حلمت مع أنفاسك
حلمت مع أنفاسك
(1)
حلمت مع أنفاسك وكثير مثلنا
أننا قاطنون في البلدة القديمة
عاشقون للفنون والأبجدية
وأننا رسمنا بيد خفية
وألوان زاهية فضية وذهبية
على الجدران القديمة
قلوبا عاشقة للحرية
كالفراشات الغجرية
وقصورا وخمائل خلابة
طيورها عاشقة حد الثمالة
لآطفال قلوبهم مليئة بالبراءة
لا يملكون بيوتا ولا خيام في البرية
ولا بسمة على الشفاه بعفوية
(2)
حلمت مع أنفاسك وكثير مثلنا
بأننا فجأة بعثرنا دفاتر الأبجدية
وما نثرته قلوبنا قبل صحوة الفجرية
ومزقنا أوراقها بهدوء وخفة
وصنعنا منها هليوكابترات ورقية
لأطفال قابعون هناك على التلة
بلا مأوى ولامنازل ورقية..
(3)
حلمت مع أنفاسك حلما
وأستعذت من الشيطان الرجيم
بأنني أحتسي قهوتي
في أرض جدي وأبي
هناك على السفح الجبلي
شعرت حينها أنني ملكة زماني
في تلك اللحظات الرهيبة
وأنا أأمتع نظري
بجميع أجزاء وطني
فجأة شعرت بحزن وثقل
يجثم على صدري
وألم يعتصر فؤادي
فالوطن بمرار يناديني
ويتنهد بصعوبة
لأجل ألمي وأنيني
وفجأة سمعت تلاطم
أمواج بحرك
تهدر تتأجج من ألمي
فخشيت عليك يا وطني
من أرتفاع ضغطك
لإطفاء نار الغضب في قلبي
وأطفالي هناك يلهون
بلا أمل ولا سعادة ولا كوفية
يكفي أنه سيزهر نورك
لآنك سر الحياة يا وطني
وعطر صلاتي
(4)
منذ زمن غابر حلمت معك بدهاء
أنني تزوجتك كالملوك والأمراء
وأصبحنا كالأمهات والأباء
نلوم ونعتب على الأخطاء
وشيدنا من قلوبنا أسوار شاهقة
لبيوت كبيوت العظماء
في وطن ليس له حدود
فيه أنهار سلسبيل
وضفاف خضراء
لأطفال أبرياء
يملكون قلوبا رقيقة بلا وطن
كحمائم السلام قابعة خلف التلال
بلا أشعة شمس دافئة
بملامح وتفاصيل موجعة
حولتها الحروب لبلهاء
(5)
حلمت مع أنفاسك أن الليل يأتي
على ظهر الفرس البيضاء
ذات الغرة الطويلة المتهدلة
على الجبين والعيون خضراء
كأنها فرس معجونة بالجنون
لا تطال معها حق ولا باطل
وحلمت بذاك القمر المتربع
في قبة السماء
كأنه متعب وحزين
من هم وركض السنين
كواهم ينتظر قدوم الطبيب
على أجنحة الريح
وبساطه الأحمرالقاني
(6)
حلمت مع أنفاسك أن
الليل يرسم وجه أنثى جميلة
تغفو عيونها المرعوبة
على شرفات شاهقة
نوافذ قصرها مطفأة
لعل مواعيدها الغافية
تصحو من غفوتها مرة ثانية
وترجع أعماقها خضراء نضرة
بالرغم من الجفاف الذي طال قلبها
وغرس في رمالها أنيابه الكاسرة ..
(7)
حلمت مع أنفاسك أنني
أقطف ورودا جورية ندية
ألوانها حمراء وصفراء جريئة
وياسمينة بيضاء نقية
ولكن أحتار قلبي بعفويته
وأرتعبت أنفاسي البرئية
لمن سأهديها في وحدتي المظلمة
وليلي الذي طاله الغسق باكرا
أنكر أنني حبيبته
(8)
حلمت وإياك
أن أمانيهم وأحلامهم
شاخت وهرمت مثل أحلامنا
وأن الليل أشقاهم وأجبرهم
على السهد والسهر كقلوبنا
فأبصروا خلسة من خلف زجاج أرواحنا
كيف أصبحت آلهة الضوء رمادا
تذروه الرياح في أعالي جبالنا
وكيف أصبحت مراياهم
صلدة كحجارة أوطاننا
(9)
حلمت لوحدي أنه
ربما ألتقيك بعد شهور
في كهوف من صنعنا
وربما نمضغ خبزأملنا
ونعلك فتات أمانينا
على أرصفة دروب عشقنا
وربما نأكل لوزا وتمرا
وربما نشرب عسلا
مصفى من أيدي بعضنا
و ربما حين أشاهد وجهك
أو ظل طيفك وملامحك
تفيض قلوبنا بحارا
ومحيطات من أشواقنا
وربما تسرقنا ساعاتنا
وأيامنا من عمر حبنا
وتنسانا السنون على أعتاب أقدارنا
وكل ما أعلمه وأعرفه جيدا
أننا مذ ولادتنا تعارفنا
وأخلصنا في حبنا
وأن هناك كون وفضاء واسعا
ونجوم وأقمار من صنع خالقنا
كتب الله على جباهنا
أننا عاشقان وحبيبان
نلتقي على سلم حياتنا
لنرتقي معا بارواحنا
وأن أنفاسنا متمازجات مثل كوننا
لنكون أو لا نكون يا عاشق روحي أنا
سوسنة بنت المهجر