سيدي احمد أوموسى

من أبرز التنظيمات التقليدية في sidi ahmed ou moussa هناك ما يعرف باسم "تويزي"، وهي عبارة عن تكاثل تكافلي للسكان النشيطين، من أجل القيام بأعمال مشتركة وفقا لتنظيم عرفي يتفقون عليه مسبقا. تنظيم تحكمه مجموعة من الأعراف والعادات المحلية المرتبطة بخصوصيات ساكنةsidi ahmed ou moussa. إلى جانب تويزي نجد تنظيما تقليديا آخر يدعى : "تيكيوين" ثم هناك كذلك "تاولا"، هذه التنظيمات مجتمعة تندرج ضمن المجال الفلاحي.
هناك كذلك تنظيمات تقليدية تنشط في المجال الديني، حيث أن السكان يتفقون ويتعاونون من أجل بناء وإصلاح المساجد والزوايا كما يسهرون على ظمان تمويلها وتموينها بكل ما تحتاج إليه. وإن كان هذا يدل على شيء، فإنما يدل على أن sidi ahmed ou moussa تميز بتعاون جماعي بين سكانه حتى قبل أن تظهر الجمعيات في صيغتها الحديثة.
2- التنظيمات الحديثة :
من أجل التغلب على الإشكاليات المطروحة في مختلف الأصعدة، ومواكبة المستجدات التي تطرأ في شتى المجالات، كان من اللازم أن تظهر إلى الوجود تنظيمات جماعية حديثة مؤطرة ومقننة وفقا لمساطر قانونية مضبوطة. هنا نتساءل، ما هو المفهوم القانوني لهذه التنظيمات الحديثة؟
فبمقتضى الفصل الأول من الظهير الشريف رقم 1/58/376 المؤرخ في 15 نونبر1958 والمعدل سنة 1973، الذي يضبط حق تأسيس الجمعيات، يؤكد على أن الجمعية هي اتفاق لتحقيق تعاون مشترك ومستمر بين شخصين أو عدة أشخاص، لاستخدام معلوماتهم أو نشاطهم لغاية غير توزيع الأرباح فيما بينهم(1).
من هذا المنطلق يتضح أن الجمعية في إطارها القانوني مبنية على ثلاثة مبادئ أساسية، أولاها الاتفاق، بحيث لا يمكن إنشاء جمعية بدون اتفاق أطرافها، ثانيها التعاون باعتباره غاية لا محيد عنها، وأخيرا يجب ألا تؤسس الجمعية من أجل تحقيق الأرباح.
هكذا يتضح أن الجمعيات خاضعة لمساطر قانونية منذ تأسيسها وفي جميع مراحل عملها، حيث تسعى إلى توعية وتحسيس الفئات المستهدفة بمشاكلها، وبالتالي تحفيزها للتفكير والمشاركة في طرف وإيجاد حلول مناسبة، قصد تجسيدها في أرض الواقع، كما تسعى كذلك إلى وضع استراتيجيات واضحة لإنجاز مشاريع تنموية، وبالتالي تحسين ظروف عيش السكان.
وانطلاقا من هذا الدور المهم الذي أصبحت تقوم به الجمعيات، كان من الطبيعي أن يشهد إقليم تزنيت كغيره من الأقاليم حركة جمعوية مهمة. تنشط في مختلف المجالات التي تهم الشأن اليومي للساكنة المحلية.
3- أنواع الجمعيات :
إذا كانت الجمعية تعني ذلك الإطار الذي تتم بواسطته توعية الفئات المستهدفة بمشاكلها وتحفيزها على المشاركة في طرح وإيجاد الحلول المناسبة، فإن الجمعيات تنقسم إلى عدة أصناف، وذلك وفقا لاختلاف أهدافها ومرجعياتها، وكذا الفئات التي تستهدفها وطرق عملها. هكذا نجد أن التقسيم المغربي للجمعيات يتمحور حول ثلاثة أصناف أساسية هي:
-جمعيات حسب ظهير 15 نونبر 1958 وهي :
جمعيات معلن عنها أو معلنة.
جمعيات ذات منفعة عاة.
جمعيات أجنبية.
-جمعيات ذات قانون خاص و هي :
جمعيات مستعملي مياه السقي.
جمعيات النقابات لأصحاب ألأملاك.
جمعيات رياضية.
جمعيات مهنية.
-جمعيات حسب ميدان التدخل وهي :
جمعيات ذات صبغة سوسيوثقافية.
جمعيات ذات صبغة مهنية وحرفية.
جمعيات ذات صبغة سوسيواقتصادية.
وإلى جانب هذه التصنيفات فإن هناك تقسيمات عديدة تختلف حسب زوايا التحليل، وكذا أنواع الدراسات، غير أنه في ظل هذا التعدد في التسميات ظهر مصطلح جديد وهو الجمعيات التنموية، الذي خلق مجموعة من الاشكاليات، حيث أن مفهوم التنمية من الصعب تخصيصه. إذ لم يعد بالامكان الفصل بين جمعيات تنموية و أخرى غير تنموية، لأن الثقافة تنمية، والرياضة تنمية إلى غير ذلك. إلا أنه وفقا للتفريق العرفي يمكن القول بأن الجمعيات التنموية هي التي تتميز بما يلي :
- أولوية التدخل في الميدان الاقتصادي والاجتماعي.
- اختلاف طرق العمل، والتدخل في مشاريع تنموية ملموسة.
- تخصيص مصادر التمويل وربط علاقات مع المحيط الخارجي من خلال عقود الشراكة والمشاركة(2).
وبموازاة الجمعيات التنموية هناك جمعيات ثقافية وأخرى اجتماعية، كما أن هناك جمعيات بيئية دون أن ننسى الجمعيات الرياضية.
والمشهد الجمعوي بإقليم تزنيت، يعرف حضور كل هذه الأنواع من الجمعيات، وهذا يدل على أن هناك اهتماما بمختلف المجالات والميادين.
ثانيا : العمل الجمعوي في الإقليم نموذج دائرة أنزي : ملاحظة: الرسوم البياتية سوف توضع في محلها لاحقا.
1- نشأة الجمعيـات بالدائرة وأعضاؤها :
1- 1 تطور وتأسيس الجمعيات :
لإلقاء نظرة عن سنوات ظهور الجمعيات بدائرة أنزي سنستـعـيـن بالجــد ول التالي :
جدول رقم 19 : توزيع الجمعيات بدائرة أنزي حسب سنوات تأسيسها(3)
السنوات 1957 1980 1982 1984 1990 1993 1994 1995 1996 1997 1998 1999 2000 المجموع
عدد الجمعيات 1 1 2 1 1 1 3 6 3 8 8 4 16 55
من خلال الجدول رقم 19 يتضح أن الدائرة عرفت البدايات الأولى للعمل الجمعوي منذ أواخر الخمسينيات، ولو أن ذلك كان بصفة محتشمة، حيث عرفت هذه الفترة تأسيس جمعية واحدة، واقتصر العمل الجمعوي عليها فقط إلى حدود سنة 1980 حيث ظهرت جمعية أخرى، كما ظهر ثلاث جمعيات خلال الفترة الممتدة ما بين 82-1984. غير أن الفترة التي عرفت صحوة حقيقية على مستوى تأسيس الجمعيات هي سنوات التسعينات وسنة 2000، حيث تأسس بالدائرة خلال هذه الفترة خمسين جمعية.
إذن فجل الجمعيات تأسست حديثا، بينما الثلاثين سنة السابقة للعقد الأخير لم تعرف تأسيس سوى خمس جمعيات. وبالتالي فثقافة العمل الجمعوي لم ترسخ بالدائرة سوى في عقد التسعينات.
1- 2 أسباب وظروف نشأة الجمعيات بالدائرة :
بداية نشير إلى أن كل هذه الجمعيات تنشط بالوسط القروي، وإذا أدركنا مميزات هذا الوسط فسنتوصل إلى أسباب نشأة الجمعيات بالمنطقة.
إن هذا الوسط يتميز بهـشاشة بنياته التحتية إن لم نقل بانعدامها، كما يتميز كذلك بنسب جد مرتفعة للأمية خاصة في صفوف العنصر النسوي، ينضاف إلى ذلك تفشي ظاهرة البطالة بكثرة خاصة في صفوف الشباب، ثم إن هذا الوسط تأثر كثيرا بفعل توالي سنوات الجفاف. هذه الظروف التي تطبع الوسط القروي هي التي دفعت بأبناء المنطقة إلى تأسيس هذه الجمعيات، إذ نجد أن جلها تؤكد على أن ظهورها كان قصد النهوض بالعالم القروي عموما.
الى جانب ذلك هناك جمعيات ظهرت من أجل العناية بالمدارس العتيقة أمام الإهمال المتزايد الذي يطال هذا الميدان. بالإضافة إلى ذلك كله فإن بعض الجمعيات نشأت على أنقاض جمعيات أخرى، أي تأسست بسبب بعض الصراعات الفردية والهامشية.
عموما ومهما اختلفت الأسباب الكامنة وراء تأسيس الجمعيات بالدائرة، فإن الهدف واحد هو النهوض بالعالم القروي مما يعني تحسين الظروف المعيشية للساكنة المحلية وتمكينها من ضروريات الحياة اليومية.
1- 3 التوزيع المجالي للجمعيات بدائرة أنزي :
جدول رقم 20 : توزيع الجمعيات حسب الجماعات القروية بدائرة أنزي(4)
الجماعة سيدي احمد أوموسى أيت أحمد أيت اسافن إداكوكمار تزغران أنزي تيغمي إثنين أدي تافراوت الملود المجموع
عدد الجمعيات 9 2 2 2 4 11 14 8 3 55
انطلاقا من الجدول رقم 20 والشكل رقم 8 يتضح أن الجمعيات تتواجد بكل جماعات الدائرة، إلا أن الملاحظ هو التفاوت في توزيع هذه الجمعيات حسب الجماعات، فبعض هذه الأخيرة لا يتجاوز عدد الجمعيات بها إثنتان كما هو الشأن بالنسبة لأيت أحمد، أيت إسافن وإداكوكمار. وهناك جماعات تعرف تواجد عدد لا بأس به من الجمعيات، يتعلق الأمر بإثنين أداي، سيدي احمد أوموسى وأنزي، حيث يتواجد بها على التوالي 8 و9 و11 جمعية. غير أن الجماعة التي تعرف تركز أكبر عدد من الجمعيات هي تيغمي التي يبلغ عدد الجمعيات بها 14. ويعزى هذا العدد المهم من الجمعيات بهذه الجماعة، مقارنة بالجماعات الأخرى، إلى التركز السكاني المهم بهذه الجماعة، حيث تعتبر الأولى من حيث عدد السكان بالدائرة إذ يتواجد بها 10383 ن. كما أن هذه الجماعة تتميز بنشاط ورواج تجاري لا يستهان به، نظرا لموقعها المهم، مما حد من ظاهرة الهجرة المكثفة ولو نسبيا مقارنة مع الجماعات الأخرى، الأمر الذي وضع أسس قوية لظهور جمعيات هنالك.
1- 4 أعضاء الجمعيات :
1- 4- 1 الوضعية المهنية لأعضاء الجمعيات :
جدول رقم 21 : توزيع أعضاء الجمعيات حسب القطاعات المهنية(ب %)(5).
القطاعات المهنية القطاع الأول القطاع الثاني القطاع الثالث موظفون مهن أخرى المجموع
أعضاء الجمعيات 9 16 21 32 22 100%
من خلال الجدول أعلاه والشكل رقم 9 يتضح أن الوضعية المهنية لأعضاء الجمعيات تتميز بالتنوع فهؤلاء الأعضاء ينتمون إلى مختلف القطاعات لكن بنسب مختلفة. إذ نجد أن الأعضاء الذين ينتمون للقطاع الأول لا يمثلون سوى نسبة 9 % من مجموع الأعضاء، بينما تبلغ نسبة الأعضاء الذين ينتمون للقطاع الثالث ما يمثل 21 % من مجموع الأعضاء، هذا في الوقت الذي تصل فيه نسبة الأعضاء الموظفون إلى ما يعادل 32 % من مجموع الأعضاء.
ولتفسير هذا التفاوة الحاصل في توزيع الأعضاء حسب القطاعات، نجد تبريرا لهذا من خلال وعي وإدراك هؤلاء الأعضاء بأهمية العمل الجمعوي، وهذا ما ينطبق على الأعضاء الموظفين، فجلهم يتميز بمستوى دراسي مهم وهذا ما أكسبهم هذا الوعي والدراية بأهمية الميدان الجمعوي، لذلك انخرطوا فيه بكثافة.
وداخل فئة الموظفين، نجد أن 60.9% من الأعضاء هم رجال التعليم، ويفسر هذا بكون هؤلاء يمارسون عملهم بالمناطق التي تنتشر فيها هذه الجمعيات.
1- 4- 2 توزيع الأعضاء حسب الجنس :
يشكل العنصر النسوي نسبة ضئيلة من أعضاء الجمعيات إذ لا تتجاوز نسبته 3.94% من أعضاء الجمعيات، بينما يستحوذ الذكور على النسبة المتبقية والتي تقدر ب96.06 %. ومن خلال هذا يتضح أن التوزيع حسب الجنس يتميز بالتفاوت الكبير، لهذا علينا أن نتساءل عن الأسباب الكامنة وراء هذا الخلل في التوزيع؟
إن الأسباب الحقيقية لهذا التباين تكمن في المستوى التعليمي الضعيف لدى الإناث، فجلهن أميات، الأمر الذي انعكس عليهن سلبا، ولهذا العامل ينضاف عامل العادات والتقاليد، حيث تلزم المرأة بتجنب كل ما يمكن أن يسبب في اختلاطها مع الرجل. فحتى هذه النسبة الضئيلة للعنصر النسوي المنخرطة في العمل الجمعوي تتشكل أساسا من نساء قادمات من خارج المنطقة واستقرارهن هناك كان بسبب الالتزام المهني ليس إلا.
وعموما فهذا التوزيع يعكس وبجلاء الوضعية الحقيقية لتقسيم العمل بين الجنسين في المنطقة، وضعية يطبعها عدم التكافؤ وانعدام التوازن.
1- 4- 3 التكوين الذي استفاد منه أعضاء الجمعيات :
اضحى التكوين يشكل في الوقت الراهن أهم المطالب الأساسية للجمعيات، لأنه يمثل إحدى العناصر الضرورية لجعل العمل الجمعوي ذو جدوى ومردودية وأيضا لمواكبة الركب الحداثي. لكن ورغم كل هذا، فإن الإقبال على التكوين بالمنطقة لا زال ضعيفا نسبيا، إذ لا تتجاوز نسبة الجمعيات التي استفادت منه ما يعادل 44 % من مجموع جمعيات المنطقة، غير أن مقارنة هذه النسبة بالنسب المسجلة في بعض الدوائر الأخرى من الإقليم، تجعلنا نقر بأهمية هذه النسبة المسجلة بدائرة أنزي.
إن التكوين الذي استفادت منه الجمعيات بالمنطقة يختلف حسب طبيعة هذه الجمعيات وحسب اهتماماتها، وبالتالي فهناك تنوع في مواضيع التكوين. إلا أن الملاحظ هو الاهتمام الكبير بالتكوين في التسيير الإداري والمالي، لأن هذا العنصر يعتبر ذو أهمية بالغة تتجلى في كون الجمعيات تسعى للوصول إلى التسيير الحسن، حيث أن هذا الأخير هو أساس نجاح أي عمل جمعوي. وبموازاة التكوين في التسيير تهتم الجمعيات كذلك بالتكوين في كيفية التواصل والتعامل مع جمعيات أخرى، هذا كذلك يعتبر عنصرا مهما لأن الجمعية تهدف من خلاله إلى تبادل الخبرات والتجارب ثم الأفكار. بالإضافة إلى ذلك هنا التكوين في طريقة العمل ثم التكوين في صياغة المشاريع، دون أن ننسى التأطير البيداغوجي، وهذا الأخير يكون موجها إلى الجمعيات التي تنشط في مجال محاربة الأمية أساسا.
وكما تختلف مواضيع التكوين تختلف أيضا الهيئات التي أعطت هذا التكوين، إلا أن ما يميز هذه الهيئات هو أنها أجنبية وتنتمي لمجموعة من الدول خاصة : و.م. الأمريكية، كندا وفرنسا. وأبرز هذه الهيئات على الإطلاق منظمة "إكسفام كيبيك الكندية"، التي أعطت التكوين لأكثر من جمعية. وجدير بالذكر أن الجمعيات ذات الإمكانيات المهمة تنظم تكوينا ذاتيا لأعضائها كما هو الشأن بالنسبة لجمعيتي الشعلة وزاكورة. وما يثير الانتباه هنا هو انعدام الهيئات الوطنية المهتمة بهذا الميدان في هذه المنطقة.
وبما أن التكوين يشمل عدة مجالات ويواكب المستجدات التي تطرأ في مختلف الميادين فإن 62 % من مجموع جمعيات الدائرة، وضمنها كل التي استفادت من التكوين، حددت الميادين التي تحتاج فيها إلى التكوين. وأهم ما تلح عليه هذه الجمعيات هو التكوين فيما يتعلق بالتواصل، فلماذا هذا العنصر بالذات؟-يكمن السبب في كونه يسمح بالتبادل المعرفي وذلك عن طريق جلسات النقاش والاتصال الدائم مع الأطراف الفاعلة ثم تبادل الخبرات والتجارب.
وبعد التواصل تأتي حاجة الجمعيات إلى التكوين في كيفية إنجاز المشاريع، لأن هذا العنصر رغم أنه ظاهريا يبدو بسيطا فإن التأمل في عمقه يبرز عكس ذلك، ذلك أن المشروع يمر بثلاث مراحل كبرى، هي إنجاز وثيقة المشروع التي تتكون أساسا من المعلومات الخاصة بالمشروع، ثم البحث والموافقة على التمويل وأخيرا الإنجاز، من هنا إذن تتضح أهمية هذا العنصر. وهنا بعض الجمعيات التي أبرزت حاجتها إلى التأطير البيداغوجي والتكوين في مجال الإعلاميات، وتدبير الموارد البيئية، دون أن ننسى حاجة البعض الآخر إلى كيفية التفاوض ووضع البرامج المستقبلية.
2- تدبير الجمعيات ومواردها :
أعتبر سوء التدبير والتسيير من أهم المشاكل التي تتخبط فيها الجمعيات، ويعزى سبب ذلك إلى كون أعضاء مكاتبها متطوعين ومرتبطين في نفس الوقت بأعمالهم الأساسية كموظفين ورجالات المقاولات والأعمال والقضاء… قليلة هي الجمعيات التي تتوفر على المقرات المجهزة والمنظمة للديمومة قصد التواصل والتنسيق(6).
2- 1 الهياكل المنظمة للجمعيات :
التنظيم هو أساس كل شيء، ففي غيابه يصعب العمل وبالتالي الوصول إلى النتائج المتوخاة من أي عمل كيفما كان نوعه. ففي الميدان الجمعوي مثلا، التنظيم داخل الجمعية يعطي فرصة لأعضائها لمناقشة المشاكل التي تعرفها منطقتهم، كما يسمح لهم باتخاذ القرارات اللازمة بشكل جماعي قصد تحقيق الأهداف التي من أجلها أنشئت الجمعية، لأن خلق الجمعية ليس هدفا بذاته.
ولكي تكون الجمعية منظمة وضامنة لتحقيق الأهداف يجب أن تنبني على هياكل قوية تضمن لها سيرورة دائمة ومستديمة. وهكذا فكل جمعية تبحث لنفسها عن شكل تنظيمي يتماشى مع ما تريد تحقيقه. فالقانون المغربي، وعيا منه بأن التنظيم وسيلة وليس غاية لم يحدد أي شكل تاركا بذلك باب الاجتهاد مفتوحا أمام الجمعيات لاختيار الشكل الذي يلائمها. وعموما فإن أغلب الجمعيات بالمنطقة تتهيكل كما يلي :
· الجمع العام : هو مناسبة يلتقي خلالها كل أعضاء الجمعية للتباحث والتداول في شؤون الجمعية. ويعتبر الجمع العام أعلى هيئة تقريرية داخل الجمعية، حيث أن قراراته ملزمة لكل الأعضاء كيفما كانت مهامهم داخل الجمعية. والجموعات العامة تكون إما عادية او استثنائية.
- الجمع العام العادي : ينعقد غالبا مرة في السنة وذلك لمجموعة من الغايات أهمها: الاستماع للتقريرين الأدبي والمالي والمصادقة عليهما، النظر في الأنشطة التي ينوي المكتب القيام بها في العام المقبل ثم انتخاب أعضاء المكتب المسير حسب ما هو منصوص عليه في القانون الأساسي للجمعية.
- الجمع العام الاستثنائي : ينعقد وفق شروط خاصة يوضحها القانون الأساسي وذلك لدراسة الأمور الطارئة والتي لا يمكن إرجاؤها إلى حين الجمع العام. وتنعقد الجموعات الاستثنائية بدعوة من الرئيس بناء على طلب من ثلثي الأعضاء أو بطلب من المكتب المسير. ومن أهم الأمور التي تناقش داخل الجمع العام الاستثنائي نجد ما يلي : تغيير أو تعديل قوانين الجمعية حل الجمعية، ومساءلة المكتب المسير إذا كان هناك ما يدعو لذلك.
وسواء كان الجمع عاديا أو استثنائيا، فلا بد لانعقاده بشكل قانوني صحيح من احترام المبادئ الخمسة التالية :
أ- تبليغ كافة الأعضاء : على الرئيس أن يوجه الدعوة لجميع الأعضاء وأي احتجاج بعدم التوصل بالاستدعاء لحضور الجمع العام يعتبر سببا لاغيا لقرارات الجمع.
ب- احترام مهلة التبليغ : ذلك أن أعضاء الجمعية يجب أن تصلهم الدعوة لحضور الجمع العام خلال أجل كاف ومعقول.
ج- الإعلان عن مكان وزمان الجمع العام : أي أن الدعوة لجمع يجب أن تكون واضحة وذلك بتبيان مكان وزمان الجمع.
د- جدول الأعمال : من حق أعضاء الجمعية معرفة الأمور التي ستتم مناقشتها خلال الجمع مسبقا.
هـ- توفر النصاب القانوني : حفاظا على الصبغة التشاركية اللازم توفرها في القرارات المتخذة، يجب التأكد من حضور العدد الضروري المنصوص عليه في القانون الأساسي والذي يختلف بحسب الجمع العام إذا ما كان عاديا أو استثنائيا.
- المكتب المسير : تحقيق أهداف الجمعية عملية تتطلب مراقبة ومتابعة يومية. وبما أنه لا يمكن تكليف كل الأعضاء بهذه المهمة فلابد من انتداب مجموعة صغيرة من بين الأعضاء لتدبير كل الأمور المرتبطة بعمل الجمعية، وهذه المجموعة المنتدبة تعرف باسم المكتب المسير للجمعية.
فأعضاء المكتب المسير مـنـتـد بون من لدن الجمع العام مما يجعلهم مسؤولون أمامه. ويعتبر المكتب المسير للجمعية المسؤول الأول أمام الإدارات والسلطات المحلية. فهو الذي يتكلم باسم الجمعية ويمثلها عند الحاجة ويتكون المكتب المسير من سبعة إلى تسعة أعضاء كما ينص على ذلك القانون الأساسي النموذجي للجمعيات. ويقوم أعضاؤها بتقاسم المهام بحسب قدراتهم وكفاءاتهم. ويتكون المكتب المسير من الرئيس الكاتب العام وأمين المال وكل واحد من هؤلاء الثلاثة يتوفر على نائب له أو أكثر، وإلى هؤلاء كلهم ينضاف المستشارون.
وبما أن المكتب المسير للجمعية يسهر على إدارة شؤون الجمعية بشكل تطوعي ومن دون أي تعويض. فكيف يمكن التوفيق بين عدم تفرغ أعضاء المكتب والتحقيق الفعلي للأهداف التي أنشئت من أجلها الجمعية؟ للإجابة على هذا السؤال، هناك من الجمعيات من تعمل بنظام التناوب بين أعضائها وهناك من أسندت هذه المهمة إلى شخص أو عدة أشخاص مقابل أجر شهري مع احتفاظ المكتب المسير بكامل حق المراقبة والتأكد من حسن سير تحقيق الأهداف(7).
2- 2 موارد الجمعيات بدائرة أنزي :
جدول رقم 22 : توزيع موارد الجمعيات حسب طبيعتها(8)
الموارد هبات وتبرعات واجبات انخراط الأعضاء مساعدات عمومية أو خاصة مداخيل الأنشطة وممتلكات الجمعيات المجموع
نسبتها 29.62 31.48 16.66 22.81 100 %
من خلال الجدول رقم 22 يتبين أن الجمعيات تعتمد أساسا في مواردها المادية على المساهمات والانخراطات التي يقدمها أعضاؤها سنويا أو دوريا حسب الأنشطة الممارسة. ونلاحظ كذلك أن الهبات والتبرعات تشكل نسبة مهمة تقدر ب 29.62% من موارد الجمعيات. يضاف إلى ذلك مداخيل الأنشطة وممتلكات الجمعيات، هذا المورد بدأ يلقى عناية كبيرة من لدن الفاعلين في هذا القطاع لأنه يشكل موردا قارا ودائما للجمعيات عكس الموارد الأخرى. وإلى جانب ذلك ينبغي أن نشير إلى أن بعض هذه الجمعيات تحدد مبالغ معينة أحيانا كمساهمة لكل أسرة، إذا تعلق الأمر بإنجاز مشاريع البنيات التحتية.
2- 3 أطراف الشراكة :
إن الاعتماد على الامكانيات الذاتية للجمعيات لا يمكن أن يؤدي إلى تحقيق الطموحات والمرامي التي تسعى وراءها، لذلك تعتبر المقاربة التشاركية ضرورية وأساسية لكل جمعية أرادت تحقيق أهدافها. من هذا المنطلق عمدت الجمعيات بالمنطقة إلى البحث عن أطراف تشاركية، وقد تأتى لها ذلك حيث نجد أن 72 % من جمعيات دائرة أنزي سبق لها أن تعاملت أو لا زالت تتعامل مع هذه الأطراف. وما يميز هذه الأطراف التشاركية هو كثرتها وتنوع مجالات انتمائها.
وتعتبر القطاعات الحكومبية الشريك الأول للجمعيات، حيث تفوق نسب مشاركتها 50 % في معظم المجالات، خاصة في مجال الطرق، الماء والكهرباء. ولتعزيز هذه الفكرة ف 44 % من جمعيات المنطقة التي لها علاقات تشاركية تعاملت أو لا زالت تتعامل مع مديرية التجهيز، ولا يقتصر التعامل مع هذه الأخيرة فقط بل تتعامل الجمعيات بالمنطقة مع المكتب الوطني للماء الصالح للشرب والمكتب الوطني للكهرباء، بالإضافة إلى مجموعة من المندوبيات الإقليمية.
ومن شركاء العمل الجمعوي أيضا بعض الجماعات والسلطة المحلية التي تقدم الدعم المعنوي والتنسيق الكافي لمتابعة الأوراش، كما أنها تسهل التدخل لجميع الفاعلين من أجل بلورة وإنجاز المشاريع. إلى كل هذه الأطراف تنضاف المؤسسات الأجنبية غير الحكومية، التي تعتبر شريكا فعالا للجمعيات التنموية بالمنطقة. ومن أهم هذه المؤسسات نجد الوكالة الدولية للتنمية (U.S.A.I.D) والوكالة اليابانية للتنمية.
وهكذا فالعمل الجمعوي بالمنطقة يرتبط بالعديد من الأطراف التشاركية التي ساهمت في إنجاز العديد من مشاريع النماء.
3- تقييم المشاريع والأنشطة المنجزة ولمحة عن المشاريع المستقبلية:
3- 1 المشاريع والأنشطة المنجزة :
تمثل الجمعيات في الوقت الراهن أبرز الفاعلين في الحقل التنموي، فتأسيسها لم يكن هدفا في حد ذاته بل هو مجرد وسيلة لتحقيق غايات محددة ومشاريع مختلفة. وجمعيات دائرة أنزي عملت في هذا الإطار، أي سعت إلى تحقيق مجموعة من المشاريع المتنوعة. وسنتطرق الآن إلى المشاريع التي تمكن الجمعيات من إنجازها، وذلك حسب الميادين التي تنتمي إليها كما يلي :
3- 1- 1 البنيات التحتية :
نظرا للنقص الكبير في البنيات التحتية بالمنطقة، كان من الطبيعي أن تولي هذه الجمعيات كامل عنايتها لهذا الميدان أكثر من غيره من الميادين الأخرى. وهذا ما تحقق في أرض الواقع، فما أنجز من بنيات تحتية يمثل نسبة 45.61 % من مجموع المشاريع والأنشطة المنجزة بواسطة جمعيات المنطقة. وتتوزع المشاريع المنجزة في هذا المجال كما يلي :
جدول رقم 23:توزيع منجزات البنيات التحتية بدائرة أنزي حسب عدد المشاريع(9)
التجهيزات المنجزة الماء الشروب ومياه الري الكهرباء الطرق منجزات أخرى المجموع
نسبتها % 57.69 11.53 23.07 7.69 100%
يتضح من خلال الجدول أعلاه أن هناك اهتماما بمختلف التجهيزات لكن بنسب متفاوتة حيث يلاحظ تركيز الجهود كثيرا على قطاع الماء الصالح لشرب ومياه الري، حيث تمثل نسبة هذا العنصر 57.69 % من مجموع المشاريع المنجزة فيما يتعلق بالبنيات التحتية. وهذا دليل على العناية بهذه المادة، وهنا نتساءل عن السر وراء ذلك؟
إن ما جعل هذا العنصر يحظى بأهمية وأولوية لدى الفاعلين في الميدان الجمعوي هو الحاجة الماسة لهذه المادة، فالجميع يعلم أن السنين الأخيرة تميزت بسيادة الجفاف، الأمر الذي ترتب عنه خصاص في المياه الصالحة للشرب وكذا مياه الري، خاصة وأن الفلاحة هي المورد الأساسي لجل ساكنة المنطقة، هذا ما دفع بالجمعيات إلى التركيز على هذا العنصر. وهكذا توجهت الجهود نحو حفر الآبار ومد قنوات الري أكثر من ذلك ظهرت ممارسة جديدة بالمنطقة تتمثل في ربط مجموعة من الدواوير بشبكات محلية لتوزيع الماء الشروب. و يأتي المجال الطرقي في المرتبة الثانية إذ تمثل نسبة مساهمته ما يعادل 23.07% من مجموع منجزات البنيات التحتية، وهي نسبة محتترمة، وذلك بالنظر إلى أن الشبكة الطرقية هي مفتاح فك العزلة عن أي منطقة من المناطق، وبالتالي أساس تنميتها. ومن هذا المنطلق عمدت الجمعيات وبدعم من السلطات العمومية، خاصة مديرية التجهيز، إلى تعبيد العديد من الطرق وتوسيع وتجهيز أخرى، خصوصا في جماعة تيزغران. لكن ما أنجز في مجال الطرق لازال ضعيفا ولم يرق إلى مستوى الطموحات، ذلك أن أغلب الجمعيات لاتستطيع الإقبال على هذا المجال بسبب ضخامة التكاليف التي يتطلبها الاستثمار فيه.
أما مساهمات الكهرباء فتمثل 11.53 % من مجموع منجزات البنيات التحتية بالمنطقة.فكهربة العالم القروي تعتبر إحدى التحديات البارزة التي وضعتها الجمعيات في اهتماماتها، لأن الكهرباء يعتبر من التجهيزات الضرورية. غير أن هذا التحدي غالبا ما يصطدم بالواقع الذي يؤكد عكس ذلك، فهو يفرض إمكانيات هائلة تفوق قدرات هذه الجمعيات. لكن هذه الأخيرة ورغم ذلك فقد لجأت إلى عدة وسائل من أجل تحقيق هذا التحدي ولو نسبيا، فمن جهة بحثت عن شركاء في هذا المجال أهمهم المكتب الوطني للكهرباء، ومن جهة أخرى لجأت إلى تحديد مبالغ مالية يتم فرضها على الأسر التي ترغب في الانخراط في الشبكة الوطنية للكهرباء. لكن هذه الوسيلة الأخيرة تنهك كاهل جل الأسر التي يعتبر دخلها هزيلا إن لم نقل منعدما.
وعموما وبفضل هذه الجمعيات فقد توسعت الشبكة الوطنية للكهرباء بدائرة أنزي ولا أدل على ذلك ما أنجزته جمعية سملالة للتنمية والتعاون التي تمكنت من كهربة 84 دوارا تابعا لجماعة تبزغران.
وخلاصة القول فإن ما أنجز في إطار البنيات التحتية يعد مهما ومشجعا خصوصا إذا علمنا أن جل هذه الجمعيات لازالت في بداياتها الأولى وأن إمكانياتها المتواضعة لا تسمح لها بتحقيق كل الطموحات.
3- 1- 2 الميدان الاجتماعي والرياضي :
إذا كان التركيز على البنيات التحتية قصد تنمية المنطقة، فهذا لا يعني إهمال باقي الميادين الأخرى، وهكذا فما أنجز في الميدانين الاجتماعي والرياضي يقدر ب 15.78 % من مجموع منجزات الجمعيات بدائرة أنزي.
اجتماعيا، يتم توزيع المساعدات الغذائية على الفقراء والمحتاجين خصوصا في دواوير إداكوكمار، حيث تعمل جمعية الرحمة على الالتزام بهذا العمل الخيري. ومع العمل الخيري دائما فقد أقدمت بعض الجمعيات بمعية إدارة التعاون الوطني، على إنشاء مجموعة من دور الطالب، وترميم وتجهيز أخرى. كما قامت جمعيات أخرى بتنظيم أيام طبية ثم حملات تحسيسية، الغاية منها توعية السكان وإرشادهم. واجتماعيا دائما تم إنشاء روض للأطفال بمركز أنزي، وهو الأول بالمنطقة.
أما بالنسبة للميدان الرياضي، فباستثناء إقامة بعض الدوريات في كرة القدم نكاد لا بجد أي أثر للمجال الرياضي في برامج ومنجزات الجمعيات.
وعموما فإن هذه الجمعيات كانت لها مساهمتها في هذين الميدانين، وإن كانت هذه المساهمة لا ترقى إلى مستوى طموح ومتمنيات ساكنة المنطقة.
3- 1- 3 الميدان الثقافي والتعليمي :
يعتبر الميدانين الثقافي والتعليمي من الميادين التي لا تخفى أهميتها على أحد، لهذا تعمل الجمعيات بدائرة أنزي على جعل الميدانين ضمن انشغالاتها، وهكذا فمجيء هذه الجمعيات حمل معه تفعيل الساحتين الثقافية والتعليمية بالمنطقة.
بالنسبة للميدان الثقافي، فيمكن القول بأنه تعزز بعد نشأة الجمعات بالمنطقة، ويتجلى ذلك من خلال الندوات واللقاءات التي تنظمها هذه الجمعيات، هنا لابد من الإشارة إلى الدور الطلائعي لجمعية أدوز للتنمية والتعاون، التي تمكنت مثلا في سنة 1996 من عقد ندوة كبرى حول موضوع المدارس العلمية العتيقة : آفاق إصلاحها واندماجها في محيطها المعاصر، حضرها العديد من الأساتذة الجامعيين ورجال القضاء وبعض أعضاء المجلس العلمي بالإقليم، كما تقوم هذه الجمعية بإصدار منشورات خاصة بها.
ثقافيا دائما تقوم بعض الجمعيات بالمساهمة بعدة أنشطة في المناسبات الوطنية والدينية. ولابد من الإشارة كذلك إلى أن رابطة شرفاء سيدي احمد أوموسى، المتواجدة بتازروالت، عملت ومنذ تأسيسها على تولي مهمة تسيير موسم سيدي احمد أوموسى، الذي يعتبر من أكبر المواسم الثقافية والاقتصادية ليس في الإقليم فحسب بل في الجنوب عامة.
أما في ما يتعلق بميدان التعليم، فهناك مجهودات جبارة تبدل في هذا الميدان. هنا ينبغي علينا أن نميز بين التعليم النظامي وبين المدارس العتيقة.و في ما يخص التعليم النظامي، يتضح أن الجمعيات تبدل جهودا مكملة لما تقوم به السلطات العمومية في هذا الميدان. وأهم إنجاز تحقق في هذا المستوى تمثل في بناء إعدادية بمركز جمعة إذا وسملال. كذلك يتم إنشاء العديد من الأقسام بين الفينة والأخرى تبعا للخصاص الحاصل وللإمكانيات المتاحة. كما عملت بعض الجمعيات على محاربة الأمية خصوصا بالنسبة للعنصر النسوي. وإلى جانب ذلك كله ظهرت ممارسة جديدة بالمنطقة تمثلت في توزيع الأدواة المدرسية على التلاميذ المحتاجين عند بداية كل موسم دراسي.
وبالنسبة للمدارس العتيقة وما يحيط بها، فإنها تنال الرعاية فقط من طرف بعض المحسنين الغيورين عليها، نتيجة للعادات الراسخة في المنطقة. وبعد مجيء الجمعيات ترسخت هذه العادة أكثر فأكثر وأخذت بعدا جماعيا بعد أن كانت تتم بمبادرات فردية فقط، وفي هذا الإطار ظهرت جمعيات خصيصا للعناية ورعاية المساجد والمدارس العتيقة، كما هو الشأن بالنسبة لجمعية شرفاء سيدي احمد أوموسى ومجاط لرعاية المدرسة العتيقة. وعموما فالجمعيات قامت بعدت منجزات في هذا الميدان، وهكذا تم بناء العديد من المساجد وتم إصلاح وإعادة ترميم أخرى، كما تم مد المدارس العتيقة بمجموعة من المرافق الأساسية والتجهيزات الضرورية، إلى جانب كل ذلك أصبحت هذه المؤسسات تلقى دعما منتظما من هذه الجمعيات.
من كل ما سبق يتضح أن الجمعيات أولت اهتماما بهذين الميدانين، الثقافي والتعليمي، إيمانا منها بأهميتهما، فهما يشكلان أساس كل تنمية وبالتالي كل تطور منشود.
3- 1- 4 الميدان البيئي
إلى وقت غير بعيد، لم تكن القضايا البيئية تثير أي اهتمام في الإقليم. لكن وبعد نشأة الجمعيات برز اهتمام بهذا الميدان، وأضحت هذه الأخيرة تركز عليه ضمن انشغالاتها. إن الوعي الذي تكون لدى هذه الجمعيات بأهمية الميدان البيئي من جهة، وإدراكا للمخاطر التي تهدد هذا العنصر من جهة أخرى والمتمثلة في الاستنزاف الكبير للثروات الغابوية وكذلك التلوث، كلها عوامل دفعت بالفاعلين الجمعويين إلى جعل الميدا البيئي ضمن برامجهم وأهدافهم. وهكذا قامت بعض الجمعيات بعملية التشجير مكثفة، كما قامت أخرى بحملات تنظيف. واختار البعض التوعية بواسطة الندوات كوسيلة للاهتمام بالبيئة وتوعية المواطنين بأهمية الحفاظ عليها. ينضاف إلى ذلك الحملات التحسيسية التي تنظم بين الفينة والأخرى للإشعار بالمخاطر والأمراض المرتبطة بالماء وبتلوثه.
وعموما فإن ما أقدمت عليه الجمعيات في هذا الميدان، يعتبر بالغ الأهمية، لأنه لأول مرة تثار القضايا البيئية وأهمية العناية بها بهذه المنطقة.
3- 2 المشاريع المستقبلية :
انطلاقا من رغبتها في تحسين الظروف المعيشية للساكنة ورغبتها في الرقي بالمنطقة إلى الأفضل، تواصل الجمعيات عملها قصد تحقيق المزيد من المنجزات والمشاريع التنموية، وهكذا تعمل كل جمعية من جمعيات المنطقة على وضع تصور عن المشاريع المستقبلية التي تود تحقيقها وتنفيذها على أرض الواقع، وهذه المشاريع غالبا ما تكون نابعة من حاجيات منطقة تواجد تلك الجمعيات كما تكون مطابقة لإمكانياتها وقدراتها المادية. وكما تميزت المشاريع المنجزة بالتنوع والاختلاف، فإن المشاريع المستقبلية للجمعيات تتميز كذلك بالتنوع وبالاختلاف. فهذه المشاريع تشمل مجموعة من الميادين، في صدارتها نجد البنيات التحتية، التي تلح الجمعيات على جعلها في مقدمة مشاريعها المستقبلية، وضمنها نجد تزويد بعض الدواوير بالماء الصالح للشرب وربط أخرى بالشبكة الوطنية للكهرباء، وتسعى بعض الجمعيات إلى تعبيد الطرق المؤدية إلى دواويرها، كما بدأت جمعيات أخرى تفكر في إنشاء قنوات الواد الحار.
بعد هذا الميدان يأتي الميدان الثقافي في المرتبة الثانية من حيث الأولوية في المشاريع المستقبلية، في هذا الميدان تطمح الجمعيات إلى إغناء الساحة الثقافية بالمنطقة من خلال تنظيم المزيد من الملتقيات والندوات المختلفة المواضيع، كما تتهيأ جمعيات أخرى لتنظيم معارض ومهرجانات ثقافية، بل هناك جمعية - الشعلة - وضعت برنامجا مهما قصد إقامة أوراش مسرحية وموسيقية. وينضاف إلى ذلك رغبة بعض الجمعيات في تقوية وتكثيف دروس محو الأمية التي تستفيد منها ساكنة المنطقة خاصة العنصر النسوي.
وضمن المشاريع المستقبلية للجمعيات كذلك نجد اهتماما بالميدان الاجتماعي، وفيه تسعى الجمعيات إلى ترسيخ قيم التعاون والتآزر، من هذا المنطلق تود جمعية سملالة للتنمية والتعاون إنشاء دور خاصة بالعجزة، الهدف منها إيواء العاجزين والمعاقين المتواجدين بالمنطقة. وهناك جمعية أخرى تستعد لتنفيذ مشروع جد مهم يتمثل في إحداث وحدات النسيج والطرز الأمر الذي سيكون له انعكاس إيجابي على الوضعية الاجتماعية للمرأة.
وعموما يمكن القول بأن الجمعيات تتوفر على مشاريع مستقبلية متنوعة وطموحة، مشاريع تواكب المستجدات، الأمر الذي يفرض على هذه الجمعيات مضاعفة الجهود التي تبدلها في مختلف ميادين عملها.
4- مشاكل الجمعيات بدائرة أنزي :
ان الفاعلين الجمعويين في منطقتنا كنظرائهم في مناطق أخرى لما انخرطوا في الميدان الجمعوي، وضعوا في حسبانهم جسامة المسؤولية الملقاة على عاتقهم، معنى ذلك أنهم اقتحموا ميدانا سيواجهون فيه مشاكل عدة. وتكاد أغلب الجمعيات تتفق على أن المشكل المادي يشكل أبرز عائق يقف في طريقها ويحد من طموحاتها، ويعود هذا المشكل أساسا إلى انعدام موارد ومداخيل كافية وقارة حيث تكتفي أغلب الجمعيات بهبات المحسنين وواجبات الإنخراط بالنسبة لأعضائها.
وإلى جانب ذلك تعاني الجمعيات من التباعد بين أماكن إقامة أعضائها، ذلك أن التزاماتهم المهنية تفرض ذلك، الأمر الذي يترتب عنه قلة اللقاءات والاجتماعات بين هؤلاء وبالتالي ضعف التنسيق والتشاور. وهناك جمعيات تشكو من قلة المنخرطين وأخرى تشكو من عدم التوفر على مقرات خاصة بها، إذ تكتفي بالاجتماعات في المساجد وببيوت أعضائها وهناك صنف آخر من المشاكل، يمكن أن نسميها بالمشاكل الداخلية للجمعيات، لأنها نابعة من داخلها. هذه المشاكل تتمثل في ضعف التكوين لدى أعضاء بعض الجمعيات ثم إن هناك من تعاني من إنعدام المداوم المتفرغ لخدمتها، يضاف إلى هذين المشكلين مشكل آخر يتمثل في بعض الجمعيات تشكو من التباين في التوجهات، الأمر الذي يؤدي في غالب الأحيان إلى انشقاق هذه الجمعيات وبالتالي ظهور جمعيات أخرى، وهذا ليس في صالحها ولا في صالح التنمية التي تنشدها.
يتضح إذن أن العمل الجمعوي بالمنطقة يواجه العديد من المشاكل، لكن فالجمعيات لازالت صامدة رغم كل ذلك حيث تحاول تجاوز كل ذلك عن طريق البحث عن حلول ملائمة. حلول قد تكون مؤقتة فقط لكن غالبا ما تكون فعالة وذات جدوى.
ملاحظة: الرسوم البياتية سوف توضع في محلها لاحقا.
خـاتمـة :
من خلال ما سبق نستخلص أن العمل الجمعوي بالإقليم عامة وبدائرة أنزي خصوصا، عرف انطلاقته الحقيقية خلال العشر سنوات الأخيرة، حيث تأسست جمعيات كثيرة سعت إلى تحقيق أهداف شتى. وبالفعل فقد تمكنت هذه الأخيرة من إنجاز مجموعة من المشاريع كما تطمح إلى تحقيق أخرى، رغم أنها تواجه العديد من الصعوبات والاكراهات. ومن الملاحظات المهمة في العمل الجمعوي في المنطقة هي ضعف انخراط العنصر النسوي بهذا الميدان، ضعف يعزى لأسباب متعددة أهمها العادات والتقاليد السائدة بالمنطقة.
وعموما لا يسعنا سوى أن نقول بأن الجمعيات ساهمت في تنمية المنطقة وتحسين الظروف المعاشية لساكنتها، لكن ورغم ذلك فإن هذه الجمعيات يلزمها بذل المزيد من الجهود وتجاوز بعض النقائص التي لازالت تعاني منها.