ذكريات تاريخية مشرقة استثمار مجدي من اجل استخلاص العبر(معارك جيش التحرير المغربي بالصحراء
ذكريات تاريخية مشرقة استثمار مجدي من اجل استخلاص العبر(معارك جيش التحرير المغربي بالصحراء)
من وصايا المقاوم الأول المغفور له الحسن الثاني لأبنائه البررة من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير
بهذا البلد العظيم العناية بتدوين تاريخ الكفاح ضد المستعمر الدخيل.
"...المستعمر بيده كل شيء, المال والجيش والشرطة والوسائل, والمغاربة لا وسيلة لهم إلا الالتحام الوثيق بين ملك ضحى ووفى ما عاهد الله عليه’وبين شعب وفى لملكه ومشى في طريق العز ومشى في ركاب الفخار.وان ابناءنا وأبناء أبنائنا ليجهلون هدا كله ’وليسوا مسئولين’بل نحن المسئولين ’كتبنا المدرسية خالية من هدا ’كلياتنا لا تدرس هدا وآثارنا لا تدل على هدا’معالمنا حتى في الطريق ليس لها ما يدل على هدا.فعساكم وعساكم أن تسدوا هدا الفراغ ’وأرجوكم أن تسدوا هدا الفراغ ’فتكون أسرتي هده بمثابة كتاب ناطق ’كتاب حي في جميع البيوت ’في المجتمعات ’في الأندية’ وفي كل مكان ’حتى يعرفوا أن هدا الاستقلال لم يأت سهلا ولم يأت عبثا ولم يأت صدفة ’ولكن جاء بعد سنين مريرة من التضحية والكفاح..." (1)
"...قليل من يعرف ما قام به جيش التحرير في جنوب المغرب ’وإن كان أحد يعرف ما قام به هدا الجيش مند سنة 1958 وقبل سنة 1958’فهو خادم هدا البلاد.وأعتقد في آن واحد أنكم لم تنصفوا .ولكن المغرب ليس ببلد عاق ’المغرب بلد من جملة خصاله أنه ربى أولاده كي يكونوا بارين بمن خدموه ومن ضحوا في سبيله..."(2)
ولهدا فليس غريبا أو صدفة أن يتصدى المغاربة الأبطال ببسالة وشجاعة لأعداء الحرية و الاستقلال ’حيثما امتدت يد الجور إلى رمز السيادة الوطنية وحامي حماها جلالة المغفور له محمد الخامس قدس الله روحه ’إلى باقي أسرته الكريمة.
فإذا كان المغرب من بين آخر البلدان التي خضعت للاستعمار ’ناهيك وهو بلد عتيق له تاريخ يمتد على ألف سنة كدولة قائمة ’فقد كان له أدب تاريخي يتعين اليوم على المغاربة أنفسهم أن يعتمدوا على هدا الأدب للتعرف على تاريخ بلادهم.
الكفاح المسلح لاستكمال الوحدة الترابية .(نموذج المقاطعة التاسعة بجيش التحرير المغربي بالجنوب)
إدا كان المغرب قد تكالبت عليه قوى الشر وعصفت به العواصف وتقلبت به ظروف الدهر وابتلى بثلاثة أنواع الاستعمار.
- الدولي بمدينة طنجة
- الإسباني بشمال المغرب و الصحراء الجنوبية والجزر الجعفرية.
- الفرنسي بباقي مناطق المغرب من جنوبه وشرقه .
فإن دلك لم يكن ليحد من طموح المغاربة ويقف حاجزا مانعا دون مشاركتهم في تغيير هدا الواقع المؤلم ’الواقع الاستعماري
بانعكاساته الاجتماعية و الفكرية و الاقتصادية.فالاندفاع الشعبي والغيرة الوطنية من الدوافع التي طورت الكفاح المسلح
وجعلت القيادة الثورية للمقاومة بأن تعلن عن إنشاء جيش التحرير الذي أرجو أن أتحد ث بإيجاز في هدا المقال عن جانب من جوانب كفاحه المسلح الذي خاضته إحدى مقاطعاته ’المقاطعة التاسعة تحت مسؤولية قائدها صالح بن عسو الجزائري والتي ينتسب إليها والدنا كأحد أطرها المخلصين ’المرحوم الحاج محمد روكني بن أحمد المجاطي (الذي كان يحمل رقم تسجيل 2004 وقد اندمج تحت اشراف آنذاك القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية ’صاحب السمو الملكي ولي العهد الحسن الثاني’ضمن الفوج الثامن برتبة رقيب’ودلك سنة 1960 بايت ملول).
كانت اسبانيا متعنتة فيما يتعلق بالصحراء المغربية ’فقد حاولت التشبث بهده الأراضي حيث ادعت بأن الأمر لا يتعلق بغزو باعتبار أن الأراضي كانت مهجورة قبل أن تستقر بها ’وهكذا فقد أثارت مسأ لة تاريخية قد تبدو غريبة ,هل كانت الصحراء أرضا مغربية قبل 1912 كما يدافع عن دلك المغاربة ’أم أنها لم تكن لأحد كما تزعم إسبانيا ؟فكيف أمكن تدعيم موقفين ينفي كل منهما الآخر إلى هدا الحد ’مع العلم أن الأمر يتعلق بفترة حديثة العهد جدا ؟. فرغم اعتراف إسبانيا للمغرب بسيادته الوطنية على المنطقة الشمالية التي كانت خاضعة لحمايته فالمغرب ما فتئ يعبر عن تحفظاته فيما يخص حدوده الحقيقية التي ظلت خاضعة للحكم الإسباني و يطالب با استرجاعها . كما ورد في الخطاب الذي ألقاه جلالة المغفور له محمد الخامس في محامد الغزلان يوم 25/02/1958 .
"...وإن ما يسعدنا أن يستقبلنا في قرية المحامد التي هي باب صحراء المغرب أبناء الدين استقبلوا جدنا في قرية أخرى من الرقيبات وتكنه و أولاد دليم وسواها من قبائل الصحراء الشنجيطية وأن نستمع إليهم ومعهم فقهاؤهم وأدباؤهم وهم يؤكدون لنا كما أكد آباؤهم لجدنا-تعلقهم بالعرش العلوي و استمساكهم بعروة المغرب الوثقى التي لا انفصام لها .وأننا نحيي نفوسهم الأبية ’وعزما تهم القوية ’ونرحب بهم في وطنهم وبين أهليهم ونؤكد لهم بدورنا وليبلغ الشاهد منهم الغائب-أننا سنواصل العمل بكل ما في وسعنا لاسترجاع صحرائنا وكل ما هو ثابت لمملكتنا بحكم التاريخ ورغبة السكان." (3)
لقد كانت منطقة تندوف جزءا من إقليم أكاد ير إلى أن اشتد النضال الوطني ضد الاستعمار الفرنسي سنة 1952’ثم برز تفكير جديد لدى الحكومة الفرنسية خاصة بعد اكتشاف منجم كار جبيلات بهده الناحية’ولاعتقادها بأن الجزائر أرض فرنسية في حين يمكن للمغرب المرتبط معها بوثيقة الحماية أن ينفصل عنها. أدت هده العوامل بالحكومة الفرنسية فصل منطقة تندوف عن إقليم أكاد ير خلال تلك السنة ,لكن علاقة هده المنطقة استمرت مع دائرة كولميم وأسواق واد نون وباني والصحراء حتى بعد استقلال شمال المغرب .ولم يكن القاطنون بتندوف ينتظرون سوى قرار إلحاقها بالوطن بعد إلغاء عقد الحماية حيث لم تكن هناك حدودا بين كولميم وتندوف’لهده الأسباب انطلقت عمليات جيش التحرير الأولى من الصحراء المغربية.
إن القرار باستئناف الكفاح المسلح لتحرير الصحراء المغربية و أيت بعمران اتخذ في دائرة ضيقة ومن طرف مجموعة قليلة من المقاومين وأعضاء جيش التحرير المقتنعين بأن الحركة الوطنية لو تنته بعد .وقد عرض هدا الموقف على الملك محمد الخامس ’ونال موافقته في ظروف دقيقة .ولم تملك هده المجموعة من الموارد المالية سوى بعض العطاء القليل من العاطفين على جيش التحريركما أنها لم تتوفر لديها سوى مجموعة من البنادق الخفيفة.ففي هده الفترة فتح باب الانخراط لأبناء المنطقة الجنوبية من اكادير الى تخوم الصحراء ؛وتم إلحاق المنخرطين الجدد بمراكز التدريب ؛ كما هيأت القيادة عناصر من أبناء الصحراء ومن الدين لهم معرفة بالقبائل .وقامت مجموعة من أطر المقاومة ومن أبناء المنطقة بتنظيم وتأطير عدد من قواعد جيش التحرير خاصة في الحدود التي تفصل الصحراء الجنوبية والشرقية جنوبا وشمالا عن المغرب عبر أسا وعيون الترك وتفند يلت و طا نطان على طول واد درعه جنوبا وشمالا .هده المراكز أصبحت فيما بعد مواقع الانطلاق لمقاطعات عسكرية أساسية لجيش التحرير ؛وفي نفس الوقت هيأت لتكون مراكز خلفية تصلح للإمدادات المادية والعسكرية .
المعارك التي خاضتها المقاطعة التاسعة ضد الاستعمار
لقد تمكنت المقاطعات العسكرية لجيش التحرير من تعبئة نفسها و استطاعت أن تنظم عمليات جريئة بواسطة الأبناء المخلصين من الصحراء ساعدت على سيطرة عدد من المواقع الأساسية للجيش الإسباني كطانطان و السمارة فغرزت مواقعها. في تافودارت بضواحي العيون استقرت المقاطعة التاسعة بقيادة المجاهد صالح بنعسو ‘هده الأخيرة لقنت المستعمر درسا لن ينساه أبدا ودلك في الفترة الممتدة بين 19 نونبر 1957 الى نهاية فبراير 1958 حيث قامت خلال هده المدة بثلاثين هجوما ضد العدو ودلك بدعم من قبائل تكنه و الركيبات التي تقطن هده المنطقة .ومن بين المعارك التي خاضتها المقاطعة التاسعة,
- معركة الشاطئ بتاريخ 26نونبر 1957 وكان من نتائجها سقوط ثلاثين قتيل في صفوف العدو وعشرون جريحا
- معركة الطريق التي كانت بتاريخ 28نونبر 1957 ودامت زهاء ثلاث ساعات ’خلفت أربعون قتيلا من جنود المستعمر .
- معركة بوجد ور والتي كانت بتاريخ 27 نونبر 1957 ومن نتائجها غنم جهازين للأخذ و الإرسال ومسدسين ...
- معركة العيون التي وقعت في 17 دجنبر 1957 وكان من نتائجها خمسة وعشرون قتيلا من جانب اسبانيا
- معركة الد شيرة أبرز المعارك الطاحنة التي خاضتها المقاطعة التاسعة و التي كانت بتاريخ 13 يناير 1958 ودامت هده المعركة اثنا عشرة ساعة وكان من نتائجها سقوط أزيد من ألف جندي من طرف المستعمر الإسباني ’وجرح ثلاث مائة آخرين ’وغنمت المقاطعة اثنا عشرة بندقية و ستة رشاشات ومسدس وجهاز للأخذ والإرسال.
- معركة المسيد والتي كانت في بوم 22دجنبر 1957 من نتائجها 120قتيل في صفوف العدو وست سيارات وعربات محطمة وغنم المجاهدون البواسل من المقاطعة التاسعة ست رشاشات ومسدس من عيار 9ملم وأكياس تضم ستة آلاف رصاصة من مختلف العيارات .كما استشهد ستة رجال من صفوف جيش التحرير.
- معركة الكلتة .في يوم 22 دجنبر1957 هاجمت فرقة من المقاطعة التاسعة مركز كلتة زمور الذي كان تحت المراقبة العسكرية الإسبانية .وقد دام تبادل إطلاق النار زهاء ساعتين .بعدها تمكن المجاهدون الأبطال من احتلال المركز والاستيلاء على ما فيه من ذخيرة عسكرية دون أن يصاب أي مجاهد من جيش التحرير.
- معركة تافودارت ضاق الوجود الإسباني من هجمات جيش التحرير على كل مواضعه ومصالحه بالصحراء المغربية ’ولمس الحقيقة المرة’ألا وهي ضعف كيانه بالصحراء أمام قوات جيش التحرير المسلحة بالإيمان والعزيمة والصبر ’وأراد أن يرد بالمثل ’ويقوم هو الآخر بضرب مواقع جيش التحرير أينما وجدت بالصحراء المغربية’إلا أنه في كل هجوم على مواقع جيش التحرير يلقى ما لا يحسب له حساب.ويرجع على عاقبيه خاسرا مذموما ومن هدا المنطلق قامت القوات الإسبانية بمحاولة هجوم على مركز المقاطعة التاسعة بتافودارت قرب الساقية الحمراء بسياراتها المصفحة ’وعدتها’إلا أن يقظة المجاهدين جعلتهم يتصدون لهده القوات قبل وصولها إلى الموقع ’والمواجهة معها في معركة ضارية حامية الوطيس أسفرت عن إصابة العدو بخسائر بالغة في الأرواح و العتاد’في حين استشهد في صفوف المقاطعة ثلاثة شهداء من بينهم امرأة.
لقد سجلت هده المعارك التي خاضها جيش التحرير المغربي منعطفا حاسما في تاريخ الكفاح الوطني من أجل استكمال الوحدة الترابية’وأتاحت إعادة التأكيد على أن المغرب أمة موحدة غير قابلة للتقسيم ’وأثبتت أن مسيرة التحرير مستمرة من الشمال إلى الجنوب بحكم تشبث الشعب المغربي بوحدته وسيادته الوطنية.كما أن المتمعن في وقائع ملف الصحراء يستخلص بوضوح أن المعاركة التي خاضها جيش التحرير كانت بحق تحديا ونسفا جريئا للعراقيل التي وضعتها السلطات الاستعمارية آنذاك لتجزئة الوطن الواحد ولطمس الهوية المغربية لمناطقنا الصحراوية.وإنها مثال من أمثلة التأكيد على مغربيتها ورهانا على التعلق الثمين والولاء للعرش العلوي المجيد.
لحسن روكني
هوامش المقال .
1) درر ملكية وردت في خطاب الحسن الثاني رحمه الله بمناسبة افتتاحه المؤتمر التأسيسي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير يوم 25/03/1973 .
2) درر ملكية وردت في خطاب آخر بمناسبة استقبال الحسن الثاني رحمه الله لوفد يمثل جيش التحرير بالجنوب في 20/01/1983.
3) مقتطف من الخطاب الذي ألقاه المغفور له الملك محمد الخامس في محامد الغزلان يوم 25/02/1958 .
المراجع.
1) دراسات في تاريخ المغرب لجرمان عياش.
2) صفحات من ملحمة جيش التحرير بالجنوب المغربي لمحمد بن سعيد أيت ادر.
3) مقالة في )hesperis _tamuda, revue de la faculte des lettres et des science humaines de rabat vol XVI,fasc.unique,1975)
4) كتيب أضواء على كفاح المقاطعة التاسعة لجيش التحرير بالصحراء المغربية.للحاج صالح بنعسو.
