وزان : صوت الأغلبية الصامتة
التدوين : صوت الأغلبية الصامتة
التدوين : صوت الأغلبية المقهورة
الانترنت تتطور بشكل سريع جدا. وظهر الآن ما يعرف بالجيل الثاني من الإنترنت، أو ما يصطلح عليه بالويب 2.0. ويقوم على مبدأ تغير وضعية المستخدم من مجرد مستقبل للمعلومة إلى شريك في صناعتها. وأهم تمظهر لهذه الوضعية الجديدة هي ظاهرة التدوين (أو الصحافة الشعبية أو صحافة المواطن).
وهكذا صار بإمكان المواطن العادي الذي يستخدم الانترنت فتح صفحة خاصة على الشبكة، متاحة بشكل مجاني غالبا، ويمكن له أن يضع فيها ما يشاء من محتوى سواء أكان نصا أو صورة أو صوت أو فيديو (أو أن يمزج بين نوعين من الملفات أو أكثر في كل تدوينة). كما يمكن له أن يسمح بالتعليقات وأن يتحكم فيها أو يرد عليها. وان يملأ كل تدوينة بروابط تحيل إلى صفحات ومواقع أخرى ذات صلة بالموضوع وتمكن القارئ من الانفتاح والتوسع. والجميل في الأمر أن المدون يستفيد من سهولة الاستعمال والنشر الذي لا يتطلب معرفة تقنية كبيرة، وحرية الرأي فالمدون
هو رئيس التحرير.
لماذا أدون؟ سؤال قد تكون له مائة إجابة، ولكن لو عكست السؤال فقد يبدو الأمر منطقياً أكثر، ولماذا لا أدون؟ هناك الكثير من الأشياء التي تستحق أن أكتب عنها، وهناك العديد من الأحداث التي أمر بها قد تلفت النظر، والأهم من هذا وذاك، هناك ما لا حصر له من قضايا وهموم للشارع المحلي، تستحق أن يكتب عنها المدون الحر النزيه، لا الإعلام المسيّس المتسلق.
ففي التدوين يوجد هامش كبير من الحرية ومساحة أوسع للتعبير عن الآراء التي ليس من الممكن طرحها في وسائل الإعلام المعروفة، فمهما اختلفت الرؤى، هناك متسع لها ولقبولها أو ردها مع بقاء حق الكتابة والتعبير للجميع، لا يوجد مصادرة رأي ولا إجهاض أفكار.
فالتدوين مرات قد يكون نوعاً من الاحتجاج المؤدب لما يرفضه المدون من آراء لا تتفق ومبادئه، أو يكون مجرد مكان (للفضفضة) والتعبير عن الذات، وقد يكون مصدراً لبناء مواهب مدفونة؛ في جميع الأحوال، الكتابة كانت ولا زالت ميداناً مهماً لطرح الآراء والتعبير عنها وعن قضايا المجتمع المتنوعة، وهناك العديد من الأدباء والمثقفين المجهولين، فقط يحتاجون إلى محبرة وورق، لتفعيل طاقاتهم، التدوين يقوم بذلك..!
وبما أن القلم أمانة، فالتدوين يلزم صاحبه تحري الدقة والموضوعية فيما يكتب، وإن كان لا قيود على ذلك سوى ضمير الكاتب وحسه الأدبي، وهذا هو المطلوب لنثبت أن الكاتب ليس بحاجة لسلطوية الرقيب التي تمحو كثيراً من الكلمات وتحاول تكميم الأفواه وقتل الأفكار الخلاقة في مهدها.
التدوين يغرس خصلة جميلة ومطلوبة بشدة في مجتمعنا وهي القدرة على تقبل مختلف الآراء مهما تنوعت، والإيمان بضرورة التعددية الفكرية، فبالرغم من أن المدونين يبدون في بوتقة واحدة، إلا أن لكل فرد رأي مغاير لزميله، ولا نتحرج من طرح اختلافاتنا وتناقضاتنا.
كما يقول الكاتب(الاختلاف الثقافي وثقافة الاختلاف) : ” لإنتاج ثقافة الاختلاف لابد من الانطلاق من وجود الاختلاف ابتداءً “. لذلك، أنا أدون لأنني أؤمن بضرورة النظر إلى أي موضوع من كل الزوايا وبكافة وجهات النظر، لإنتاج ثقافة عامة تقبل التضاد الفكري ولا تحوله إلى صدام، وقبل ذلك زيادة الوعي المجتمعي لقبول ذلك التضاد.
أدون لأن لدي رأي ولن أجبر على النكوص عنه، لن يسعكم إلا سماعه، ولن أسكت حتى أعبر عنه، هو ليس بالضرورة رأي صائب، وقد لا يتفق مع مالديكم من آراء ومعتقدات، ولكن هو رأي، ويستحق الإصغاء.