سطور في الاسرة والتربية لعدنان عبدالنبي
سطور في الأسرة والتربية
عدنان عبد النبي البلداوي
من مستلزمات التربية السليمة ان نقدم للطفل ما يبعده عن مظاهر التخلف في مختلف مجالات الحياة ، وان نبعده عن رواسب الانحطاط ومخلفات التأخر التي مازالت الاجيال تتخبط فيها.
ان العصر الذي نعيش فيه هو عصر التحديات ، لاالسياسية وحسب ، بل حتى الحضارية بمعناها الواسع العريض ، وفي ضوء ذلك فالطفل يحتاج الى ثقافة تقنية تخفف عنه تخمة النظريات وكثرة الجدل ولغو الشعارات .. أي انه بحاجة الى ترويض النفس على حب العمل المتواصل والى ما يؤصل فيه الإيمان برسالته في الحياة ، وذلك ماينبغي ان نجعله هدفنا.
ان أولى لبنات بناء الشخصية هي الاسرة، لانها تهب للفرد اوليات تطبّعه ، ليس لأهمية العوامل الوراثية فحسب ، بل لان الاسرة هي الإحتواء البيئي الاول الذي يؤثر في السيرة والسلوك ، ثم يأتي بعده الأحتواء الثاتي المتمثل بالمدرسة او غيرها ، وعلى الرغم من تباين مواقف افراد الاسرة ، فان الاسرة الواعية المتماسكة تكوّن عند اطفالها مجموعة من العادات والاراء ، في حين ان الاسرة المفككة تهيئ للطفل توترات وصراعات قد ينجم عن تراكمها صعوبة حلها او التعثر في معالجتها .
ان القسط الاكبر من التعلم المبكر للطفل يحصل من طريق علاقته بأمه لأن انتظام رعاية الام وارضائها لحاجات الطفل ،تولّد لديه شعورا بالراحة والطمأنينة والرعاية والحب ، ويبدو ان قدرة الطفل على حب الاخرين والثقة بهم هي شرط يحدد حبه وثقته بنفسه وفهم هويته الذاتية.
ان عدم سير الأمور بين افراد الاسرة كما ينبغي ، واعني عدم الانسجام ، مع وجود توترات مستمرة ، كل ذلك لابد ان تظهر نتائجه إن عاجلا او آجلا من طريق سلوك الطفل في السنين الاولى في بيئته الثانية ( المدرسة )حيث يجد نفسه منتميا الى عالمين تتعاون تأثيراتهما مرّة ، وتتصارع مرّة أخرى ، فالطفل في الاسرة المنسجمة الواعية تتعزز خطواته وهو في بيئته الثانية التي تواصل تعليمه وتربيته في آن واحد ، وهذا الصنف من الاطفال نراه بعيدا عن العقد النفسية منصرفا الى تثبيت استقلاله الشخصي ، بينما الصنف الاخر الذي تتعاكس ساعاته بين البيت والمدرسة ، أي يعيش بين نقيضين ،الاول هوالتوتر وعدم الرضا في البيت والثاني حسن التعامل واللياقة في المدرسة، ومن اجل ان ننقذ الطفل من تراكم المعاكسات ، لابد من اعادة النظر في طريقة التعامل بين افراد اسرة ذلك الطفل ، لانه بحكم الغريزة يراقب ويتابع سلوك العائلة .. فلماذا تهيئ له الاسرة المتخاصمة ما لايحسن عقباه ، وهي تعلم ان ردود افعال تلك السلبيات يصبح مردّها أولا وآخرا عليها ، فهو ابنها ،له مالها ، وعليه ماعليها .
ان رعاية غرائز الطفل وتوجيهها يضمن له توازنه الذي هو حجر الاساس للشخصية الناجحة، يقول عالم النفس بستالوزي( تتمثل لي التربية بشجرة مثمرة بجانب جدول مياه جارٍ ،وما اصلها الا حبّة صغيرة أودع الخالق فيها شكل هذه الشجرة وخواصها واثمارها ، فلما غرست وتعهدها الزارع بما يساعد الطبيعة على عملها ،ظهرت تلك الحبة في شكل نبات ثم نمت وترعرعت حتى كبرت وأينعت وأثمرت وما هي الا الحبة الصغيرة مكبّرة نامية ،وهذا هو الحال في الطفل الذي أودع فيه الخالق تلك القوى التي تنمو وتظهر معه بالتدريب ، فتنمو اعضاؤه وملكاته تدريجا حتى يصبح من مجموعها وحدة ، فيجب على المربي ان يساعد قوى الطفل البدنية والادبية والعقلية على النمو الطبيعي من دون استعمال الطرق الصناعية ، فيجب ان يُنمى الإيمان في الطفل لابوساطة الكلام النظري ، بل بما يُنشأ عليه الطفل بتصديق الفعل ورسوخ الاعتقاد فيه)
لايختلف اثنان في ان الاسرة امانة في عنق المراة ، وان الحفاظ على هذه الا مانة يحتاج الى التزام جاد لتحقيق ذلك الحفاظ ، وان الالتزام بطبيعته يحتاج الى ضوابط كفيلة بذلك ، وقد أجمع اهل العلم والمعرفة على ان الدين بمبادئه وتعليماته خير من يوفر تلك الضوابط. لذافان توجه المراة اليوم الى مناهل العلم والفقه والادب من الواجبات الشرعية ، وذلك لما يداهمنا في هذا العصرمن وسائل تخريب وتهديم بنية الشخصية الاسلامية .. البنية التي يجب على كل مسلم ومسلمة الحفاظ عليها وحمايتها والدفاع عنها ، ولاشك في ان السلاح الفتاك في الدفاع اليوم هو التوعية والتبصير بعواقب الامور التي في مقدمتها نبذ الخلافات بمختلف اشكالها واجوائها ، لكي يتسنى للبناء ان يرتفع شاهقا بنوافذ مشرقة يدخلها الصفاء والنقاء وحسن النية والعمل الصالح والمباركة من الله تعالى.