الامام الشافعي رحمه الله
= الإمام الشافعي رحمه اللله =
**************
الإمام أبو عبد الله، محمد بن إدريس القرشي الهاشمي الْمُطَّلبي بن العباس بن عثمان بن شافع رحمه الله، يلتقي نسبه مع الرسول صلّى الله عليه وسلم في جده عبد مناف، ولد في غزة بفلسطين الشام عام (150هـ)، وهو عام وفاة أبي حنيفة، وتوفي في مصر عام (204هـ).
بعد موت أبيه في غزة وبعد سنتين من ميلاده، حملته أمه إلى مكة موطن آبائه، فنشأ بها يتيماً، وحفظ أشعارهم، ونبغ في العربية والأدب، حتى قال الأصمعي عنه: « وصححت أشعار هذيل على فتى من قريش يقال له: محمد بن إدريس » ، فكان بذلك إماماً في العربية وواضعاً فيها.
تتلمذ في مكة على مفتيها مسلم بن خالد الزنجي، حتى أذن له بالإفتاء وهو ابن خمس عشرة سنة، ثم ارتحل إلى المدينة، فتفقه على مالك بن أنس، وسمع منه الموطأ، وحفظه في تسع ليال، وروى الحديث أيضاً عن سفيان بن عيينة، والفضيل ابن عياض، وعمه محمد بن شافع وغيرهم.
وارتحل إلى اليمن، فولي عملاً فيها، ثم ارتحل إلى بغداد عام( 183هـ) و(195هـ)، فأخذ عن محمد بن الحسن كتب فقهاء العراق، وكانت له مناظرات معه، سر منها الرشيد.
ولقيه أحمد بن حنبل في مكة سنة( 187هـ)، وفي بغداد سنة (195هـ)، وأخذ عنه فقهه وأصوله، وبيانه ناسخ القرآن ومنسوخه. وفي بغداد صنف كتابه القديم المسمى بالحجة الذي ضمن فيه (مذهبه القديم)، ثم ارتحل إلى مصر عام (200هـ ) حيث أنشأ (مذهبه الجديد) وتوفي بها شهيد العلم (1) في آخر رجب يوم الجمعة سنة (204هـ)، ودفن بالقرافة بعد العصر من يومه، رحمه الله.
ومن مؤلفاته (الرسالة) أول مدون في علم أصول الفقه، وكتاب (الأم) في فقه مذهبه الجديد.
كان مجتهداً مستقلاً مطلقاً، إماماً في الفقه والحديث والأصول، جمع فقه الحجازيين والعراقيين، قال فيه أحمد: «كان أفقه الناس في كتاب الله وسنة رسوله» وقال عنه أيضاً: «مامن أحد مسَّ بيده محبرة وقلَماً، إلا وللشافعي في عنقه منَّة» وقال عنه طاش كبري زاده في مفتاح السعادة: «اتفق العلماء من أهل الفقه والأصول والحديث، واللغة والنحو وغير ذلك، على أمانته وعدالته وزهده، وورعه وتقواه وجوده، وحسن سيرته، وعلو قدره، فالمطنب في وصفه مقصر، والمسهب في مدحته مقتصر» .
وأصول مذهبه: القرآن والسنة، ثم الإجماع، ثم القياس. ولم يأخذ بأقوال الصحابة، لأنها اجتهادات تحتمل الخطأ، وترك العمل بالاستحسان الذي قال به الحنفية والمالكية، وقال: ( من استحسن فقد شرع )، ورد المصالح المرسلة، وأنكر الاحتجاج بعمل أهل المدينة، وسماه أهل بغداد ( ناصر السنة ).
روى عنه كتابه القديم ( الحجة ) أربعة من أصحابه العراقيين وهم: أحمد بن حنبل، وأبو ثور، والزعفراني، والكرابيسي، وأنفسهم رواية له: الزعفراني.
وروى عنه مذهبه الجديد في ( الأم ) في أبواب الفقه كلها أربعة أيضاً من أصحابه المصريين وهم: المزني، والبويطي، والربيع الجيزي، والربيع بن سليمان المرادي راوي ( الأم) وغيرها عن الشافعي. والفتوى على مافي الجديد، دون القديم، فقد رجع الشافعي عنه، وقال: «لاأجعل في حل من رواه عني» إلا في مسائل يسيرة نحو السبع عشرة، يفتى فيها بالقديم إلا إذا اعتضد القديم بحديث صحيح لامعارض له، فإن اعتضد بدليل فهو مذهب الشافعي، فقد صح أنه قال: «إذا صح الحديث فهو مذهبي، واضربوا بقولي عُرْض الحائط» .
وقد كثر تلاميذه وأتباعه في الحجاز والعراق ومصر وغيرها من البلاد الإسلامية، وأترجم بصفة خاصة لخمسة مصريين منهم أخذوا عنه مذهبه الجديد وهم (2) :
1 ً - يوسف بن يحيى البويطي، أبو يعقوب (توفي عام 231هـ) وهو مسجون ببغداد بسبب فتنة القول بخلق القرآن التي أثارها الخليفةالمأمون، استخلفه الشافعي في حلقته، له مختصر مشهور اختصره من كلام الشافعي.
2 ً - أبو إبراهيم، إسماعيل بن يحيى المزني (المتوفى عام 264هـ) قال عنه الشافعي: «المزني ناصر مذهبي» ، له في مذهب الشافعي كتب كثيرة، منها المختصر الكبير المسمى المبسوط، والمختصر الصغير. أخذ عنه كثير من علماء خراسان والعراق والشام، وكان عالماً مجتهداً.
3 ً - الربيع بن سليمان بن عبد الجبار المرادي، أبو محمد، راوي الكتب، كان مؤذناً بجامع عمرو بن العاص (جامع الفسطاط)، توفي عام( 270هـ)، صحب الشافعي طويلاً، حتى صار راوية كتبه، وعن طريقه وصلنا: الرسالة والأم وغيرهما من كتب الإمام. وتقدم روايته على رواية المزني إن تعارضتا.
4 ً - حَرْملة بن يحيى بن حرملة (المتوفى سنة 266هـ) روى عن الشافعي من الكتب مالم يروه الربيع، مثل كتاب الشروط (3 أجزاء)، وكتاب السنن (عشرة أجزاء) وكتاب النكاح، وكتاب ألوان الإبل والغنم وصفاتها وأسنانها.
5 ً - محمد بن عبد الله بن عبد الحكم (المتوفى في ذي القعدة سنة 268هـ) كان تلميذ الشافعي وأحد تلامذة مالك، كان أهل مصر لايعدلون به أحداً، وكان الشافعي يُحبه ويوده، ثم ترك مذهبه إلى مذهب مالك؛ لأن الشافعي لم يخلفه في حلقته، ولأنه مذهب أبيه.
-----------------
(1) قيل: ضربه أشهب الفقيه المالكي المصري، حين تناظر مع الشافعي، فأفحمه، فضربه بمفتاح في جبهته، فمرض بسبب ذلك أياماً، ثم مات، وكان أشهب يدعو عليه في سجوده، قائلاً: اللهم أمت الشافعي، وإلا ذهب علم مالك. والمشهور أن الضارب له: فتيان المغربي (بجيرمي الخطيب : 49/1 ومابعدها).
(2) كتاب الشافعي لأستاذنا أبي زهرة: ص149 ومابعدها.
--------
المصدر : الفقه الإسلامي وأدلته.