أحكام في زينة المرأة
أحكام في زينة المرأة
صالح بن فوزان الفوزان
دارالقاسم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمدوعلى آله وصحبه وسلم أجمعين، وبعد:
يطلب من المرأة أن تفعل من خصال الفطرة ما يختص بها ويليق بها من قص الأظافروتعاهدها، لأن تقليم الأظافر سنة بإجماع أهل العلم لأنه من خصال الفطرة الواردة فيالحديث ولما في إزالتها من النظافة والحُسن. وما في بقائها طويلة من التشويهوالتشبه بالسباع وتراكم الأوساخ تحتها ومنع وصول ماء الوضوء إلى ما تحتها. وبعضالمسلمات قد ابتلين بتطويل الأظافر تقليداً للكافرات وجهلاً بالسنة.
ويطلب من المسلمة توفير شعر رأسها ويحرم عليها حلقه إلا من ضرورة. قال الشيخمحمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله في مجموع الفتاوى: ( وأما شعر روؤس النساء فلايجوز حلقه لما رواه النسائي في سُننه بسنده عن علي رضي الله عنه، ورواه البزاربسنده في مسنده عن عثمان رضي الله عنه، ورواه ابن جرير بسنده عن عكرمةقالوا: ( نهى رسول اللهأن تحلق المرأة رأسها ). والنهي إذا جاء عن النبيفإنه يقتضي التحريم ما لم يرد له معارض. قال ملا علي قاري في المرقاة شرحالمشكاة: ( قوله: "أن تحلق المرأة رأسها" وذلك لأن الذوائب للنساء كاللحى للرجال فيالهيئة والجمال ).
وأما قص المرأة شعر رأسها فإن كان لحاجة غير الزينة - كأن تعجز عن مؤنته أو يطولكثيراً ويشق عليها - فلا بأس بقصه بقدر الحاجة. كما كان بعض أزواج النبييفعلنه بعد وفاته لتركهنالتزين بعد وفاتهواستغنائهن عن تطويل الشعر.
وأما إن كان قصد المرأة من قص شعرها هو التشبه بالكافرات والفاسقات أو التشبهبالرجال فهذا محرم بلا شك للنهي عن التشبه بالكفار عموماً وعن تشبه المرأة بالرجال.
وإن كان القصد منه التزين فالذي يظهر لي أنه لا يجوز.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان: ( إن من العرف الذيصار جارياً في كثير من البلاد بقطع المرأة شعر رأسها إلى قرب أصوله سنة إفرنجيةمخالفة لما كان عليه نساء المسلمين ونساء العرب قبل الإسلام. فهو من جملةالانحرافات التي عمت البلوى بها في الدين والخلق والسمت وغير ذلك ).
ثم أجاب عن حديث: ( أن أزواج النبييأخذن من رؤوسهن حتى تكون كالوفرة. بأن أزواج النبيإنما يقصرن رؤوسهن بعدوفاتهلأنهن كُنيتجملن في حياته ومن أجمل زينتهن شعورهن، أما بعد وفاتهفلهن حكم خاص بهن لا تشاركهن فيهامرأة واحدة من نساء جميع أهل الأرض وهو انقطاع أملهن انقطاعاً كلياً من التزويجويأسهن منه اليأس الذي لا يمكن أن يخالطه طمع. فهن كالمعتدات المحبوسات بسببه إلىالموت، قال تعالى: وَمَا كَانَ لَكُم أَن تُؤذُوا رَسُولَ اللهِ وَلاأَن تَنكِحُواْ أَزوَاجَهُ مِن بَعدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُم كَانَ عِندَ اللهِعَظِيماً[الأحزاب:53 ] واليأس من الرجال بالكلية قد يكون سبباً للترخيص في الإخلال بأشياءمن الزينة لا تحل لغير ذلك السبب. كما لا يجوز للمرأة أن تطيع زوجها إذا أمرها بذلكلأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ).
فعلى المرأة أن تحتفظ بشعر رأسها وتعتني به وتجعله ضفائر، ولا يجوز لها جمعه فوقالرأس أو من ناحية القفا. قال الشيخ محمد بن إبراهيم: ( وأما ما يفعله بعض نساءالمسلمين في هذا الزمن من فرق شعر الرأس من جانب وجمعه من ناحية القفا أو جعله فوقالرأس كما تفعله نساء الإفرنج - فهذا لا يجوز لما فيه من التشبه بنساء الكفار ).
وعن أبي هريرةفيحديث طويل قال: قال رسول الله: {صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهمسياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات. رؤوسهنكأسنمة البخت العجاف، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها. وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذاوكذا} [رواه مسلم]. وقد فسر بعض العلماء قوله: {مائلات مميلات}بأنهن يتمشطن المشطة الميلا،ويمشطن غيرهن تلك المشطة. وهذه مشطة نساء الإفرنج ومن يحذو حذوهن من نساء المسلمين.
وكما تمنع المرأة المسلمة من حلق رأسها أو قصه من غير حاجة فإنها تمنع من وصلهوالزيادة عليه بشعر آخر، لما في الصحيحين: ( لعن رسول اللهالواصلة والمستوصلة )، والواصلة: هي التي تصل شعرها بشعر غيرها، والمستوصلة: هي التي يعمل بها ذلك، لما في ذلك منالتزوير.
ومن الوصل المحرّم لبس الباروكة المعروفة في هذا الزمان. روى البخاري ومسلموغيرهما: أن معاويةخطب لما قدم المدينة وأخرج كبة من شعره فقال: ما بال نسائكم يجعلن في رؤوسهن مثلهذا؟! سمعت رسول اللهيقول: {ما من امرأة تجعل في رأسها شعراً من شعر غيرهاإلا كان زوراً}. والباروكة شعر صناعي يشبه شعر الرأس، وفي لبسهاتزوير.
ويحرم على المرأة المسلمة إزالة شعر الحاجبين أو إزالة بعضه بأي وسيلة من الحلقأو القص أو استعمال المادة المزيلة له أو لبعضه، لأن هذا هو النمص الذي لعن النبيمن فعلته، فقد لعنالنبيالنامصةوالمتنمصة. والنامصة: هي التي تزيل شعر حاجبيها أو بعضه للزينة - في زعمها - والمتنمصة: هي التي يفعل بها ذلك. وهذا من تغيير خلق الله الذي تعهد الشيطان أنيأمر به بني آدم حيث قال كما حكاه الله تعالى عنه: وَلأمُرَنَّهُم فَلَيُغَيِرُنَّ خَلقَ اللهِ[النساء: 119].
وفي الصحيح عن ابن مسعودأنه قال: ( لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصاتوالمتفلجات للحُسن المغيرات خلق الله عز وجل ). ثم قال: ( ألا ألعن من لعن رسولاللهوهو في كتاب اللهعز وجل؟! ) يعني قوله: وَمَآءَاتَكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمعَنهُ فَانتَهُواْ[الحشر:7]. ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره.
وقد ابتلى بهذه الآفة الخطيرة التي هي كبيرة من كبائر الذنوب كثير من النساءاليوم حتى أصبح النمص كأنه من الضروريات اليومية. ولا يجوز لها أن تطيع زوجها إذاأمرها بذلك لأنه معصية.
ويحرم على المرأة المسلمة تفليج أسنانها للحُسن بأن تبردها بالمبرد حتى تحدثبينها فرجاً يسيرة رغبة في التحسين، أما إذا كانت الأسنان فيها تشويه وتحتاج إلىعملية تعديل لإزالة هذا التشويه، أو فيها تسوس واحتاجت إلى إصلاحها من أجل إزالةذلك فلا بأس، لأن هذا من باب العلاج وإزالة التشويه ويكون ذلك على يد طبيبة مختصة.
ويحرم على المرأة عمل الوشم في جسمها، لأن النبيلعن الواشمة والمستوشمة، والواشمة: هي التي تغرز اليد أو الوجه بالإبر ثم تحشو ذلك المكان بالكحل أو المداد،والمستوشمة: هي التي يفعل بها ذلك. وهذا عمل محرم وكبيرة من كبائر الذنوب، لأنالنبيلعن من فعلته أوفعل بها، واللعن لا يكون إلا على كبيرة من الكبائر.
أما حكم الخضاب للنساء وصبغ الشعر فقد قال الإمام النووي في المجموع: ( أما خضاباليدين والرجلين بالحناء فمستحب للمتزوجة من النساء للأحاديث المشهورة فيه ).
يشير إلى ما رواه أبو داود: أن امرأة سألت عائشة رضي الله عنها عن خضاب الحناءفقالت: ( لا بأس به ولكني أكرهه فإن حبّي رسول اللهكان يكره ريحه ) [رواه النسائي]. وعنها رضي الله عنها قالت: أومأت امرأة من وراء ستر بيدها كتاب إلى رسول اللهفقبض النبييده وقال: {ما أدري أيد رجل أو يد امرأة؟! }قالت: بل يدامرأة، قال: {لو كنت امرأة لغيرت أظفارك}يعني بالحناء [أخرجه أبو داود والنسائي] لكن لا تصبغ أظفارها بمايتجمد عليها ويمنع الطهارة كالصبغة المسماة " بالمنوكير ".
وأما صبغ المرأة شعر رأسها فإن كان شيباً فإنها تصبغه بغير السواد لعموم نهيهعن الصبغ بالسواد. قالالإمام النووي في رياض الصالحين: باب نهي الرجل والمرأة عن خضاب شعرهما بالسواد. وقال في المجموع: ( ولا فرق في المنع من الخضاب بالسواد بين الرجل والمرأة، هذامذهبنا ). أما صبغ المرأة لشعر رأسها الأسود ليتحول إلى لون آخر فالذي أرى أن هذالا يجوز لأنه لا داعي إليه لأن السواد بالنسبة للشعر جمال وليس تشويهاً يحتاج إلىتغيير، ولأن في ذلك تشبهاً بالكافرات.
ويباح للمرأة أن تتحلى من الذهب والفضة بما جرت به العادة وهذا بإجماع العلماء،لكن لا يجوز لها أن تظهر حليها للرجال غير المحارم بل تستره خصوصاً عند الخروج منالبيت والتعرض لنظر الرجال إليها لأن ذلك فتنة، وقد نهيت أن تسمع الرجال صوت حليهاالذي في رجلها تحت الثياب فكيف بالحلي الظاهر؟ قال تعالى: وَلايَضرِبنَ بِأَرجُلِهِنَّ لِيُعلَمَ مَا يُخفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ[النور:31]، واللهأعلم.