نفحات إيمانية للأسرة المسلمة
من المتعارف عليه أن الطفل يتأثر بوالديه، وهذا الأثر يبقى لفترة طويلة ، قد تمتد طوال عمره، وقِيَم الوالدين والمحيطين بالطفل تنتقل له بصورة مباشرة بحسب مجريات الحياة اليومية ومستجداتها، ولذا فعلى الوالدين إشباع أطفالهم بمنظومة قيمية، ومعرفية، وروحانية، ومهارية؛ تجعلهم مؤمنين بربهم، صالحين في أنفسهم، بَنَّائين في مجتمعهم.
ولنأخذ سلفنا الصالح مثالاً يحتذى به في تربيتهم لأولادهم فكانوا يهتمون ببناء معتقدهم، وتنمية مهاراتهم وقدراتهم، وتحصينهم ضد الشهوات والشبهات، وتأهيلهم للأعمال الجليلة، والواجبات الشرعية، والسلوكيات الحميدة، وقد وردت النصوص في تأكيد ذلك وبيانه. جاء عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ قَالَتْ: " أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ الَّتي حَوْلَ الْمَدِينَةِ "مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ). فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الإِفْطَارِ".
هكذا كانوا، وهكذا ينبغي لنا أن نكون مع أطفالنا في خير أيام الدنيا؛ عشر ذي الحجة، يقول صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام " قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلاّ رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء"البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام أعظم عند الله، ولا أحب إليه من العمل فيهن، من هذه العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد".رواه أحمد
الرقابة الربانية
يشير الشيخ حجازي إبراهيم بأنه حتى يداوم الصغير على العمل لا بد أن نربي عنده الرقابة الذاتية لله، وأن نخرجه من دائرة الرقابة الأبوية.. بأن نعلمه الإحسان فإيجاد هذا الوازع في النفس الطرية، وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، هنا تتم الرقابة الذاتية، ويشعر دائماً برقابة الله له، وقربه منه وإطلاعه عليه، فيشعر بالمسؤولية تجاه نفسه، بضرورة لزوم الصدق مع الله ومع النفس؛ ويحسن في ذلك أن نقص عليه قصة الراعي مع ابن عمر حين طلب منه شاة، فقال له وماذا أقول لسيدي، فقال له: قل: أكلها الذئب. فأجابه الراعي (فأين الله؟)، وقصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز فقال: معاذ الله..
ويوضح الشيخ حجازي بأنه يمكن في ذلك أن يغض الوالدان الطرف في بعض المرات، بأن يخرج الأب للصلاة، ولا ينادي على ابنه، فإن تبعه وسار على خطاه من تلقاء نفسه فبها ونعمت، وإلا فبعد أن يرجع يذكره: بأنني خرجت إلى الصلاة ولم أناد عليك؛ لأنني أريد منك أن تخرج للصلاة لأن الله نادى عليك، ولا ترتبط تأديتك للصلاة بنداء أبيك أو أمك.. فالله هو الأحق بالإجابة من كل الخلق..
وهنا أيضاً يشعره بمسؤوليته نحو نفسه، وأنه هو المطالب بتزكيتها: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) [الشمس: 9 - 10]، وأن الأب لا يحمل عن ابنه ذنوبه وكذلك الابن لا يحمل عن أبيه: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ . وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ . وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ . لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) سورة عبس: 34 - 37.
وحتى نجعل منه رجلاً قلبه معلق بالمساجد، يحسن بنا أن نذكره في يوم اشتد حره وتساقط عرقه، وقطعت الكهرباء، وهو يبحث عن ظل يأوي إليه، أو حجرة مكيفة يلج فيها، أو سيارة يسير بها لينجو من الحر.. في مثل هذا الموقف نلقي إليه بحديث: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ومنهم رجل قلبه معلق بالمساجد..
ومن الوسائل الهامة في تعويد الطفل على المسجد اصطحابهم في الصلوات وخاصة صلاة الجمعة
ونذكره بأن الواجب عليه أن لا يعبث أو يركض أو يزاحم الكبار..
وأن نحثه على حُسن الاستماع والإنصات، وفهم الخطبة في صلاة الجمعة أو العيدين وسؤاله عن مفهومها، وماذا استفاد منها؟!!
كذلك نشجعه على التعرف على الأصدقاء في المسجد، ثم نخبره بأنه لا مانع عندنا من استضافة هذه الصحبة في البيت أو القيام معهم برحلة.. وهذا يمزج بينه وبين رواد المسجد، فيجد منهم زاداً يدفعه إلى المسجد، ويحول بينه وبين الفتور كلما رآهم يخطون إلى المسجد..ويحسن أن نذكِّره بفضل الخطوات إلى المسجد بمثل هذا الحديث: فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله: "من تطهَّر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله؛ ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطوتاه إحداهما تحطُّ خطيئة ، والأخرى ترفع درجة". أخرجه مسلم عن أبي هريرة
كما أن لصلاة التراويح في رمضان أثرًا كبيرًا في النفوس المؤمنة، فإذا اصطحبنا الأبناء لصلاة التراويح، واعتادوا على سماع القرآن، وأداء الصلاة، فذلك تغذية نفسية لهم ينتظرونها من رمضان إلى رمضان.
ويتوجه الشيخ حجازي ببعض النصائح لاغتنام العشر الأوائل من ذي الحجة قائلاً: في هذه الأيام المباركة التي يعظم فيها الأجر والثواب نهيب بهم أن يكثروا من التردد على المساجد، وأن يكثروا من تلاوة القرآن، وصلة الأرحام، بأن نصحبهم لزيارة أعمامهم وأخوالهم وعماتهم وكذلك الخالات، وأن نغرس في نفوسهم أن هذا رصيد ندخره لهم أعظم من ادخار الأموال في البنوك؛ لأن هذا محفوظ عند الله، والله يمدك بفضله ولا يتخلى عنك في الدنيا ولا في الآخرة وهنا نذكره بحديث: من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله فليصل رحمه".. ونشرح له كل حديث بما يتناسب مع عقلة وقدرته ونبسط له كل هذه المعاني بما يتفق مع مخيلته
الشغف دليل على الإقبال
يقول وحيد مهدي (الكاتب والباحث في التطوير الشخصي والإداري) إن ممارسه الأعمال كعادة يومية فقط لا تعطي نفس النتائج التي من الممكن أن يقدمها عمل نقوم به بشغف فالشغف هو الدليل على حب الإنسان لما يعمل وهو الوسيلة لتفوقه في أداء هذا العمل وطالما كان هناك تركيز كبير وحب فبالتأكيد سيخرج لنا منتج مختلف والدليل على ذلك الشركات فمن الطبيعي كل الشركات تضم عدداً كبيراً من الموظفين ويقضون أوقات متساوية داخل جدران الشركة ولكن الشركات المتميزة فقط هي التي تخرج موظفيها نحو الشغف فتتفوق على غيرها
ويؤكِّد وحيد بأن خير محفز للوصول إلى الشغف المضاد للفتور هو إشعال نزوة الحماس فالحماس هو علاج شافي للقضاء على الفتور والملل والوصول إلى الحالة المنشودة من الحماس ويمكن توضيح هذه الأسباب بربطه بتلك الأيام التي نعيشها وهي العشر من ذي الحجة:
- وأول هذه الأسباب هي معرفة المكافأة التي تنتظرها بعد القيام بأعمالها فخير وسيلة دافعة للحركة أن لعملنا جدوى وفائدة.
- ثاني هذه الأسباب: متابعة أحوال المتميزين في مضمار العمل الذي نؤديه فإذا كان عملاً مهنياً أو كان عبادة "صلاة وقرآن " فحبذا لو صاحبناهم وتنافسنا معهم على البر والتقوى.
- ثالث هذه الأسباب: الحديث الإيجابي مع النفس وتأكيد أننا أصحاب قرار ونؤدي أعمالنا لأننا اخترنا ذلك ولسنا مجبرين على ذلك ولأنه يدفعنا إلى تأديته على أفضل وجه.
استشعار حلاوة العبادة
يقول محمود القلعاوي المستشار الاجتماعي والتربوي على شبكة الإنترنت:- ( بأن للأسرة دوراً عظيماً في استثمار المناسبات الإسلامية فى نفوس أطفالنا.. وهو ما يُسمى بالتربية بالحدث التي تفوق الكثير من وسائل التربية .. نستقيد من الحدث قدر الطاقة فى غرس القيم الإسلامية.. فالأسرة من شأنها أن تحبب الحدث للطفل بداية.. ودعنا نسقط الكلام على حدث الحج.. فهو حدث جلل لا شك.. ويسلط الضوء على أفكار نستطيع أن نهيىء بها بيوتنا وأطفالنا لهذا الحدث الجلل.. لكن من الأهمية بمكان التهيئة بأركانها النفسية والقلبية والعاطفية والوجدانية.. من المهم أن تشعر الأسرة بأكملها بحلاوة الحدث وجماله .. أن تهفوا القلوب لها .. هيا نزين بيوتنا بالزينة التي تشعر الجميع بحلاوة هذه الأيام .. هيا نصنع نموذجاً لخروف بصورة جميلة يراه الأطفال فيفرحون ويمرحون ) ..
ويقترح القلعاوي بأن يعقد جلسة عائلية جميلة قبل هذه الأيام نذكِّر الجميع بفضل هذه الأيام المباركة والأحاديث الجميلة الواردة في ذلك، ولنعضد هذا بمسابقة لأفضل حافظ لحديث بعينه ورد في فضل هذه الأيام.. ولماذا لا يكتب كل واحد فى غرفته آية أو حديثاً في فضل هذه الأيام بخط جميل ويعلق.. هذه بعض الأفكار التي أقترحها وليفكر كل منا بأفكار وأفكار نغير حال بيوتنا في هذه الأيام..
ويتوجه القلعاوي بالقول بأنه أثناء هذه الأيام المباركات أدعو الجميع أن يحاول قدر الطاقة أن تكون أياماً نذيب الثلوج في بيوتنا.. وأن تكون هذه الأيام أيام عودة للمشاعر لبيوتنا.. عودة الحب والمودة والسكن في بيوتنا.. شعور الجميع بالدفء في البيت.. نلتقي على طاعة الله من صيام وصلاة وأعمال بر وإحسان .. نلتقي على مائدة الطعام في وجبتي السحور والإفطار.. يأخذ كل منا بيد الآخر نحو صلة الأرحام
والعلاقات الاجتماعية.. نعقد لقاء أسرياً لطيفاً فيه زاد إيماني وروحي وثقافي وعاطفي ولنحكي قصة الأسرة الطيبة سيدنا إبراهيم وزوجته وولده إسماعيل.. وما أروع أن يصطحب الأب الأم وأولاده للصلاة بالمسجد صلاة العشاء مثلاً.. هو التغيير والتجديد نحو الخير والعودة لله عز وجل..
ويؤكد القلعاوي: بأنه بالطبع هناك دروس كثيرة وعظيمة لنا أن نتعلمها في هذه الأيام.. ولكن لنسلط الضوء على هذه الأسرة الطيبة الصالحة.. أسرة سيدنا إبراهيم.. الأب الطائع لربه الذي لا هدف له إلا إرضاء ربه ويريد زوجته وولده معه (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) ترى لمَ لمْ يذبحه وهو نائم ألم يكن أخف ؟! .. نعم ولكن الأب الصالح يريد من ولده أن يشاركه الأجر والثواب .. وكان الابن على قدر المسئولية:- ( افعل ما تؤمر ) ليس براً وفقط ولكنها القمة في ذلك .. ابن بار وأب طائع.. ولم تكن الأم على غير ما كانا عليه .. لقد رجمت شيطانها في إشارة لرضائها على ما يحدث وغضبها من شيطانها.. لا شك أننا أمام أسرة قدوة لكل بيت مسلم في التضحية والفداء .. في طاعة الخالق .. في البر بكل معانيه بر الأسرة لربها.. بر الزوجة لزوجها.. بر الابن بوالده..
مظاهر الاستفادة وطرق التوظيف
ويتوجه الدكتور رشاد لاشين الاستشاري التربوي ببعض النصائح للأسرة المسلمة كي تسير على نهج أسرة النبي إبراهيم عليه السلام:
على مستوى الأسرة
أن نقوم بعمل احتفالية سنوية في أيام عيد الأضحى كل عام نسميها (احتفالية الأسرة) تجتمع فيها الأسرة: الزوج والزوجة (الأب والأم) مع الأبناء، فيعيدون قراءة واقعهم كل عام على ضوء المبادئ العظيمة التي عاشت بها أسرة سيدنا إبراهيم، ويتباحثون كيف يجدِّدون حياتهم، وكيف يطوِّرون طاعتهم لله عز وجل، وكيف يسعَون لتطبيق تعليماته في المرحلة التي يمرون بها، وتضع الأسرة خطتَها السنوية كل عام، انطلاقًا من هذه المحطة الإيمانية كلما مرَّ عليها عيد الأضحى المبارك وكلما هلَّت عليها نفحاتُ الحج العظيمة.
على مستوى المؤسسات
أن تهتم المؤسسات المعنية بشئون الأسرة، بجعل مناسبات التكريم الخاصة بالأسرة في هذا الموعد من كل عام في ظل هذه المبادئ العظيمة التي استقيناها من هذه الأسرة الطائعة بدلاً من أن نجعل عيدَ الأسرة في ذكرى عيد الأم الأجوف من كل معنى والذي ينمُّ عن هجران الأسرة، وتذكرها فقط مرةً كل عام، فعيد الأضحى يمثل بجدارة (عيدًا للأسرة) بأكملها، فهو (عيد للأمومة) و(عيد للطفولة) وكذلك (عيد للأبوَّة) التي لا يحتفل بها أحدٌ وينطلق من أصولنا وقواعد شريعتنا دون التشبه بالغرب.
على مستوى الأمة كلها:-
تعبئة الأمة لمناصرة قضاياها، وأن يكون هناك دورٌ لكل فرد: فالأب قائد ورائد، والأم مساندة وصابرة، والابن فدائي ومبتكر.
على مستوى المؤسسات الإعلامية والصحفية:- الترويج لمبادئ وقيم الأسرة بوسائل وطرق مبتكرة عبر النموذج الرائع لأسرة سيدنا إبراهيم، ففي مجال الطفولة- على سبيل المثال- لدينا رمزياتٌ رائعةٌ نستطيع توضيحها للناس:
فالأضحية احتفالية سنوية لفداء الأبناء:- الأضحية رمزيةٌ عظيمةٌ لقيمة الأبناء وقدرهم في نفوس الأسرة التي توفِّر المال وتشتري الأضحية فداءً للأبناء كل عام الذين كانوا طبقًا لما أُمر به إبراهيم في أول الأمر سيُذبح واحدٌ منهم، ولكن جاء الفداء من السماء بعد الطاعة والتسليم ?وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ? (الصافات: 107).
ولنأخذ سلفنا الصالح مثالاً يحتذى به في تربيتهم لأولادهم فكانوا يهتمون ببناء معتقدهم، وتنمية مهاراتهم وقدراتهم، وتحصينهم ضد الشهوات والشبهات، وتأهيلهم للأعمال الجليلة، والواجبات الشرعية، والسلوكيات الحميدة، وقد وردت النصوص في تأكيد ذلك وبيانه. جاء عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ قَالَتْ: " أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ الَّتي حَوْلَ الْمَدِينَةِ "مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ). فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الإِفْطَارِ".
هكذا كانوا، وهكذا ينبغي لنا أن نكون مع أطفالنا في خير أيام الدنيا؛ عشر ذي الحجة، يقول صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام " قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلاّ رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء"البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام أعظم عند الله، ولا أحب إليه من العمل فيهن، من هذه العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد".رواه أحمد
الرقابة الربانية
يشير الشيخ حجازي إبراهيم بأنه حتى يداوم الصغير على العمل لا بد أن نربي عنده الرقابة الذاتية لله، وأن نخرجه من دائرة الرقابة الأبوية.. بأن نعلمه الإحسان فإيجاد هذا الوازع في النفس الطرية، وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، هنا تتم الرقابة الذاتية، ويشعر دائماً برقابة الله له، وقربه منه وإطلاعه عليه، فيشعر بالمسؤولية تجاه نفسه، بضرورة لزوم الصدق مع الله ومع النفس؛ ويحسن في ذلك أن نقص عليه قصة الراعي مع ابن عمر حين طلب منه شاة، فقال له وماذا أقول لسيدي، فقال له: قل: أكلها الذئب. فأجابه الراعي (فأين الله؟)، وقصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز فقال: معاذ الله..
ويوضح الشيخ حجازي بأنه يمكن في ذلك أن يغض الوالدان الطرف في بعض المرات، بأن يخرج الأب للصلاة، ولا ينادي على ابنه، فإن تبعه وسار على خطاه من تلقاء نفسه فبها ونعمت، وإلا فبعد أن يرجع يذكره: بأنني خرجت إلى الصلاة ولم أناد عليك؛ لأنني أريد منك أن تخرج للصلاة لأن الله نادى عليك، ولا ترتبط تأديتك للصلاة بنداء أبيك أو أمك.. فالله هو الأحق بالإجابة من كل الخلق..
وهنا أيضاً يشعره بمسؤوليته نحو نفسه، وأنه هو المطالب بتزكيتها: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) [الشمس: 9 - 10]، وأن الأب لا يحمل عن ابنه ذنوبه وكذلك الابن لا يحمل عن أبيه: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ . وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ . وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ . لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) سورة عبس: 34 - 37.
وحتى نجعل منه رجلاً قلبه معلق بالمساجد، يحسن بنا أن نذكره في يوم اشتد حره وتساقط عرقه، وقطعت الكهرباء، وهو يبحث عن ظل يأوي إليه، أو حجرة مكيفة يلج فيها، أو سيارة يسير بها لينجو من الحر.. في مثل هذا الموقف نلقي إليه بحديث: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ومنهم رجل قلبه معلق بالمساجد..
ومن الوسائل الهامة في تعويد الطفل على المسجد اصطحابهم في الصلوات وخاصة صلاة الجمعة
ونذكره بأن الواجب عليه أن لا يعبث أو يركض أو يزاحم الكبار..
وأن نحثه على حُسن الاستماع والإنصات، وفهم الخطبة في صلاة الجمعة أو العيدين وسؤاله عن مفهومها، وماذا استفاد منها؟!!
كذلك نشجعه على التعرف على الأصدقاء في المسجد، ثم نخبره بأنه لا مانع عندنا من استضافة هذه الصحبة في البيت أو القيام معهم برحلة.. وهذا يمزج بينه وبين رواد المسجد، فيجد منهم زاداً يدفعه إلى المسجد، ويحول بينه وبين الفتور كلما رآهم يخطون إلى المسجد..ويحسن أن نذكِّره بفضل الخطوات إلى المسجد بمثل هذا الحديث: فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله: "من تطهَّر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله؛ ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطوتاه إحداهما تحطُّ خطيئة ، والأخرى ترفع درجة". أخرجه مسلم عن أبي هريرة
كما أن لصلاة التراويح في رمضان أثرًا كبيرًا في النفوس المؤمنة، فإذا اصطحبنا الأبناء لصلاة التراويح، واعتادوا على سماع القرآن، وأداء الصلاة، فذلك تغذية نفسية لهم ينتظرونها من رمضان إلى رمضان.
ويتوجه الشيخ حجازي ببعض النصائح لاغتنام العشر الأوائل من ذي الحجة قائلاً: في هذه الأيام المباركة التي يعظم فيها الأجر والثواب نهيب بهم أن يكثروا من التردد على المساجد، وأن يكثروا من تلاوة القرآن، وصلة الأرحام، بأن نصحبهم لزيارة أعمامهم وأخوالهم وعماتهم وكذلك الخالات، وأن نغرس في نفوسهم أن هذا رصيد ندخره لهم أعظم من ادخار الأموال في البنوك؛ لأن هذا محفوظ عند الله، والله يمدك بفضله ولا يتخلى عنك في الدنيا ولا في الآخرة وهنا نذكره بحديث: من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله فليصل رحمه".. ونشرح له كل حديث بما يتناسب مع عقلة وقدرته ونبسط له كل هذه المعاني بما يتفق مع مخيلته
الشغف دليل على الإقبال
يقول وحيد مهدي (الكاتب والباحث في التطوير الشخصي والإداري) إن ممارسه الأعمال كعادة يومية فقط لا تعطي نفس النتائج التي من الممكن أن يقدمها عمل نقوم به بشغف فالشغف هو الدليل على حب الإنسان لما يعمل وهو الوسيلة لتفوقه في أداء هذا العمل وطالما كان هناك تركيز كبير وحب فبالتأكيد سيخرج لنا منتج مختلف والدليل على ذلك الشركات فمن الطبيعي كل الشركات تضم عدداً كبيراً من الموظفين ويقضون أوقات متساوية داخل جدران الشركة ولكن الشركات المتميزة فقط هي التي تخرج موظفيها نحو الشغف فتتفوق على غيرها
ويؤكِّد وحيد بأن خير محفز للوصول إلى الشغف المضاد للفتور هو إشعال نزوة الحماس فالحماس هو علاج شافي للقضاء على الفتور والملل والوصول إلى الحالة المنشودة من الحماس ويمكن توضيح هذه الأسباب بربطه بتلك الأيام التي نعيشها وهي العشر من ذي الحجة:
- وأول هذه الأسباب هي معرفة المكافأة التي تنتظرها بعد القيام بأعمالها فخير وسيلة دافعة للحركة أن لعملنا جدوى وفائدة.
- ثاني هذه الأسباب: متابعة أحوال المتميزين في مضمار العمل الذي نؤديه فإذا كان عملاً مهنياً أو كان عبادة "صلاة وقرآن " فحبذا لو صاحبناهم وتنافسنا معهم على البر والتقوى.
- ثالث هذه الأسباب: الحديث الإيجابي مع النفس وتأكيد أننا أصحاب قرار ونؤدي أعمالنا لأننا اخترنا ذلك ولسنا مجبرين على ذلك ولأنه يدفعنا إلى تأديته على أفضل وجه.
استشعار حلاوة العبادة
يقول محمود القلعاوي المستشار الاجتماعي والتربوي على شبكة الإنترنت:- ( بأن للأسرة دوراً عظيماً في استثمار المناسبات الإسلامية فى نفوس أطفالنا.. وهو ما يُسمى بالتربية بالحدث التي تفوق الكثير من وسائل التربية .. نستقيد من الحدث قدر الطاقة فى غرس القيم الإسلامية.. فالأسرة من شأنها أن تحبب الحدث للطفل بداية.. ودعنا نسقط الكلام على حدث الحج.. فهو حدث جلل لا شك.. ويسلط الضوء على أفكار نستطيع أن نهيىء بها بيوتنا وأطفالنا لهذا الحدث الجلل.. لكن من الأهمية بمكان التهيئة بأركانها النفسية والقلبية والعاطفية والوجدانية.. من المهم أن تشعر الأسرة بأكملها بحلاوة الحدث وجماله .. أن تهفوا القلوب لها .. هيا نزين بيوتنا بالزينة التي تشعر الجميع بحلاوة هذه الأيام .. هيا نصنع نموذجاً لخروف بصورة جميلة يراه الأطفال فيفرحون ويمرحون ) ..
ويقترح القلعاوي بأن يعقد جلسة عائلية جميلة قبل هذه الأيام نذكِّر الجميع بفضل هذه الأيام المباركة والأحاديث الجميلة الواردة في ذلك، ولنعضد هذا بمسابقة لأفضل حافظ لحديث بعينه ورد في فضل هذه الأيام.. ولماذا لا يكتب كل واحد فى غرفته آية أو حديثاً في فضل هذه الأيام بخط جميل ويعلق.. هذه بعض الأفكار التي أقترحها وليفكر كل منا بأفكار وأفكار نغير حال بيوتنا في هذه الأيام..
ويتوجه القلعاوي بالقول بأنه أثناء هذه الأيام المباركات أدعو الجميع أن يحاول قدر الطاقة أن تكون أياماً نذيب الثلوج في بيوتنا.. وأن تكون هذه الأيام أيام عودة للمشاعر لبيوتنا.. عودة الحب والمودة والسكن في بيوتنا.. شعور الجميع بالدفء في البيت.. نلتقي على طاعة الله من صيام وصلاة وأعمال بر وإحسان .. نلتقي على مائدة الطعام في وجبتي السحور والإفطار.. يأخذ كل منا بيد الآخر نحو صلة الأرحام
والعلاقات الاجتماعية.. نعقد لقاء أسرياً لطيفاً فيه زاد إيماني وروحي وثقافي وعاطفي ولنحكي قصة الأسرة الطيبة سيدنا إبراهيم وزوجته وولده إسماعيل.. وما أروع أن يصطحب الأب الأم وأولاده للصلاة بالمسجد صلاة العشاء مثلاً.. هو التغيير والتجديد نحو الخير والعودة لله عز وجل..
ويؤكد القلعاوي: بأنه بالطبع هناك دروس كثيرة وعظيمة لنا أن نتعلمها في هذه الأيام.. ولكن لنسلط الضوء على هذه الأسرة الطيبة الصالحة.. أسرة سيدنا إبراهيم.. الأب الطائع لربه الذي لا هدف له إلا إرضاء ربه ويريد زوجته وولده معه (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) ترى لمَ لمْ يذبحه وهو نائم ألم يكن أخف ؟! .. نعم ولكن الأب الصالح يريد من ولده أن يشاركه الأجر والثواب .. وكان الابن على قدر المسئولية:- ( افعل ما تؤمر ) ليس براً وفقط ولكنها القمة في ذلك .. ابن بار وأب طائع.. ولم تكن الأم على غير ما كانا عليه .. لقد رجمت شيطانها في إشارة لرضائها على ما يحدث وغضبها من شيطانها.. لا شك أننا أمام أسرة قدوة لكل بيت مسلم في التضحية والفداء .. في طاعة الخالق .. في البر بكل معانيه بر الأسرة لربها.. بر الزوجة لزوجها.. بر الابن بوالده..
مظاهر الاستفادة وطرق التوظيف
ويتوجه الدكتور رشاد لاشين الاستشاري التربوي ببعض النصائح للأسرة المسلمة كي تسير على نهج أسرة النبي إبراهيم عليه السلام:
على مستوى الأسرة
أن نقوم بعمل احتفالية سنوية في أيام عيد الأضحى كل عام نسميها (احتفالية الأسرة) تجتمع فيها الأسرة: الزوج والزوجة (الأب والأم) مع الأبناء، فيعيدون قراءة واقعهم كل عام على ضوء المبادئ العظيمة التي عاشت بها أسرة سيدنا إبراهيم، ويتباحثون كيف يجدِّدون حياتهم، وكيف يطوِّرون طاعتهم لله عز وجل، وكيف يسعَون لتطبيق تعليماته في المرحلة التي يمرون بها، وتضع الأسرة خطتَها السنوية كل عام، انطلاقًا من هذه المحطة الإيمانية كلما مرَّ عليها عيد الأضحى المبارك وكلما هلَّت عليها نفحاتُ الحج العظيمة.
على مستوى المؤسسات
أن تهتم المؤسسات المعنية بشئون الأسرة، بجعل مناسبات التكريم الخاصة بالأسرة في هذا الموعد من كل عام في ظل هذه المبادئ العظيمة التي استقيناها من هذه الأسرة الطائعة بدلاً من أن نجعل عيدَ الأسرة في ذكرى عيد الأم الأجوف من كل معنى والذي ينمُّ عن هجران الأسرة، وتذكرها فقط مرةً كل عام، فعيد الأضحى يمثل بجدارة (عيدًا للأسرة) بأكملها، فهو (عيد للأمومة) و(عيد للطفولة) وكذلك (عيد للأبوَّة) التي لا يحتفل بها أحدٌ وينطلق من أصولنا وقواعد شريعتنا دون التشبه بالغرب.
على مستوى الأمة كلها:-
تعبئة الأمة لمناصرة قضاياها، وأن يكون هناك دورٌ لكل فرد: فالأب قائد ورائد، والأم مساندة وصابرة، والابن فدائي ومبتكر.
على مستوى المؤسسات الإعلامية والصحفية:- الترويج لمبادئ وقيم الأسرة بوسائل وطرق مبتكرة عبر النموذج الرائع لأسرة سيدنا إبراهيم، ففي مجال الطفولة- على سبيل المثال- لدينا رمزياتٌ رائعةٌ نستطيع توضيحها للناس:
فالأضحية احتفالية سنوية لفداء الأبناء:- الأضحية رمزيةٌ عظيمةٌ لقيمة الأبناء وقدرهم في نفوس الأسرة التي توفِّر المال وتشتري الأضحية فداءً للأبناء كل عام الذين كانوا طبقًا لما أُمر به إبراهيم في أول الأمر سيُذبح واحدٌ منهم، ولكن جاء الفداء من السماء بعد الطاعة والتسليم ?وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ? (الصافات: 107).