الصلاة تعريفها مشروعيتها وحكمة تشريعها
=()= الصلاة تعريفها مشروعيَّتها وحكمة تشريعها =()=
فرضيَّتها وفرائضها، حكم تارك الصَّلاة.
حقيقة الصلاة: الصلاة لغة: الدعاء أو الدعاء بخير، قال تعالى: {وصل عليهم إن صلاتك سَكَن لهم} [التوبة:9/301] أي ادع لهم. وشرعاً: هي أقوال وأفعال مخصوصة، مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم.
مشروعيتها: الصلاة واجبة بالكتاب والسنة والإجماع:
أما الكتاب: فقوله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء،ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، وذلك دين القيِّمة} [البينة:5/89] وقوله سبحانه: {فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، واعتصموا بالله هو مولاكم، فنعم المولى ونعم النصير} [الحج:22/87]، مع آي كثيرة مثل: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} [النساء:4/301].
وأما السنة: فأحاديث متعددة، منها: حديث ابن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقامِ الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً» (1) ، وفي معناه حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا» (2) .
وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة على وجوب خمس صلوات في اليوم والليلة.
تاريخها ونوع فرضيتها وفرائضها: فرضت الصلاة ليلة الإسراء قبل الهجرة بنحو خمس سنين على المشهور بين أهل السير، لحديث أنس، قال: «فرضت على النبي صلّى الله عليه وسلم الصلوات ليلة أسري به خمسين، ثم نقصت حتى جعلت خمساً، ثم نودي: يا محمد، إنه لا يبدل القول لدي، وإن لك بهذه الخمسة خمسين» (3) . وقال بعض الحنفية: فرضت ليلة الإسراء قبل السبت سابع عشر من رمضان قبل الهجرة بسنة ونصف. وجزم الحافظ ابن حجر بأنه ليلة السابع والعشرين من رجب، وعليه عمل أهل الأمصار.
وهي فرض عين على كل مكلف (بالغ عاقل)، ولكن تؤمر بها الأولاد لسبع سنين، وتضرب عليها لعشر، بيدٍ، لا بخشبة، لقوله صلّى الله عليه وسلم : « مُروا صبيانكم بالصلاة لسبع سنين ، واضربوهم عليها لعشر سنين ، وفرِّقوا بينهم في المضاجع» (4) .
----------------
(1) متفق عليه.
(2) متفق عليه.
(3) رواه أحمد والنسائي وصححه الترمذي. وفي الصحيحين: «فرض الله على أمتي ليلة الإسراء خمسين صلاة، فلم أزل أراجعه وأسأله التخفيف حتى جعلها خمساً في كل يوم وليلة» .
(4) رواه أحمد وأبو داود والحاكم والترمذي والدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (نيل الأوطار:298/1).
والصلوات المكتوبات خمس في اليوم والليلة، ولا خلاف بين المسلمين في وجوبها، ولا يجب غيرها إلا بنذر، للأحاديث السابقة، ولحديث الأعرابي: « خمس صلوات في اليوم والليلة» قال الأعرابي: «هل علي غيرها؟ قال: «لا، إلا تطَّوع» (1) ولقوله صلّى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: «أخبرهم أن الله تعالى فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة» (2) .
وقال أبو حنيفة رحمه الله: الوتر واجب، لقوله صلّى الله عليه وسلم : «إن الله قد زادكم صلاة، وهي الوتر» (3) وهذا يقتضي وجوبه، وقال عليه السلام: «الوتر واجب على كل مسلم» (4) .
حكمة تشريع الصلاة: الصلاة أعظم فروض الإسلام بعد الشهادتين، لحديث جابر: «بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة» (5) .
وقد شرعت شكراً لنعم الله تعالى الكثيرة، ولها فوائد دينية وتربوية على الصعيدين الفردي والاجتماعي.
فمن فوائدها الدينية: عقد الصلة بين العبد وربه، بما فيها من لذة المناجاة للخالق، وإظهار العبودية لله، وتفويض الأمر له، والتماس الأمن والسكينة والنجاة في رحابه، وهي طريق الفوز والفلاح، وتكفير السيئات والخطايا، قال تعالى: {قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون} [المؤمنون23/1-2]
----------------
(1) متفق عليه، تتمة الحديث: «فقال الرجل: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها ولا أنقص منها، فقال الرسول: أفلح إن صدق» (نيل الأوطار:286/1).
(2) متفق عليه عن ابن عباس: وكانت تلك البعثة سنة عشر قبل حج النبي صلّى الله عليه وسلم (سبل السلام:120/2).
(3) ورواه ثمانية من الصحابة: خارجة بن حذافة، وعمرو بن العاص، وعقبة بن عامر،وابن عباس، وأبو بصرة الغفاري، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وأبو سعيد الخدري، وكلها معلولة (نصب الراية:109/1).
(4) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد وابن حبان والحاكم عن أبي أيوب (نصب الراية:112/1).
(5) رواه مسلم.
{إن الإنسان خلق هلوعاً، إذا مسه الشر جزوعاً، وإذا مسه الخير منوعاً إلا المصلين} [المعارج:70/19-20].
وقال صلّى الله عليه وسلم : «أرأيتم لو أن نَهَراً بباب أحدكم، يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يَبْقى من دَرَنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال: فكذلك مَثَل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا» (1) .
وفي حديث آخر عن أبي هريرة أيضاً أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن، ما لم تُغْشَ الكبائر» (2) . وعن عبد الله بن عمرو مرفوعاً: «إن العبد إذا قام يصلي، أُتي بذنوبه فوضعت على رأسه أو على عاتقه، فكلما ركع أو سجد، تساقطت عنه» (3) أي حتى لا يبقى منها شيء إن شاء الله تعالى.
ومن فوائدها الشخصية: التقرب بها إلى الله تعالى ومعراج النفس إلى ربها، قال الله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات:51/56] و فيها تقوية النفس والإرادة، والاعتزاز بالله تعالى دون غيره، والسمو عن الدنيا ومظاهرها، والترفع عن مغرياتها وأهوائها، وعما يحلو في النفس مما لدى الآخرين من جاه ومال وسلطان، قال الله تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة، وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} [البقرة:2/45].
كما أن في الصلاة راحة نفسية كبيرة، وطمأنينة روحية، وبعداً عن الغفلة
----------------
(1) رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة، ورواه ابن ماجه من حديث عثمان (الترغيب والترهيب:233/1).
(2) رواه مسلم والترمذي وغيرهما ( المصدر السابق ).
(3) رواه ابن حبان في صحيحه.
التي تصرف الإنسان عن رسالته السامية الخالدة في هذه الحياة، قال صلّى الله عليه وسلم : «حُبِّب إلي من دنياكم: النساء والطيب، وجعلت قُرَّة عيني في الصلاة» (1) ، وكان عليه السلام ـ فيما رواه أحمد ـ إذا حَز به أمر (أي نزل به هم أو غم) قال: «أرحنا بها يا بلال» (2) .
وفي الصلاة: تدرب على حب النظام والتزام التنظيم في الأعمال وشؤون الحياة، واحترا م الوقت وتقديره لأدائها في أوقات منظمة، وبها يتعلم المرء خصال الحلم والأناة والسكينة والوقار، ويتعود على حصر الذهن في المفيد النافع، لتركيز الانتباه في معاني آي القرآن وعظمة الله تعالى ومعاني الصلاة.
كما أن الصلاة مدرسة خلقية عملية انضباطية تربي فضيلة الصدق والأمانة، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، قال الله سبحانه: {وأقم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} [العنكبوت:92/54].
ومن فوائدها الاجتماعية: إقرار العقيدة الجامعة لأفراد المجتمع، وتقويتها في نفسهم، وفي تنظيم الجماعة في تماسكها حول هذه العقيدة، وفيها تقوية الشعور بالجماعة، وتنمية روابط الانتماء للأمة، وتحقيق التضامن الاجتماعي، ووحدة الفكر والجماعة التي هي بمثابة الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
وفي صلاة الجماعة: فوائد عميقة وكثيرة، من أهمها إعلان مظهر المساواة، وقوة الصف الواحد، ووحدة الكلمة، والتدرب على الطاعة في القضايا العامة أو المشتركة باتباع الإمام فيما يرضي الله تعالى، والاتجاه نحو هدف واحد وغاية نبيلة سامية هي الفوز برضوان الله تعالى.
----------------
(1) رواه أحمد والنسائي والحاكم والبيهقي عن أنس بن مالك ، وهو حديث حسن.
(2) رواه أبو داود.
كما أن بها تعارف المسلمين وتآلفهم، وتعاونهم على البر والتقوى، وتغذية الاهتمام بأوضاع وأحوال المسلمين العامة، ومساندة الضعيف والسجين والملاحَق بتهمة والغائب عن أسرته وأولاده. ويعد المسجد والصلاة فيه مقراً لقاعدة شعبية منظمة متعاونة متآزرة، تخرِّج القيادة، وتدعم السلطة الشرعية، وتصحح انحرافاتها وأخطاءها بالكلمة الناصحة والموعظة الحسنة، والقول الليِّن، والنقد البناء الهادف؛ لأن «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً» (1) .
والصلاة تميِّز المسلم عن غيره، فتكون طريقاً للثقة والائتمان، وبعث روح المحبة والمودة فيما بين الناس، جاء في الحديث: «من استقبل قبلتنا، وصلى صلاتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له ما للمسلم، وعليه ما على المسلم» (2) .
حكم تارك الصلاة: اتفق المسلمون على أن الصلاة واجبة على كل مسلم بالغ عاقل طاهر، أي غير ذي حيض أو نفاس، ولا ذي جنون أو إغماء، وهي عبادة بدنية محضة لا تقبل النيابة أصلاً، فلا يصح أن يصلي أحد عن أحد، كما لا يصح أن يصوم أحد عن أحد.
وأجمع المسلمون على أن من جحد وجوب الصلاة، فهو كافر مرتد، لثبوت فرضيتها بالأدلة القطعية من القرآن والسنة والإجماع، كما أبنت. ومن تركها تكاسلاً وتهاوناً فهو فاسق عاص، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام، أو لم يخالط المسلمين مدة يبلغه فيها وجوب الصلاة.
وترك الصلاة موجب للعقوبة الأخروية والدنيوية، أما الأخروية فلقوله تعالى: {ما سلككم في سَقَر؟ قالوا: لم نك من المصلين} [المدثر:74/42-43]
----------------
(1) رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(2) أخرجه البخاري والترمذي ،وأبو داود والنسائي عن أنس رضي الله عنه (جامع الأصول: 158/1 وما بعدها).
{فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون} [الماعون:107/4-5]، {فخلَف من بعدهم خَلْف أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات، فسوف يلقون غيّاً} [مريم:19/59]. وقال صلّى الله عليه وسلم : «من ترك الصلاة متعمداً، فقد برئت منه ذمة الله ورسوله» (1) .
وأما عقوبتها الدنيوية لمن تركها كسلاً وتهاوناً ، فلها أنماط عند الفقهاء.
فقال الحنفية (2) : تارك الصلاة تكاسلاً فاسق يحبس ويضرب ـ على المذهب ـ ضرباً شديداً حتى يسيل منه الدم، حتى يصلي ويتوب، أو يموت في السجن ومثله تارك صوم رمضان، ولا يقتل حتى يجحد وجوبهما، أو يستخف بأحدهما كإظهار الإفطار بلا عذر تهاوناً، بدليل قوله صلّى الله عليه وسلم : «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة» (3) .
وأضاف الحنفية: أنه يحكم بإسلام فاعل الصلاة بشروط أربعة: أن يصلي الوقت ، مع جماعة، أو يؤذن في الوقت، أو يسجد للتلاوة عند سماع آية سجدة، ولا يحكم بإسلام الكافر في ظاهر الرواية إن صام أوحج أو أدى الزكاة.
وقال الأئمة الآخرون (4) : تارك الصلاة بلا عذر ولو ترك صلاة واحدة. يستتاب ثلاثة أيام كالمرتد (5) ، وإلا قتل إن لم يتب، ويقتل عند المالكية والشافعية
----------------
(1) رواه أحمد بإسناده عن مكحول، وهو مرسل جيد.
(2) الدر المختار:326/1، مراقي الفلاح: ص60 .
(3) متفق عليه عن ابن مسعود رضي الله عنه.
(4) القوانين الفقهية: ص42، بداية المجتهد:87/1، الشرح الصغير:238/1، مغني المحتاج:327/1 ومابعدها، المهذب:51/1، كشاف القناع:263/1 ومابعدها، المغني:442/2.
(5) الاستتابة عند الشافعية والجمهور مندوبة هنا، أما استتابة المرتد فواجبة لأن الردة تخلد في النار، فوجب إنقاذه منها، بخلاف ترك الصلاة كسلاً لا يكفر.
حداً، لا كفراً، أي لا يحكم بكفره وإنما يعاقب كعقوبة الحدود الأخرى على معاصي الزنى والقذف والسرقة ونحوها، وبعد الموت يغسل ويصلى عليه، ويدفن مع المسلمين. ودليلهم على عدم تكفير تارك الصلاة قوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء:4/48]، وأحاديث متعددة منها: حديث عبادة بن الصامت: «خمس صلوات كتبهن الله على العباد، من أتى بهن لم يضيِّع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن، كان له عند الله عهد أن يُدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء غفَر له» (1) .
وحديث أبي هريرة: «إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة: الصلاة المكتوبة، فإن أتمها، وإلا قيل: انظروا هل له من تطوع؟ فإن كان له تطوع، أُكملت الفريضة من تطوعه، ثم يُفعل بسائر الأعمال المفروضة مثلُ ذلك» (2) فلا يكفر بترك الصلاة؛ لأن الكفر بالاعتقاد، واعتقاده صحيح، ويكفر إن تركها جاحداً وجوبها. وتأولوا الأحاديث الآتية التي استدل بها الحنابلة بأنها محمولة على المستحل أو المستحق عقوبة الكافر وهي القتل.
وقال الإمام أحمد رحمه الله (3) : يقتل تارك الصلاة كفراً أي بسبب كفره، لقوله تعالى: {فإذا انسلخ الأشهر الحُرُم، فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد، فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، فخلوا سبيلهم، إن الله غفور رحيم} [التوبة:9/5]، فمن ترك الصلاة، لم يأت بشرط التخلية، فيبقى على إباحة القتل، فلا يخلى من لم يقم الصلاة.
----------------
(1) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه (نيل الأوطار:294/1).
(2) رواه الخمسة، وهناك أحاديث أخرى في موضوع هذين الحديثين (نيل الأوطار:295/1 ومابعدها).
(3) المغني:442/2-447.
ولقوله صلّى الله عليه وسلم : «بين الرجل وبين الكفر: ترك الصلاة» (1) فهويدل على أن ترك الصلاة من موجبات الكفر.
ومثله حديث بُرَيْدة: «العهد الذي بيننا وبينكم الصلاة، فمن تركها فقد كفر» (2) وهو يدل على أن تارك الصلاة يكفر.
ورجح الشوكاني هذا الرأي، فقال: والحق أنه كافر يقتل. ولا يمنع بعض أنواع الكفر من المغفرة واستحقاق الشفاعة.
وإني أميل إلى الرأي الأول وهو الحكم بعدم كفر تارك الصلاة، للأدلة الكثيرة القاطعة بعدم خلود المسلم في النار بعد النطق بالشهادتين، قال صلّى الله عليه وسلم : «من قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يُعبد من دون الله، حرُم ماله ودمه، وحسابه على الله» (3) وقال عليه السلام أيضاً: «يخرج من النار: من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار: من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن بُرَّة من خير، ويخرج من النار: من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه مثقال ذرة من خير» (4) .
وطريقة قتل تارك الصلاة عند الجمهور (غير الحنفية): هو ضرب عنقه بالسيف، إن لم يتب.
دوام فرضية الصلاة طوال العمر: لا تسقط الصلاة بحال حضراً أو سفراً أو مرضاً، فيلزم المسلم بالصلاة ما دام حياً، ولم يصبح في حال غيبوبة أو فقد الوعي، وإنما يسر الإسلام كيفية أداء الصلاة كما في صلاة الخوف، وصلاة المريض بحسب القدرة من قيام أو قعود أو على جنب أواستلقاء أو بالرأس أو بالأعين أو إجراء الأركان على القلب. ومن كان ملطخاً بالدم إثر عملية جراحية، أو مربوطاً بكيس يصب فيه الدم مثلاً، أو مجبَّر الكسور، يصلي على هذه الحال بوضوء أو تيمم بحسب القدرة، ثم يعيد الصلاة، بعد الشفاء احتياطاً.
----------------
(1) رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي (نيل الأوطار:291/1).
(2) رواه الخمسة، وابن حبان والحاكم، وصححه النسائي والعراقي، وهناك أحاديث أخرى في موضوعه (انظر نيل الأوطار:293/1 ومابعدها).
(3) أخرجه مسلم عن طارق الأشجعي رضي الله عنه (جامع الأصول:161/1).
(4) أخرجه البخاري عن أنس رضي الله عنه. والبرة مفرد البُرّ من القمح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر : الفقه الاسلامي وادلته.
فرضيَّتها وفرائضها، حكم تارك الصَّلاة.
حقيقة الصلاة: الصلاة لغة: الدعاء أو الدعاء بخير، قال تعالى: {وصل عليهم إن صلاتك سَكَن لهم} [التوبة:9/301] أي ادع لهم. وشرعاً: هي أقوال وأفعال مخصوصة، مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم.
مشروعيتها: الصلاة واجبة بالكتاب والسنة والإجماع:
أما الكتاب: فقوله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء،ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، وذلك دين القيِّمة} [البينة:5/89] وقوله سبحانه: {فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، واعتصموا بالله هو مولاكم، فنعم المولى ونعم النصير} [الحج:22/87]، مع آي كثيرة مثل: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} [النساء:4/301].
وأما السنة: فأحاديث متعددة، منها: حديث ابن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقامِ الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً» (1) ، وفي معناه حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا» (2) .
وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة على وجوب خمس صلوات في اليوم والليلة.
تاريخها ونوع فرضيتها وفرائضها: فرضت الصلاة ليلة الإسراء قبل الهجرة بنحو خمس سنين على المشهور بين أهل السير، لحديث أنس، قال: «فرضت على النبي صلّى الله عليه وسلم الصلوات ليلة أسري به خمسين، ثم نقصت حتى جعلت خمساً، ثم نودي: يا محمد، إنه لا يبدل القول لدي، وإن لك بهذه الخمسة خمسين» (3) . وقال بعض الحنفية: فرضت ليلة الإسراء قبل السبت سابع عشر من رمضان قبل الهجرة بسنة ونصف. وجزم الحافظ ابن حجر بأنه ليلة السابع والعشرين من رجب، وعليه عمل أهل الأمصار.
وهي فرض عين على كل مكلف (بالغ عاقل)، ولكن تؤمر بها الأولاد لسبع سنين، وتضرب عليها لعشر، بيدٍ، لا بخشبة، لقوله صلّى الله عليه وسلم : « مُروا صبيانكم بالصلاة لسبع سنين ، واضربوهم عليها لعشر سنين ، وفرِّقوا بينهم في المضاجع» (4) .
----------------
(1) متفق عليه.
(2) متفق عليه.
(3) رواه أحمد والنسائي وصححه الترمذي. وفي الصحيحين: «فرض الله على أمتي ليلة الإسراء خمسين صلاة، فلم أزل أراجعه وأسأله التخفيف حتى جعلها خمساً في كل يوم وليلة» .
(4) رواه أحمد وأبو داود والحاكم والترمذي والدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (نيل الأوطار:298/1).
والصلوات المكتوبات خمس في اليوم والليلة، ولا خلاف بين المسلمين في وجوبها، ولا يجب غيرها إلا بنذر، للأحاديث السابقة، ولحديث الأعرابي: « خمس صلوات في اليوم والليلة» قال الأعرابي: «هل علي غيرها؟ قال: «لا، إلا تطَّوع» (1) ولقوله صلّى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: «أخبرهم أن الله تعالى فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة» (2) .
وقال أبو حنيفة رحمه الله: الوتر واجب، لقوله صلّى الله عليه وسلم : «إن الله قد زادكم صلاة، وهي الوتر» (3) وهذا يقتضي وجوبه، وقال عليه السلام: «الوتر واجب على كل مسلم» (4) .
حكمة تشريع الصلاة: الصلاة أعظم فروض الإسلام بعد الشهادتين، لحديث جابر: «بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة» (5) .
وقد شرعت شكراً لنعم الله تعالى الكثيرة، ولها فوائد دينية وتربوية على الصعيدين الفردي والاجتماعي.
فمن فوائدها الدينية: عقد الصلة بين العبد وربه، بما فيها من لذة المناجاة للخالق، وإظهار العبودية لله، وتفويض الأمر له، والتماس الأمن والسكينة والنجاة في رحابه، وهي طريق الفوز والفلاح، وتكفير السيئات والخطايا، قال تعالى: {قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون} [المؤمنون23/1-2]
----------------
(1) متفق عليه، تتمة الحديث: «فقال الرجل: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها ولا أنقص منها، فقال الرسول: أفلح إن صدق» (نيل الأوطار:286/1).
(2) متفق عليه عن ابن عباس: وكانت تلك البعثة سنة عشر قبل حج النبي صلّى الله عليه وسلم (سبل السلام:120/2).
(3) ورواه ثمانية من الصحابة: خارجة بن حذافة، وعمرو بن العاص، وعقبة بن عامر،وابن عباس، وأبو بصرة الغفاري، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وأبو سعيد الخدري، وكلها معلولة (نصب الراية:109/1).
(4) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد وابن حبان والحاكم عن أبي أيوب (نصب الراية:112/1).
(5) رواه مسلم.
{إن الإنسان خلق هلوعاً، إذا مسه الشر جزوعاً، وإذا مسه الخير منوعاً إلا المصلين} [المعارج:70/19-20].
وقال صلّى الله عليه وسلم : «أرأيتم لو أن نَهَراً بباب أحدكم، يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يَبْقى من دَرَنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال: فكذلك مَثَل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا» (1) .
وفي حديث آخر عن أبي هريرة أيضاً أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن، ما لم تُغْشَ الكبائر» (2) . وعن عبد الله بن عمرو مرفوعاً: «إن العبد إذا قام يصلي، أُتي بذنوبه فوضعت على رأسه أو على عاتقه، فكلما ركع أو سجد، تساقطت عنه» (3) أي حتى لا يبقى منها شيء إن شاء الله تعالى.
ومن فوائدها الشخصية: التقرب بها إلى الله تعالى ومعراج النفس إلى ربها، قال الله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات:51/56] و فيها تقوية النفس والإرادة، والاعتزاز بالله تعالى دون غيره، والسمو عن الدنيا ومظاهرها، والترفع عن مغرياتها وأهوائها، وعما يحلو في النفس مما لدى الآخرين من جاه ومال وسلطان، قال الله تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة، وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} [البقرة:2/45].
كما أن في الصلاة راحة نفسية كبيرة، وطمأنينة روحية، وبعداً عن الغفلة
----------------
(1) رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة، ورواه ابن ماجه من حديث عثمان (الترغيب والترهيب:233/1).
(2) رواه مسلم والترمذي وغيرهما ( المصدر السابق ).
(3) رواه ابن حبان في صحيحه.
التي تصرف الإنسان عن رسالته السامية الخالدة في هذه الحياة، قال صلّى الله عليه وسلم : «حُبِّب إلي من دنياكم: النساء والطيب، وجعلت قُرَّة عيني في الصلاة» (1) ، وكان عليه السلام ـ فيما رواه أحمد ـ إذا حَز به أمر (أي نزل به هم أو غم) قال: «أرحنا بها يا بلال» (2) .
وفي الصلاة: تدرب على حب النظام والتزام التنظيم في الأعمال وشؤون الحياة، واحترا م الوقت وتقديره لأدائها في أوقات منظمة، وبها يتعلم المرء خصال الحلم والأناة والسكينة والوقار، ويتعود على حصر الذهن في المفيد النافع، لتركيز الانتباه في معاني آي القرآن وعظمة الله تعالى ومعاني الصلاة.
كما أن الصلاة مدرسة خلقية عملية انضباطية تربي فضيلة الصدق والأمانة، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، قال الله سبحانه: {وأقم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} [العنكبوت:92/54].
ومن فوائدها الاجتماعية: إقرار العقيدة الجامعة لأفراد المجتمع، وتقويتها في نفسهم، وفي تنظيم الجماعة في تماسكها حول هذه العقيدة، وفيها تقوية الشعور بالجماعة، وتنمية روابط الانتماء للأمة، وتحقيق التضامن الاجتماعي، ووحدة الفكر والجماعة التي هي بمثابة الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
وفي صلاة الجماعة: فوائد عميقة وكثيرة، من أهمها إعلان مظهر المساواة، وقوة الصف الواحد، ووحدة الكلمة، والتدرب على الطاعة في القضايا العامة أو المشتركة باتباع الإمام فيما يرضي الله تعالى، والاتجاه نحو هدف واحد وغاية نبيلة سامية هي الفوز برضوان الله تعالى.
----------------
(1) رواه أحمد والنسائي والحاكم والبيهقي عن أنس بن مالك ، وهو حديث حسن.
(2) رواه أبو داود.
كما أن بها تعارف المسلمين وتآلفهم، وتعاونهم على البر والتقوى، وتغذية الاهتمام بأوضاع وأحوال المسلمين العامة، ومساندة الضعيف والسجين والملاحَق بتهمة والغائب عن أسرته وأولاده. ويعد المسجد والصلاة فيه مقراً لقاعدة شعبية منظمة متعاونة متآزرة، تخرِّج القيادة، وتدعم السلطة الشرعية، وتصحح انحرافاتها وأخطاءها بالكلمة الناصحة والموعظة الحسنة، والقول الليِّن، والنقد البناء الهادف؛ لأن «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً» (1) .
والصلاة تميِّز المسلم عن غيره، فتكون طريقاً للثقة والائتمان، وبعث روح المحبة والمودة فيما بين الناس، جاء في الحديث: «من استقبل قبلتنا، وصلى صلاتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له ما للمسلم، وعليه ما على المسلم» (2) .
حكم تارك الصلاة: اتفق المسلمون على أن الصلاة واجبة على كل مسلم بالغ عاقل طاهر، أي غير ذي حيض أو نفاس، ولا ذي جنون أو إغماء، وهي عبادة بدنية محضة لا تقبل النيابة أصلاً، فلا يصح أن يصلي أحد عن أحد، كما لا يصح أن يصوم أحد عن أحد.
وأجمع المسلمون على أن من جحد وجوب الصلاة، فهو كافر مرتد، لثبوت فرضيتها بالأدلة القطعية من القرآن والسنة والإجماع، كما أبنت. ومن تركها تكاسلاً وتهاوناً فهو فاسق عاص، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام، أو لم يخالط المسلمين مدة يبلغه فيها وجوب الصلاة.
وترك الصلاة موجب للعقوبة الأخروية والدنيوية، أما الأخروية فلقوله تعالى: {ما سلككم في سَقَر؟ قالوا: لم نك من المصلين} [المدثر:74/42-43]
----------------
(1) رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(2) أخرجه البخاري والترمذي ،وأبو داود والنسائي عن أنس رضي الله عنه (جامع الأصول: 158/1 وما بعدها).
{فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون} [الماعون:107/4-5]، {فخلَف من بعدهم خَلْف أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات، فسوف يلقون غيّاً} [مريم:19/59]. وقال صلّى الله عليه وسلم : «من ترك الصلاة متعمداً، فقد برئت منه ذمة الله ورسوله» (1) .
وأما عقوبتها الدنيوية لمن تركها كسلاً وتهاوناً ، فلها أنماط عند الفقهاء.
فقال الحنفية (2) : تارك الصلاة تكاسلاً فاسق يحبس ويضرب ـ على المذهب ـ ضرباً شديداً حتى يسيل منه الدم، حتى يصلي ويتوب، أو يموت في السجن ومثله تارك صوم رمضان، ولا يقتل حتى يجحد وجوبهما، أو يستخف بأحدهما كإظهار الإفطار بلا عذر تهاوناً، بدليل قوله صلّى الله عليه وسلم : «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة» (3) .
وأضاف الحنفية: أنه يحكم بإسلام فاعل الصلاة بشروط أربعة: أن يصلي الوقت ، مع جماعة، أو يؤذن في الوقت، أو يسجد للتلاوة عند سماع آية سجدة، ولا يحكم بإسلام الكافر في ظاهر الرواية إن صام أوحج أو أدى الزكاة.
وقال الأئمة الآخرون (4) : تارك الصلاة بلا عذر ولو ترك صلاة واحدة. يستتاب ثلاثة أيام كالمرتد (5) ، وإلا قتل إن لم يتب، ويقتل عند المالكية والشافعية
----------------
(1) رواه أحمد بإسناده عن مكحول، وهو مرسل جيد.
(2) الدر المختار:326/1، مراقي الفلاح: ص60 .
(3) متفق عليه عن ابن مسعود رضي الله عنه.
(4) القوانين الفقهية: ص42، بداية المجتهد:87/1، الشرح الصغير:238/1، مغني المحتاج:327/1 ومابعدها، المهذب:51/1، كشاف القناع:263/1 ومابعدها، المغني:442/2.
(5) الاستتابة عند الشافعية والجمهور مندوبة هنا، أما استتابة المرتد فواجبة لأن الردة تخلد في النار، فوجب إنقاذه منها، بخلاف ترك الصلاة كسلاً لا يكفر.
حداً، لا كفراً، أي لا يحكم بكفره وإنما يعاقب كعقوبة الحدود الأخرى على معاصي الزنى والقذف والسرقة ونحوها، وبعد الموت يغسل ويصلى عليه، ويدفن مع المسلمين. ودليلهم على عدم تكفير تارك الصلاة قوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء:4/48]، وأحاديث متعددة منها: حديث عبادة بن الصامت: «خمس صلوات كتبهن الله على العباد، من أتى بهن لم يضيِّع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن، كان له عند الله عهد أن يُدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء غفَر له» (1) .
وحديث أبي هريرة: «إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة: الصلاة المكتوبة، فإن أتمها، وإلا قيل: انظروا هل له من تطوع؟ فإن كان له تطوع، أُكملت الفريضة من تطوعه، ثم يُفعل بسائر الأعمال المفروضة مثلُ ذلك» (2) فلا يكفر بترك الصلاة؛ لأن الكفر بالاعتقاد، واعتقاده صحيح، ويكفر إن تركها جاحداً وجوبها. وتأولوا الأحاديث الآتية التي استدل بها الحنابلة بأنها محمولة على المستحل أو المستحق عقوبة الكافر وهي القتل.
وقال الإمام أحمد رحمه الله (3) : يقتل تارك الصلاة كفراً أي بسبب كفره، لقوله تعالى: {فإذا انسلخ الأشهر الحُرُم، فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد، فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، فخلوا سبيلهم، إن الله غفور رحيم} [التوبة:9/5]، فمن ترك الصلاة، لم يأت بشرط التخلية، فيبقى على إباحة القتل، فلا يخلى من لم يقم الصلاة.
----------------
(1) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه (نيل الأوطار:294/1).
(2) رواه الخمسة، وهناك أحاديث أخرى في موضوع هذين الحديثين (نيل الأوطار:295/1 ومابعدها).
(3) المغني:442/2-447.
ولقوله صلّى الله عليه وسلم : «بين الرجل وبين الكفر: ترك الصلاة» (1) فهويدل على أن ترك الصلاة من موجبات الكفر.
ومثله حديث بُرَيْدة: «العهد الذي بيننا وبينكم الصلاة، فمن تركها فقد كفر» (2) وهو يدل على أن تارك الصلاة يكفر.
ورجح الشوكاني هذا الرأي، فقال: والحق أنه كافر يقتل. ولا يمنع بعض أنواع الكفر من المغفرة واستحقاق الشفاعة.
وإني أميل إلى الرأي الأول وهو الحكم بعدم كفر تارك الصلاة، للأدلة الكثيرة القاطعة بعدم خلود المسلم في النار بعد النطق بالشهادتين، قال صلّى الله عليه وسلم : «من قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يُعبد من دون الله، حرُم ماله ودمه، وحسابه على الله» (3) وقال عليه السلام أيضاً: «يخرج من النار: من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار: من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن بُرَّة من خير، ويخرج من النار: من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه مثقال ذرة من خير» (4) .
وطريقة قتل تارك الصلاة عند الجمهور (غير الحنفية): هو ضرب عنقه بالسيف، إن لم يتب.
دوام فرضية الصلاة طوال العمر: لا تسقط الصلاة بحال حضراً أو سفراً أو مرضاً، فيلزم المسلم بالصلاة ما دام حياً، ولم يصبح في حال غيبوبة أو فقد الوعي، وإنما يسر الإسلام كيفية أداء الصلاة كما في صلاة الخوف، وصلاة المريض بحسب القدرة من قيام أو قعود أو على جنب أواستلقاء أو بالرأس أو بالأعين أو إجراء الأركان على القلب. ومن كان ملطخاً بالدم إثر عملية جراحية، أو مربوطاً بكيس يصب فيه الدم مثلاً، أو مجبَّر الكسور، يصلي على هذه الحال بوضوء أو تيمم بحسب القدرة، ثم يعيد الصلاة، بعد الشفاء احتياطاً.
----------------
(1) رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي (نيل الأوطار:291/1).
(2) رواه الخمسة، وابن حبان والحاكم، وصححه النسائي والعراقي، وهناك أحاديث أخرى في موضوعه (انظر نيل الأوطار:293/1 ومابعدها).
(3) أخرجه مسلم عن طارق الأشجعي رضي الله عنه (جامع الأصول:161/1).
(4) أخرجه البخاري عن أنس رضي الله عنه. والبرة مفرد البُرّ من القمح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر : الفقه الاسلامي وادلته.