديناً أو ضيّاعاً، فليأتني، فأنا مولاه)(5) والضيّاع: هم العاجزون عن الكسب.
وإذا كان ذلك هو سنة المجتمعات، وعلامة الصحة فيها، فأولى في منطق العلاج أن يرد المجتمع إلى سننه الأولى، لا أن يبقى الفساد ثم يسام الضعفاء حمل آثاره(6).
عمل المرأة في منظار الإسلام
لقد ضمن الإسلام للمرأة حياة السعادة والتقدم إن هي التزمت خط الإيمان، وسلكت طريق العمل الصالح كالرجل تماماً: (من عمل صالحاً من ذكر أو انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة)(7).
وأي عمل تقوم به المرأة لله تعالى فلا ينكر لها جزاؤه وثوابه، فعمل المرأة محترم كعمل الرجل عند الله لأنهما من مصدر واحد وعلى مستوى واحد:
(فاستجاب لهم ربهم إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض)(8).
والمرأة شريكة الرجل في الجنة كما هي شريكته في دار الدنيا:
(ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو انثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنّة)(9) (10).
الفوارق الفسلجية بين المرأة والرجل
يقول الدكتور الكسيس كاريل، الحائز على جائزة نوبل في العلوم، متحدّثاً عن طبيعة مكوّنات المرأة وتأثيرها على عملها:
(إن الأمور التي تفرق بين الرجل والمرأة لا تتحدّد في الأشكال الخاصة بأعضائها التناسلية ولا تتحدّد أيضا في اختلاف تربيتها، وإنما تتحدّد بسبب أعمق من ذلك، لأن هذه الفوارق هي ذات طبيعة اساسية تنشأ من اختلاف نوعية الأنسجة في جسم كل من الرجل والمرأة، فالمرأة تحمل في كل جزئ من جسدها، تأثير المواد الكيمياوية ومفرزات الغدد التناسلية والذين ينادون بالمساواة بين الرجل والمرأة ويدعون إلى توحيد نوعية التربية والتعليم والوظائف بينهما، يجهلون جهلاً كاملاً هذه الفوارق، وهي فوارق اساسية من غير ترديد، لأن المرأة في الواقع تختلف عن الرجل كل الاختلاف فكل خلية من جسمها تحمل طابعاً خاصاً هو الطابع الأنثوي، وهكذا تكون أعضاؤها المختلفة، بل وأكثر من ذلك هو حال نظامها العصبي. ويضيف قائلاً: إن قوانين وظائف الأعضاء محددة ومنضبطة كقوانين الفلك والرياضيات، ولا يمكن إحداث أي تغيير فيها بمجرّد أن الأمنيات البشريّة تريد هذا التغيير، وعلينا أن نسلم بها كما هي، دون أن نسعى إلى ما هو غير طبيعي. فعلى النساء أن يقمن بتنمية مواهبهن بناء على طبيعتهن الفطرية، وأن يبتعدن عن تقليد الرجال تقليداً أعمى، فدورهن في تقدم الحضارة أعلى من دور الرجال، ولا يجوز لهن أن يتخلين عنه(11).
القول بقبح عمل المرأة
تقول خبيرة الجنس الفرنسية ذائعة الصيت: هيلين ميشال، موجهة كلامها إلى بنات جنسها: إذا أغروك بالعمل في المصنع والعمل بشكل سافر، حيث يوفر لك قدر أكبر من المال الخاص لشراء حاجيات الأولاد، وحاجياتك أنت. فلا تصدّقيهم.
إن المقصود ليس حصولك على المال، فهذا الأمر لا يهم الآخرين، ولكن المقصود حصولهم عليك. تذكّري: إن 80% من العاملات في المصانع والمعامل في الولايات المتحدة يشعرن بقرف شديد من العمل، لقد اكتشفن الحقيقة.
وتذكّري أيضا: إن الحرية، والتقدم الاقتصادي، والمراكز العالمية التي حصلت عليها المرأة في فرنسا، لم تمنع عنها المشاكل الحادة، ولم تحسّن وضعها، ولم تجعل منها النصف الملائم لقيادة سفينة الحياة(12).
المرأة في صدر الإسلام
أما بالنسبة إلى عمل المرأة في شرعنا، فالإسلام لا ينهى المرأة عن أي عمل، فلا يقول الإسلام إن من المحرمات على المرأة أن تصبح عاملة، أو مزارعة، أو تاجرة، فمن حق المرأة أن تقوم بما يقوم به الرجل في العمل والزراعة والتجارة شريطة أمر واحد هو (الحشمة) والحفاظ على كيانها كانسانة. فالإسلام ينهى عن التعرّي، والكشف عن أنوثة المرأة، ولا ينهى عن العمل، وكلنا نعرف أن خديجة بنت خويلد عليها السلام كانت صاحبة أملاك، وكانت تاجرة كبيرة، وتعرّفها على رسول الله (ص) كان عن طريق تجارتها، حيث عمل النبي (ص) لديها. فالمرأة تستطيع أن تعمل إذا استطاعت أن تحافظ في عملها على الحجاب أو لم تختلط بالرجال الاجانب، لأنها في غير هذه الصورة تتحول إلى متعة وجنس للرجال(13).
يقول الحديث الشريف (كل شيء لك حلال حتى تعرف أنه حرام) ففي عهد رسول الله (ص) كانت المرأة تعمل، تشتغل، وقد أوصى النبي (ص) المرأة أن تشتغل في الحياكة، حيث قال: (علموهنّ المغزل).
فإذا حافظت المرأة على (الحشمة المطلوبة) فلا مانع من أن تتوظف، أو تشتغل في أي مكان. إن الإسلام يوجب العمل على الرجل، ولا يوجبه على المرأة، وذلك لسبب بسيط، هو أن المرأة لا تتحمل عمل الرجل، فهي تعيش من ثلاثة أيام إلى عشرة أيام كل شهر مريضة، جسمياً ونفسياً وهي أيام العادة الشهرية، وتكون ثقيلة الحركة في أيام الحمل، وتكون مرتبطة بالولد في أيام الرضاع... وهكذا فكيف نستطيع أن نوجب عليها العمل في مثل هذه الحالات؟ هل نعطيها رخصة؟ هذا غير سليم لأن المرأة في حالة العادة لا تكون طريحة الفراش، ولكنها تكون مريضة جسميّاً وعلى الأقل تكون (حساسة) تجاه ما يقال لها أو يسلك تجاهها.
فهل يعقل أن نترك معملاً ضخماً أو شيئاً من هذا القبيل على عاتق امرأة حساسة تثور لأية كلمة مثلاً، أو تتحملها، وتتعقد عليها.
فالتغيرات الفسيولوجية في جسم المرأة، تصحبها تغييرات سيكولوجية تجعلها تشعر أيام العادة بالحساسية والكآبة وتكون سريعة التأثر لأقل شيء من أقربائها فكيف بالغرباء عنها(14).
المرأة خارج البيت
في قوله تعالى (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن)(15).
قال القرطبي: (ليس للزوج أن يخرجها من مسكن الزوجية، ولا يجوز لها الخروج إلا لضرورة ظاهرة)(16) فالآية نزلت في المعتدّة ولكن حكمها يسري على الزوجة.
قال ابن عربي: قال مالك: (ولا تخرج المعتدة دائماً، وإنما أذن لها في الخروج إن احتاجت إليه، وإنما يكون خروجها في العدّة كخروجها في الزواج، لأن العدّة فرع الزواج)(17) وقد لاحظ أئمة التفسير والفقه أن البيوت مضافة إلى ضمير النسوة في قوله تعالى: (لا تخرجوهن من بيوتهن) وفي قوله (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة...)(18) وقوله تعالى (وقرن في بيوتكن...)(19) مع أن البيوت للأزواج لا لهن، وخرجوا من ذلك بأنها ليست إضافة (تمليك) بل إضافة (إسكان) تقرّرت لاستمرار لزوم المرأة البيت ـ إلا لحاجة ـ حتى أضيف إليها(20).
والإسكان هو الزام بالاقامة، يقول الكاساني: (ومنها ـ أي من الأحكام التي تترتب على عقد الزواج ـ صيرورتها ممنوعة عن الخروج والبروز لقوله تعالى (اسكنوهن) والأمر بالاسكان نهي عن البروز إذ الأمر بالشيء نهي عن ضدّه، ولقوله عز وجل: (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن) ولأنها لو لم تكن ممنوعة من الخروج والبروز لاختل السكن، والنسب)(21). فالمقرر في الفطرة وفي الشرع: أن البقاء في المنزل هو الاصل. وأن الخروج منه هو الفرع. والرسول (ص) يقول:
(لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهنّ خير لهن)(22).
فالشرع يجيز للمرأة أن تخرج لأداء العبادة في المساجد، ولكنه يرى اداءها لها في البيت خير لها. وذلك لتجنّب الفتنة والعوارض، ولكفالة الاستقرار، وجعل المرأة متفرغة لمهمتها.
وقد ثبت أن النساء كنّ يخرجن باذن رسول الله (ص) مع الجيش لخدمة الرجال، وتمريض الجرحى، والقيام بأعمال الاسعاف، فقد روي عن الربيع بنت معوذ، قالت: كنا نغزو مع رسول الله نسقي القوم، ونخدمهم، ونردّ القتلى والجرحى إلى المدينة)(23).
وفي سؤال لاحدهم لسماحة السيد محمد الحسيني الشيرازي (دام ظله) في خصوص هذا الموضوع وهو: إن هناك من يعتقد أن الإسلام قسّم أدوار الزوجين بين أن يتحمّل الزوج ما يرتبط بخارج البيت من الكد وجلب الحاجيات المنزلية، وبين أن تتحمّل الزوجة ما يرتبط بداخل البيت من الطبخ والكنس والاهتمام بالأطفال... فهل ترون هذا التقسيم من الاسلام؟ فكان جوابه (دام ظله): نعم، لكن دور المرأة على سبيل الاستحباب(24).