مشكلة دارفور
مشكلة دارفور
بقلم
الدكتور محمد رفعت الإمام
تعد" السودان" ظهيرا استراتيجيا حيويا لمصر. ولا ريب أن مايحدث في السودان من اتجاه "الجنوب" إلي الانفصال عن الشمال سوف يترك صداه السلبي علي الأمن القومي المصري. وحتى لا تتكرر كارثة الانفصال مرة ثانية في المشهد السوداني ،يجب علي حكومة الخرطوم أن تستميت في حل" مشكلة دارفور" قبل أن يتحول الدارفوريون إلي المطالبة بحق تقري المصير ،وما يتمخض عنها من أزمات وتدخلات وتوازنات!
والحقيقة أن دارفور بدأت محليا داخل الإقليم :صراع قبلي حول الموارد خاصة بين الرعاة(عرب) والمزارعين(غير عرب)وبعد انتشار التعليم وتكوين الطبقة المتعلمة،أدركت نخبة دارفور أن الصراع حول الموارد ناتج عن غياب التنمية وإفرازا للتهميش وحرمان الإقليم من التنمية والخدمات وعدم اهتمام المركز(الحكومة) بالأطراف(الأقاليم النائية).ولذا نقلت النخبة المشكلة إلي حيز المواجهة مع الحكومة،وقدموا مطالبهم للحكومة المركزية في الخرطوم.بيد أن الأخيرة قد تعاملت معهم باعتبارهم(خارجون عن القانون) و(قطاع طرق) وعناصر( نهب مسلح)،وسعت إلي حل المشكلة بعقلية أمنية ،وانتهجت نهجا عسكريا لحسم هذه (الخروجات الأمنية).ثم حدث استقطاب حاد بين طرف تدعمه الحكومة-ميليشيات الجننجويد- وطرف آخر لجأ إلي دول الجوار مثل تشاد وليبيا للحصول علي أراضي يرتكز عليها وينطلق منها.وهو مانقل المشكلة المحلية إلي نطاق الإقليمية. ولجأت الأطراف إلي الغرب للحصول علي الدعم المادي والسياسي ،ومن ثم تصعيد القضية في الإعلام الدولي ,وهو ما تمخض عنه تدويل أزمة دارفور.
ورغم اضطرارية المعارضة الدارفورية إلي الاستنجاد بالأجنبي ،فإن التدخل الدولي عقد المشكلة أكثر من الإسهام في حلها. ورغم توافر حسن النية إلي حد لدي المجتمع الدولي، فليس لديه فكرة عن طبيعة وخصائص تركيبة دارفور العرقية؛ إذ أن الصراع الحاصل ليس بين أفراد ،بل بين جماعات . لذلك جاءت رؤية المجتمع الدولي الخاطئة،وتحرك بناء علي فرضيات خاطئة.
فالحركات المسلحة لا تمثل كل قبائل دارفور أو كل شعب دارفور . كما أن المجتمع الدولي أقبل علي المشكلة وكأنها حرب بين متمردين وحكومة. وهذا تبسيط مخل أضر بالمشكلة وزاد من تعقيدها إلي أن تحولت إلي كارثة إنسانية وأزمة دولية.
علي أية حال ، ينبغي لحل أزمة دارفور أن تعترف الحكومة السودانية بالمظالم التنموية والخدمية التي بدأها الاستعمار ن وسارت عليها كل الحكومات الوطنية بعد الاستقلال . ويجب الاعتراف بوجود استعلاء ثقافي وعرقي مورس علي كل المستويات ، وشكل ثقافة اجتماعية في مفردات الخطاب والسلوك الاجتماعي . ويجب تنقية المناهج التعليمية السودانية من كل الإيحاءات العنصرية ، ويتضمن المقرر الدراسي مادة عن مساوئ العنصرية وغرس قيم التسامح وقبول الآخر واحترام التعددية الثقافية.
وبخصوص الوضع الراهن لأزمة دارفور، فالتنمية سوف تأخذ وقتا حتى تتحقق بالصورة التي تزيل هذه التظلمات وتلك التوترات . ولذا يجب النظر إلي الحل من خلال عناصر أساسية وهي: صراع الموارد (بين الرعاة والمزارعين) ، صراع بين الحكومة والمركز ( قسمة السلطة والثروة وإزالة التهميش)، الصراع بين أبناء الإقليم ( من يحكم دارفور؟).
وإذا كان ينبغي علي الحكومة السودانية أن تقدم المزيد من التنازلات وأن تسرع في عملية بناء الثقة, فيقع جزء كبير من المسئولية علي عاتق الحركات الدارفورية التي عليها أن توحد صفها ورؤيتها ؛حتى تنجح المبادرات المختلفة في وضع حد للقتال كبداية لطريق طويل من اجل إعادة البناء والتعمير .
الدكتور محمد رفعت الإمام
أستاذ مساعد التاريخ الحديث
كلية الآداب بدمنهور-جامعة الإسكندرية
رئيس تحرير جريدة آريك الأرمنية
تقييم:
0
0