لهذه الأسباب ولأجل مصر نوافق على التعديلات الدستورية
تعيش مصر اليوم أوقاتًا حَرِجة بعد نجاح ثورة شعبها
العظيم على نظام الظُّلم والاستبداد، فهناك حالة من الانفلات الأمني غير مسبوقة، وأعمال بلطجة وتظاهرات فئويَّة، وهناك محاولات من البعض لإثارة الفتنة الطائفيَّة، وزعزعة استقرار البلاد؛ ظنًّا منهم أن هذا هو السبيل للإفلات من يدِ العَدَالة، وهناك مَن يسعى جاهدًا إلى التعرُّض للقوات المسلحة، واستدراجها لتدخُل في صراع مع شعبها، تُراق فيه الدماء، فنفقد إنجازات الثورة، ويُطِل هؤلاء علينا من جديد بوجْههم القبيح.
في ظل هذه اللحظات الحَرِجة تستقبل مصر الأسبوع المقبل يومًا من أيَّامها التاريخيَّة؛ حيث الاستفتاءُ على التعديلات الدستورية لبعض المواد.
تتبايَن مواقف القوى السياسية من هذه التعديلات، فبينما تعلن التيارات الإسلاميَّة موافقتها على هذه التعديلات، باعتبارها خُطوةً في الاتجاه الصحيح، وباعتبارها خُطوة نحو استقرار البلاد، فإن القوى والأحزاب العلمانية والليبراليَّة ترفض هذه التعديلات، وتُصِرُّ على إلغاء الدستور نهائيًّا، وعمل دستور جديد.
إن الخوف على مستقبل البلاد والعمل من أجْل مصلحتها، يقتضى منَّا جميعًا أن ننظرَ إلى مصلحة البلاد، لا إلى المصلحة الحزبية الضَّيقة، والعمل على استقرار هذه البلاد، وإيجاد حكومة منتخَبة، تعمل على تحقيق مطالب الشعب، وكذلك العمل على إعادة الأمن إلى البلاد، والضرْب بيدٍ من حديد على أيدي أذناب الحزب الوطني وأمن الدولة، الذين ثبَت أنهم وراء حالة الانفلات الأمني التي تمرُّ بها البلاد حاليًّا.
من أجْل هذا؛ فإن الموافقة على تعديل الدستور هو الرأي الصواب في ظلِّ هذه الظروف، وأذكرُ هنا بعض أسباب صحة هذا الرأي، ومنها:
1- أنَّ هذه التعديلات الدستورية في حال الموافقة عليها، فإنها ستنقلنا إلى انتخابات تشريعيَّة، تنتهي بتشكيل حكومة منتخَبة، قادرة على تحمُّل مسؤوليَّاتها في الخروج بالبلاد من هذا المأزق الخطير، واستعادة هيبة الدولة ومؤسَّساتها، وملاحقة رموز الفساد، ومحاكمتهم محاكمة عادلة، واستعادة الأمن والاستقرار للبلاد، كذلك السيْر نحو تحقيق أهداف الثورة المبارَكة بخُطًى ثابتة، مُدركة بأن هناك شعبًا يراقب أفعالَها، ومجلسًا تشريعيًّا يراقب ويحاسب كلَّ خُطواتها، ومُدركة بأنه قد ولَّى زمنُ نهبِ ثروات هذا البلد، وولَّى زمن استعباد أبناء الوطن لصالح فئة محدودة.
2- إنَّ التعديلات الدستورية على الرغم من أنها لَم تقوِّض صلاحيات رئيس الجمهورية، إلاَّ أنها حدَّدت مدة وجوده في الحُكم لأربع سنوات قابلة للتجديد مرة أخرى، وهذا يَعني أنه سيُحاسَب، وأنَّه سيراقَب من الشعب، وفي نفس الوقت لا يُمكنه أن يعدِّل الدستور إلاَّ بموافقة الشعب، فلا تغيير في هذه المواد، ومِن ثَمَّ لا يُمكن أن يكون هناك حاكمٌ مستبدٌّ مرَّة أخرى، إلاَّ إذا غفَل الشعب وفرَّط في حقوقه، فمَهْمَا كانت المواد الدستوريَّة، ومهما كانت صلاحيات الرئيس شَرَفيَّة في ظلِّ تفريط الشعب في حقوقه، فسوف يكون هناك آلاف الطُّغاة والمستبدين.
3- إن التعديلات الدستورية توجِب إعدادَ دستورٍ جديد للبلاد، حيث يبدأ العمل في إعداد هذا الدستور الجديد بعد ستة أشهر فقط من انتخابات مجلسي الشعب والشورى.
4- إنَّ إعداد دستور جديد يَليق بمصر ومكانتها، يقتضي إتاحة الوقت الكافي للخُبراء وممثلي الشعب والأحزاب السياسيَّة، ومؤسَّسات المجتمع المدني، والقُضاة والمثقفين؛ لإجراء حوارات ونقاشات طويلة ومكثَّفة؛ من أجْل الوصول إلى توافُق حول شكْل الدولة الجديد، فليس من السهل إعداد دستور في بضعة أسابيع، وليس من السهل تغيير نظام الدولة من نظام رئاسي إلى نظام برلماني في فترة وجيزة، دون أن يكون ذلك عبر توافُق من كافة ممثلي الشعب.
5- إن إعداد دستور جديد سيفتح الباب أمام بعض الأسئلة التي تحتاج الإجابة عليها إلى وجود استقرار في البلاد، فبالتأكيد سيُثير البعض فكرة تعديل أو إلغاء المادة الثانية من الدستور، وهنا سيتدخل بعض المجرمين المحرضين على الفتنة الطائفية، والذين يريدون الانقضاض على الثورة وهدْم إنجازاتها؛ لذا يجب ألاَّ تُنَاقش هذه الأمور إلاَّ بعد وجود حكومة منتخَبة، ووجود استقرار وأمْنٍ في البلاد.
6- إنَّ إجراء انتخابات تشريعيَّة ورئاسية يقطع الطريق على أعداء الثورة من القيام بإحداث حالة من الفوْضى، بحُجة المطالبة بتغيير الحكومة، أو تغيير أحد أعضائها، أو أي مُبَرر آخر؛ فوجود حكومة حصلتْ على ثقة المجلس التشريعي يقطع الطريق أمام كلِّ هذه الأساليب التي باتتْ مكشوفة.
7- يجب عودة قيادات القوات المسلحة إلى عملها الأساس والهام جدًّا، وهو حماية البلاد من الأخطار الخارجيَّة، خاصة في ظلِّ الظروف التي تمرُّ بها المنطقة، من قيام ثورات ضد أنظمة الفساد والإفساد، ووجود حالة فراغ أمني بسبب هذه المظاهرات؛ مما يعرِّض أمن البلاد للخطر، فيجب عودة قوَّات الجيش وقادته إلى أماكنهم الطبيعيَّة وممارسة دورهم، كذلك حتى لا ينجرُّوا إلى مُصَادمات مع الشعب، يفقد فيها الجيش شعبيَّته وشرعيَّته، ونصل - لا قدَّر الله - إلى حالة من العداء بين الجيش والشعب، وهو ما يريده أعداء الثورة.
هذه هي بعض الأسباب التي تدفعنا إلى الموافقة على التعديلات الدستورية الحاليَّة، مع تأكيدنا على ضرورة العمل بعد إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية على إعداد دستور جديد للبلاد.
ولكن ثَمَّة مُقترحات يعرضها الرافضون لهذه التعديلات، تتناقض تمامًا مع مُبَرِّراتهم لرفْض هذه التعديلات، ومنها:
1- البعض يقترح تشكيل مجلس رئاسي خلال الفترة القادمة، ولا أعرف حقيقةً كيف يرفضون رئيسًا مُقَيَّدًا بدستور يحدِّد فترة رئاسته، ويجبره على عمل دستور جديد، وكذلك حكومة منتخَبة يراقبها ويحاسبها برلمان منتخَب، ثم يقبلون مجلسًا بيده كلِّ الصلاحيات في ظلِّ تعطيل الدستور، وحَلِّ مجلسَي الشعب والشورى، وأيضًا في ظل حالة الانفلات الأمني الحاليَّة؟!
2- يقترحون أيضًا ويطالبون بإجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية، وهذا يعني أن الرئيس الجديد سوف يعمل لفترة من الزمن في ظلِّ عدم وجود مجلس تشريعي وحكومة منتخبة، وهو ما يعطي الرئيس الصلاحيات اللازمة لإدارة شؤون البلاد، ألاَ يتعارض هذا مع ادِّعائهم بأنَّ هذه التعديلات تجعل من الرئيس القادم مستبدًّا آخرَ؟!
كما يخشى هؤلاء من فوز بعض مرشحي الحزب الوطني في الانتخابات القادمة، ويصير مجلس الشعب مُسيْطَرًا عليه من قِبَل الإخوان المسلمين والحزب الوطني في حال إجراء الانتخابات بعد فترة ستة أشهر، وهذا كلام يَنِمُّ عن مراهقة سياسيَّة؛ لأنه كلما طالت الفترة الانتقالية، استطاع فلول الحزب الوطني تنظيم أنفسهم مرة أخرى، وزادتْ فُرَصهم - الضعيفة أصلاً في كل أحوالها - في الحصول على عددٍ أكبر من المقاعد، أمَّا الإخوان المسلمين، فأنا على يقين أن عامل الزمن لن يغيِّر من الأمر شيئًا بالنسبة لهم، بل رُبَّما يكون تأخير الانتخابات خيرًا لهم.
من أجْل هذا ندعو الشعب المصري إلى الموافقة على التعديلات الدستورية من أجْل مصلحة البلاد.
مجدي داود