الغش في الامتحانات
الغش في الامتحانات .. أسبابه وأساليب مواجهته .
الغش في الامتحانات
أسبابه وأساليب مواجهته
ما إن تقترب الامتحانات حتّى تبدأ التوجّسات والاستعدادات
من جميع أطراف العملية التعليمية ـ التعلمية ،
تفكير وتخطيط من قبل المسؤولين ، واستعداد وتسلّح التلاميذ
كلّ وفق طاقاته ومبادئه ، فمنهم الطالب المجدّ المتمكّن
الذي يستعد من بداية السنة الدراسية ،
ومنهم التلميذ الفاشل المتعثّر الذي كلّما اقترب الامتحان
ازداد توتّرا وشعورا بالعجز ؛
فلا يجد مخرجا سوى في الغشّ .
فما هو الغشّ؟ على سبيل التقديم
سأستعير تعريفا للغش ـ أراه شاملا
من الدكتور محمد زياد حمدان
من كراسة تربوية تحمل نفس الاسم
(( يتمثّل الغش في الاختبارات وأداء الواجبات المدرسية
بحصول التلميذ على الإجابة المطلوبة لسؤال الواجب
بطرق غير مشروعة أو غير عادية ، غير بنّاءة لتعلّمه
ونموّه الشخصي في الغالب.. كأن ينقاها عن قرين
أو كتاب أو مذكّرة أو تلخيص مكتوب في ورقة خاصة
{برشوم أو الروشيتة أو الحرز } أو على مقعد أو جدار
أو حتى جزء من جسم التلميذ ، لغرض تمرير متطلّبات المادة الدراسية
دون اعتبار يذكر لتعلّمها ، أو دون وعي بأهمّيتها لحياته ونموه ومستقبله))
والغش على وجه العموم سلوك انحرافي يتمثّل في الرغبة
في الحصول على نتائج دون بذل أيّ جهد يذكر ،
أو تحرّي أبسط السّبل للنّجاح من منطلق :الغاية تبّرر الوسيلة ،
وهو أشهر مبادئ الفكر النفعي الانتهازي .
وتأتي خطورة ظاهرة من كونها لا تقف عند الغشفي المدرسة لاجتياز امتحان ،
بل تترسّخ في تركيبة الشخصية فيصبح قاعدة سلوك عامة ،
الرّبح والوصول بأقلّ جهد .
فلماذا يعتبر الغش سلوكاانحرافيا ـ إجراميا ؟
لأنّه يناقض الأهداف التي من أجلها توضع الاختبارات والمباريات ،
كمجال لقياس وإبراز القدرات
والكفايات في جوّ يحقق تكافؤ الفرص حتى يتحقق النّجاح بجدارة .
ولأنّه في شتّى أوجهه نوع من السرقة
لأنّ الغشاش قد ينجح فيأخذ شهادة لا يستحقّها ،
وبناء عليها قد يأخذ وظيفة هو غير مؤهّل لها ،
ويتسبّب في حرمان ممتحن اعتمد على نفسه
من الحصول على هذه الامتيازات .
كما تعبر عملا إجراميا لأنّه مجرّم قانونا ،
حيث توجد مذكّرات و بنوذ خاصّة بزجر الغشّ
في الامتحانات ،
وإجراءات قانونية تأديبية لمن ضبط متلبّسا .
وهو مجرّم ومحرم بدليل تبرّؤ سيد الخلق من الغشّاش
( ليس منا من غشنا )،
وما تحفل به آيات القرآن الكريم من ذمّ
سائر أنواع الغشّ
وكذا ما تحمله القصص التربوية من دروس
كقصّة : "الله يرانا"
مسبّبات الغش .
أمّا أصول وأسباب الظاهرة فمتعدّدة شأنها شأن كلّ العاهات التي ابتليت بها أمّتنا ؛
كالكذب والسرقة والنصب ،
تلخّصها كاملة كلمة الغشّ .
وتتحدّدأسباب الظاهرة باختصار
ـ لأنّ الكلّ يعرفها نظريا على الأقلّ ـ:
1ـ أسباب اجتماعية :
تجمع الدراسات والمعايشة الواقعية على الارتباط الكبير
بين الغش كممارسة منحرفة في الامتحانات
وبين سائر أشكال الغشّ والكذب في المجتمع ،
حيث يلاحظ أنّ النّصابين والمتسلّقين يتمتّعون بوجاهة
ويقدمون صورة للنجاح الاجتماعي في مجتمعات
تدهورت فيها قيم الصّدق والجهد الشّخصي والكفاح ،
ومن مظاهر الغش :
الغش في اللبن واللحوم والرشوة ..
وفي كلّ شيء يخصّ الحياة العامّة ؛
حين يجد الطّالب نفسه محاطا بهذه القيم ،
وفي غياب حصانة دينية وأخلاقية ،
يصبح من السّهل عليهم تبنّي هذا السلوك للوصول بأقلّ جهد .
هذا الاضطراب في المعاييرر القيمية يشجّع على الغشّ لأنّه يبرّر وجودها ،
ما دام الكلّ يغش فلماذا لا أجرّب أنا ؟
وحتّى لا أكرّر ؛ يرتبط بهذا العامل العامل الأخلاقي
حيث يلاحظ تغيّر خطير في القيم الأخلاقية ،
وانزياح كبير عن القيم الإيجابية التي تحبل بها ثقافتنا وديننا السمح .
..
2ـ أسباب تربوية أسرية:
،تتمثّل في تشبّع الأسرة بذات القيم المتدهورة ،
ولا تهتمّ بتوجيه أبنائها أو تتبّع دراستهم واستعداداتهم للاختبار
بقدرما يهمّها نجاحهم فقطّ بغضّ النظر عن الوسيلة أو الطرائق ،
وهذا استجابة لاقتناعاتهم أو لسلوكهم المنحرف :
أب لا يتغاضى عن النصب أو تلقي أو إعطاء الرّشوة
لن ينظر إلى الغشّ المدرسي على أنّه فعل شاذّ
وهي عوامل رصدناها في بحث مع عيّنة من التّلاميذ
مكونة من مائتي تلميذ وتلميذة موزّعين على ستّ مؤسّسات تعليمية ـ السلك الثانوي ـ
بيّنت أن بنية الأسرة من حيث عدد أفرادها وترتيب التلميذ بين إخوانه ،
وعمل الأب وعمل الأمّ وعدد الغرف في البيت ووجود خزانة ،،
إلى غيرها من المتغيّرات ، إضافة إلى قياس الدافعية للعمل عندهم ،
بيّنت الارتباط القويّ بين الحالة الاجتماعية للتلميذ والميول السلبي نحن الدراسة
والتي يترتّب عليها الغشّ
وإن كانت هناك حالات استثنائية تشذّ عن القاعدة ؛
حيث نجد تلاميذ من فئات وأوساط اجتماعية ضعيفة ؛
لكن أبناءها متفوّقون وأسوياء ولا يمارسون الغشّ
3ـ أسباب بيداغوجية :
وتتلخّص في التّصوّر الكمّي للمناهج وطول المقرّرات
وعدم تناسبها والحيّز المخصّص لكل مادّة ،
وفي بعضص الجهات ترتبط هذه العوامل باكتضاض الأقسام
الذي لا يسمح بتتبع أعمال التلاميذ التطبيقية وتوجيههم ،
رغم وعي الأساتذة بأهمّية ما يسمّة بإفراد التعليم ..
حيث يكون همّه إكمال المنهاج حتّى لا يحاسب على إغفال أيّ فصل ،
بغضّ النّظر عن الطريقة التي قدّم بها .
وفي ظلّ هذا التّسارع تتسرّب كثير من المعلومات والمهارات ،
أو تغيب المهارات لحساب المعلومات ، فيصل التلاميذ إلى الامتحان
وهم خلو من أيّ معرفة بكيفية استثمار ما تعلّموه .
وهكذا نلاحظ أنّ هناك عملية تسابق مع الوقت ؛
الخاسرالأوّل فيها هو التّلميذ
الذي يرسب أو يجني نجاحا غير مستحق لأنّه أمام العجز عن الإجابة
سيلجأ إلى الغشّ لأنّه كالساعي إلى الحرب بدون سلاح .
والخاسر الذي لا ينبغي أن يستهان به هو الأستاذ الذي يحمل وعيا شقيّا ،
بسبب انقسامه بين إنهاء المقررات كما هو مطلوب منه ـ مفروض عليه ـ
وبين المتطلّبات المنهجيةوالتربوية والتنظيمية التي يقتضيها التّدريس الهادف .
حيث يلجأ إلى الإملاء وتوزيع الملخصات التي قد لا يشرح بعض مفرداتها .
وحين يكون العمل مقيّدا بعدم الرضى ؛تكون المردودية ناقصة .
*ويرتبط بهذا العامل ضعف التكوين أحيانا وعدم تنظيم دورات تكوينية
أو تطويرية في المستجدّات البيداغوجية والديداكتيكية .
*كما يرجع الكثير من الأساتذة هذا الوضع إلى رداءة الوسائل التعليمية
أو عدم كفايتها أو عدم مناسبتها للغايات المنشودة من التربية ؛
الأمر الذي يؤدّي غلى اختلالات بنيوية تؤثّر على عطاء جميع الفاعلين
والمتفاعلين مع المدرسة .
4ـ نظام الامتحانات ،
ويتحدّد المشكل بالأساس في الخوف من الامتحان الذي تشرحه الأسماء
أو الصفات التي تلصق به : شبح الامتحان ، كابوس الامتحانات .
حيث يتصوّر رواد المدرسة كون الامتحان هو الهدف ،
وبدل أن يكون تتويجا لسلسلة من التكوينيات والتقويمات التكوينية ،
أصبح هو الهدف ، وأصبح همّ التلميذ الأساس هو النجاح في الامتحان ؛
ولأجل هذا يكون مستعدّا للقيام بكلّ شيء من أجل النجاح .
ويتميّز الامتحان الذي يسهل معه الغش بخلل في بناء متطلّباته ،
حيث يركّز على الاسترجاع الآلي للمعلومات ـ بضاعتنا ردّت إلينا ـ
ويركّزعلى الكمّ ويهمّش الجوانب المهارية والمنهجية ،
حتّى إن كان المنهاج مبنيا على مقاربة الكفايات ؛
ويعود السبب إلى التجديد الخارجي ـ تجديد الأطرالخارجية ـ
والحفاظ على آليات اشتغال تقليدية تغلّب التراكم والحفظ على المنهجيةوالقدرات ،
وحين يحاصر المتعلم /الممتحن بأسئلة غير متوقّعة فإنّ أقصر الطرق للنجاح هو النّقل ؛
بسبب افتقاره أدوات اشتغال تؤهله لمواجهةالصيغ المختلفة للامتحان .
توصيات ونصائح .
*اعتبار المتعلم مركزيا فيس العملية التربوية ـالتعليمية ،
وذلك بتعزيز الثقة في النفس والتقدير الإيجابي للذات .
واسترجاع الثقة بالمدرسة وإزالة اعوامل الخوف التاي ترتبط بها
*التحسيس باهمية تحمل المسؤولية التوعية بأهمّية العلم وبمكانة المتعلم
كمركز للمنظومة ،وتعزيز القدرات الإبداعية وروح المبادرة
والإيمان بقيمة العلم والعمل المنتج .
*تنظيم نشاطات وندوات وفتح نقاش مع التلاميذ حول الظاهرة
باعتبارهم المعنيين اولا عن المشكل وجعلهم يحللون الظاهرة
ويضعون اقتراحات لتفادي الوقوع فيها .
وتوعيتهم بأنّهم أوّل الخاسرين بتبنّيهم الغشّ أسلوبا وسبيلا للنجاح
لأنّهم سيكونون دائما عاجزين عن العطاء الإيجابي ؛ عديمي المسؤولية ،
عديمي الإحساس بالكرامة .
*احداث مكتب الاخصائي النفسي والاجتماعي المختصّ
لتتبع ومعالجة الحالات التي تشكو من تعثّر دراسي أو مشاكل تربوية
*العودة الى ترقية الوظيفة التربوية للمدرسة لأنّ التركيز على التعليم
وإفراغ المدرسة من أدوارها التربوية يعدّ مسؤولا عن الكثير من الاختلالات
التي تعبّر عن نفسها في انحرافات السلوك متجلّية في الغشّ والعنف .
*إجراء استطلاعات أو تقويمات استطلاعية وتشخيصة في بداية الموسم الدراسي
وتتبعية خلال السنة الدراسية لاكشاف الثغرات في تعلم التلاميذ
للتمكن من تتبع الحالات المتعثّرة وتقديم العلاج المناسب .
* إجراء اختبارات تتبعية تسمح برصد تطور المتعلّم
وكذالك حاجاته لتقديم الدعم المناسب .
*عدم إثقال كواهل التلاميذ بالواجبات المدرسية ـ التعيينات ـ دون تنسيق ،
فالتلميذ الذي تجتمع عليه فروض في أكثر من مادّة في اليوم ،
أو تجتمع الموادّ كلّها في أسبوع واحد سيحدث له اضطراب وعدم تركيز .
* تشجيع التلاميذ على البحث والقراءة
*تدريبهم على تدوين رؤوس أقلام والتلخيص أو خرائط ذهنية
التي تساعد على الاستيعاب المنظّم والفعّال للدروس .
*تدريبهم على الاستعداد للامتحانات بإجراء روائز مشابهة شكليا ومنهجيا ،
وتوعيتهم بكيفيةتوزيع الوقت وتنظيم ورقة الامتحان .
تنبيههم إلى أنّ الوقت الذي يضيعونه في إعداد وسائل النقل
يمكن أن يستغلّوه في المراجعة ، وبأنّ تعويلهم على الغشّ يعرّضهم للعقاب
لأنّ الغشاش يفضحخ نفسه ـ كاد المريب يقول خذوني ؛ كما أنّه يشوّش عمّن حوله .
*التركيز على الجوانب المنهجية في التدريس ،
والتذكير المستمرّ بأهمّية القراءة المتأنّية للأسئلة خلال الامتحانات ،
لأنّ الكثير من الأخطاء التي قد يترتّب عليها الغشّ ؛
عدم قراءة الأسئلة بالدّقة المطلوبة .
*إعادة النظر في نظام الامتحانات :
وذلك بإعداة النظر في المنظومة التعليمية ككل
من خلال إعادة الاهتمام بتكوين وتنمية القدرات والمهارات
وتنمية روح المبادرة واعتماد الطرائق الفعالة في التعليم والتعلم .
*تحرّي الدقة في بناء الامتحانات ،
لأنّ مواضيعها أحيانا تكون صادمة بسوء الفهم والتفاهم
بين صياغة السؤال وفهم الممتحن له وفهم المصحح
فيحصل اضطراب قد يشجع على الغش ،
ومن هنا ضرورة إعادة النظر في صياغة أسئلة الامتحانات ،
وتنويعها بحيث تقيس مختلف القدرات والمهارات والكفايات
ووضوح متطلّباتها حتّى لا يحصل تعارض بين ما نواه واضع السؤال
وما فهمه الممتحن وما يريده المصحّح فهناتضيع كثير من الحقوق ؛
لأن التلميذ ليس مسؤولا عن هذا التشويش.
*عدم التركيز على تقييم التحصيل وحده .
وآخر الكلام : ليس منّا من غشّنا .