غربتي
غربتي
هناك خلف تلك الجبال والبحار يمكث وطني ، لا أعتقد أنه عرف برحلتي أو فقد خطواتي على تراب أرضه ، اشتقت إلى شروق شمسه ،وتناول قهوتي الصباحية تحت ظل أشجاره العتيقة اشتقت إلى هوائه ،واشتقت إلى أمي الغالية واشتقت إلى حارتنا الضيقة ،واشتقت إلي أصدقائي وإلى كل شيء
وحين وطئت قدماي أرض ميناء بلدي لم يقل لي أحد الحمد لله على السلامة ،لم يشتق لي أحد
عدت الى وطني من أرض الغربة لأجد وطني يحتضن الغربة يوما ما ، تركت هذه الارض التي أشتاق إليها، وخطيبتي التي أعشقها ؛ بعد غربتي مدة طويلة تراوح (أربعة عشر سنة) ،أصبحت بطاقتي الشخصية مجهولة لدى الاخرين ،لم يبق وجه أعرفه ؛ رتبت حقائبي ودسست مع ملابسي شيء من أوجاعي ودموعي ورحلت ، رفضت الزواج من بنات غربتي ،ورجعت لوطني ذات مساء قديم ،وتفاجأ ت بأن وطني ليس فيه زوجة لي ، كلهم خاف على بناته من أرض غربتي وأنا ما زلت أحمل وفاء لون جوازي الأخضر الموسوم بنسر ولون علم وطني على غلافه .
طرقت كل الأبواب القديمة التي أعرف أسماء ما خلفها ،تحدثت معهم وجدتهم يتحدثون لغة بعيدة عن لغتي ،تلك اللغة التي أصلي بها وأقرأ فيها سور وأيات القرأن الكريم ،وجدت في أرض وطني غربة لا تتحملها النفس ،فعدت من حيث كنت
عدت الى غربتي مملوء بالغربة ليزداد عذابي عذابا
في غربتي عاشرت الوجوه الغريبة عني ، عاشرتها حتى ألفتها ؛وأصبحت جزء مني ،أو أنا أصبحت جزءا منها ،ما كان محظور في مدينتي وجدته عاديا في مجريات أيامي ، تعودت أن أبني نفسي من جديد ،وأن أتكيف مع هذا العالم الذى لم يعد غريبا عني
وحين عدت من بلدي تمنعت بحياتي هنا ووقفت احتجاجا على نفسي ،فلا أستطيع أن أكمل الايام القادمة وحيدا ؛تمنيت في رحلتي الماضية لبلدي أن أحظي بزوجة لي ،تتحدث لغتي وتصوم معي وتصلي معي وأن تحتفل معي بقدوم شهر رمضان بعد أن كنت أحتفل بة وحيدا وتشاهد القنوات التلفزيونية لبدي ،ثقلت على الأيام حين أردت أن أنسلخ من وحدتي ، وأن أدع تلك الحياة التي تلفني الأن إلى واقعها معتمدا على جذور تربتي وعاداتي
هنا وجدت بشرا يعرفون كيف يعاملونني ،وجدت حياة كانت صعبة في البداية علي ،وجدت ابتسامة على محيى عابر لا أعرفه ،ووجدت نفسي أنسانا معهم ،كثير مفاهيمي التي تغيرت ،تعرف حقوقك وتدرك برضاك حقوق الاخرين
لم أعرف أعد الأيام في تقويم غربتي تركت الحياة تسير كما تسير مع أصدقاء غربتي ،وأغمض عيني كلما لاح لي تراب وطني ،قبل عشرين عاما ،رفض أهل بلدي أن يزوجونني من بناتهم .
وأنا رفضت أن تشاركني حياتي من بنات غربتي لأبقى وحيدا ،ليس لي غير الندم ؛حين وقفت ذات صباح بعدما غسلت وجهي من أثار النوم أمام المرأة ،ووجدت بياض شعري.............
خرجت من الحمام ، وشرعت بكل هدوء أعمل لنفسي كوب من القهوة كما هي عادتي كل صباح ,وأتصفح صحيفة الصباح التي لا تعرف هواء وطني ولا لغته ،وأشرب قهوتي بصمت
وكل ما بداخل داري التزم معي الصمت القاتل .
الكاتب: عبد الموجود عبد الستار
ج/0565293476