استشهاد يوسف البويطي في محنة القرآن
استشهاد يوسف البويطي في محنة القرآنأحد الأعلام من أصحاب الشافعي ، وأئمة الإسلام ، روى عن ابن وهب ، والشافعي ، وعنه جماعة منهم : إبراهيم الحربي ، والربيع بن سليمان المرادي ، وزكريا الساجي ، وأبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي ، وأبو سهل محمود بن النضر بن واصل البخاري الباهلي ، وهو أول من حمل كتب الشافعي إلى بخاري ، وأبو الوليد بن أبي الجارود ، وأبو حاتم الرازي ، وقال : صدوق ،
قال شيخ المذهب الإمام النووي رحمه الله:
البويطي بضم الباء فمنسوب إلى بويط قرية من صعيد مصر الأدنى ، وهو أبو يعقوب يوسف بن يحيى أكبر أصحاب الشافعي المصريين وخليفته في حلقته بعد وفاته ، أوصى الشافعي أن يجلس في حلقته البويطي وقال : ليس أحد أحق بمجلسي من يوسف بن يحيى ، وليس أحد من أصحابي أعلم منه . ودام في حلقة الشافعي إلى أن جرت فتنة القول بخلق القرآن ، فحملوه إلى بغداد مقيدا ليقول بخلقه فأبى وصبر محتسبا لله تعالى ، وحبسوه ودام في الحبس إلى أن توفي فيه ، وجرى له في السجن أشياء عجيبة
صدق نبوءة الشافعي
قال الربيع كنت عند الشافعى أنا والمزنى وأبو يعقوب فقال لى أنت تموت فى الحديث وقال لأبى يعقوب أنت تموت فى الحديد وقال للمزنى هذا لو ناظره الشيطان لقطعه
قال الربيع فدخلت على البويطى أيام المحنة فرأيته مقيدا إلى أنصاف ساقيه مغلولة يداه إلى عنقه
وقال الربيع كان أبو يعقوب من الشافعى بمكان مكين
وقد قدمنا فى ترجمة ابن عبد الحكم ما رواه الحاكم عن إمام الأئمة أبى بكر بن خزيمة أنه قال كان ابن عبد الحكم أعلم من رأيت بمذهب مالك فوقعت بينه وبين البويطى وحشة عند موت الشافعى فحدثنى أبو جعفر السكرى قال تنازع ابن عبد الحكم والبويطى مجلس الشافعى فقال البويطى أنا أحق به منك وقال الآخر كذلك
فجاء الحميدى وكان تلك الأيام بمصر فقال قال الشافعى ليس أحد أحق بمجلسى من يوسف وليس أحد من أصحابى أعلم منه
فقال له ابن عبد الحكم كذبت
قال له كذبت أنت وأبوك وأمك
وغضب ابن عبد الحكم وجلس البويطى فى مجلس الشافعى وجلس ابن عبد الحكم فى الطاق الثالث
وعن الربيع أن البويطى وابن عبد الحكم تنازعا الحلقة فى مرض الشافعى فأخبر بذلك فقال الحلقة البويطى
اقوال جيرانه واهل العلم في تعبده
وقال أبو الوليد بن أبي الجارود : كان البويطي جارى ، فما كنت أنتبه ساعة من الليل إلا أسمعه يقرأ ويصلي ، قال الربيع : وكان أبو يعقوب أبدا يحرك شفتيه بذكر الله ، وقال الربيع : سمعته ، يقول : إنما خلق الله كل شيء بكن ، فإن كانت كن مخلوقة ، فمخلوق خلق مخلوقا ، وقال الربيع : ما رأيت أحدا أبرع بحجة من كتاب الله منه ، وقال الربيع : وكانت له من الشافعي منزلة ، وكان الرجل ربما يسأل عن المسألة فيقول : سل أبا يعقوب ، فإذا أجاب أخبره ، فيقول : هو كما قال ، وربما جاء إلى الشافعي رسول صاحب الشرطة فيوجه الشافعي أبا يعقوب البويطي ، ويقول هذا لساني.
وقال أبو سعيد بن يونس ، في تاريخ مصر : كان من أصحاب الشافعي ، وكان متقشفا ، حمل من مصر أيام المحنة والفتنة بالقرآن إلى العراق ، فأرادوه على الفتنة فامتنع ، فسجن ببغداد وقيد ، وأقام مسجونا إلى أن توفي في السجن والقيد ببغداد سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ، كذا قال في تاريخ وفاته ، والصحيح الذي ذكره موسى بن هارون الحافظ ، وغير واحد أنه مات في رجب سنة إحدى وثلاثين ومائتين.
قال الشيخ ابن عبد البر : كان من أهل الدين والعلم ، والفهم والثقة ، صلبا في السنة يرد على أهل البدع ، وكان حسن النظر ، رحمه الله ، ورضي عنه.
محنة القرآن
قال الربيع : فدخلت على البويطي أيام المحنة فرأيته مقيدا إلى أنصاف ساقيه ، مغلولة يداه إلى عنقه ، قلت : هذا من كرامات الشافعي ، وأصحابه ، ومناقب البويطي ، وعن الربيع ، رحمه الله ، قال : كان البويطي حين مرض الشافعي بمصر ، هو ، وابن عبد الحكم ، والمزني ، فاختلفوا في الحلقة أيهم يقعد فيها ، فبلغ الشافعي ، فقال : الحلقة للبويطي ، فلهذا اعتزل ابن عبد الحكم ، الشافعي ، وأصحابه ، وكانت أعظم حلقة في المسجد , والناس إليه في الفتيا والسلطان إليه ، وكان أبو يعقوب البويطي يصوم ويقرأ القرآن ، لا يكاد يمر يوم وليلة إلا ختمه ، مع صنائع المعروف إلى الناس ، قال : فسعى به ، وكان أبو بكر الأصم ، وليس ابن كيسان ممن سعى به ، وكان من أصحاب ابن أبي داود ، وابن الشافعي ممن سعى به ،
قيل وكان المزنى وحرملة وابن الشافعى ممن سعى بالبويطى
قال جعفر الترمذى فحدثنى الثقة عن البويطى أنه قال برئ الناس من دمى إلا ثلاثة حرملة والمزنى وآخر قلت إن صحت هذه الحكاية فالذى عندنا فى إبهام الثالث أنه راعى فيه حق والده رضوان الله عليه ))
ونتيجة لهذا السعي كتب فيه ابن أبي داود إلى وإلى مصر فامتحنه فلم يجب ، وكان الوالي حسن الرأي فيه ، فقال : قل فيما بيني وبينك ، فقال : إنه يقتدي بي مائة ألف ولا يدرون المعنى فيه ، وكان قد أمر أن يحمل إلى بغداد في أربعين رطل حديد ، قال الربيع : فرأيته على بغل في عنقه غل ، وفي رجليه قيد ، وبين الغل والقيد سلسلة حديد ، وهو يقول : إنما خلق الخلق بكن ، فإذا كانت مخلوقة ، فكل مخلوق خلق بمخلوق ، ولئن أدخلت عليه لأصدقنه ، ولأموتن في حديدي هذا ، حتى يأتي قوم يعلمون أنه قد مات في هذا الشأن قوم في حديدهم.
قال أبو عمر المستملى : حضرنا مجلس محمد بن يحيى الذهلي ، يقرأ علينا كتاب البويطي إليه ، وإذا فيه : والذي أسألك أن تعرض حالي على إخواننا أهل الحديث ، لعل الله يخلصني بدعائهم ، فإني في الحديد ، وقد عجزت عن أداء الفرائض من الطهارة والصلاة ، قال : فضج الناس بالبكاء والدعاء له ، قلت : وبلغني أنه كان يغتسل يوم الجمعة ، ويتطهر ، ويتطيب ، ويلبس ثيابه ، ثم يخرج إلى باب السجن إذا سمع النداء فيرده السجان ، ويقول له : ارجع يرحمك الله ، فيقول : اللهم إني أجبت داعيك فمنعوني ، وقد حكاها الشيخ أبو إسحاق ، في الطبقات ، عن نقل الساجي عنه
طلبه الدعاء من اهل الحديث
قال أبو عمرو المستملى حضرنا مجلس محمد بن يحيى الذهلى فقرأ علينا كتاب البويطى إليه وإذا فيه والذى أسألك أن تعرض حالى على إخواننا أهل الحديث لعل الله يخلصنى بدعائهم فإنى فى الحديد وقد عجزت عن أداء الفرائض من الطهارة والصلاة فضج الناس بالبكاء والدعاء له
الرجوع للحق
وصيته
قال الربيع : كتب إلى البويطي : أن اصبر نفسك للغرباء ، وحسن خلقك لأهل حلقتك ، فإني لم أزل أسمع الشافعي ، رحمه الله ، يتمثل بهذا البيت : أهين لهم نفسي لكي يكرموها ولن تكرم النفس التي لا تهينها وروى له أبو داود ، في كتاب المسائل ، قوله : من قال : إن القرآن مخلوق فهو كافر ، والترمذي عن الشافعي قوله ، وقال الشيخ أبو إسحاق : مات ببغداد في السجن ، والقيد في رجله ، وكان حمل من مصر في فتنة القرآن ، فأبى أن يقول بخلقه ، فسجن ، وقيد حتى مات سنة إحدى وثلاثين ومائتين.
المصادر1 ترجمة الامام البويطي ف باب كتاب الطهارة للامام النووي
2موقع اسلام ويب