خطبة الجمعة عن بر الوالدين
خطبة الجمعة عن بر الوالدين
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومنسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلاالله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله تعالى بالهدي ودينالحق فبلغ الرسالة وأدي الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده بنفسه ومالهوجاهه فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يومالدين.
أما بعد
أما بعد فيا عباد الله أما بعد فيا عبادالله أما بعد فيا عباد الله خلقكم الله تعالى من عدم وأمدكم بنعمه وأزال عنكم النغمفما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون عباد الله اعرفوا نعمةالله عليكم حيث أوجدكم وأعدكم وأمدكم بنعمه وقوموا بما أوجب الله عليكم من حقوقهالتي خلقكم من أجلها ومن حقوق عباد الله عز وجل وإن أعظم حقوق العباد بعد حق الرسولصلى الله عليه وعلى آله وسلم حقوق الوالدين فإن الله تعالى جعل مرتبة حقوق الوالدينبعد مرتبة حقوق الله وحقوق رسوله فقال عز وجل (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوابِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً )(النساء: من الآية36) وعبادة الله عزوجل لا تتم إلا بالإخلاص له والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلى هذافقوله تعالى واعبدوا فقوله تعالى (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِشَيْئاً).يتضمن حق الله عز وجل وحق رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأوصى الله تباركوتعالى وصية خاصة بالوالدين فقال ( ووصينا الإنسان بوالديه ) وبين جل وعلا بينالحكمة العظيمة من هذه الوصية فقال تعالى (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍوفِصَالَه فِي عَامَيْن )(لقمان: من الآية14) أي حملته ضعفاً على ضعف فمن حين أنينشأ الحمل بها الضعف إلى أن ينتهي الحمل ثم بعد ذلك يأتي دور الحضانة أيها الأخوةالمسلمون إن الله جعل بر الوالدين مقدماً على الجهاد في سبيل الله ففي الصحيحين عنعبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال سألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أيالعمل أحب إلى الله قال : ( الصلاة على وقتها قلت ثم أي قال بر الوالدين قلت ثم أيقال الجهاد في سبيل الله) وفي صحيح مسلم أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وعلى آلهوسلم فقال أبايعك على الهجرة أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله عز وجلفقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( فهل من والديك أحد حي قال نعم بلكلاهما قال فتبتغي الأجر من الله عز وجل قال نعم قال فأرجع إلى والديك فأحسنصحبتهما) في حديث إسناده جيد أن رجلاً قال يا رسول الله إني أشتهي الجهاد ولا أقدرعليه قال هل بقي من والديك أحد قال نعم أمي قال النبي صلى الله عليه وسلم قابل اللهفي برها فإذا فعلت ذلك فأنت حاج ومعتمر ومجاهد ) ولقد أوصى الله تبارك وتعالى بصحبةالوالدين ولقد أوصى الله تبارك وتعالى بصحبة الوالدين بالمعروف ولو كانا كافرين ولوكانا كافرين وبذلا الجهد في ابنهما المسلم أن يكفر بالله لكن لا يطيعهما في الكفرفقال الله تعالى (و إن جاهداك ).أي الوالدان أي بذلا الجهد ( عَلَى أَنْتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِيالدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّإِلَيَّ)(لقمان: من الآية15) وفي الصحيحين عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهماقالت قدمت عليّ أمي وهي مشركة وكان أبو بكر رضي الله عنه قد طلقها في الجاهليةفقدمت على ابنتها أسماء في المدينة بعد صلح الحديبية قالت أسماء: فاستفتيت رسولالله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقلت يا رسول الله قدمت عليّ أمي وهي راغبة أيراغبة في أن أصلها بشيء أفاصلها يا رسول الله قال نعم صلي أمك ) أيها المسلمون إنبر الوالدين يكون ببذل المعروف والإحسان إليهما بالقول والفعل والمال أما الإحسانبالقول فأن تخاطبهما باللين واللطف مستصحباً بذلك أكمل الألفاظ وأطيبها مما يدل علىاللين والتكريم وأما الإحسان بالفعل فأن تقوم بخدمتهما ببدنك ما استطعت لا سيما إذادعت الحاجة إلى ذلك كقضاء الحوائج والمساعدة على شؤونهما وغير ذلك مما يحتاجان إليهوأما الإحسان بالمال فأن تبذل لهما من مالك كل ما يحتاجان إليه بنفس طيبة وصدرمنشرح غير متبع ذلك بمنة ولا أذى وإن بر الوالدين كما يكون في الحياة فإنه يكونأيضاً بعد الممات فقد أتى رجل من بني سلمة إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلمفقال (يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما بعد موتهما قال نعم الصلاة عليهما ) يعني الدعاء لهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما أي وصيتهما من بعدهما وصلة الرحمالتي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما) رواه أبو داوود أيها الأخوة وقفة عند هذاالحديث هل قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأن تصلي لهما هل قال أن تتصدقعنهما هل قال أن تعتمر لهما هل قال أن تحج لهما لا إذا فالدعاء والأمور التي ذكرهاالنبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الصلاة لهما وأفضل من الصدقة عنهما وأفضل منالاعتمار عنهما وأفضل من الحج عنهما وقد شغف كثير من الناس اليوم بفعل الطاعات عنالأموات دون الدعاء لهما وهذا خلاف ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلمولقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال : ( إذا مات الإنسان إنقطععمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ).ولم يقل أو ولد صالح يعمل له مع أن سياق الحديث في العمل فدل هذا على ان الدعاءأفضل من التثاوب بالاعمال الصالحة للوالدين أوغيرهما من الأقارب وفي صحيح مسلم عنعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنه كان يسير في طريق مكة راكباً علىحمار يتروح عليه إذ مل الركوب على الراحلة فمر به إعرابي فقال له ألست فلان ابنفلان قال بلى فأعطاه الحمار وقال أركب هذا وأعطاه عمامة كانت عليه وقال أشدد بهارأسك فقالوا لابن عمر رضي الله عنهما غفر الله لك أعطيته حماراً كنت تروح عليهوعمامة تشد بها رأسك فقال ابن عمر رضي الله عنهما إن أبا هذا كان صديق لعمر وإنيسمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول(إن من أبر البر صلة الرجل أهل ودأبيه ) أيها المسلمون هذا بيان منزلة البر وعظيم مرتبته أما أثاره فهو الثوابالجزيل في الآخرة والجزاء بمثله في الدنيا فإن من بر بوالديه بر به أولاده ومن آثاربر الوالدين تفريج الكربات ففي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما في قصةالثلاثة الذين أواهم المبيت إلى غار فدخلوه فانطبقت عليهم صخرة فسدته عليهم فتوسلواإلى الله عز وجل بصالح أعمالهم أن يفرج عنهم فقال أحدهم اللهم إنه كان لي أبوانشيخان كبيران وكنت لا اغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً فنأى بي طلب الشجر يوماً فلم أرحعليهما حتى ناما فحلبت غبقوهما يعني اللبن فوجدتهما نائمين فلبثت والقدح على يديانتظر استيقاظهما حتى برق الفجر فاستيقظا فشربا غبوقهما اللهم إن كنت فعلت ذلكابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه فانفرجت بعض الصخرة وتوسل صاحباه بصالح منأعمالهما فانفرجت وخرجوا يمشون ) ومن آثار بر الوالدين إن فيه طول العمر وحسنالخاتمة فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( منسره أن يمد له في عمره ويوسع له في رزقه ويدفع عنه ميتة السوء فليتق الله وليصلرحمه ) إسناده جيد وبر الوالدين أعلا صلة الرحم لأنهما أقرب الناس إليك رحما أيهاالأخوة المسلمون أيها الأخوة المسلمون إنه لا يليق بعاقل فضلا عن مؤمن أن يعلم فضلبر الوالدين وأثاره الحميدة في الدنيا والآخرة ثم يعرض عنه ولا يقوم به ويجعلمعاملته لأصحابه وزوجته ألين وأرفق من معاملته لوالديه أما يتقي الله أما يخشى اللهعز وجل اللهم وفقنا لبر الوالدين أحيانا وأمواتا اللهم أجزهم عنا خيرا ربي أرحمهماكما ربونا صغارا يا رب العالمين والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينامحمد وعلى آله وصحبه وسلم