التواضــــــع
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، اقدم اليكم يا اخوتي خطبة لفضبلة الشيخ العلامة محمد حسان حفظه الله بعنوان :
التواضــــع
إن الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه وأحبابه، وأتباعه وعلى كل من أستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
فهذا درس من دروس العقيدة لمعهد إعداد الدعاة، ومازلنا بحول الله وطوله مع مقدمة حديث جبريل، وكنا قد شرعنا فى المحاضرة الماضية فى بيان آداب طالب العلم.. اقتباسا من هذه الفقرة الأولى من فقرات هذا الحديث المبارك. وتوقفنا مع لفظ الإمام النسائى من حديث أبى ذر (ض)أنه قال: وإنا لجلوس ورسول الله (ص)فى مجلسه- هذا لفظ النسائى- إذ أقبل رجل أحسن الناس وجها، وأطيب الناس ريحا، كأن ثيابه لم يمسها دنس حتى سلم أى على النبى (ص). فقال: السلام عليك يا محمد .. فرد النبى (ص)
فقال: أأدنو يا محمد؟ .. فقال النبى (ص) " ادن" .. اقترب .. فما زال يقول: أادنو يا محمد مراراً والنبى يقول له: "أدن .." حتى وضع يده على ركبتى رسول الله فقال: يا محمد أخبرنى عن الإسلام .. إلى آخر الحديث.([1])
وذكرت أن هذه الرواية تفيد أن السائل قد اقترب من النبى حتى وضع يده على فخذى أو ركبتى رسول الله وهناك روايات أخر تفيد بأن السائل لم يضع يداه على فخذى رسول الله وغنما وضعهما على فخذى نفسه وأخذنا من هذا درسا ينبغى أن نقف أمامه مليا ألا وهو ما ينبغى أن يكون عليه طالب العلم بين يدى معلمه، وما ينبغى أن يتحلى بها طالب العلم بين يدى معلمه وشيخه وقلت: بأن أول أدب ينبغى أن يتحلى به طالب العلم الإخلاص وصدق النية ثم طهارة القلب والنفس والجوارح من الذنوب والمعاصى، لأن العلم نور يقذفه الله فى القلب والمعصية ظلمة تطفئ ذلك النور.. كما قال الإمام مالك للشافعى رضى الله عنهما: يا شافعى إنى أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً لا تطفئه بظلمة المعصية.
قال عبد الله بن مسعود : ليس العلم بكثرة الرواية إنما العلم نور يقذف فى القلب.. وذلك مأخوذ من قول الله عز وجل: { وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (282) سورة البقرة ولا يستشكل عليك معنى الآية: إذا علمت المعنى الحقيقى للتقوى الذى يقول فيه عبد الله بن مسعود : التقوى هى أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر . إذا وقفت مع هذه الأركان فهمت المعنى المقصود لقول الله عز وجل: { وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (282) سورة البقرة
انتهينا فى اللقاء الماضى عند هذين الأدبين من الآداب التى ينبغى أن يتخلى بها طالب العلم .. أما الأدب الثالث وهو من أهم الآداب على الإطلاق لطلاب العلم هو التواضع .. وأود أن أبين لحضراتكم لطيفة هامة جداً فى هذا الموطن .. يخطئ فيها كثير من الدعاة وكثير من طلاب العلم ينبغى أن نعلم أنه لا يقال : تواضع إلا لكبير من الناس لحاكم لعالم لغنى هذا هو الذى ينبغى أن يقال له: تواضع، لأنه يخشى أن يكبر فى عين نفسه أتاه الله حكماً، أتاه الله علما، أتاه الله مالا أو جاها أو ثراء فهذا هو الذى ينبغى أن يذكر بالتواضع فيقال له: تواضع حتى لا يعجب بنفسه أو بمنصبه أو يجاهه أو بعلمه، أما الإنسان العادى فلا يقال له: تواضع .. رجل ليس عالماً وليس حاكماً وليس ثريا ولا غنيا أو كبيرا هذا لا يقال له تواضع وإنما يقال له: لا تضع نفسك فى غير موضعها . فالتواضع إنما هو ممن أتاه الله نعمة كحكم أو ملك أو علم أو ثراء أو جاه او سلطان. ومن ثم على أى شئ نحن الطلاب نتكبر ليقال لنا: تواضعوا على أى شئ يتكبر طالب العلم الذى لازال فى أولى مراحل طلبه؟ على أى شئ يشمخ بأنفه؟ على أى شئ يتعالى؟ هذا لا يقال له: تواضع يا طالب العلم إنما يقال له: لا تضع نفسك فى غير موضعها .. وإنما ينبغى أن يقال للعلماء إذا رأينا عالما من العلماء قد أعجب بنفسه أو بعلمه أو بجمهوره أو بطلابه هذا هو الذى ينبغى أن يقال له: تواضع أتق الله وتذكر فضل الله تعالى عليك وأن ما بك من نعمة فمن الله عز وجل ، أما رجل لا يملك شيئاً من هذا فلا ينبغى أن يقال له: تواضع وإنما ينبغى أن يقال له: لا تضع نفسك فى غير موضعها.
فالتواضع يا إخوة من أحسن ما ينبغى أن يتحلى به طالب العلم.
ما هو التواضع؟ التواضع: هو انكسار القلب لله، وخفض جناح الذل لخلق الله .. قف مع هذا التعريف مرة أخرى . التواضع : هو أنكسار القلب لله، وخفض جناح الذل لخلق لله .. تدبرت هذا التعريف الجميل .. قال تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ } (29) سورة الفتح أعزة على الكافرين ، أذلة على المؤمنين .. ترى المؤمن هيناً ليناً ذلولا ذليلاً لله ثم لإخوانه متواضعاً بينهم لا يشمخ بأنفه، ولا يتعالى لأنه يعلم يقيناً أنه كلما ازداد تواضعاً لله كلما رفعه عز وجل وعلى قدر تواضعك فى إخلاص على قدر ما يرفعك رب الناس جل وعلا.
ونعوذ بالله من خشوع النفاق فإن هناك من كلمات التواضع ما قد يرددها بعض طلاب العلم والله يعلم أن قلبه قد امتلأ بالكبر فتخرج كلماته ممجوجة لا طعم لها ولا معنى، بل ولا تصل إلى القلب، بل وربما تغنى بألفاظ التواضع فيوضع له فى القلوب الضد مما يقصد ومما يريد، لأن الله عز وجل يأبى إلا أن يسمع بمن سمع، ورائى ومن سمع سمع اله به ، ومن رأئى أبى الله إلا أن يهتك ستره ورياءه فى الدنيا قبل الآخرة أسأل الله أن يسترنا وإياكم وأن يختم لنا ولكم بخاتمة الصدق إنه ولى ذلك والقادر عليه يأبى الله إلا أن يفضح المنافق فى الدنيا قبل الآخرة.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: يأبى الله إلا أن يظهر نفاق المنافقين فى الدنيا، على صفحات وجوههم وفى زلات ألسنتهم. وأنا أضيف للإمام ابن القيم هذه العبارة وأقول: وفى مداد أقلامهم .. يظهر النفاق على صفحات الوجوه أو فى كلمات أخى فى الكلمات المسطرة المكتوبة، نسأل الله أن يختم لنا ولكم بالإيمان وألا يفتنا فى الدنيا والأخرة إنه ولى ذلك والقادر عليه.
التواضع من أجمل الصفات تدبر معى هذا الذى ذكره الإمام الخطابى رحمه اله تعالى فى العزلة ذكر أن عبد الله بن المبارك، المجاهد الثقة العلم عبد الله ابن المبارك العالم المجاهد الثقة الثبت العلم الذى أرسل رسالته المشهورة من ميدان القتال إلى أخيه التقى النقى عابد الحرمين الفضيل بن عياض أرسل له عبد الله بن المبارك هذه الكلمات المؤثرة البليغة التى يقول فيها:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا
من كان يخضب خده بـ
ريح العبير لكم ونحن
من كان يتعب خيله فى باطل
ولقد آتانا من مقال نبينا
لا يستوى غبار خيل الله فى أنف
هذا كتاب الله ينطق بيننا
رضى الله عن عبد الله بن المبارك.
لعلمت أنك فى العبادة تلعب
دموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب
عبيرنا وهج السنابك الغبار الأطيب
فخيولنا يوم الكريهة تتعب
قول صحيح صادق لا يكذب
أمرئ ودخان نار تلهب
ليس الشهيد بميت لا يكذب
يقول الإمام الخطابى: قدم عبد الله بن المبارك على خراسان فقصد رجلا مشهوراً بالزهد والورع سمع عن رجل فى خراسان اشتهر بالزهد والورع فانطلق إليه عبد الله بن المبارك ليزوره فلما دخل عليه عبد الله لم يلتفت إليه الرجل، ونظر ولم يأبه به فخرج عبد الله بن المبارك فانطلق إليه بعض الناس وقالواله : ألا تعرفه فقال: لا من هذا؟ فقالوا: هذا أمير المؤمنين فى الحديث هذا وهذا وهذا وظلوا على عبد الله بن المبارك فخرج الرجل وراءه مسرعاً وأمسكه بيده وقال له: يا ابا عبد الرحمن اعذرنى وعظنى .. أعذرنى وعظنى فقال له ابن المبارك الفقيه العالم البليغ الذى اختار الموعظة المناسبة فى الوقت المناسب وهذا هو الفقيه بعينه قال عبد الله بن المبارك قال: يا أخى إذا خرجت من منزلك فلا يقعن بصرك على احد إلا ورأيت فى نفسك أنه أفضل منك.
انظر إلى فقه النصيحة هو رآه متكبراً فأراد أن يبين له أنه أنه لا ينبغى أن يغتر بزهد ولا بورع ولا بطاعة ولا بعبادة { كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ} (94) سورة النساء إذا كنت الآن على علم فمن الذى علمك؟ إنه الله عز وجل فضع أنفك فى التراب ذلا لمن علمك وتوا ضع واخفض جناحك لطلاب علمك: أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الصادقين.
بكل أسف .. ترى صنفا ممن آتاه الله علما أو إن شئت فقل قشورا من العلم، إن رزقه الله عز وجل ببعض الطلاب وجلسوا حوله تراه يشمخ بأنفه، وتراه يتعالى ويتكبر، وهذا ليس من سمت أهل العلم أبداً ولا من سمت طلاب أهل العلم، فقال عبد الله بن المبارك: يا اخى إذا خرجت من منزلك فلا يقعن بصرك على أحد إلا ورأيت فى نفسك أنه أفضل منك .. ما الذى يجعلك تخول لنفسك هذا الحق إنك أفضل منه هذا التواضع وكم نرى للأسف من طلاب العلم من يسيئون الأدب مع العلماء والشيوخ، إننى اتألم كثيراً حينما أرى صنفاً من الناس ممن ينتمون إلى بعض الطرق الصوفية يعاملون شيوخهم بهذه الطريقة لا أريد أن يقدس طلاب العلم علماءهم وشيوخهم أبداً لكن شتان بين حب وتقدير قائم على الأتباع، وبين حب قائم على الغلو والابتداع، شتان شتان بين حب وتقدير قائم على الاتباع وبين حي قائم على الغلو والابتداع، فكم من الطلاب لا يقدرون ظروف المشايخ والعلماء، ولا يقدرون الوقت الذى ينبغى أن يكثر فيه من السؤال أو أن يكفوا فطالب العلم الذكى هو الذى يختار الوقت المناسب الذى يذهب فيه إلى شيخه أو الذى يكثر فيه من السؤال على شيخه، حتى لا يتأفف شيخ ولا يضيق صدره به فيعطيه ما فتح الله عز وجل به عليه ، فى وقت مناسب لأنه يضيق صدره به فيعطيه ما فتح الله عز وجل به عليه، فى وقت مناسب لأنه بشر ولذلك عاب الله على من نادى على النبى من وراء الحجرات ولم يصبروا حتى يخرج إليهم رسول الله فقال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (4 ، 5) سورة الحجرات
شيخ من الشيوخ أو عالم من العلماء يبذل وقته، أو معظم وقته تقريباً لدين الله، أو الدعوة لدين الله، فإذا ما دخل بيته إنما ينبغى أن يترك له هذا الوقت لبيته لزوجته لأبنائه لقراءته لراحته، فإذا ما دخل هذا الوقت ليستريح فلا ينبغى أبداً أن يضيق عليه حتى فى هذا الوقت الذى فرغ فيه لشؤون نفسه. هذا يغيب على كثير من طلاب العلم، وقد نرى الباب يطرق عليك بعد الواحدة ليلاً، والله قد يضرب عليك التليفون بعد الواحدة ليلا وتقول: من؟ يقول: طالب علم أقول: هذا طالب علم أم سارق نوم وراحة هذا ليس هو الوقت المناسب أبداً ولن تجد فى صدر الشيخ الفسحة فى مثل هذا الوقت ليجيبك باستفاضة. هذه أمور مهمة جداً ينبغى أن يلتفت إليها طالب العلم وليبلغ الشاهد منكم الغائب ، ولا يخلطوا بين هذا وبين الكبر والعياذ بالله.
هذه آداب علمنا إياها رسول الله أما سمعت أن عبد الله بن العباس رضى الله عنهما كان ينطلق إلى زيد بن ثابت ليطلب العلم منه، فيستجى عبد الله بن عباس أن يطرق الباب على زيد بن ثابت، وينام على باب زيد حتى يخرج إليه زيد بن ثابت، فيخرج زيد بن ثابت فيرى ابن عباس نائماً على الباب، ربما مكث ساعة أو أكثر لا بطرق باب زيد، فيخرج زيد بن ثابت فيرى الربح قد أسفت الرمال على وجه ابن العباس فيقول زيد بن ثابت: ما الذى أجلسك هنا يا بن عباس؟ هلا أرسلت إلينا لنأتيك الله أكبر.
فيقول ابن عباس: طالب العلم المهذب المؤدب: كلا بل أنت أحق أن يؤتى ثم يسأل ابن عباس زيد بن ثابت فيما يريد فيعلمه زيد ويأتى زيد بن ثابت ليركب دابته لينطلق فيسرع ابن عباس ليسحب الدابة لزيد بن ثابت فيقول زيد: إليك عنى يا ابن عباس لا تفعل هذا فينظر إليه ابن عباس لا تفعل هذا فينظر إليه ابن عباس فى تواضع جم وأدب كبير ويقول له: هكذا أمرنا أن نصنع بعلمائنا فيقول زيد: ارفع إلى يدك فيطيع طالب العلم المهذب فيرفع يده إلى أستاذه وإلى معلمه زيد بن ثابت وهو لا يدرى ماذا يريد أن يفعل بها، فيمسك زيد بن ثابت يد ابن عباس ليقبلها.
ويقول له: وهكذا أمرنا أن نصنع بآل بيت نبينا.
أنظر إلى الأدب انظر إلى التواضع من جانب طالب العلم الذكى المهذب النبيه، ومن هذا الشيخ الكريم المبارك زيد بن ثابت رضوان الله عليهم، بل وأنا أعجب أشد العجب من هذا الدرس العجيب من دروس التواضع يعلمنا إياه نبى بل من أولى العزم الخمسة بل إنه كليم الله من أولى العزم اصطفاه الله عز وجل وقال له قولة جميلة رقيقة رقراقة {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} (41) سورة طـه هذه تقال لنبى اله موسى {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} بل ويقول له ربه: { وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (39) سورة طـه ومع هذا والحديث فى صحيح البخارى ومسلم([2]) ومن حديث أبى ابن كعب أن النبى قال: قام موسى خطيباً فى
بنى إسرائيل فسأل أى الناس أعلم فقال: أنا ونسى أن ينسب العلم إلى الله، وفوق كل ذى علم عليم هذا نبى الله موسى تعلم هذا الدرس منه سئل أى الناس أعلم؟ قال: أنا فعتب الله عليه عاتبه الله سبحانه وتعالى ، إذ لم يرد العلم إلى الله، فأوحى الله عز وجل إليه بأن عبداً من عبادنا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال: رب وكيف لى ربه أنظر إلى يداية التواضع ذكر فتذكر إن عبدى فلان بمجمع البحرين أعلم منك، فلم يتكبر موسى ولم يقل كيف وأنا كليمك؟ كيف وأنا من أولى العزم ؟ وأنا وأنا وأنا، ولكن قال: كيف يارب أصل إليه لأتعلم منه؟ دلنى عليه فأوحى الله عز وجل أن يحمل حوتاً فى مكتل فإذا فقدت الحوت فهو ثم أى إذا فقدت الحوت ستجده فى المكان الذى فقدت فيه الحوت عبداً، وهو الخضر عليه السلام بفتح الخاء وتسكين الضاد وفى لفظ بتشديد الضاد الخضر أو الخضر وسمى الخضر كذلك لأنه إذا جلس فى مكان أخضرت الأرض من تحته، فسمى بذلك.
وبداية أقول: إن الخضر عليه السلام ليس كما يظن كثير من العوام أنه مازال حيا إلى الآن. هذا كلام باطل لا أصل له لماذا؟ لو كان الخضر حيا للزمه ووجب عليه أن يذهب للنبى محمد بعد بعثته "ليؤمن به وليبايعه وليقاتل وتحت رأيته بنص القرآن {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} (81) سورة آل عمران هذا دليل أما الدليل الثانى: أنه ورد فى الصحيح أن النبى قال: لا يبقى فى نهاية مائة عام من يومى هذا ، ولا يبقى أحد على ظهر هذه الأرض من أهلها إلا وقد مات([3]) ... حتى لو كان الخضر موجوداً إلى هذا التاريخ، فإنه مات ينص حديث رسول الله
الذى لا ينطق عن الهوى.
الأمر الثالث الراجح من أقوال المحققين من أهل العلم أن الخضر عليه السلام كان نبياً أوحى الله عز وجل إليه بدليل قول الله تبارك وتعالى فى أخر قصته مع موسى فى سورة الكهف { وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي } (82) سورة الكهف
هذا هو الراجح من أقوال أهل العلم، والله أعلم. فقال موسى عليه السلام: يا رب كيف لى به قال فاحمل حوتا فى مكتل، وحيثما فقدت الحوت فثم هو.
فانطلق موسى عليه السلام مع فتاه يوشع بن نون وحمل الحوت فى مكتل وانطلقا حتى كانا عند الصخرة وضعا رؤوسهما وناما وانسل الحوت من المكتل أحيا الله الحوت، وانسل من المكتل {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا} (61) سورة الكهف فكان سريا وعجبا لموسى وفتاه فاتخذ سبيله فى البحر سريا وكان لموسى وفتاه عجبا فانطلقا بقية الليلة واليوم فلما أصبحا نسياً الحوت وانطلقا بعد ما استيقظا موسى من النوم قال موسى لفتاه {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} (62) سورة الكهف . أخرج لنا الحوت لتأكل كان حوتاً مشوياً أخرج لنا الحوت لنأكل لقد شعرنا بالتعب من هذا السفر حتى جاوز المكان الذى أمره به سبحانه الله وأمر الله عز وجل به موسى ليذهب إليه ليلقى عبده الخضر فقال له فتاه {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا * } (63) سورة الكهف {قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} (64) سورة الكهف على آثار اقدامهم فى الرمال عادا إلى حيث المكان الذى ناما فيه { فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} يقص الآثار أى يمشى على أثر الأقدام {فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا * فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} (64 ، 65) سورة الكهف .
قا له موسى الذى انتقل من مرتبه الكليم إلى مرتبة طالب العلم المهذب المتواضع، ولذلك كان علماء السلف يا إخوة بينهم يتواضعون بعضهم إلى بعض فترى العالم يجلس فى حلقة أخيه من العلماء ، لا يتكبر ولا يتعالى، عالم يجلس لعالم، وقد يكون أعلم منه وأفقه منه، ولكن هذا هو ديدن العلماء الصادقين فى كل زمان ومكان وترى طالب العلم الصغير يستعلى ويتكبر أن يجلس فى حلقة شيخ من الشيوخ أو عالم من العلماء أو حتى طالب من طلاب العلم فانظر إلى نبى الله موسى ينتقل من مرحلة النبى الكليم، ينسى هذا ويتواضع إلى أن يجلس كطالب علم بين يدى شيخ ومعلم آتاه الله عز وجل
من لدنه علماً.
فيقول له موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لما انتهى إلى الصخرة، رأى رجل مسجى بثوب يعنى رجل نائم متغطى بثوب عند الصخرة، فسلم موسى ألقى السلام فالتفت الخضر وقال : وآنى بأرضك السلام فقال: أنا موسى فقال الخصر: موسى بنى إسرائيل فقال: نعم.
قال موسى: {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} (66) سورة الكهف سبحان الله اتبعك على أن تعلمنى مما علمت رشداً فرد عليه رداً شديداً وقال له: {قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} (67) سورة الكهف {لَن تَسْتَطِيعَ} لن تصبر وعلل له وهذا فقال {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} (68) سورة الكهف فرد موسى بلهجة طالب العلم المهذب {قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} (69) سورة الكهف وبعض أهل العلم وقف عند قوله حكاية عن موسى {سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا} .
فلما قدم المشيئة فى الصبر صبره الله، ولما نسى أن يقدم المشيئة فى طاعة الأمر لم يصبر على ذلك فقال: {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا } فلم بقل: ستجدنى إن شاء الله مطيعا، لن أعصى لك أمرا قدم المشيئة على الصبر فصبره الله فلما لم يقدم المشيئة على طاعة الأمر عجز أن يطيع أمره بقوله: {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا } (70) سورة الكهف.
المهم قال يا موسى (إنى على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت) انظر إلى هذه العبارة الجميلة جدا عبارة الخضر لموسى: يا موسى أنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علم علمه الله لا أعلمه أنا سبحان الله وفى الرواية ذاتها فأنا لا أريد أن أتوقف مع الرواية بطولها فهى جميلة طويلة، أن نبى الله موسى لما ركب مع الخضر عليه السلام أرسل الله لهما وهما فى السفينة عصفوراً أو طائراً، فنقر من ماء البحر نقرة، أخذ شربة ماء، فسأل الخضر موسى وقال له: أرأيت هذا العصفور قد نقص شيئاً من ماء البحر قال: لا فقال: إن علمى وعلمك بجوار علم الله بقدر ما نقص هذا العصفور من ماء البحر: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} (109) سورة الكهف {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (27) سورة لقمان يعنى أية؟ يعنى لو تحولت البحار على الأرض إلى مداد إلى حبر وتحولت الأشجار على ظهر الأرض إلى أقلام وأخذت هذه الأقلام وأخذت من هذا المداد لكى تكتب علم الله لانتهت هذه البحور وانتهت هذه الأشجار وبقى علم العزيز الغفار.
{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (27) سورة لقمان الدرس التواضع من موسى كليم الله الذى قال الله عز وجل {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ} (144) سورة الأعراف وقال له عز وجل { وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (39) سورة طـه وقال له عز وجل {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} (41) سورة طـه إلى آخر ما كرم الله به نبيه موسى عليه السلام ومع هذا يتواضع ليطلب العلم من رجل أخبره الله عز وجل أنه على علم من علم الله تبارك وتعالى ليس عند نبى الله موسى وقصة موسى مع الخضر كانت امتحاناً وابتلاء، ليتعلم حيث إنه عوتب إذ لم ينسب العلم إلى العليم الحكيم جل وعلا فلما سئل عن أعلم أهل الأرض قال: أنا ونسى الله وفوق كل ذى علم عليم. والحقيقة أيضاً لفظة النقص التى وردت فى الحديث ينبغى أن توخذ على ظاهرها إن علمى وعلمك فى علم الله بقدر ما نقص هذا العصفور من ماء البحر ... هذه اللفظة يجب أن تتنبه إليها، يجب أن تؤخذ على ظاهرها لكن لابد أن نعلم يقيناً أن علم الله لايشوبه النقص أبدا . واضح ما أريد أن أقول يعنى خذ هذه اللفظة على ظاهرها لكن لا تأخذها على المعنى الذى قد يعنى أنه قد ينقص علم الله بنفس المقدار الذى نقص به ماء البحر، لا إن علم الله لا ينقص أبداً، وهذا ما بينته لنا الآيات. إذا يا أخوة درس التواضع من أهم الدروس ومن أهم الآداب التى يجب أن يتخلي بها طلاب العلم نسأل الله أن يرزقنا وإياكم التواضع.
رابعاً: من آداب طلاب العلم وهو أدب هام جداً أرجو أن يراعى طالب العلم مراحل الطلب أن يبدأ بالأهم وبالذى يستطيعه بمعنى أن طعام الكبار سم الصغار، طعام الكبار سم الصغار. هب أن ربك عز وجل رزقك بولد بعد طول فترة وأنت مشتاق للولد فجلست تأكل فى يوم من الأيام بعض قطع اللحم المشوى، فمن شدة حبك لولدك ورجاءك أن يكبر وأن ينمو، ألقمته قطعة من اللحم، هل يصلح طعامك هذا؟ قد يكون سماً لهذا الصغير قد تقتله بهذا الطعام.
فينبغى أن يبدأ طالب العلم بالأقل وبالأهم، ثم ليرتقى بعد ذلك يعنى
على سبيل المثال أول ما يبدأ طالب العلم يبدأ مثلا بالأصول، أصول الفقه أو علم مصطلح الحديث أو بكتاب الموافقات للإمام الشاطبى، يشق عليه ذلك، إذا ما جلس مع المجلد الأول للموافقات ربما لم يمسك بين يديه كتاباً من كتب العلم بعد ذلك ، لأنه
قد يعجز أن يفهم معنى الصفحة بدون مبالغة فى ساعات، فيشق عليه الأمر لو
جلست مع طالب العلم فى أول مراحل طلب العلم المبتدئ وبينت له أنواع المصالح قد يصعب عليه الأمر لو جلست مع طالب العلم فى أول مراحل طلب العلم، وذكرت له الأدلة ومراتب الأدلة ومعانى الأدلة والمناطات الخاصة والمناطات العامة قد يستشكل عليه الأمر فينبغى أن يراعى طالب العلم المبتدئ هذا الأمر جداً.
فليبدأ بالأيسر والأهم فى ذات الوقت يعنى يدرس كتاباً من كتب
العقيدة الميسرة، على سبيل المثال لو بدأ طالب علم مبتدأ فى الإعتقاد بمائتى
سؤال وجواب للشيخ حافظ بن أحمد حكمى صاحب "المعارج" ، فإن يسر الله
عز وجل له، وفهم ما فيه يستطيع أن يترقى بعد ذلك لا مانع من أن يعرج على سلم الوصول فإن السلم فليعرج بعد ذلك على المعارج يأتى على معارج القبول شرح سلم الوصول إلى علم الأصول فى التوحيد وهكذا يتدرج فى الطلب لا ينبغى أبدا أن يبدأ الإنسان السلم من آخره، وإنما يبدأ من أوله وأن يرتقى فى هذا السلم درجة درجة، وخطوة خطوة.
وهنا يا إخوة أذكر إخوانى من طلاب العلم بأنه لابد فى هذا الموطن من النصيحة والمشورة من طالب العلم لشيخه ومعلمه، استشر الشيخ حتى قبل أن تقرأ كتابا لا سيما من الكتب العصرية أيش رأيك فى هذا الكتاب؟ اقرأه أم لا الآن سيقول لك الشيخ: لا أرجئ الكتاب الآن يعنى. لا أنصح طالب علم الآن أن يبدأ بقراءة كتاب إحياء علوم الدين مثلا. فإن ووقف على قواعد أساسية من أصول العلم تستطيع بعد ذلك أن تقول: اقرأ الإحياء وخذ منه الطبيب الذى لا يصطدم مع هذه الحقائق والقواعد والأصول ورد ما يعارض هذه القواعد والأصول.
أقول أيضاً إن من أهم الآداب التى يجب أن يراعيها طلاب العلم أن يبدأ الطالب بالأيسر والأهم يعنى أذكر أنه فى بداية مرحلة الطلب. كنا كالنحل يأخذ من كل بستان أو يقف فى كل بستان على زهرة إذا رأينا رجلا من أهل العلم يتكلم فى التفسير نقول: ما شاء الله. فنبدأ بالتفسير مثلا تفسير ابن كثير، ولا أنصح طالب العلم أن يبدأ بكتاب "الظلال". و"الظلال" كغيره من الكتب التى ألفها البشر فلابد أن نعلم يقيناً أنه لا يوجد كتاب على ظهر هذه الأرض يخلو من خطأ إلا القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً، حتى كتب السنة فيها الموضوع وفيها الضعاف التى دست على النبى (ص)، وكذبت عليه فلا يوجد كتاب على ظهر الأرض وإلا فيه خطأ وحفظ الله جل وعلا كتابه {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (9) سورة الحجر ومن ثم فها نحن نقيس بهذا المقياس العادل كل الكتب والمناهج. ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم العدل والإنصاف ثم يسمع طالب العلم شيخاً من المشايخ يتكلم فى الحديث فيترك التفسير ويقول أبدأ بالحديث بحفظ عشرة أو مائة حديث فيسمع احد الشيوخ يتكلم عن العقيدة فيقول لابد أن نبدأ بالعقيدة فيترك التفسير، ويترك الحديث ويبدأ فى العقيدة فيسمع استاذا يتكلم فى اللغة العربية ويقول اللغة هى الوعاء فيقول كان ينبغى أن أبدأ باللغة أنا أخطأت فيترك التفسير والحديث والعقيدة ويبدأ باللغة وفى يوم آخر يسمع رجلا يتكلم عن التاريخ الإسلامى ولابد من دراسة التاريخ الإسلامى فيترك التفسير والحديث والعقيدة واللغة ويبدأ بالتاريخ ويضيع العلم ويخرج طالب العلم من هذا كله بدون أى شئ. فلابد من التأصيل لابد من إنهاء مناهج علم متكاملة . منهج فى العقيدة منهج فى التفسير كأنك طالب بالضبط فى الدراسة النظامية محال أن ينقل طالب المرحلة الابتدائى إلى المرحلة الثانوية العامة قبل أن ينتقل إلى مرحلة الاعدادية، فكذلك ينبغى أن يراعى طالب العلم هذه النقطة الهامة جداً، لأن كثيراً من الطلاب يمل من هذا كله ولا يصبر على الطلب بسبب هذا يبدأ بداية صعبة ربما والعياذ بالله يكون خبيث النية يبدأ بالمصطلح ليتميز ببعض المعلومات على أقرانه فى مجالس العلم، وهذه نية خبيثة وصاحب هذا القلب لا ينفعه العلم أبداً، إلا إذا تاب ورجع إلى الله، وطهر قلبه لأن النبى قال: " من تعلم العلم ليجارى به العلماء أو ليمارى به السفهاء أو ليصرف وجوه الناس إليه فهو فى النار".([4]) .
نسأل الله السلام والعافية، إذا يراعى طالب العلم مراحل الطلب وأقول: لا بأس أن يستشير طالب العلم شيوخه وأساتذته وعلماءه فى هذا. هل أقرأ هذا الكتاب أم لا؟ هل هذا ينفعنى فى هذه المرحلة أم لا؟ فلا خاب من استشار.
وأخيراً من آداب الطلب التى ينبغى أن يتحلى بها الطلاب الصبر على طلب العلم يا إخوة طالب العلم الذى يريد أن يصل إلى ما يريد، لابد وحتماً أن يصبر وأن يتألم وأن يجاهد نفسه. النفس كالطفل إن عودتها على شئ اعتادت عليه، قد لا يستطيع طالب العلم أن يمكث مع الكتاب أربع ساعات، ما يستطيع أن يجلس على الكتاب ربع ساعة بريد أن يقوم هذا لا يصلح إنما طالب العلم هو الذى يصبر على الطلب، وهو الذى يمكث فى المكتبة من الساعة إلى عشر ساعات إذا كان فارغ الوقت إن لم يكن عنده عمل قد يأتى عليك يوم لا تعمل فيه فما مانع أن تحصل فى هذا اليوم عشر ساعات ظروف المعيشة تماماً لكن طالب العلم الذى من الله عليه وهو فى مرحلة الطلب للدراسة النظامية يستطيع أن يفرغ قليلاً لطلب العلم الشرعى مع تنظيم الوقت والاهتمام به، وعدم تضييع دقيقة واحدة إلا فيما ينتفع به فلابد لطالب العلم أن يصبر وأن يجاهد نفسه، وأن يتحمل المشقة بل والأذى فى سبيل أن يطلب العلم تعلمون أن علماءنا جميعاً كانوا يرحلون المسافات الطويلة لطلب العلم ما ركبوا السيارات ولا الطيارات.
وإنما كانوا على ظهور الدواب تحت حرارة الشمس المحرقة فى الفيافى القفار، ينتقل من بغداد إلى خراسان، ومن بغداد إلى مصر، ومن مصر إلى مكة، ومن مكة إلى المدينة، يرحلون إلى الدنيا لطلب العلم.
لابد من الصبر واجتهادك يا طالب العلم لا تتعجل اصبر واجتهد فى الطلب على قدر صبرك واجتهادك على قدر فضل الله تبارك وتعالى عليك، هذه بعض الآداب التى يجب أن يتحلى بها طلاب العلم وتبقى لنا الآداب التى يجب أن يتخلى بها العلم نسأل الله أن يزرقنا وإياكم الصدق فى القول والعمل وأن يتقبل منا جميعاً وإياكم صالح الأعمال وأن يجعلنا جميعاً من الصديقين إنه ولى ذلك والقادر عليه .. وأكتفى بهذا القدر.
(1) رواه النسائى فى الإيمان (8/101 ، 102).
(1) رواه البخارى فى العلم (122) ومسلم فى الفضائل (2380).
(1) رواه مسلم فى فضائل الصحابة (2537 2539).
(1) رواه الترمذى فى العلم (2654) وابن ماجة فى المقدمة (253) والدارمى (367)
وسنده ضعيف لضعف حماد وأبى كريب، ورواه البيهقى عن أبى هريرة وصححه الألبانى فى صحيح الجامع (6158).