محمد شريف عباس الوزيروفي معركة ديسمبر بجبل عزم بعين ياقوت
محمد شريف عباس الوزير
يرد برشــــــاش الصمت
وإن ظل الرجل صامتا لا يتكلم, هادئا لا يرد على خصومه, فإنه كان بالأمس أسدا هصورا يزأر في أعالي بوعريف بجبال الأوراس فتسمع صرخاته في مرتفعات وستيلي ونواحي آريس منطقة النار والبارود.
وصفه خصومه بأنه يترأس قائمة المجاهدين المزيفين, وهو الذي كان طول سنوات التحرير في كوكبة كبار المجاهدين, يشهد له بذلك رفاق السلاح من قادة الولاية التاريخية الأولى الأوراس.
لقد عمل المجاهد محمد الشريف عباس في جبال الأوراس نقطة التحول في مسار الثورة, كانت هذه المنطقة مزود الثورة باللباس, المؤونة, الأدوية والمال, ولستفادت مختلف النواحي من ناحية بوعريف خاصة في مجالات تحرك الدوريات العسكرية, حيث كانت تجوب ميادين الولاية الثالثة والولاية الرابعة مارة إلى الحدود التونسية.
وكانت سنوات 59,58,57 هي سنوات العطاء للعبور وتمرير السلاح للمجاهدين, فبوعريف الجبل الأشم الشاهد ارتبط بالشلعلع وشليا, مكن المجاهدين من التخندق ومرابطة العدو وإلحاق الخسائر بعساكره معركة تلو معركة.
عمل محمد الشريف عباس مع قادة بارزين ولا يزال سكان الأوراس يتذكرون أمجادهم وبطولاتهم كعبد الله بن مسعودة المدعو لمزيطي, والعيفة عايلة, عمار ملاح وغمراس الطاهر وآخرون, شارك في مختلف معارك جيش التحرير, وكانت معركة الثامن أوت 1958 بقيقاوي جبل واستيلي شاهدة على بطولة الرجل, وشجاعته, فقد قاد هذه المعركة رفقة القائدين مصطفى كبش, وحمن بن سخرية قادة الكتائب الأولى والثانية, وبصفته مسؤولا للقسمة, دافع ببطولة خارقة, عندما حاصر العدو الفرنسي هذا الجبل بالدبابات والطائرات, ومدفعية الميدان, ويقول أحد قادة الولاية التاريخية الأولى ـ الأوراس ـ الرائد عمار ملاح أن المعركة بدأت عند الساعة الواحدة بعد الزوال, وإستمرت حتى العاشرة ليلا, وأسفرت عن إستشهاد 25 مجاهدا وخسر العدو 150 عسكريا, سقطوا في المعركة, بعد أن تم المجاهدون ثمانية (8) قطع من السلاح من نوع ماط 4, وماص 36.
وفي معركة ديسمبر بجبل عزم بعين ياقوت, والتي قادها المساعد محمد الشريف عباس بنفسه بصحبة قرابة 30 مجاهدا ضد القوم من الموالين للإستعمار, المتمركزين في ناحية عين ياقوت بقيادة الخائن سعدون, تمكن المجاهد محمد الشريف عباس من الصمود حتى الليل صحبة رفاقه من المجاهدين, حيث قتلوا 15 عسكريا بين الفرنسيين والحركة وراح العدو يقوم بحرق المنازل, وذبح المواشي, وقتل الخيل والبغال, وتدمير ممتلكات الأهالي .. وتلك صورة أخرى من مقاومة الرجل, يشهد بها الأحياء والأموات. ولم يكن محمد الشريف عباس وحده في عائلته يدافع بشراسة عن وطنه فقد شارك إبن عائلته عباس حشاني, رفقة 35 مجاهدا في معركة شناتيف شرق تازولت ( لاميز ) في شهر أوت 1958, حين كان حصار العدو شديدا, إذ سقط في هذه المعركة الملازم علي بن الطيب, وعباس حشاني, وكذاك سقط عباس قلمامن..
تخصص المجاهد محمد الشريف عباس أيضا في نصب الكمائن للعدو الفرنسي, فقد شارك في عشرات الكمائن, ويذكر الرائد عمار ملاح في كتابه الأخير, كمين 22 أفريل 1959 الذي قاده الضابط يوسف اليعلاوي, والملازم عمار ملاح وشارك فيه بفعالية المساعد محمد الشريف عباس رفقه 20مجاهدا آخر, حيث نصبوا كمينا لدورية جاءت من (الفيلاج الجديد) للقيام بالتفتيش في قابل بوعريف, وبعد أن دام الإشتباك مع العدو قرابة الساعة, إنسحب المجاهدون بعد أن كبلوا العدو خسائر فادحة بين القتلى والجرحى.
ومن غرائب الصدف أن محمد الشريف عباس ورفاقه سقطوا في نفس الليلة في كمين مضاد نصبه العدو في جبل بوعريف في منطقة فورار، وإستشهد مجاهد وأسر آخر, وجرح الملازم عمار ملاح بجروح بليغة وتم إنقاذه, كما جرح قاضي الناحية يوسف الورتلاني وحتى في التطويقات العسكرية, خسر محمد الشريف عباس أثناء محاصرة القوات الفرنسية للقسمة الثانية ببوعريف إبن عائلته عبد الحفيظ عباس, وهو واحد من خمسة مجاهدين استشهدوا في الحادي والعشرين أكتوبر1960, وكان عبد الحفيظ عباس يشغل مسؤولية العريف الأول السياسي في القسمة الثانية, في وقت يشغل حتوش عباس مسؤولية عريف إخباري في نفس القسمة.
أبدى محمد الشريف عباس, شجاعة نادرة في مختلف المعارك, والكمائن التي شارك فيها, مما أدى بمجلس الولاية حال إعدادها للتعيينات لمجلس ناحية عين القصر إلى تعيين محمد الشريف عباس مساعدا عاما للقسمة الرابعة في مكان المساعد صالح أغرارة, الذي عينته الولاية ملازما للشؤون في الناحية وعلى نحو مواز, تم تعيين حتوش عباس مساعدا بالنيابة في القسمة الثالثة, وعبد الحفيظ عباس عريف أول سياسي في القسمة الثانية.
في النشاط السياسي والتنظيمي, شارك المجاهد الشريف عباس في الكثير من الإجتماعات التي تعقد بحضور إطارات سامية من قيادة الثورة, فقد شارك في إجتماع شهر أكتوبر 1959 الذي أشرف عليه الملازم الثاني يوسف توري، وحضره محمد الشريف جارالله, والهاشمي عبد الصمد, وعمار ملاح والطاهير معاليم, ولخضر أعبيد, وكان حضور محمد الشريف عباس بصفته مساعدا للقسمة الثالثة.
كما شارك في عدد من إجتماعات الناحية لشهر ديسمبر 1959, وحسب الكثير من الشهادات فقد كان كثير التحرك, سريع البديهة, محافظا على السر العسكري, مضحيا بكل إمكانياته في سبيل إنجاح الهدف النبيل, وهو قهر الإستعمار, فقد ساهم محمد الشريف عباس وعائلته بنشاط مميز لصالح ثورة التحرير, ولازال سكان الأوراس يتذكرون تضحيات هذه العائلة التي تحظى باحترام كل سكان دوفانة بولفرايس, فم الطوب, عمران, لقرين, المعذر, الشمرة وفسديس ...
فقد إستشهد إبن عائلة الطاهر عباس في الحادي عشر أوت 1957 في معركة تاملاحت في جبل بوعريف بصفته ملازما سياسيا لناحية بوعريف, وكانت هذه المعركة تحت قيادة قائد المنطقة الضابط الثاني محمد عرعار المدعو بوعزة صحبة 35 مجاهدا, بعد أن واجهوا العدو الذي حضر إلى المعركة و1500 عسكري مدعومين بالدبابات والمروحيات والمقنبلات, وحين فشل في المعركة, أحرق الساحة بكل ما فيها, وسقط في ساحة الشرف 21 شهيدا.
وخلال عمليات ARIEGE، خسر محمد الشريف عباس إبن عائلته الآخر عبد الحفيظ عباس الذي إستشهد رفقه 52 مدنيا, بعد أن حاصر العدو مشاتي وقرى القسمة الثانية, الناحية الثالثة بوعريف, المنطقة الثانية بالولاية الأولى ـ الأوراس, وهذا في شهر أكتوبر 1960, وحسب بعض الشهادات, فإن العمليات إمتدت من المعذر إلى أولاد أعواج لبعازية, تاغروط, لملاكة, أولاد بشير, قابل أعزم أولاد بوجمعة...
وبصورة مختصرة, كانت إستراتيجية العدو السيطرة على مواقع القسمة الثانية التي ينشط فيها عباس عبدالحفيظ من فسديس إلى حدود الشمرة, خاصة وأن هذا المجاهد كان شديد المراس, كثير التنقلات, قوي الشكيمة, يعمل ليل نهار على متابعة تحركات العدو, وحول تراب القسمة الثانية إلى نار وجحيم في وجه الإستعمار وأذنابه حيث يقوم بالعمل بإستمرار، يرفع الروح المعنوية والقتالية بجيش التحرير. وكان يحظى بشعبية طيبة في صفوف المناضلين بالنظر لصدقه وصرامته وحبه للوطن وإطلاعه على أحوال الشعب في البوادي والقرى وحبه للفقراء والمساكين, خاصة وأن زاوية سيدي صالح التي ينتمي إليها محمد الشريف عباس, من أشهر الزوايا في منطقة لعوينات, وتحظى باحترام السكان.
إن عائلة محمد الشريف عباس قدمت شهداء عديدين, فقد تساقط أفراد عائلته الكبرى الواحد تلوى الآخر، مقدمين أنفسهم قربانا للحرية والإستقلال, وشهداء في سبيل الله بعد أن تركوا أهاليهم, ولجأو إلى غابات بوعريف لتلقين العدو ضروبا من التضحية, وفنون القتال, وتجنيد الشعب لمواجهته حتى الإستقلال.
لقد كشفت معارك جبل بوعريف إستراتيجية ثورة التحرير في تقويض أركان العدو, وهي الإستراتيجية التي إعتمدها قادة الأوراس الكبار كمصطفى بن بولعيد, محمد عموري, أحمد نواورة, علي النمر، الحاج لخضر, مصطفى بن النوي, علي لسواعي, ثم القيادة الثانية المستخلفة, كالطاهر زبيري, عمار ملاح, محمد الصالح يحياوي, إسماعيل محفوظ.
إستراتيجية دقيقة لمواجهة أخطار صعبة خاصة مخطط شال, وأقرت قيادة الثورة بالأوراس خطة عملية ترتكز على دور الكوماندو, ونصب الكمائن, وضرب وحدات العدو وشلها, وطبقت الثورة بالأوراس تعليمات القيادة نجد بحذافيرها ونجح قادة المناطق الأربعة بالأوراس, الطاهر زبيري, محمد الشريف عايسي, محمد الصغير هلايلي, محمد حجار, محمد حابة, والهادي رزايمية في ترجمة هذه الأفكار إلى عمليات عسكرية شديدة أنهكت الإستعمار.
لقد أدى محمد الشريف عباس, وفي صف قريب من مختلف القيادات دورا متميزا شهد به العام والخاص, وأكدته شهادات قادة بارزين في الأوراس, من أمثال الرائد عمار ملاح الذي تولى بنفسه قيادة ناحية عين القصر بالولاية الأولى المنطقة الثانية, الناحية الثالثة, وهو نفسه من مواليد هذه المنطقة, وكان عضوا بالمجلس الوطني للثورة الجزائرية CNRA, وهو من الرجال الثقات الذين يحظون باحترام مختلف القيادات العسكرية, خاصة وأنه تولى قيادة الأركان العامة للجيش الوطني الشعبي, مسؤولا عن التنظيم أواخر 1967, ويشغل حاليا عضوا بالمجلس الوطني للمجاهدين, ورئيس جمعية أول نوفمبر 54 بباتنة.
والآن, وقد تلمسنا هذا الأثر الجهادي الفعال لهذا القائد, والبطل الكبير, وإبن عائلة الشهداء ،فهل من شك بعد هذا ؟.. وهل لازال في نفوس بعض المتشككين أوهام بخصوص جهاد الرجل, وثورتيه؟
إن المجاهد محمد الشريف عباس من الرجال القلائل الذين يحبون العمل في سرية وصمت, وتترجم أفكاره اليوم جهوده على الرأس وزارة المجاهدين.
إن محاولة الطابور الخامس, وحزب فرنسا التشكيك في نزاهة الرجال الأوفياء الذين وعتهم الذاكرة الجماعية محاولة يائسة, وأذكر في هذا الصدد عمق التأثر الذي يعتصر قلب محمد الشريف عباس حين يقف أمام النصب التذكارية, ورفات الشهداء, فقد رأيته عن قرب بالغ التأثر حين وقف لمرات أمام ضريح الشهيد البطل مصطفى بن بولعيد في أعالي نارة, ورأيته يوما موغلا في الذكريات، حين رافقناه لزيارة منزل الشهيد عبد الله لمزيطى في بلدية أولاد فاضل, وهو المنزل الذي أشرف فيه مصطفى بن بولعيد رفقة شبحاني بشير, وعاجل عجول وآخرين على كتابة بيان أول نوفمبر 54, فقد راح يروي للمجاهدين الحاضرين بعض الذكريات الطيبة عن عبد الله لمزيطى, وبتأثر عميق.
جريدة الفجر لشهر ديسمبر 2003 في عددها 963
مقال "محمد الشريف عباس على رأس قائمة المجاهدين المزيفين"
وحين يحاول مصطفى بوقبة الذي أثار ظلالا من الشك على جهادية المجاهد محمد الشريف عباس التأكيد في أكثر من مرة أن محمد الشريف عباس يرأس قائمة المجاهدين المزيفين, وهي قضية يصر عليها مند سنة 2000, ويحاول الترويج لها داخل صفوف المجاهدين, وأبناء الشهداء, فإنه يجانب الحقيقة كل الحقيقة فقد نشرت بعض الصحف إفتراءات, وأباطيل لا أساس لها من الصحة, كما فعلت جريدة الفجر خلال شهر ديسمبر 2003 في عددها 963, حيث عنونت مقالا لها "محمد الشريف عباس على رأس قائمة المجاهدين المزيفين", وقد أثار هذا المقال ردود فعل شديدة في الأوراس, حيث استنكر المجاهدين هذا الفعل الشنيع, والإفك الآثم, وحاولت جهات كثيرة تنوير الرأي العام الوطني ببطلان هذه المزاعم.
وحاول بوقبة أن يتوغل في تجنياته, فاعتمد ـ حسب المقال ـ رواية ( تحقيق الجنرالات ), مشيرا إلى جهات مسؤولة كذبت لاحقا هذه الرواية وأنكرتها جملة وتفصيلا, بل وحاول أكثر أن يوحي أن رئاسة الجمهورية حسب نص المقال هذا الملف وهي كذبة أخرى.
فقد أثبتت الأحداث أن محمد الشريف عباس يحظى بثقة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة, فقد كان ساعده الأيمن في إقناع سكان الأوراس خلال الإنتخابات الرئاسية الماضية ببرنامجه الإنتخابي وكان مبعوثه أخيرا إلى القاهرة رفقة الرئيس الأسبق أحمد بن بلة, رمز الثورة الجزائرية وبطلها الكبير للمشاركة في احتفالات جامعة الدول العربية بخمسينية الثورة.
إن محمد الشريف عباس المشهود له بأدواره المتميزة طوال أكثر من أربعة عقود, يكمل اليوم رسالته رغم سيل الإتهامات, وضغوط الحركى, وأركان الطابور الخامس والمحسوبين على فرنسا ممن يعرف بحزب فرنسا في الجزائر.
إن الواحة, وهي تسلط جانبا من أضواءها على تضحيات الرجال, تنتظر باستمرار شهادات أخرى وإسهامات تاريخية من صناع الثورة لتنوير الرأي العام الوطني, للمساعدة في كتابة التاريخ بموضوعية.
جمعي بومعراف
المراجع :
من مذكرات ووثائق الرائد عمار ملاح (وقائع وحقائق عن الثورة التحريرية بالأوراس ـ الناحية 3, بوعريف).