|
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
|
جنين بورزق
| 07/11/10 |
تكريم المنان فيمن قابل الإساءة بالإحسان: مشاركة: حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
بتاريخ: 2010-10-10 (10:40:47)
عدد مرات القراءة: 31
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وأمهات المسلمين وسلم تسليما كثيرا وبعد :***أخي المسلم** أختي المسلمة*** تفضل ( ي)***واقرأ.. بكل راحة واطمئنان...هذا المقال الرائع..//منقول من الالوكة..
*************************************************
تكريم المنان فيمن قابل الإساءة بالإحسان
مرشد الحيالي
الحمدُ للهِ العَلِيِّ المنان، أفاض بجوده وكرمه وهو قديم الإحسان، غافر الذنب، وهو واسعُ الرحمة والغُفران، وأصلي وأسلم على المبعوث بالرحمة للإنس والجان، ومَن خَصَّه بالمعجزة على تعاقب الدُّهور والأزمان، وعلى آله وصحبه ما تعاقب الجديدان.
وبعد:
مما لا شك فيه أنَّ نكران الجميل، وجحود النِّعمة - مما يدُلُّ على ضعف الوَعْي، وقلة العلم، وانعدام المروءة، وعدم الوفاء لله - عز وجل - الذي تفضَّل بالنعمة، ثُمَّ لمن وفَّقه الله - تعالى - لأَنْ يُسْدِيَ المعروف.
فَأَنْ يُسدَى معروفٌ ويُصنَعَ جميلٌ، ثم يُقابل هذا المعروف والجميل بالإساءة - فهذا مما يُسبِّب الإحباطَ لدى بعض الناس، وربَّما يدفعهم إلى تغيير ما كانوا عليه من سلوك وخلق، ومقابلة الإساءة بمثلها أو أشد.
وقد شكا الصَّحابي الجليلُ إلى رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما يَجول في نفسه، ويدور في خَلَده من ألَم نفسي، فنطق بعبارات وكلمات مُؤثرة تدُلُّ على مدى ما يُعانيه من أسًى وحزن، فقال: "يا رسول الله، إنَّ لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويُسيئون إلَيَّ، وأحلم عَنهم ويَجهلون عليَّ"[1]، فأرشده الحبيبُ إلى دواءٍ وشِفَاء لِما يَحِيكُ في صدره، ويَجول في خاطره، وهو موضوع بَحثنا هذا.
ولقد كان الباعثُ إلى تسطير تلك الكلمات: أنِّي أسْدَيتُ معروفًا وجميلاً إلى بعض الأَحِبَّة، فكان الردُّ مما لم أتوقعه من الإساءة قولاً وفعلاً، فلما قرأت سِيَرَ الأنبياءِ والصَّالحين من عباد الله، رأيتُ أنِّي لست بِدْعًا منهم، بل كان مَعروفُهم أشملَ وجميلهم أعظم، ومع ذلك قوبلوا بأشد ما يكون من عداوة وجحود ونكران.
الأمر الثاني: انتشارُ بعض العبارات تدُلُّ على مفاهيم خاطئة، مُخالفة للعقل والدين، مَفادُها أن الصادق المحب المحسن إلى عباد الله لا يُمكنُه أنْ يعيشَ في خِضَمِّ تلك الظُّروف، وأنَّ الدولةَ إنَّما هي لسليطِ اللسان ممن لا ينقطعُ عن الجدال، ولا يترك النِّزال، ومن لم يكن ذئبًا أكلته الذِّئاب، وأنَّ الدولةَ اليومَ لمنطق القوة ولا مَجال فيها للمسامح، بل ولا بُدَّ حتى تكون مرهوبَ الجانب، مُطاعًا بين الخلق أنْ تقابل السيئة بِمثلها وأكثر، وترد الصاع بصاعين، فقلت: واعَجَبًا! كيف انقلبت الموازين وتغيَّرت المفاهيم؟! والأمر لله وحده.
ثالثًا: إنَّ المقالَ فيه تسلية لأمثالي ممن قد لا يَجد في الحق أعوانًا، بل يَجد من أهل عصره خذلانًا ونسيانًا، وقد قصدت في قولي: "لمن يقابل الإساءة بالإحسان" ممن له صلة بأقرباء وأصدقاء وهو يَجد منهم الجَفَاء، وكذا ممن يُمارس وظيفة الدَّعوة إلى الله في بلاد خَفَتَ فيها نورُ الإسلام - أن يدعوَ بالحكمة - كما سيأتي توضيحه - وليس المقصودُ الإحسانَ إلى من احتلَّ بلاد الإسلام، وعاثَ فيها فسادًا يَمينًا وشمالاً، فهؤلاء حَقُّهم الجهاد، ودفعُ شرِّهم بقدر الإمكان، وليس هذا المقال في مقام بَسْطِ ذلك، وبيان مَشروعية جهاد العدو الصائل[2]، والله المستعان.
الأنبياء القدوة الحسنة:
- من يستعرض سير الأنبياء والصالحين، يجد أنَّهم ما بلغوا مراتبَ الكمال من العلم والإيمان إلاَّ بصدقهم وبعفوهم وصَفحهم، وهو أرفع من العفو؛ لأنَّه بلا معاتبة، وإنَّ من أخلاقهم وصفاتِهم العفوَ عمَّن أساء إليهم قولاً وفعلاً، وأنَّهم أعطوا دروسًا في التربية الحقَّة على معاني الأخلاق الفاضلة السامية، ومنهم سيدنا يوسف - عليه السَّلام - فقد كاد له إخوته حتى هموا بقتلِه، ثم ما لقيه منهم من حسد وكيد وافتراء، ولكنَّه قابل ذلك كلَّه بالإحسان والعفو، بل والدعاء لهم بالمغفرة، وكان بإمكانه - وهو سُلطان بيده النفوذ والقوة، وأمره مطاع - أن يوقع بهم أشدَّ أنواع العقوبة، ولكنه عفا عنهم، وهو من كمال الإحسان أنْ يعفو عن مقدرة واقتدار، فقال لهم بعد اجتماعه بهم: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ * قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 91 - 92]، وكان عاقبة الإحسان انقلابَ العداوة إلى مَحبة ووُد.
أمَّا نبيُّنا الكريم، فقد أوذي بأعظمَ من ذلك؛ حيث أخرج من بلده عُدوانًا وظلمًا، ومن قبل قومه وعشيرته مع حرصهم على الفتك به - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم لما نصره الله عليهم، قال لهم في أعظم جمع يومِ النَّصر العظيم: ((وأنا أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم))، فقال عمر - رضي الله عنه -: فَفِضْتُ عَرَقًا من الحياء من قول رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم[3].
ومن ذلك: إحسانه إلى عدو الله ابن أبيِّ بن سلول زعيم المنافقين، والذي ما فتئ يكيدُ لرسول الإسلام مرة في عرضه - السيدة المبرَّأة من فوق سبع سموات، عائشة الصدِّيقة بنت الصديق - ومرة أخرى بخُذلانه والانصراف عن الجيش في معركة تبوك، وتارة أخرى بِمُحالفته لأعداء الله اليهود للكيد للإسلام وأهله، ولكنَّه عفا عنه، بل أكرمه حيًّا وميتًا ودفنه بقميصه، بل تَمنَّى - بأبي هو وأمي - ما هو أكبر من ذلك عندما نزل قوله - تعالى -: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80]، فقد تمنى صلى الله عليه وسلم أن لو كانت الزيادة على السبعين سببًا في أن يغفر الله لهم، فيزيد على السبعين رغبة أن يغفر الله لهم فقد ذكر ابن عباس انه لما نزلت هذه الآية قال صلى الله عليه وسلم : (اسمع ربي قد رخص لي فيهم ، فوا لله لاستغفرن لهم أكثر من سبعين مرة لعل الله أن يغفر لهم )[4].
ترى، أي برٍّ وإحسان أعظم من ذلك؟! وهو مما لا يقدر عليه إلاَّ صاحب القلب الكبير، ومَن جعله الله رحمةً للخلق أجمعين، وفي السيرة النبوية نَماذج كثيرة من عفوه وإحسانه، وبره وصفحه وعفوه عن الْمُذنبين، ولعلَّ الكثير منا يذكر قصيدةَ كعب بن زهير (البردة)[5]، والتي قدمها بين يدي الرسول المعظم، وهو يطلبُ الاعتذار عما بدر منه؛ مما يستوجب هدر دمه، لكن الرسولَ الكريم عفا عنه، بل وجازاه ببُردته الشريفة، فأنشده كعب بأبيات بَقِيَ الزمن يرددها دَهْرًا بعد دهر، ومنها هذه الأبيات الرائعة:
أُنْبِئْتُ أنَّ رَسُولَ اللهِ أَوْعَدَنِي وَالْعَفْوُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ مَأْمُولُ
وقَدْ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ مُعْتَذِرًا وَالْعُذْرُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ مَقْبولُ
والرَّسول بذلك يضرب أعظمَ صور التعامُل والمقابلة بالحسنى، وما ينبغي أن يكون عليه المسلمون في كلِّ زمان ومكان مع من يُخالفهم في المعتقد، وقد ظهرت نتائجُ هذا التعامُل في إسلام كعب بن زهير وغيره دون تردد.
مفهوم الإحسان في عصرنا:
- عصرنا الذي نعيش فيه هو عصر الازدواجية في المعايير، فالصَّادق المحب للخير، المحسن إلى المسيء - مطرود من الأبواب، غير مرغوب فيه لدى الأحباب، أمَّا مَن يُسيء بلسانِه وفعله، ومَن لا يَعرف المسامَحة في حياته الاجتماعية، ويُحاسب على الفَلْسِ والقرش، فضلاً عن الدرهم والدينار، وليس في قاموسه الإحسان، وبذل النَّدى، وكفُّ الأذى - فهو مرهوب الجانب، يتقرَّب الناس لكسب وُدِّه وعطفه، وكأن الطباعَ تغيرت، والأخلاق تبدَّلت، وهذا على مُستوى الأفراد، وعلى مستوى الأمم والمجتمعات، فقد أصبحت سياسةُ القوة والرَّدع، ورد الصاع بصاعين وأكثر - هي السائدة في عصرنا، فلا مَجالَ للعفو والتسامُح، بل يؤخذ الإنسان، بل أمة ودولٌ بأسْرِها بجريرة أفراد[6].
واعْتُبِر ذلك بجملة الحروب التي يشنها الغرب على بلاد الإسلام؛ تصفيةً عِرْقِيَّة ودينية في بعضها، كرد فعل لأعمال بعضِ الجهلة من المسلمين، مِمَّن لا تَمتُّ أعمالهم للإسلام بصلة أو تمت، والكثير منها يحمل عليها ما لم تحتمله، وتعمم فيها الاتِّهامات؛ لتشمل جميعَ المسلمين، ومن أكبرها كيدًا وجرمًا تلك الحملة التي شنَّتها بعضُ دول الغرب – الدنمارك وغيرها - على شخص الرسول الأعظم، والذي وصل بِرُّه وإحسانه، وعفوه وكرمه إلى العالم أجمع، بَرِّهم وفاجِرِهم، مسلمهم وكافرهم، فهو أُرْسِلَ رحمة للعالمين، وقد ذاق المسلمون الويلات من سياسات تلك الدول الكافرة - فكم هدمت من مساجد، وقتل ملايين، وشرِّد الملايين، ولا زال البعض منهم - وهو غريب عجيب - يرفع شعار المسيح - عليه السَّلام - ويتغنَّى به، وهو "من ضربك على خَدِّك الأيمن، فأدر له خَدَّك الأيسر".
وفي المقابل ينعتون ديننا بأوصاف يعلم كلُّ منصف أنَّها باطلة، والله المستعان، أقول: فإذا كان نبيُّنا رسول الله، قد وجّهت إلى شخصه مثل تلك الافتراءات والاتِّهامات، فكيف بمن دونه بمراتب ودرجات؟! وإلى الله المشتكى.
الإحسان إلى المسيء أمر صعب:
وكيف لا يكون صعبًا، وأنت ترى مَن يظلمُك، ويسيء إليك قولاً وفعلاً، ويَحسُدك على ما آتاك الله من فضله ونعمه، ويتمنَّى زوالها عنك، وأنت تقابلُه بالحب والوُدِّ وكف الأذى، بل والإحسان إليه، وصلته بل والدُّعاء مع قدرتك على الثأر؟! ولا يصبر على هذا الخُلُق العظيم إلاَّ صاحب قلب رحيم، ومن جعل حبه، وبُغضه وعطاءه، ومنعه لله – سبحانه - فهو يتنازل عن حقه لحق الله إنْ كان الأمر يتعلق بشخصِه وحقِّه، وهو حال الكُمَّل من عباد الله، أمثال أصحاب رسولِ الله الكرام، وعلى رأسهم الصديق - رضي الله عنه - فقد اتُّهم في بنته الصديقة العفيفة، وممن كان ينعم ببره، وإحسانه وفضله.
وأراد الصدِّيق أنْ يقطعَ البر والإحسان؛ لكمال غيرته وعِفَّته[7]، ولكنه استجاب لنداء الله في قوله - تعالى -: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22]، بعد أن ظهر من المذنب كمال التوبة، والافتقار إلى المولى، والاعتراف بالذنب، والله قابل التوب، واسع المغفرة.
ويُسطر التاريخ الإسلامي نماذجَ رفيعة في التسامُح، والعفو، سطرت بأحرف من نور، فمن نوادر التسامُح الفَردي، والتنازُل عن الحق الشخصي لمرضاة الله: ما نقل عن الأئمة الفُقهاء أبي حنيفة - رضوان الله عليه - ثم الشافعي والإمام مالك وأحمد، على جلالة قدرهم وعلمهم ومركزهم في المجتمع، فقد عفا الإمامُ أحمد عمن ظلمه وضربه بالسياط، فكانت العاقبة أنْ رفع الله ذكْرَه بين العالمين، وانقلبَ من كان يُعاديه وينصب له البغضاء إلى مُحبٍّ مُعظِّم لشأنه، ثم الشيخ ابن تيمية - رحمه الله - فقد سامح عَدُوَّه البكري، الذي أفتى بكفره وقتله، بل ضربه وحرَّض الدهماء عليه، ولما انقلبت الأحوال والظُّروف، إذا بالدولة والسلطان يطلبان البكري[8]، ويشتد عليه الطَّلب، وتضيق عليه الدُّنيا بما رحبت، فلم يَجد مكانًا يَختفي فيه إلاَّ عند الشيخ ابن تيمية، فشفع له عند السلطان فعفا عنه، والموقف الآخر لما اختلى السُّلطان ناصر قلاوون بالشيخ ابن تيمية، وأخبره برغبته في قتل بعضِ العلماء والقضاة؛ بسبب ما عملوه ضد السلطان، وفتواهم بعزله ومُبايعة بيبرس، وأخذ السلطانُ يذكِّر الشيخَ بأنَّهم هم الذين سجنوه وظلموه، وأفتوا بقتله، ولكن الشيخ الذي رفع شعار "أحللت كل مسلم عن إيذائي"، وطبقها في مسيرته العملية، جعل يَحُثُّ السلطان على التسامُح والعفو، وقال كلمته المشهورة: "إذا قتلت هؤلاء لا تجد بعدهم مثلهم من العلماء"، الله أكبر، إنَّها القلوب الواسعة التي تتجاوز حقوقها الشخصية؛ لأجل الله.
وفي سبيل قضايا الإسلام يعبر عن ذلك قول ابن مخلوف - وهو من ألدِّ أعداء الشيخ -: "ما رأيت كريمًا واسعَ الصدر مثل ابن تيمية، فقد أَثَرْنَا الدولة ضده، ولكنه عفا عنَّا بعد المقدرة، حتى دافع عن أنفسنا وقام بحمايتنا، حرضنا عليه، فلم نقدر عليه، وقدر علينا، فصفح عنا، وحاجج عنا"[9].
ومن التسامُح والإحسانِ العظيم في الحرب مع غير المسلمين: ما ينقل التاريخ - وهو خير شاهد - عن مُحمد الفاتح أنَّه عَامَلَ أهلَ القسطنطينية بعد فتحها معاملةً رحيمة، وافتدى عددًا كبيرًا من الأسرى من ماله الخاص، وخاصَّة أمراءها، ثم اجتماعه بالأساقفة للاطمئنان عليهم، والمحافظة على عقائدهم، وبيوت عبادتهم، بل تناولَ الطَّعام معهم، وتحدَّث معهم في شؤونِهم؛ مما أدهش البطريك، بل الروم أنفسهم، وتغيَّرت فكرتهم تمامَّا تجاه الإسلام والمسلمين[10].
أين ذلك مِمَّا ينقله التاريخُ عنهم؟! يقول ستيفن رنسيمان في كتابه: "تاريخ الحروب الصليبية" عما حدث في القدس يومَ دخلها الصليبيون، فقال: "وفي الصَّباحِ الباكر من اليوم التالي، اقتحمَ بابَ المسجد ثُلَّةٌ من الصليبيِّين، فأجهزت على جميع اللاجئين إليه، وحينما توجَّه قائد القوة ريموند إجيل في الضُّحى لزيارة ساحة المعبد، أخذ يتلمَّس طريقَه بين الجُثَث والدِّماء التي بلغت ركبتيه، وتركت مذبَحةُ بيت المقدس أثرًا عميقًا في جميع العالَم، وليس معروفًا بالضبط عددُ ضحاياها، غير أنَّها أدت إلى خلو المدينة من سكانها المسلمين واليهود، بل إنَّ كثيرًا من المسيحيِّين اشتد جزعهم لما حدث"[11].
إنَّ المسلمين أحوجُ ما يكونون اليومَ إلى إظهار سَماحة الإسلام وفق مَبادئه، والتعريف بمبادئه السَّمحة من خلال:
أولاً: توجيهُ الدُّعاة خاصَّة، والمسلمين عامَّة إلى التعمُّق في الثَّقافة الإسلامية، خاصَّة بين المجتمعات التي لا تدينُ بالإسلام - مع الحفاظ على ثوابت الإسلام - وبين أهلِ الإسلام من باب أولى؛ لأنَّ الغرب ينظر إلى الإسلام من خلال سُلُوكهم وتصرُّفاتِهم، واستعمال الرِّفق والدعوة بالحكمة ومُقابلة السيئة بالغُفران ما أمكن في المعاملات والتصرُّفات لا في التصورات والعقائد، وهو سلاح فعَّال في جذبهم لدين الإسلام.
ثانيًا: على الدعاة والمسؤولين والمؤسسات دَوْرٌ مُهِم في الدِّفاع عن الإسلام، ومُواجهة التحديات، ومن خلال دفع التُّهم التي ألصقت به، من خلال التعريف بسماحة الإسلام مع خصومه - وهي ثابتة معروفة، لكن تَحتاج مَن يكشف عنها - فهدفُ المسلم عظيم، وغايته سامية، وهي إخراجُ الناس من ظُلماتِ الكفر والعبودية لغير الله، إلى عبودية الواحد الديَّان، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدُّنيا إلى سَعَةِ الدنيا والآخرة.
ومما يعين المسلم على مقابلة السوء بالإحسان والمغفرة ما يلي:
1- على المسلم أن يتخلق بمقتضى صفات الله وأسمائه، فالله يتحبب إلى عباده بالبِرِّ والإحسان، والمغفرة، وهم يقابلونه بالمعاصي، وعدم شكر النعمة.
2- أنْ يعلمَ العبد أنَّ ما يُصيبه من ذلك إنَّما هو بسبب ذنوبه، فلْيَتُب وليستغفر، وقد قال بعض الصالحين: "إنِّي لأعصي الله، فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي"[12].
3- أنْ يتعوَّد المحسن عدمَ انتظار الشُّكر من أحد، فالخلق لا ينفعونه، ولا يَضرُّونه، بل الأمر لله وَحْدَه، ومن أجملِ النَّصائح في هذا الباب ما ذكره الشيخُ عائض القرني - حفظه الله - يقول: "خلق الله العباد ليذكروه، ورزق الخليقة ليشكروه، فعبدوا غيره، وشكر الغالب سواه؛ لأنَّ طبيعة الجحود والنكران والجفاء وكفر النعمة غالبة على النُّفوس، فلا تصطدم إذا وجدت هؤلاء قد كفروا جميلك وأحرقوا إحسانَك، ونسوا معروفَك، بل ربَّما رَمَوْكَ بمنجنيق الحقد الدَّفين، بل ربَّما ناصبوك العداء، ولا شيءَ إلاَّ لأنَّك أحسنت إليهم؛ {وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: 74]، اعمل الخير لوجه الله - تعالى - لأنَّك الفائز على كلِّ حال، ثم لا يضر عملك تعظيم من عظمه، ولا جحود من جحده، واحمد الله - تعالى - لأنَّك المحسن، وهو المسيء، واليدُ العليا خير من اليد السُّفلى؛ {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان: 9]، لا تَتَفاجَأْ إذا أهديت بليدًا قلمًا، فكتب به هجاءَك، أو أعطيت جافيًا عصا يتوكَّأ عليها ويهش بها على غنمه، فشَجَّ بها رأسَك، هذا هو الأصلُ عند هذه البشرية المحنطة في كفن الجحود مع بارئها - جلَّ في علاه - فكيف بها معي ومعك؟!"[13].
4- أن يعلمَ ما للإحسان إلى المسيء من عظيمِ الثَّوابِ والعاقبة الحسنة في الدُّنيا والآخرة، ففي الدُّنيا ما يَحصلُ للمحسن من لذَّة الإيمان، وسَعَة الصَّدر وانشراحه، وسَلامة القلبِ من الأحقاد الشخصية، وحب الانتقام والتشفي، إنْ ثَبَتَ على هذه المعاناة النفسيَّة، مع حفظ الله له، كما أشار النبي الكريم لمن جاءه يشكو من الإساءة، فقال: ((لئن كنت كما قلت، فكأنَّما تُسِفُّهم الْمَلَّ، ولا يزالُ لك من الله - تعالى - ظهيرٌ عليهم ما دُمت على ذلك))، وانقلاب المعادي المبغض إلى مُحبٍّ ومُوالٍ؛ قال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 34 - 35].
وفي العقبى أخبر المولى ما للمحسن من عظيم الأجر والمكرمة؛ فقال: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 22]؛ أي: يدفعون القبيحَ بالحسن، فإذا آذاهم أحد، قابلوه بالجميل صبرًا، واحتمالاً، وعفوًا[14]، ثم ذكر سبحانه الجزاء، فقال: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 23 - 24].
اللَّهم وفقنا لهداك، واجعلنا ممن يقابل السيئة بالغُفران، والإساءة بالعَفو والإحسان، وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها، آمين يا رب العالمين.
|
حجيرة ابراهيم ابن الشهيد
|
جنين بورزق
| 07/11/10 |
الحكمة 1: الفرق بين الحكمة والذكاء والحكمة
ما اروع الحكمة. انها من اعظم الفضائل. بل هي اهم مفتاح للفضائل كلها. يحتاج اليها البشر جميعا وبخاصة في عصرنا هذا بل تحتاج اليها الدول ايضا. وهي الميزة التي يجب ان يتصف بها الرجال الصناديد ...انها باب التوفيق والنجاح والتفوق. وكما يقال 'الحكيم عيناه في رأسه. اما الجاهل فيسلك في الظلام'. لذلك فهي نور داخلي ينير العقل والقلب كما انها نور خارجي ينير للآخرين طريقهم.
سؤال: هل من فارق بين الحكمة والذكاء؟
الحكمة لها معني اوسع بكثير من الذكاء. وقد يكون الذكاء مجرد جزء منها. فكل انسان حكيم يكون ذكيا. ولكن ليس كل ذكي حكيما..!
فقد يتمتع انسان بذكاء خارق وعقل ممتاز ومع ذلك لا يكون حكيما في تصرفه فربما توجد عوائق تعطل عقله وذكاءه اثناء التصرف العملي!
فما الحكمة اذن؟ وفي اي شيء تتميز عن الذكاء؟
الذكاء مصدره العقل. وقد يكون مجرد نشاط فكري سليم ،اما الحكمة فهي لا تقتصر علي التفكير السليم بل تتبعه بالتصرف الحسن في السلوك العملي. وهي لا تعتمد علي العقل فقط، انما تستفيد ايضا من الخبرة والارشاد ومن معونة الله بالصلاة والسلام على رسوله الامين سيدنا وحبيبنا وعظيمنا محمد صلى الله عليه وسلم.
فالحكمة ليست هي مجرد المعرفة السليمة او الفكر الصائب انما هي تدخل في صميم الحياة العملية لتعبر عن وجودها بالسلوك الحسن.. فان كان العقل يميزه الفهم والتفكير فان الحكمة يميزها حسن التصرف والتدبير.. حقا ان الذكاء او التفكير السليم يجوز اختبارا دقيقا عند التطبيق العملي فان نجح فيه يتحول الي حكمة.
وهكذا تشمل الحكمة جودة التفكير ودقة التعبير وسلامة التدبير.
معطلات الحكمة:
قد يكون الانسان ذكيا يفكر افكارا سليمة ولكن تنقصه الدقة في التعبير لنقص معلوماته عن المدلول الدقيق لكل لفظة. فيخطيء حينما يعبر عن قصده. اما الانسان الحكيم، فانه يقول بدقة ما يقصده. وايضا يقصد كل ما يقوله.
من معطلات الحكمة ايضا السرعة في التصرف، ولذلك يتصف الحكماء بالتروي.. فالحكيم لا يندفع في تصرفاته. وانما يهدٌيء اقتناعه الخاص حتي يتبصر باسلوب اعمق واوسع. ان السرعة لا تعطي مجالا واسعا للتفكير والبحث والدراسة ومعرفة الرأي الاخر. كما انها لا تفسح مجالا للمشورة الصلاة.. وربما تحوي السرعة في طياتها لونا من السطحية.. ولذلك كثيرا ما تكون التصرفات السريعة هوجاء طائشة!
ان الحكماء تصرفاتهم متزنة رزينة قد نالت حظها من التفكير والدراسة والعمق والفحص مهما اتهموهم بالبطء.
ولا ننكر ان بعض الامور تحتاج الي سرعة في البت.
ولكن هناك فرقا بين السرعة والتسرع!!
والتسرع هو السرعة الخالية من الدراسة والفحص ويأخذ التسرع صفة الخطورة اذا كان في امور مصيرية او رئيسية. ان الحل السليم ليس هو الحل السريع بل الحل المتقن.
وقد تكون السرعة من صفات الشباب اذ يتصفون بحرارة تريد ان تتم الامور بسرعة ولكنهم حينما يختبرون الامر مع من هو اكبر منهم يمكن ان يقتنعوا بان السرعة لها مخاطرها! وقد تكون السرعة طبيعية في بعض الناس وهؤلاء يحتاجون الي التدريب علي التروي والتفكير وكثيرا ما يندم الانسان علي تصرف سريع قد صدر منه فاخطأ فيه او ظلم فيه غيره.
من معطلات الحكمة ايضا: قلة المعرفة!
وهكذا في التعامل عموما ينبغي للانسان الحكيم ان يدرس نفسية وعقلية وظروف كل من يتعامل معه.. سواء كان زميلا في العمل او رئيسا او مرؤوسا، او صديقا او جارا. ويعامله بما يناسبه.
فان درست نفسية وعقلية من تتعامل معه تعرف حينئذ المفاتيح التي تدخل بها الي قلبه. وتنجح في تصرفك معه.
وحتي لو تعطل المفتاح حينا تعرف كيف تزيته وتشحمه.. ثم تعيد بعد ذلك فتح الباب فينفتح.
حقا انه في بعض الاحيان يكون فشلنا في التعامل مع اشخاص معينين ليس راجعا الي عيب فيهم، بقدر ما هو راجع الي عدم معرفتنا بطريقة التعامل معهم.
مصادر الحكمة:
اول مصدر هو الله تبارك اسمه الذي يهب الحكمة لمن يشاء وهكذا قد يولد الانسان حكيما كموهبة له من الله. وتظهر حكمته في مراحل سنه المختلفة.. انها الحكمة النازلة من فوق.
وايضا نحن في مواقف عديدة نطلب من الله ان يهبنا حكمة لكي نستطيع ان نتصرف حسنا، بمعونته.
المصدر الثاني هو المشورة نأخذها من ذوي الحكمة. كما قال الشاعر:
فخذوا العلم علي اربابه واطلبوا الحكمة عند الحكماء
وفي ذلك يضيف الانسان معرفة الي معرفته وعقلا الي عقله.. ويصير حكيما بشرط ان ينفذ المشورة التي اخذها من حكمة غيره. وما اجمل قول الشاعر في ذلك:
اذا كنت في حاجة مرسلا فأرسل لبيبا ولا توصه
وان باب امر عليك التوي فشاور حكيما ولا تعصه
وعكس ذلك يقول الاباء الروحيون: ان الذين بلا مرشد يسقطون مثل اوراق الشجر، وبخاصة المبتدئون منهم.
المصدر الثالث هو قراءة سير الحكماء والناجحين في حياتهم لكي يتأثر القاريء بسيرة هؤلاء وسلوكهم وكيف كانت تصرفاتهم في شتي الظروف والملابسات وكيف كانوا يجيبون علي الاسئلة المعقدة وكيف كانوا يحلون المشاكل العويصة.
وكل ذلك يقدم للقاريء امثولة طيبة في فهم الحياة وفي حسن التصرف فيعمل علي محاكاتها والسير علي نفس النهج من الحكمة.
كذلك يدرس كيف يحترس من الاخطاء التي وقع فيها الغير. ومعرفة اسباب ذلك السقوط، وكيفية النجاة منه. وهكذا كما قال احد الحكماء 'تعلمت الصمت من الببغاء..'!
المصدر الرابع، هو الخبرة
فالانسان المختبر يكون اكثر حكمة. وكلما زادت خبرته تتعمق علي هذا القدر حكمته، لهذا يتحدث الكثيرون عن 'حكمة الشيوخ' من واقع ما مر عليهم من خبرات في الحياة.
...........................................
=== إضافة تعليق جديد ===