محمود عبدالناصر وثقافة الحوار مع الشورانية
ثقافة الحوار لدي شباب الشورانية
تشكل ثقافة الحوار الاطار العام ومقدمة لبناء اسس الديمقراطية ، وتدخل هذه الثقافة ضمن اللبنة الأولى من لبنات احترام الرأي والرأي الأخر ، ، ومفهوم ثقافة الحوار يحيلنا الى قضية معرفية للبحث عن عمق مفهوم هذا التعبير وماهي مقدماته والخطوط التي يتم تأسيس تلك الثقافة على وفقها ، والحوار يعني تبادل وجهات النظر والاستماع لوجهة النظر المتعارضة بشكل ينم عن احترام وتدقيق ، ويقوم مستندا على التعددية ، مع اعتبار أن جميع وجهات النظر محترمة الا ان الحقيقة نسبية وكل يملك جزءاً لايتجزأ منها ، وأن الحقائق دائما متغيرة تبعا لظروف الزمان والمكان ، ويشكل العقل الأساس الذي يعتمد عليه منطق الحوار، وقد شكلت الحقبة الزمنية الفائتة في مصر تراكماً من التطبع والاصرار على الغاء الاخر وشطبه ، واللجوء الى استعمال الخطابات البعيدة عن الواقع والمنطق ، وانتهاج سياسة التخوين والتكفير والاتهامات ، وفتح النار على المخالفين ، واحتواء المتفقين ، في سلوك بعيد جداً عن السلوك الديمقراطي والحضاري الانساني ، بعيدا عن لغة الحوار ومبادئ ثقافته . ويمكن أن ترتكز ثقافة الحوار على قدرة الانسان في التفاعل مع الآخرين ، من خلال اعتماد القدرة على الحوار والاستماع الى الرأي الآخر ، والقابلية على أحترام وجهة النظر المعارضة بغية التحاور، بالاضافة الى القابلية على طرح الأفكار بشكل عقلاني ومنطقي سليم يعتمد البساطة ، وتهدف المجادلة من أجل الوصول الى القواسم الأنسانية المشتركة في أية قضية تطرح للحوار ، وتلك القدرة يتميز بها الإنسان دون غيره ، غير أن تلك القدرة ترتبط ايضا بأحترام الرأي الأخر والاستماع له والمقدرة على مناقشته بالوسائل الإنسانية المعهودة .
ويبدو للمتابع أن ضعف ثقافة الحوار وتردي الالتزام بها في مجتمعاتنا ، ليس نتيجة للتراكمات السلبية للتناحر السياسي الحزبي أو التناقض الاجتماعي والطبقي ،ولا بنتيجة التخلف القبلي والعشائري الذي نعيشه ، بل هو نتاج خليط لتلك الحقبة الزمنية الطويلة من التربية السلبية الاجتماعية والدينية والعشائرية التي أمتزجت زمنا طويلا ، لتشكل تلك النتائج الهجينة في السلوك وتردي لغة الحوار وبالتالي انعكاس ذلك حتى على التربية الأسرية داخل البيت ، وتعداه الى المدرسة والمجتمع .
وكما يبدو أن ظاهرة الغاء ثقافة الحوار التي استقرت في حقبات زمنية متفاوتة ، وأن خضعت الى ظروف المجتمع وثقافته ، الا أنها انتشرت بين أوساط العمل السياسي والاجتماعي والديني ، حتى باتت ظاهرة سلبية من ظواهرالمجتمع ، بل صارت سيفا حاداً مسلطاً بين اوساط المجتمع الملتزم بقيم واعراف وتقاليد متزمتة وبائدة ، من الصعب التمرد عليها أو مخالفتها ، فهي تقيده وتحدد حركته ، ولهذا فقد باتت عملية إلغاء الآخر وشطبة والتطرف في محاربته ، واللجوء الى أساليب التهميش والتسقيط ، وغرس الخنجر في الأعراض والشرف والطعن بالعائلة والسلوك الأجتماعي ، لما لها من تأثير نفسي كبير لدى المصريين بشكل خاص ، جميعها اساليب تعني الارتداد والنكوص عن ممارسة الفهم الانساني في عملية الحوار .
وفي الفترة الأخيرة قد نغالي اذا قلنا أن النصوص الدستورية التي جاء بها الدستور المصري والتي تؤكد على الالتزام بالحوار والرأي والرأي الآخر واحترام الفكر ، جميعها نصوص بحاجة الى ترجمة عملية ، تعكس الأيمان الحقيقي بالالتزام بثقافة الحوار وأحترام الرأي الآخر ، وأن نشرع في أن نخطوا الخطوات الأولى للالتزام بها لتطبيقها ، فالنصوص دون تطبيق كالأحلام والتمنيات ، لاقيمة لها دون أثر ملموس ، ودون ايمان حقيقي بالالتزام بها لممارستها ، هذه النصوص بحاجة ليس فقط لقناعتنا وموافقتنا على وجودها وتضمينها في نصوص حقوق الأفراد ، وإنما بحاجة الى التطبيق وبحاجة أيضاً الى أن نتعرف على مكامن الخطأ في السلوك والطريق اليها ، والوسائل الممكنة التي يمكن ان تسهل لنا سلوك هذه الثقافة الانسانية ، لكننا يجب أن نصر على الوصول الى الطريقة الأمثل في تطبيقها واستقرارها وكقاعدة من قواعد الديمقراطية التي نزعم إننا نريدها في مصر. وأزاء ما يحدث اليوم فأننا أمام تنافر وتعارض بين تلك المفاهيم التي استقرت زمنا ليس بالقصير وتطبع المجتمع على الالتزام بها سلوكا وممارسة ، وبين تلك الرؤى والأحلام التي طالما اردنا أن تكون سلوكنا الجديد في الزمن الجديد ، والأرضية التي تقوم عليها ثقافتنا ، وحين تحل القيم الجديدة في ثقافة الحوار ، فأن العديد من الوسائل والأشكال العاملة في مجال الفكر والخطاب السياسي والأعلام سيلتزم حتما بخطوطها المضيئة ، لأن الغاء الآخر والعمل على شطبة سيكون حينها ضربا من ضروب انتهاك حق الإنسان في الفكر والعقيدة والاختلاف ، والغاء لحقوقه المنصوص عليها دستوريا التي يكفل حمايتها القانون .
ويبدو لنا من وجهة نظرنا المتواضعة أن هذا السلوك في تعميم ثقافة الحوار، قبول الرأي والرأي الآخر ، ينبغي أن يعم بين أوساط الطبقة المثقفة والمتعلمة ، وان تتم ممارسته بين تلك الأوساط لينتقل الى غيرهم من باقي الشرائح ، وكما أن لمنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان والأحزاب السياسية دورا فاعلاً وأكيداً في الجانب التنويري . كما أن للمشرع دوراً مهماً في ترسيخ قواعد تلك الثقافة من خلال القوانين التي تكفل السلوك العملي لهذه الثقافة ، وللقضاء المصري الدور الفاعل والمهم ايضا في تطبيق تلك القوانين والحرص على أن تكون النصوص الدستورية التي تكفل حقوق الأفراد وحرياتهم مضمونة ومطبقة على الواقع المعاش .
وبعد كل هذا فأن لاشاعة ثقافة الحوار وتعميمها في أوساط المجتمع دورا مهماً في ترسيخ أسس هذه الثقافة في المجتمع.